صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ما حدود التدخل في حياة الأبناء؟
joma540)14/8/1432هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الأول بلا ابتداء،والآخر بلا انتهاء،خالق النور والظلماء،وجاعل السراء والضراء،أحمده جل شأنه وأشكره أكرمنا بنعمة الأبناء،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في إلهيته ولا في الصفات والأسماء،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما لاح نجم وأضاء ،وما حلق طير في فضاء .أمابعد:فاتقوا الله عباد الله فإن تقوى الله سبب حفظ الأبناء من بعدكم أخبركم ربكم عن ذلك بقوله:{ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدً }(النساء:9).

أحبتي في الله إن الأولاد ذكوراً وإناثاً نعمة عظيمة من نعم الله على العبد؛فهي معونة للعبد في حياته وامتداد لذكره وعمله الصالح بعد موته فهذا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول:((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))(مسلم،مايلحق المسلم من الثواب بعد موته،ح(3084)).ومن هنا حرص حتى الأنبياء على الذرية الصالحة فهذا زكريا عليه السلام ينادي ربه { رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا()وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا()يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّ }(مريم:4-6).من هنا نجد أن الآباء والأمهات منذ الولد الأول لهم يكرسوا حياتهم لمستقبل أبنائهم،بيد أن الأمر يقع بين إفراط وتفريط فمنهم من يترك أبناءه بلا رعاية انطلاقاً من الأنانية الفردية ؛ فكل همه الاهتمام بنفسه ومتعه فيجعل من الأولاد كماً مهملاً،وهذا يجني عاقبة ذلك حال كبره واحتياجه لبرهم فلا يجد إلا سراباً،أو والعياذ بالله يكونون مصدر أذى له حتى أنه يتمنى أن لو لم يكن له أبناء،وبعد الممات تكون الحسرة أكبر فسيسأل كل أب وكل أم ماذا فعلوا لصلاح أبنائهم ؛عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))(البخاري،الجمعة في القرى والمدن،ح(844)).،وصنف آخر أغرق أبناءه في الدلال والترف حتى أصبحوا ليس لهم دور في البيت ولا في المجتمع ولا هدفاً في الحياة،أصبحوا كالعاجز الذي يعتمد على عكاز،أو كالكفيف الذي لا يستطيع الحركة بلا قائد يقوده،فهم يعتمدون على آبائهم وأمهاتهم حتى في أصغر شؤون حياتهم فبالله عليكم كيف لهؤلاء أن يعيشوا حياتهم أو أن يتحملوا المسؤولية من بعد؟.هذا النمط من التربية إفساد للأولاد، وتحطيم لمستقبلهم،أما الصنف الثالث فهو صنف متسلط يرى أولاده ملك له،وعجينة في يده يشكلها كيف يشاء هو،أو قطعة قماش يفصلها على المقاس الذي يناسبه،يَتَبِع مع أبنائه السياسة الفرعونية:{ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }(غافر:29).يريد من أبنه أن يكون نسخة منه، أو أن يكون قطاراً يسير على قضبان هو حدد مسارها، وكم دفع الأبناء من سني حياتهم ثمناً لهذا التدخل السافر وغير المحبذ في حياتهم ؛ فتجد الأب يفرض على ابنه أن يتخصص في الجامعة في الشريعة أو الطب أو الهندسة أو غيرها لأن ابن فلان كان كذلك، أو لأنه يرى أن طلب السوق على هذا المجال،لكن الابن لا يملك القدرات اللازمة لذاك التخصص أو أنه لا يرغب فيه،فيمضي الابن من عمره سنتين أو ثلاث ثم يفشل ويتعثر،وأعرف بعض الحالات التي أمضت أربع سنوات ثم لم تنجح، وبعد هذا كله مع الأسف تجد أن بعض الآباء لا يعود لنفسه لينظر دوره في ذاك الإخفاق بل ينسب الفشل بالكامل للابن،وقد عاصرت بعض الحالات التي أخفقت بعد ضياع أربع سنوات من عمرها في تخصص فُرض عليها ثم لما عادت للتخصص الذي تحبه أبدعت وتخرجت بامتياز وهي اليوم في مرحلة الدراسات العليا،ومن الآباء والأمهات من يتدخلون حتى في اختيار الزوجة لأولادهم وفق المواصفات التي يرونها هُم!.فتجدهم يقولون لابنهم إنا نريد أن نختار لك فتاة شديدة البياض حتى أنك إذا أطفأت نور الغرفة أضاء نورها،والابن لا يطيق المرأة البيضاء ويعشق اللون القمحي،أو الأسمر؛وللناس فيما يعشقون مذاهب،أو أنه لا يهتم بمواصفات المظهر لكنه يهتم بالمخبر؛فما الفائدة من امرأة بيضاء جميلة غبية تأتي بأولاد على درجة عالية من الغباء،أو ليست ذات دين فلا يأمن الشاب معها على عرضه، فلو أكره الشاب على مثل هذا الزواج ما ذا تتوقعون النتيجة هل هي النجاح والسعادة،أم المشكلات المنتهية بالطلاق؟.يقول الإمام الغزالي رحمه الله : "الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل،كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع العبد المؤمن"عباد الله اسمعوا لربكم إذ يوصيكم بقوله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }(التحريم:6).

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وسلام على عباده الذين اصطفى،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يبتغى، ولاند له يرتجى،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء،أمابعد:فاتقوا الله عباد الله،واعلموا رحمني الله وإياكم أن ما ينطبق على الذكور من الأولاد ينطبق على البنات فقد يجبر الأب ابنته على الزواج من شيخ عجوز انحنى ظهره وسقطت أسنانه وهي في ريعان الشباب من أجل دنيا فانية،فهل نتصور لهذا الزواج سعادة أم أنه مقبرة للفتاة في الحياة،أو قد يكون دفعاً لها للحرام والزنا عياذاَ بالله، أحبتي في الله إن الصور والمشاهد تطول واختصاراً للأمر أقول ينبغي على الآباء أن يدركوا أن دورهم في حياة أولادهم تربيتهم في الصغر على الدين ومحاسن الأخلاق والسلوكيات وغرس المبادئ والقيم العالية فيهم،أما بعد البلوغ فلابد من استمرار التوجيه من خلال الحوار والإقناع وهي مراحل مترتبة على بعضها فإذا أحسنا في المرحلة الأولى سهُلت علينا المرحلة الثانية،ولابد أن نراعي الفروق الفردية واختلاف الملكات والمواهب والقدرات بيننا وبين أولادنا،بل حتى بين الأولاد أنفسهم،وأن يدرك الآباء بأن البيئة المحيطة قد تغيرت في زمان الأبناء عن زمان الآباء بل هي لا تزال في تغير وتموج مستمر،وأنه لا مناص من أخذ هذه التغيرات في الحسبان،وأن نترك للأبناء مساحة من حرية الاختيار وتحقيق الشخصية،وجماع الأمر أن نعتقد عقيدة جازمة بأن أكبر ما يحفظ أبناءنا ويدفع بهم في سلم النجاح والحفظ أمران؛الدعاء المستمر لهم،وأن نحافظ على صلاح أنفسنا نحن بناء على القاعدة التي نقرؤها في كل جمعة في سورة الكهف:{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ }(الكهف:82).



 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية