اطبع هذه الصفحة


النية وخطرها في حياة البشرية
(joma566) 12/6/1433هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله خالق البشرية ، ومزلزل أركان الظلم والوثنية،وجاعل بوابة الجنة النية ، أحمده جل في علاه وأشكره على نعم متتابعة ثرية ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في إلهيته ولا في ربوبيته ولا في أسمائه وصفاته العليه ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم القيامه وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد : فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بجنة عرضها السموات والأرض فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وعدكم بذلكم من لا يخل ف الميعاد بقوله : { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا } (مريم:63).
أخي الحبيب إذا قال لك قائل أستطيع أن أجعلك غنياً بدراهم قليلة،فهل تستجيب له؟.إذا عرض عليك مصرف من المصارف أن يضاعف لك رصيدك المالي بدون أن تبدل الكثير من الجهد أو المال وبطريقة مباحة،فهل يعد هذا عرضاً مغرياً لك؟.هل تستجيب له سريعاً أم أنك تتباطأ في الاستجابة؟.ما رأيك أعرني أذن قلبك لأعرض عليك عرضاً سخياً.أريد أن أدلك على طريقة لا تكلفك الكثير من المال أو الجد تُعَظِّمُ بها حسناتك وتدخل بها بإذن الله الجنة؟.هل تحب ذلك ؟. أخي الحبيب إن مما يعظم أجر عملك ويرفع قدرك عند الله ولو كان عملك قليلاً النية الصالحة؛ نعم فإن النية في جميع الأقوال والأعمال لها ثلاثة أصناف لا رابع لها،فإما أن يقصد المرء بعمله غير الله عياذاً بالله فيحبط عمله ولا ينفعه ولو كان في أعين الناس عظيماً،وإما وأن يقصد بعمله وجه الله فيكون له رصيداً عند ربه ينفعه في الدنيا والآخرة،وهناك من لا هو في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة فهو يعيش عياذا بالله كالبهيمة لا نية له.عباد الله قد نرى المرء يقرأ القرآن وهو ماهر به عذب الصوت بيد أنه عند الله لا يساوي شيئاً أمام رجل أجش الصوت يقرأه بصعوبة،أتدرون ماذا فرق بينهما إنها النية،وقد ترى الرجل يتصدق بالملايين لا يساوي آخر يتصدق بريالات قليلة يريد بها وجه الله،وقد بين لنا صورة من ذلك نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم بقوله:((إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ))(مسلم،من قاتل للرياء،ح(3527)). فتأملوا معي أحبتي كم خسر أولئك الثلاثة لأنهم لم يصححوا النية،فكم من طالب اليوم يقضي على مقاعد الدراسة ما يقارب نصف عمره ولا نية له من كل هذه السنوات سوى الحصول على الشهادة،هل يستوي هذا ومن ينوي بسني دراسته التعلم لخدمة الإسلام والمسلمين؟.كم من زوجة تخدم زوجها وتحسن التبعل إليه خوفاً من الطلاق أو غير ذلك، فهل تستوي هي ومن تفعل ذلك قربى إلى الله؟.كم من موظف يلين الكلام ويكثر الابتسام لرئيسه في العمل يقصد بذلك كسب رضى ذلك المسئول أو الوصول للمناصب،هل يستوي هو ورجل آخر يتبسم انطلاقاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم :تبسمك في وجه أخيك صدقة ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم الكلمة الطيبة صدقة؟.أحبتي في الله هل سمعتم بقوم يغزون في سبيل الله وهم قاعدون في مدينتهم وبين أهلهم؟. أخرج الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ لَمَّا رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ:((إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا وَلَا سِرْتُمْ مَسِيرًا إِلَّا شَرَكُوكُمْ فِيهِ قَالُوا وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ))(مسند الإمام أحمد،مسند أنس،ح(12409)).هل سمعتم بشهيد يموت على فراشه؟ .نعم إنها النية واسمعوا لخير الورى صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيما أخرجه الإمام مسلم:((مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ))(مسلم،استحباب طلب الشهادة،ح(3532)).عباد الله إن إخلاص النية لله يجد العبد ثمرته في الدنيا قبل الآخرة وجميعكم يعلم قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار وكيف أنهم توسلوا لله بأعمال أخلصوا النية فيها لله ففرج الله عنهم ما كانوا فيه.إن السعادة في الدنيا والآخرة متوقفة على أمر النية يقول ربنا جل في علاه:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ()وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا()كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا()انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا } (الإسراء:18-21).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على إخلاص النية لله في كل أقوالكم وأفعالكم ، واعلموا رحمني الله وإياكم أن العبادات لا تقبل مالم تكن خالصة لوجه الله تعالى أما إذا أريد بالعمل غير الله أو أشرك في النية غيره بطل العمل مهما كان عظيماً في أعين الناس ؛ أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (( أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ))(مسلم،من أشرك في عمله غير الله،ح(5300)).كما أوصيكم ونفسي أولاً أن نغتنم فرصة قيامنا بما لابد لنا منه في حياة المعيشة لنحولها لعبادات ، فكم أكل كل واحد منا منذ ولد وحتى الآن كم أكلة من تلك الأكلات نوى بها التقوي على طاعة الله ؟. كم ساعة نمنا فيها ؟. وكم منها نوينا بها التقوي على طاعة الله ؟ كم شرينا من المشروبات؟ وكم منها نوينا التقوي بها على طاعة الله؟. عباد الله إن كل أمر من أمور العادات نقوم بها يمكن تحويله لعيادة بالنية ومصداق ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ قَالَ: ((أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا))(مسلم،بيان أن اسم الصدقة...،ح(1674))

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية