اطبع هذه الصفحة


تطبيق بعض الشريعة والإعراض عن البعض
joma535) 30/6/1432هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله إله الأولين والآخرين،وناصر من تمسك بعرى هذا الدين،أحمده جل في علاه وأشكره على كل نعمة أنعمها على أحد من خلقه أجمعين،وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً صادق الوعد الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج إلى يوم الدين.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن سبب رخاء وسعادة الأفراد والمجتمعات في الدنيا والآخرة هو التمسك بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك قاعدة خالدة ليست لأمتنا فقط بل هي على جميع الأمم وعلى مر الأزمان يخبرنا ربنا عن ذلك بقوله :{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ()وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ }(المائدة:66).أحبتي في الله إن الله أنزل هذا الدين وهذه الشريعة شريعة الإسلام لتشمل كافة مناحي الحياة فهي كُلٌ لا يتجزأ ، فمتى ما أخذناها في صورة أجزاء نطبق منها ما نشاء ونترك ما نشاء خسرنا الدنيا والآخرة وتلك سنة إلهية خالدة أخبرنا الله عنها بقوله:{ ..أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ()أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ }(البقرة:85-86).أحبتي في الله أرجو أن تتأملوا معي الألفاظ الإلهية العظيمة؛ الذين يدعون للتمرد على بعض جوانب شريعة ربنا أو على بعض أحكام شرعنا؛جميع مبرراتهم إرادة تيسير الحياة وتحقيق الرفعة والتقدم فيها،فنقول لهم أيكون ذلك على حساب أوامر الشرع والدين فما أدق التعبير القرآني الذي وصفهم فيه العليم بحالهم بقوله:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ }.فنتساءل هل ما يقولون حقاً بأن تطبيق أحكام الإسلام في بعض مناحي الحياة وتجنب تطبيقها في البعض الآخر وبالخصوص في يتعلق بالمرأة وحجابها وعفتها يحقق للمجتمع تيسير الحياة الدنيا والرفعة فيها؟.فيأتيك الجواب الرباني:{ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }.والخزي كما هو معلوم الذل والصغار،والسؤال الذي يتبادر للذهن من بعد تأمل هذه الآيات هل الذل والصغار الذي أصاب الأمة الإسلامية اليوم هذا هو سببه؟.سبقتنا دول إسلامية وطبقت ما ينادي به القوم قبل عشرات السنين فهل حققت تقدماً وعزه أم تحقق فيها وعد الله؟.معاشر المؤمنين اسمعوا معي للحديث الذي أخرجه الإمام ابن ماجة في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ:أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ))(ابن ماجه،العقوبات،ح(4009)).أرأيتم أحبتي كيف جعل الجزء الأخير من الحديث عقوبة التخيُّر من أحكام الله وتطبيق بعضها وتجاوز البعض أن جعل الله بأسهم بينهم،فهل ما يحصل من اقتتال داخلي في بعض الدول الإسلامية اليوم هو عقوبة لذلك التخيُّر؟.إذا كانت الإجابة بنعم.فهل نكرر أيها الفطناء نفس المأساة في بلادنا؟.أحبتي في الله مرت بنا في الأسبوع الماضي ذكرى البيعة لخادم الحرمين الشريفين،تلك البيعة الشرعية التي أثمرت تلاحماً وحباً متبادلاً بين الشعب والقائد وأوجبت له السمع والطاعة فجُنبت البلاد الكثير من الشرور والبلايا، واستشعر القائد من منطلق ما تمليه عليه البيعة الشرعية واجباته نحو شعبه وتطبيق شرع الله فيهم فتوالت قرارات وأوامر الخير،وجنينا بفضل الله ثم بفضل تطبيق شرع الله الأمن والأمان والنمو الازدهار؛فإلى كل من ينادي بالخروج على بعض تعاليم ديننا و يحتال على ذلك بأنها تقاليد وليست تعاليم دينية ويكرر قول الزور والباطل في المحافل الإعلامية والعامة نقول له اتق الله واسمع لربك إذ يقول:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا()يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا()إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولً }(الأحزاب:70-72).

الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،أمابعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن الخير كل الخير في تطبيق شريعة الله في كل مناحي الحياة،بل في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا،فالنقص لا يدخل على الأمة دفعة واحدة ،ولا تتخلى أمة عن معتقداتها دفعة واحدة فالشيطان وحزبه يأخذون بالأفراد والمجتمعات خطوة خطوة لذا كان التحذير الرباني العظيم{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(النور:21).أسمعتم ياعباد الله إنه يأمر بالفحشاء فهل دعاة إخراج المرأة اليوم يأمرون بالمعروف وبالفضيلة؟.أحبتي في الله اسمعوا معي لنبيكم وحبيبكم صلى الله عليه وسلم وهو يخبركم عما سيحدث بهذه الأمة فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لتنتقض عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبثت بالتي تليها و أول نقضها الحكم وآخرها الصلاة))(أخرجه الحكم في المستدرك على الصحيحين،كتاب الأحكام،ج4،ص104)، وعن حذيفة رضي الله عنه قال:"أول ما تفقدون من دينكم الخشوع -فكيف هو حالنا مع الخشوع في الصلاة اليوم؟.-و آخر ما تفقدون من دينكم الصلاة-هل في أمة الإسلام من لا يصلون؟.هل في أمة الإسلام من يسمعون الأذان والنداء للصلاة وهم يلعبون وكأنه لا يعنيهم؟- و لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة،وليصلين النساء و هن حيض و لتسلكن طريق من كان قبلك حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل لا تخطئون طريقهم و لا يخطأنكم حتى تبقى فرقتان من فرق كثيرة فتقول إحداهما:ما بال الصلوات الخمس لقد ضل من كان قبلنا إنما قال الله تبارك و تعالى:{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ }.لا تصلوا إلا ثلاثا و تقول الأخرى:إيمان المؤمنين بالله كإيمان الملائكة ما فينا كافر و لا منافق حق على الله أن يحشرهما مع الدجال، (أخرجه الحكم في المستدرك على الصحيحين،كتاب الفتن والملاحم،ج4،ص516)،فاللهم سلم سلم.


 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية