اطبع هذه الصفحة


هل تأملت في الرياح المحملة بالأتربة؟
(joma558) 10/3/1433هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله العزيز القوي المقتدر،ينبه عباده بالآيات والنذر،فَيَهْلِكُ من تغافل عنها وينجو بفضل الله من اعتبر،أحمده جل شأنه وأشكره على نعم متتابعة كقطر المطر،وأعتذر من ذنوب خجل من حَمْلِهَا العُذر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ملك قدوس لا تدركه الأبصار ولا يحيط به النظر،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله حذر أمته من الذنوب والمعاصي وأبان أنها طريق الخطر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما اتصلت عين بنظر وأذن بخبر.أمابعد:فهذا ربكم يخاطبكم معاشر المؤمنين فارعوا سمعكم لخطاب ربكم إذ يقول ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[(الأنفال:29).
المدارس أغلقت..الجهات الأمنية استنفرت..المستشفيات في حالة طوارئ أصبحت..الموانيء عُطلت ..الرحلات الجوية تأخرت..الشمس بحجاب الأتربة تدثرت..نسبة الحوادث على الطرق ارتفعت ..وصدور مرض الربو ضاقت..وأصبح الهواء النقي عملة نادرة..وأخذت ذرات التراب تقتحم الأفواه والصدور عنوة وبلا استئذان! هذه بعض ملامح العاصفة الترابية التي عشناها في الأيام الماضية، ولا زالت تتنقل في بلادنا الحبيبة، فهل تأملتم عباد الله في هذه الرياح؟ من حركها؟.من جعلها تحمل هذه الكمية الهائلة من الأتربة؟.من أمدها بالقوة الهائلة حتى تسقط الأشجار الضخمة،واللوحات الإعلانية؟.إنه الله،إنه من بيده الملك وهو على كل شيء قدير.ومع ذلك خرجت تقارير لم تنسب الأمر لله بل تقول للناس بأنها أمر طبيعي وأنها من طبيعة طقس الفصل الذي نحن فيه!.بيد أن الغريب في الأمر أن من طبيعة الطقس الخاص بفصل من الفصول أن يتكرر كل عام مع تكرر الفصل نفسه وكم عشنا في السنوات الماضية وما رأينا مثل هذه العواصف الترابية الخانقة. معاشر المؤمنين إن ما يميزكم هو إيمانكم العظيم بأن كل ما في هذا الكون لا يتحرك إلا بإذن الله،وأن الريح ما هي إلا جند من جند الله؛يجعلها الله رياحاً على عباده المؤمنين فتأتي بالقطر والرخاء والنعمة كما أخبر الله عن ذلك بقوله:]وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ()وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ()وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ[(الحجر:21-23).وقال جل شأنه: ]وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [(الأعراف:57).فالرياح يرسلها الله بالخير والبركة والمطر واسمعوا معي أحبتي لهذ الاستفهام العظيم من الله جل جلاله إذ يقول:]أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[(النمل:63).والرياح قد تشتد سرعتها وقوتها فتتحول لريح مدمرة أو معطلة وهي التي ضرب الله بها الأمثلة في كتابه على العذاب أو نذر العذاب إذ يقول جل جلاله:]هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ()فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[(يونس:23).ففي هذه الآيات ذكرها الله نذيرا،بيد أنه إذا لم تنفع الآيات والنذر قد تتحول للعذاب عياذاً بالله؛ فقوم عاد الذين كانوا أشد البشر قوة على وجه الأرض وكانوا يتباهون بقوتهم تلك كان هلاكهم بالريح واسمعوا معي أحبتي للجبار العظيم وهو يخبرنا عن هلاكهم بقوله:]وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ() سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ()فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ[(الحاقة:6-8).معاشر المؤمنين هذا خير البشرe من غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر تحكي لنا أمنا أم المؤمنين الطاهرة المبرأة من فوق سبع سموات الصديقة بنت الصديق رضي الله عنه وعن أبيها حاله مع الريح فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه فتقول:((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ eإِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ:فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ:إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ رَحْمَةٌ))(مسلم،الاستسقاء،ح(1495)).احبتي في الله تعالوا معي واسمعوا لربنا إذ يقول:]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ()فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ()فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ[(الأنعام:43-44).

الخطبة الثانية:إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تفلحوا في الدنيا والآخرة،معاشر المتقين كم من الناس في مجتمعنا يوم أن رأوا تلك الرياح الشديدة والغبار العظيم اقتدوا بسنة نبيهمeففزعوا وتابوا وأنابوا إلى ربهم،وأخذوا يستغفرون؟.كم من الناس في مجتمعنا على الأقل وجلت قلوبهم وشعروا بالخطر؟وفي المقابل كم من الناس من عاش حياته العادية وكأن الأمر لا يعنيه فظل عاكفاً على قنواته وأغنياته ومسلسلاته؟.هل لهذه الرياح علاقة بما بشرت به الصحف قبلها بأيام بالسماح للمرأة حضور المباريات الرياضية في الملاعب؟.وقد يقول قائل ما بال خطيبنا اليوم يريد إقناعنا بأن تلك الرياح التي انتهى أمرها وزمنها هي نذرٌ خطر؟.فأقول ليست هي وحدها ألا نرى تأخر القطر من السماء مع كثرة ما نصلي للاستسقاء هل هذا أيضاً دليل على أن المجتمع سائر في الطريق الصحيح أم أن هناك مايغضب الرحمن؟.والنبيeيقول فيما أخرجه الإمام ابن ماجة بسند جيد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَt قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ eفَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ))(ابن ماجة،الفتن،ح(4009)).معاشر المؤمنين هذا ربكم يناديكم فاسمعوا لنداء ربكم إذ يقول:]قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ()وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ()وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُون [(الزمر:53-55).



 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية