اطبع هذه الصفحة


الادخار والاختبار
(joma555) 11/2/1433هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله يدني من يشاء من أبواب كرمه ورضاه،و يبعد من أعرض عن ربه ونساه،أحمده جل شأنه وأشكره فلا تعد مننه ولا تحصى عطاياه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولا يعبد بحق سواه،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.أمابعد:فيا معاشر الآباء والأمهات يا معاشر الطلاب والطالبات الكل يترقب في هذه الفترة تفوقاً دراسياً فهل أدلكم على باب عظيم لذلك اسمعوه من رب العالمين إذ يقول: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.اسمحوا لي أحبتي أن أبدأ حديثي اليوم بسؤال رجلان أحدهما لا يدخر من دخله شيئاً والآخر يدخر مهما قل دخله أيهما على الطريق الأصوب..؟. أظن أنكم تشاركوني القول بأن من يدخر أصوب ممن لا يدخر، إذا كان الأمر كذلك فلماذا يدخر المدخرون..؟. الجواب حتى يستعينوا بمدخراتهم بعد الله في مواجهة الأزمات الطارئة ؛عباد الله إن الحياة تتقلب بأهلها ولا تستقيم على حال واحد، والتجار في أعظم تجارة وهي التجارة مع الله يستخدمون وقت الرخاء لتكوين أرصدة تنفعهم في وقت الشدة؛ومن الأمثلة على ذلك زكريا وزوجهيوم أن وقعا في شدة العقم وعدم إنجاب الولد توجها لمن؟.توجها لمن خلقهم والقادر الوحيد على إصلاح ما بهم؛وكم اليوم ممن تأخر في الإنجاب من الرجال والنساء تردد على المستشفيات وأنفق المال الكثير وتعلق قلبه بالأطباء والأدوية والطريق كما رسمه لنا ربنا وسلكه زكريا وزوجهقريب ممهد،بيد أنه يحتاج لشروط تحقق،ماذا فعل زكريا؟. اسمعوا لربكم وخالقكم ينبئكم عن ذلكم بقوله:{ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ()فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } (الأنبياء:89-90).وتأملوا معي بقلوبكم قبل أسماعكم توجه زكريا بالدعاء لله،فجاءت الاستجابة السريعة،تم إصلاح الزوجة ومن يصلح الشيء إلا صانعه،ولكن أرجو أن تتأملوا أكثر في سبب الإجابة{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }إذاً عندهم رصيد سابق مع ربهم أهلهم للإجابة،أتريدون مثلاً آخر؟.خذوا:هذا نبي الله يونس ابن متى أُلقي في البحر والتقمه الحوت وبدأ يفرز عليه عصاراته الهضميه،والمشهد بأكمله يوحي بنهاية محسومة وموت محقق،فأنت لو قلت لرجال الدفاع المدني:إني رأيت رجلاً سقط في البحر والتقمه الحوت بأكمله أمام عيني هل يستنفروا الفرق للبحث عنه أم يقولون لذويه احتسبوا صاحبكم عند الله؟.لكن الأمر مع يونسيختلف فيونس نبي الله والبحر والحوت خلق من خلق الله لا يستطيع مخالفة أمر من بيده الملك وهو على كل شيء قدير واسمعوا لربنا جل في علاه يخبرنا عن قصة النجاة بقوله في سورة الأنبياء:{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ()فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }(الأنبياء:88).ومرة أخرى أرسل لكم دعوة للتأمل:رسالة استغاثة من رجل بينه وبين الهلاك دقائق معدودة تنطلق من قاع البحر في ظلمة بطن الحوت،وظلمة البحر،وظلمة الليل،فتصل الإجابة السريعة وتكون النجاة، إنها سرعة اتصال وإنقاذ لا يمكن أن تصل إليها البشرية مهما بلغت في علومها وتقدمها،بيد أن ما أود التأكيد عليه أنه كان ليونس عليه السلام رصيد عند ربه كان سبباً لنجاته من تلك الورطة المهلكة أخبرنا الله عنه بقوله في سورة الصافات{ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ()لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُ }(الصافات:143-144).ومن السنة شواهد كثيرة من أشهرها والجميع يعرفها قصة الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار،وكيف أنهم كانت لهم أعمال صالحة خالصة توسلوا إلى الله بها فكانت نجاتهم،أحبتي قد يقول قائل كل ما تقوله نعرفه فما الجديد؟.فأقول له:أصبت والله فهو معروف مشهور بين الناس،لكني أدعوك أن نبحث عنه في الواقع العملي فديننا ليس دين تنظير بل هو دين تطبيق وعمل،تعالوا أحبي للنظر سوياً في واقع الناس خلال هذه الفترة فترة الامتحانات وهي لا يشك عاقل أنها فترة حاسمة تبنى عليها مستقبل أولادنا من الطلاب والطالبات لا سيما في فترة الثانوية والجامعة؛إذا هي فترة أزمة وشدة تحتاج اللجوء إلى الله مع بذل الجهد في المذاكرة والتحصيل لطلب التوفيق منه،فمهما بذل الطالب من جهد وعناء بدون توفيق من الله لا يستطيع تحقيق مراكز متقدمة، لأن هذا العقل والدماغ والذاكرة هي من صنع الله ولا يصلح ما فسد منها إلا صانعها، فكم من الآباء والأمهات والطلاب والطالبات يدعون الله بالتوفيق ولديهم رصيد من الطاعات؟.وكم يدعون ولديهم والعياذ بالله رصيد من المنكرات والموبقات؟. بل كم من أهل بيت يدعون الله وبيتهم يعج بالمنكرات المتصلة المتتابعة!. وكم من طالب وطالبة يدعو الله في الصباح ثم يمسي ليقارف المنكرات!.فهل هذا هو المنهج الصحيح للتعامل مع الله جل جلاله؟.وهل هكذا تطلب إجابة الدعاء؟وقد يقول البعض ما المخرج أنترك الدعاء ومن منا يملك رصيداً عالياً عند ربه؟.فأجيب الطريق سهلة تب مما مضى وأقبل على الله بإخلاص وصدق يجيبك العظيم واسمع لربك بأذني قلبك قبل أذني رأسك وهو يقول في سورة غافر:{ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }(غافر:65).

الخطبة الثانية :
الحمد لله ولي الصالحين ومجيب دعوة المضطرين،ومنزل الفرج ولو بعد حين،أحمده جل شأنه وأشكره وقد تأذن بالزيادة شاكرين،وأشهد أن لا إله الا الله لا شريك له الملك الحق المبين،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن من عنوان البلاء ودلالة الشقاء أن نجد بيننا آباء وأمهات وطلاب وطالبات لا يقبلون ولا يطلبون من الله التوفيق لأنفسهم أو لأولادهم في الامتحانات،معتمدين على ذكاء أولادهم أو جهدهم أو على ما يقدمه المدرسون الخصوصيون ، والله العظيم في كتابه يحذر بقوله في صورة الحشر:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ في }(الحشر:19).أحبتي في الله هلا استثمرنا فترة الامتحانات لنعمق في قلوب أولادنا حاجة العبد إلى إعظام رصيد العبودية لله والعمل الصالح في فترة الرخاء لتكون له شفيعة عند ربه في الشدة وهي وصية نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم بقوله:((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ))(الترمذي،ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة،ح(3304)).ومن الطلاب والطالبات من يدعو الله بإخلاص وصدق في فترة الامتحانات ثم إذا حقق الله له ما كان يطلبه عاد في الإجازة متمرداً عصياً وإني أحذر من هذا السلوك الذي ذمه الله بقوله في سورة يونس { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }(يونس:12). أحبتي في الله عند حاجة العبد لربه تعلوا إيمانياته وتصفو نفسه فهل استثمر الآباء والأمهات هذه الفورة الإيمانية وهذا الصفاء النفسي وهذا الإقبال على الله في تصحيح مسيرة أفلاذ أكبادهم إلى الله،وأن يكونوا بعد الاختبارات خير مما كانوا قبلها،فلا يرى المجتمع منهم عكس حالهم أيام الاختبارات من المداومة على صلاة الجماعة في المساجد وتلاوة القرآن وحسن السمت والسلوك؟ أعلم أن الأمر يحتاج لمجاهدة،وهو يحتاج أيضاً لفطنة وحسن استثمار الفرص لتعظم الأرباح عند الله أولاً ثم نجني ثمارها في أنفسنا أولاً وفي وأولادنا ثانياً.


 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية