صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







القمر آيات وعبر
joma537) 15/7/1432هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله العزيز القوي المقتدر،خالق ومسير الكواكب والشمس والقمر،أحمده جل شأنه وأشكره بث في الكون الكثير من آيات قدرته وعظمته وجعلها عبرة لمن اعتبر،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولا ند معتبر وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله ناح الجذع من حبه وكاد قلبه أن ينفطر،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه مانزل من السماء مطر،وما تزين غصن بزهر.أمابعد:
فاسمعوا عباد الله لربكم إذ يقول:{ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ()مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ()لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ }(آل عمران:196-198).أمة البصيرة والهدى عشنا يوم الأربعاء الماضي مع حادثة خسوف القمر التي هزت كل قلب حي لم يتأثر بمن يحاولون فصل الدين عن الحياة،وَصَرْفِ أنظار العباد عن الالتفات لقدرة الله العظيمة في تصريف الكون ومشيئته المطلقة في ذلك،والتهوين من الآيات العظيمة،إنهم يحاولون صرف الأنظار عن كل ذلك وحصرها في التفسير العلمي فقط،وفي هذا التصرف خطر عظيم على قلوب المؤمنين فهو يحاول حرمانها من أعظم تيار حياة يُعَظِّم الخالق جلت قدرته فيها؛ وكما تعلمون أيها الفطناء أنه كلما امتلأ قلب العبد من عظمة الله كان العبد أكثر خشية وإقبالاً على الله، وكلما تناقصت تلك العظمة كلما خلد العبد للدنيا والشهوات وانشغل بها ؛ وقد نبهنا ربنا وخالقنا لذلك بقوله جل جلاله في كتابه الخالد:{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ()الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }(آل عمران:190-191).تعالوا معي أحبتي لنتأمل ونتدبر هذه الآيات:بدأت بخلق السموات قبل الأرض ؛ فخلق السموات أعظم من خلق الأرض،وفيها دعوة للإنسان الذي أخلد للأرض وانغمس في طينها وشهواتها ولم يعد همه ولا فكره ولا نظره يتعدى حدودها،أن يرفع رأسه وأن ينظر للسماء في خطوة أولى للاستعلاء على هذه الدنيا بكل زخرفها والاتصال بالملأ الأعلى،فالالتصاق بالأرض مذموم يقول العظيم سبحانه:{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ()وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ()سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ }(الأعراف:175-177).وأبرز ما يظهر لنا في السماء الشمس والقمر وبناء على حركتهما مع الأرض تنتظم حياة البشرية ومن أبرز صور تلك الحركة هي تعاقب الليل والنهار، ذلك التعاقب الذي يرسل لجميع الخلق رسالة أنه بعد النور والحركة والحيوية ستكون ظلمة وخمود وسكون؛إنها دورة الحياة بأكملها تتكرر بصورة مصغرة في كل يوم فبعد الحياة موت وقبر وظلمة ووحشة، فمن رفع رأسه ونظر في عظمة خلق السماء وتأمل في حركة الليل والنهار،وتأمل في جمال الزهر وخرير الأنهار،أدرك أن وراء هذا الكون عظيم يسيره،وأن الأمر ليس مجرد ظواهر طبيعية فامتلأ قلبه إيماناً ويقيناً وأخذ يهتف من كل قلبه بنداء ملؤه الإيمان والخشية والتعظيم { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.أرأيتم يا عباد الله كم يخسر العبد حينما ينساق وراء التفسيرات العلمية ويقتصر عليها وينسى القدرة الإلهية التي تقف وراء تلك الظاهرة،ولايُفهم أحبتي كلامي على أن الإسلام ضد العلم والتفسيرات العلمية،فمن يقول بذلك فقد افترى على الإسلام كذباً،إن المطلوب أن نضع التفسيرات العلمية في مكانها الصحيح،المطلوب أن نستثمر التفسيرات العلمية في تعظيم الله في قلوب العباد؛إن في التنبؤ الدقيق لموعد الخسوف والكسوف وغيرهما من الظواهر الكونية دلالة على أن هذا الكون لا يسير عبثاً بل هو وفق نظام دقيق جدا،فمن الذي نظمه بهذه الدقة؟.ألا يدل ذلك على وجود خالق عظيم وضع هذا النظام الدقيق وسيَّر الكون وفقاً له؟. قولوا لي بربكم هل يتصور عاقل أن الأرض ذهبت وحدها وبمحض إرادتها لتقع في منطقة الخطر بين الشمس والقمر؟.ثم إن النظام الكوني وهو في مرحلة الخسوف أو الكسوف يكون في مرحلة حرجة فالشمس والقمر وبينهما الأرض يسيران بالتوازي ؛ مثل ثلاث سيارات تسير في خط متوازٍ بسرعة هائلة على خط سريع،فماذا تتوقعون لو أن أحد قائدي تلك السيارات الثلاث ارتبك وخرج عن خطه،النتيجة بلا شك حادث مريع تتحطم فيه السيارات الثلاث وأكثرها تأثراً السيارة الوسطى التي ستطحن بين السيارتين.فمن الذي يملك قياد هذه الكواكب العظيمة الثلاث الشمس والأرض والقمر حتى لا يخرج أحدها عن مساره فيرتطم بعضها ببعض وتكون نهاية الكون؟. إنه الله. أحبتي تعالوا واسمعوا معي لربنا إذ يقول:{ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }(فاطر:41).

الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله،واعلموا رحمني الله وإياكم أن القمر في دورته الشهرية التي قال عنها ربنا في كتابه:{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ()إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ }(يونس:5-6).تلك الدورة التي نظمها الله وحده بالإضافة لما تعطينا من معرفة بالشهور والأيام،فإنها ترسل لنا رسالة شهرية أن دورة حياتك يابن آدم على هذه الأرض مثل دورة هذا القمر الشهرية؛فأنت تبدأ صغيراً كما يبدأ هذا القمر في بداية الشهر هلالاً صغيراً ،ثم تبدأ في النمو حتى تبلغ أشدك وتبلغ أربعين سنة، ثم تبدأ بالذبول والنقص حتى تموت وتختفي من هذه الحياة الدنيا وتطوى صفحتك، كما تطوى صفحة الشهر،فهل اعتبرنا أخي أنا وأنت ونحن جميعاً وأعددنا للرحيل عدته؟.ثم في حدوث الخسوف في الأيام التي يكون فيها القمر بدراً في أكمل صوره وجماله وعنفوانه رسالة أخرى يرتعد لها البدن، فأنا وأنت يمكن أن نموت ونختفي من صفحة هذه الحياة الدنيا ونحن في كامل صحتنا وقوتنا كما يحدث للقمر في الخسوف الكلي ، أو قد يصيبنا عجز أو مرض ينقص من طاقتنا وحركتنا ، كما ينقص الخسوف الجزئي من ضوء القمر فيذهب بجزء من بهائه وكماله ، كما أن هناك العديد من العبر التي يضيق المجال عن ذكرها منها أن الحياة لا تدوم على حال ولا تتوقف لحادثة معينة مهما كان عظمها وأن الله هو مدبر الكون الخلاق العظيم { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ()إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ()فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } (يس:81-83).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية