اطبع هذه الصفحة


نعم من الله فهل من شكر؟
(joma554) 3/2/1433هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله خالق الشمس والقمر،منزل القطر ومجرى النهر،أحمده جل شأنه وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفتت من خشيته الجبل وخر منها الحجر، وِأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج واصطبر .
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله يفجر لكم الكريم الخيرات من الأرض،وينزل عليكم بركات السماء وعدكم بذلكم من لا يخلف الميعاد بقوله:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }(الأعراف:96). أمة الإسلام عشنا في بلادنا خلال الأسبوع الماضي سلسلة من الأحداث السارة كان من أبرزها حدثان: أولهما إعلان الموازنة العامة للدولة؛وقد يقول البعض أي فرحة في الموازنة وقد كنا نترقب بدلاً للسكن أو زيادة في الرواتب تعيننا على موجة الغلاء فلم نرى شيئاً من ذلك ؟. فأقول لمن يقول بذلك:ما الفائدة من زيادة في الرواتب أو البدلات يمتصها في اليوم التالي ارتفاع الأسعار وزيادة؟.فتعود بعدها أكثر حاجة من الحال التي كنت قبلها،وقد عشنا ذلك في بدل الغلاء.بل ومع هذه الموازنة التي لم تتضمن زيادة ذكرت بعض الصحف أن أسعار الشاورما في المنطقة الشرقية ارتفعت بنسبة خمسٍ وعشرين بالمائة والأفضل من زيادة الرواتب النقدية تحقيق الزيادة الحقيقية بخفض الأسعار،وقد يسأل سائل كيف يكون ذلك؟.أقول:إن في زيادة عرض الوحدات السكنية خفض لتكلفة الإيجار وقد اعتمد في الموازنة ما يزيد على نصف مليون وحدة سكنية جديدة.حينما تنخفض تكلفة نقل البضائع من السيارات إلى القطارات سينخفض سعرها،حينما يزيد عدد المستشفيات الحكومية لن تفر من العلاج فيها بسبب طول الطوابير وتباعد المواعيد،وتوفر ثمن العلاج الذي كنت تدفعه في المستشفيات الخاصة،حينما تجد لابنك وابنتك مقعداً في مدرسة حكومية مجانية أو في جامعة،سيوفر ذلك عليك تدريسهم في المدارس الخاصة والأهلية،أحبتي في الله يجب أن نعلم بأن أسعار النفط لن تستمر بهذه الفورة وقد عانينا في أعوام ماضية وعانا اقتصادنا من عجز في موازنة الدولة،فقولوا لي بربكم لو أن أحدنا حصل على ثروة مفاجئة فهل الأولى أن ينفقها على شهوات ورغبات آنية أم يستثمرها فيما بعود عليه بالخير على المدى الطويل؟.لاشك أن استثمار هذه الفوائض في توفير الماء ،والكهرباء ، والصحة،والتعليم،ونحوها خير من أن تنفق الفوائض في عام أو عامين ثم نعاني بعدها وتعاني الأجيال القادمة من نقص في الخدمات الأساس،وللأجيال القادمة حق في هذه الأموال التفت إليه ونبه عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ يوم أن رفض توزيع أرض السواد بين الفاتحين وجعلها وقفاً لأجيال المسلمين تستفيد منها الأجيال المتعاقبة واستدل لعمله ذلك بقول الله تعالى:{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }(الحشر:10). وكم من دولٍ اليوم تستدين ليعيش الجيل الحالي برفاهية ويحمل الأجيال القادمة ثمن رفاهيته!.أحبتي في الله إني أدعوكم جميعاً ونفسي لنصرخ صرخة مدوية في وجه كل من يسعى لإفساد المرأة،لنشر الاختلاط والانحطاط،لكل من يسعى لنشر الرذيلة والمنكر في بلادنا اتقوا لله ..اتقوا الله ..اتقوا الله ..فهذه نعم الله تصب علينا من الكريم فهل من شكر ..هل من شكر .. نعم فقد ربط الله زيادة الخيرات بالشكر وأعلنها في كتابه الخالد قاعدة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بقوله:{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }(إبراهيم:7). الخيار واضح أمامنا فلما نختار طريق العذاب والشقاء من أجل شعارات زائفة خادعة،ومن الناس من يَقْصر الشكر على اللسان، فنقول:لا والله ما فقه الشكر من قصره على اللسان، فالشكر يبدأ من الاعتقاد الجازم بأن كل النعم التي نرفل فيها هي ليست من جهدنا وعملنا بل هي من عند الله وحده سبحانه وبحمده،قرر ذلك ربنا بقوله:{ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }(النحل:53).ثم الشكر باللسان والعمل باستخدام نعمة الله فيما يرضي الله بَيَّن ذلك ربنا في كتابه بقوله:{ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }(سبأ:13).أحبتي في الله لنكن جميعاً صمام أمان لما نعيش فيه من نعم من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة وتنبيه أولادنا لهذه القضية العظيمة،لأنه لو حصل تغيير لنعم الله-لا قدر الله- فالجميع سيدفع الثمن،وقد جعل الله الأمر بأيديكم فلن يغير الله عليكم حتى تغيروا،أوضح لنا تلك السنة الربانية في بقوله:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(الأنفال:53).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وليعلم كل عامل في هذه البلاد مهما كان منصبه،أن إنفاق هذا المال أمانة فلابد أن ينفق فيما فيه خير وصلاح العباد،ولا ينفق على مشتريات كمالية تبلى بعد فترة وجيزة وتضيع قيمتها هباء،بلادنا هي بيتنا الذي يجب أن نسعى لتشييده وعمارته حتى نسعد ويسعد أبناؤنا من بعدنا،فالإسراف سواء في المال العام أو المال الخاص سلوك ذمه الله بقوله:{ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }(الأعراف:31).وكما ننظر بفرح للنعم فعلينا أن ننظر بحذر لتأخر القطر عن البلاد.أما الحدث الثاني فهو نعمة أعظم من نعمة الموازنة التي أكرمنا الله بها،وقد تمثلت في إعلان ولي العهد أيده الله صراحة وبلا مواربة أن هذه البلاد قامت على نهج السلف وأنها مستمرة عليه،نعم والله فما النعم العظيمة المتتابعة التي نعيشها إلا من ثمار حرص بلادنا على تطبيق شريعة الله،وهو مصداق وعد الله بقوله:{ ..فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }(طه:123). نعم إن الواقع يقدم لنا الدليل الدامغ على ولاة أمر منعوا تطبيق شريعة الله وحاربوا أهلها وضيقوا عليهم في العيش ، فكان أن أذلهم أو أهلكهم الله ومكن القوي العزيز لدينه،فنقول من هذا المكان شكرا ولي عهد بلادنا على ما سكبته في قلوب أفراد الشعب من طمأنينة على مستقبل بلادنا،ودمتم ودام قادة هذه البلاد محكمين لشريعة الله مدافعين عنها ناصرين لها ،مما يكسبهم عزاً في الدنيا والآخرة .


 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية