اطبع هذه الصفحة


أقبل الله عليك فأعطاك فماذا أنت فاعل؟

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله الذي خلق السماء ، وأجرى في الأرض الماء ، وأكرمنا بنعمة الهواء ، أحمده جل شأنه وأشكره على كرمه وجوده فليس فوق جوده جود وليس فوق عطائه عطاء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولا ند تفرد سبحانه بكامل الصفات وعظيم الأسماء ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما كشف الكريم عن عبد مؤمن ضراء ، وما أكرم عبد من عباده الموحدين بسراء .أما بعد:فيا عبد الله هل تريد مزيداً من فضل الكريم إذاَ أوصيك ونفسي بتقوى الله فهذا ربنا يقول في كتابه الخالد:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(الحديد:28).
أخي المؤمن قلي بربك هل شعرت بإقبال الله عليك؟.هل شعرت بتودد الكريم إليك؟.يقبل عليك ويتودد إليك وهو الغني عنك وعن عبادتك وقد أخبرك عن ذلك في كتابه الكريم بقوله:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ()إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ()وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ }(فاطر:15-17).ويقول في الحديث القدسي: ((..يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا..))(مسلم،تحريم الظلم،ح(4674)).أتعرف أخي لما يتودد إليك الكريم؟. لما يقبل عليك؟.أنها رحمة الكريم بنا سبحانه فإن الله خلقنا ليرحمنا لا ليعذبنا وقد أعلن لنا ذلك في كتابه بقوله:{ ...كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.. } (الأنعام:12).وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي))(البخاري،وكان عرشه على الماء،ح(6872)).تأمل أخي الحاج كيف اصطفاك الله من بين ملايين المسلمين لتحج بيته وكم غيرك يتمنى الحج فلم يتمكن،وكم من صاحب قدرة على الحج من صحة ومال بيد أن الله لم يوفقه للحج،تأمل أخي لرحمة الله بك وقد عدت بعد حجك المبرور بإذن الله كيوم ولدتك أمك،يخبرك عن ذلك نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم بقوله:((مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))(البخاري،الحج المبرور،ح(1424))،الله أكبر كم فيما مضى من عمرك عصيت ربك..؟ كم قصرت..؟. كم غفلت..؟. فإذا بالكريم يغفر لك كل ذلك فالله أكبر ما أعظم رحمة الله بك ، ما أعظم عطاء الله لك ؟.فقلي بربك كيف ستقابل هذا العطاء والإكرام العظيم..؟.هل ستعود مرة أخرى لمعصية العظيم الكريم..؟.اسمح لي أخي أن اقترح عليك أن يكون شعارك في تعاملك مع ربك بعد هذه النعم العظيمة قول الحق جل في علاه:{ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }(الرحمن:60).وأنت يا من وفقك ربك العظيم لصيام يوم عرفه،وكم غيرك ممن يستطيع الصيام لم يوفق لذلك،هل علمت أن الكريم قد كفر عنك ذنوب عامين كاملين،تدرك عظم هذه النعمة يوم أن تستحضر بأن سيئة واحدة قد ترجح بها كفة السيئات تكون سبب لهلاكك لا قدر الله ألم تسمع قول الله سبحانه:{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ()وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }(الزلزلة:7-8).فقلي بربك هل استشعرت بتودد الله إليك..؟وإقباله عليك..؟إذا كانت الإجابة بنعم،فقلي كيف ستواجه هذا الإحسان والكرم العظيم..؟.وأنت يا من ذبح أضحيته يوم العيد هل استشعرت أن العظيم كتب لك بكل شعرة منها حسنة؛ورب حسنة واحدة ترجح بها كفة ميزانك يوم القيامة فتنجوا وتكون من أصحاب النعيم،وكم غيرك لديه المقدرة المالية بيد أنه لم يوفق لذبح الأضحية،فقلي بربك ماذا أنت فاعل إزاء هذا الكرم العظيم من ربك ..؟. وأنت يا من وفقه واصطفاه الله العظيم لخدمة ضيوفه ، فقمت تخدم ضيوف الرحمن تبتغي الأجر من الكريم،وكم غيرك اشتغل في خدمة الحجيج وليس له هم إلا المكافأة التي سيحصل عليها أو الأرباح التي سيجنيها من عمله في الحج،فيكفيك فخراً أن اصطفاك الله لخدمة ضيوفه وكم غيرك قابعون في بيوتهم منكفؤن على شهواتهم.وقد يقول قائل:هل تريد منا أن نعود بعد الحج ملائكة لا نذنب ولا نخطئ ؟.فأقول:معاذ الله أن أقول ذلك فمن طبيعة بني آدم الخطأ وقد بين لنا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فيما رواه الإمام الترمذي عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ))(الترمذي،،ح(2423)[ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مَسْعَدَةَ عَنْ قَتَادَة]).أقول لك إن أذنبت فتذكر نداء الرحيم بك وهو يناديك بقوله:{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(النور:31).

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله،ودعوني أناشدكم ونفسي أولاً أن نجعل من موسم الحج الذي مر بنا نقطة تحول في حياتنا،يا عباد الله الرجل منا أو المرأة إذا لبس ثوباً جديداً نظيفاً حرص على أن لا يصيبه الدنس والأوساخ،وإذا اقتنى سيارة جديدة تجده يسعى جاهداً للحفاظ عليها لا معة براقه،وهذا أهم عضو في جسدك قلبك الذي يقول فيه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :((الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ))(البخاري، فضل من استبرأ لدينه،ح(50))،قلبك محل نظر العظيم سبحانه((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ))(مسلم تحريم الظلم،ح(4650)).فهاهو العظيم جل في علاه قد طهره لك بعد حجك المبرور فعاد نظيفاً أبيضاً كيوم ولدتك أمك،هاهو العظيم قد أزال عنه بصيام يوم عرفه ران عامين من الذنوب التي تراكمت عليه وكادت أن تطفئ نوره،هاهو العظيم زاد في بياضه ونوره بالأضحيه وبخدمة الحجيج الخالصة لوجهه، فإني أرجوك ثم أرجوك أن تحافظ عليه،فإن أحدنا لا يدري هل يوفق العام القادم لما وفقه الله إليه في هذا العام أم لا؟.أخي الحاج إني أدعوك وقد عشت في مناسك الحج التوحيد قولاً وعملاً أن تعود لبلادك داعية لتوحيد الله محذراً من الشرك ، فكل ذنب دون الشرك يهون فالله يقول في الحديث القدسي:((يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً))(الترمذي،في فضل التوبة والاستغفار،ح(3463))،ومع ذلك لا تتكل على رحمة الله ويزين لك عدوك اللئيم إبليس التهاون في صغائر الذنوب فإنها إن اجتمعت وتكاثرت على المرء أهلكته ولله در من قال:دع الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى..واعمل كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى...لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى. والبحر العظيم إنما يتكون من قطرات ماء صغيرة.


 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية