اطبع هذه الصفحة


كيف فهمنا رمضان؟
joma542) 5/9/1432هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الحنان المنان عظيم الشأن،أحمده جل في علاه وأشكره أن من علينا ببلوغ شهر رمضان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له الملك الديان،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله إلى الثقلين الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم القيامة بإحسان.أمابعد:فأوصيكم عباد الله ونفسي بثمرة الصيام التقوى، واسمعوا معي للجائزة التي أعدها الله لكم :{ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ }(الرعد:35).
معاشر المتقين دخل علينا هذا الضيف العزيز شهر رمضان قبل أيام فأحدث الكثير من التغيرات في نظام حياتنا ؛تغير نظام أكلنا وشربنا ونومنا،ومن كان يعمل تغيرت ساعات عمله ، وكل التغييرات التي حصلت هي تغييرات يمكن وصفها في سلوكيات الظاهر،فهل شُرع رمضان من أجل تغيير الظواهر فقط ؟. تعالوا أحبتي لنسمع الإجابة من ربنا جل في علاه يخبرنا عن ذلك بقوله في كتابه الخالد:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:183).والتقوى هي من أعمال الباطن ومكانها القلب كما أخبر عن ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله:((..التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ..))(مسلم،تحريم ظلم المسلم وخذله،ح(4650)).معاشر المؤمنين لا شك بأن كل صائم تقي؛فهو بإمكانه أن يفطر في السر ودون أن يراه الناس فما الذي يمنعه من ذلك إنها التقوى والإحساس برقابة الله عليه؛إلى هنا والأمر لا مشكل فيه،إلا أن المشكل هو أن يقصر الصائمُ التقوى على الصيام فقط،أو على نهار رمضان فقط دون ليله،فعلى سبيل المثال تجد أن هناك من الصائمين من امتنع عن المفطرات تماماً تقوى لله إلا أنه يتعاطى منكرات عظيمة في نهار رمضان قد تصل للكبائر ؛بعض الصائمين يغتاب وبعضهم ينم وبعضهم يعق والديه وبعضهم يسب ويلعن بل هناك فئة من الصائمين تنام من الفجر أو بعده وحتى الغروب أحياناً مضيعة الصلوات المفروضة ، ويسأل صحابي النبي صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ فيقول صلى الله عليه وسلم :((الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا..))(البخاري،فضل الصلاة لوقتها،ح(122)).وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ:((مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ))(مسند أحمد،مسند عبد الله بن عمرو بن العاص،ح(326)).ومنهم من يكون صائماً في نهار رمضان ولا مانع لديه من متابعة المسلسلات والنظر إلى النساء وسماع الموسيقى والغناء وقس على ذلك فنقول لهؤلاء يا إخوتنا أفيقوا فما حققتم ثمرة الصيام ، فكما اتقيتم الله في المفطرات كان حري بكم أن تتقوه فيما سواها فالتقوى كل لا يتجزأ ،وكما نطيع الله فيما أمر حق لنا أن نطيعه فيما نهى عنه وزجر،ومن الناس من قصر التقوى على نهار رمضان فهو يصوم ويؤدي الصلوات ويختم الختمات في نهار رمضان،لكن إذا حانت ساعة الإفطار تحول لشخص آخر وكأن التقوى ثوب يلبسه في النهار ويخلعه مع غروب الشمس؛فتجده أول ما يفطر على سيجارة يعصي الله بها،ثم على مسلسلات أو فوازير ماجنة،وترى بعض الصائمات في النهار يجبن في الليل الأسواق متبرجات متسكعات،وفي الليل في الأسواق معاكسين ومعاكسات وقس على ذلك، فنقول لمثل هؤلاء يا أحبابنا إنا نرجوكم من أعماق قلوبنا أن تعيشوا رمضان كما يريد ربكم الذي شرعه لكم ، كم يحزننا أن يتسابق المتسابقون للفوز بثمرة هذا الشهر وأنتم على هذه الحال .يا أحبتنا هل علمتم أن أقواماً يصومون ويقومون في هذا الشهر العظيم ومع ذلك يخسرون!.اسمعوا لنبيكم وحبيبكم صلى الله عليه وسلم يخبركم عنهم بقوله فيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة  ((كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ))(مسند أحمد،مسند أبو هريرة،ح(9308)).أما تخشى أخي أن تكون لا قدر الله منهم؟. أحبتي في الله إن الأمر جدُّ خطير وإنَّا بحاجة لأن نتقي الله في جميع أعمالنا وأقوالنا كما نتقي الله في صيامنا، وهي والله فرصة عظيمة لا تقدر بثمن ؛ فإذا ألزمنا أنفسنا التقوى في كل عمل وقول لنا على مدى شهر كامل ،لا شك أن التقوى ستتمكن من قلوبنا وتصبح جزءً من كياننا،وعندها متى ما حققت أخي ذلك فأبشر بالسعادة الكاملة في الدنيا والآخرة ؛ تلك البشارة لخصها لك ربك في كلمات قليلة المباني كثيرة المعاني يوم أن قال:{ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } (النحل:128).فإذا كان الله معك فقلي بربك ماذا فقدت..؟. إذا كان العظيم معك فماذا فقدت ؟. إذا كان الرحيم الكريم معك فماذا فقدت..؟. أحبتي في الله إني أدعوكم ونفسي أن نحقق ثمرة الصيام في حياتنا ، تعالوا لنتأمل معاً كيف نضع برنامجاً عملياً في حياتنا مبناه قول ربنا جل في علاه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.

الخطبة الثانية :
الحمدلله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وسلام على عباده الذين اصطفى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يرتجى ولا ند له يبتغى وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار لحنفاء.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله ولنغرس في أنفسنا وفي أهلينا أن الصيام ليس امتناعاً عن بعض المباحات لساعات محددة بل هو كف عن المحرمات كافَّة يبين لنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))(البخاري،من لم يدع قول الزور،ح(1770)).وأخرج الإمام أحمد عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ صَامَتَا وَأَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَاهُنَا امْرَأَتَيْنِ قَدْ صَامَتَا وَإِنَّهُمَا قَدْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا مِنْ الْعَطَشِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَكَتَ ثُمَّ عَادَ وَأُرَاهُ قَالَ بِالْهَاجِرَةِ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُمَا وَاللَّهِ قَدْ مَاتَتَا أَوْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا قَالَ صلى الله عليه وسلم :ادْعُهُمَا قَالَ: فَجَاءَتَا قَالَ فَجِيءَ بِقَدَحٍ أَوْ عُسٍّ فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا قِيئِي فَقَاءَتْ قَيْحًا أَوْ دَمًا وَصَدِيدًا وَلَحْمًا حَتَّى قَاءَتْ نِصْفَ الْقَدَحِ ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى قِيئِي فَقَاءَتْ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ وَصَدِيدٍ وَلَحْمٍ عَبِيطٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى مَلَأَتْ الْقَدَحَ ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم :((إِنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَمَّا أَحَلَّ اللَّهُ وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمَا جَلَسَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى فَجَعَلَتَا يَأْكُلَانِ لُحُومَ النَّاسِ))(أحمد،حيث عبيد،ح(22545)).الصيام ضبط للنفس وحفظ للسان قال صلى الله عليه وسلم :(( الصَّوْمُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنْ امْرُؤٌ شَتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ))(أحمد،مسند أبي هريرة رضي الله عنه،ح(7714)).الصوم ليس قصرا على الفرد بل هو يوحد الأمة الإسلامية قاطبة فجميعها تجوع وتظمأ في النهار،فهي تعيش نمطاً متقارباً في حياتها في رمضان؛فهل استشعرنا في رمضان ما يحدث لإخواننا في سوريا وليبيا واليمن والصومال والعراق وفلسطين وغيرها.أحبتي في الله هكذا فلنفهم الصوم ولنطبقه قولاً وعملاً في حياتنا ، واعلم والله أن الأمر يحتاج لمجاهدة وأنا أولكم أحتاج لتطبيق هذا المفهوم للصيام في حياتي، فهل تسمحوا لي ونحن لا زلنا في بداية الشهر أن نشمر عن ساعد الجد ونحول ثمرة رمضان لواقع عملي في حياتنا مع الإلحاح على الله في شهر إجابة الدعاء أن يوفقنا ويلهمنا رشدنا .


 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية