اطبع هذه الصفحة


لم يسرع انهيار الأسر في مجتمعنا ؟
(joma572) 24/7/1433هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رفع سبع سموات طباق،وزينها بالنجوم فزاد حسنها وفاق،أحمده جل شأنه وأشكره أمر بالوحدة والمحبة وحذر من الفرقة والشقاق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله يجعل الكريم لكم من أمركم يسرا،وعدكم ذلكم ربكم بقوله:{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا()ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرً } (الطلاق:4-5).أمة الإسلام آفة اجتماعية خطرة أخذت تفتك بنظامنا الأسري،وتدفع بأطفال مجتمعنا نحو الانحراف، آفة إذا لم يتداعى المصلحون لحلها فإن المستقبل يبدو لونه قاتم كئيب،أعرفتم عباد الله ما تلك الآفة،إنها آفة الطلاق فبحسب الإحصاءات الرسمية تقع في مجتمعنا كل نصف ساعة حالة طلاق(http://news-sa.com/snews/4339) أي في كل نصف ساعة يهدم بيت وتتشتت أسرة ويضيع أطفال؛هذا على مدار الساعة فكيف بالله على مدار اليوم والأسبوع والشهر والعام،بل كيف يكون الأمر على مدى سنوات،هل بدأتم أحبتي تشاركوني الرأي بأن الأمر خطير وأن المستقبل قاتم؟.بيد أن الأمر لا يقف عند هذا الحد بل هناك ما هو أخطر؛ففي إحصاءات جديدة تبين أن ستين بالمائة من حالات الطلاق تقع هنا في منطقة مكة المكرمة (http://news-sa.com/snews/4339).والسؤال الملح لم يسرع هذا الانهيار الأسري في مجتمعنا؟. أحبتي في الله الإجابة قاعدة خالدة وضعها الله لنا في آيات تتلى إلى يوم القيامة يقول فيها:{ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى()وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } (الطلاق:123-124).وقد يقول قائل ما علاقة الآية بموضوع الطلاق؟.فأقول:إن الله أنزل لنا شريعة تنظم كافة مناحي حياتنا بل واعتنى بموضوع الطلاق خاصة حيث جعل له سورة كاملة في كتابه الخالد. فالسؤال هل التزمنا نحن بكافة آداب وأحكام الطلاق،أم أنا تركناها عمداً أو جهلاً فابتلينا بهذا الضنك في الحياة الاجتماعية.إن أي عمارة في الدنيا إذا بنيت على أساس هش سرعان ما تنهار وتتحطم،{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }(التوبة:109).وكذا الحياة الأسرية وهي أخطر بناء في حياة الأمة،فهل تبنى غالبية الأسر وتتم معظم الزيجات في مجتمعنا على الأسس التي وضعها الإسلام؟.هل يختار كل طرف من أركان الأسرة الزوج والزوجة شريك حياته بناء على الدين و الأخلاق أم أن الاختيار يتم على أساس الجمال أو المال أو الوجاهة الاجتماعية أو الأعراف القبلية؟.مع أن التوجيه الإسلامي في هذا المجال واضح حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم للزوج : ((فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ))(البخاري،الاكتفاء بالدين،ح(4700)). وقال لولي الزوجة: ((إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ))(الترمذي،إذا جاءكم..،ح(1004)).هل في مجتمعنا زيجات سبقتها علاقات آثمة وتعارف عبر النت أو الهاتف أو غيرها؟.هل بات شبابنا وفتياتنا يعتقدون عقيدة راسخة جازمة بما يمليه عليهم الإعلام القذر من أن الحياة الزوجية الناجحة لا بد أن يسبقها قصة حب وغرام؟وأنه لا يمكن لكل طرف أن يتزوج من طرف آخر لا يعرفه من قبل؟.هل باتوا يعتقدون أنه لا يمكن أن يكون هناك حب بعد الزواج ؟. فنقول لهم:إن ما تسمونه الحب قل الزواج هو شهوة نفخ فيها الشيطان وزينها فغدت كبيت من ورق سرعان ما ينهدم عند أول مشكلة زوجية.أما الحب بعد الزواج فإن الذي يشعله في القلوب هو من بيده ملكوت السموات والأرض وقلوب العباد بين أصبعين من أصابعه جل جلاله يقلبها كيف يشاء { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (الأنفال:63). ، فيكون حباً صادقاً نظيفاً قوياً راسخاً رسوخ الجبال الراسيات لا تزيده الخلافات الزوجية العابرة إلا رونقاً وتألقاٌ وجمالاً،بل هو الذي يعد بلسماً لعلاج تلك المشكلات،عباد الله من أسلم نفسه لفكرة أن البيوت تبنى على الحب فقط سرعان ما يتبدل به الأمر و تبدأ تلك المشاعر بالتلاشي التدريجي من كثرة الاختلاط والتواصل مع من يحب،لأنه حب بني على شهوة فمتى ما أشبعت تلك الشهوة بدأ الملل يتسرب وبدأ الحب المزعوم بالذوبان كقطعة ثلج وضعت في ماء ساخن،فيكون الطلاق والفراق وتبدأ رحلة البحث عن حب جديد!.أحبتي في الله جاء رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أريد تطليق زوجتي فقال لما؟. قال لما أعد أحبها.فقال له عمر أكل البيوت تبنى على الحب؟.إذا أنتهى الحب فأين الرحمة.أمة الإسلام إن الحياة الزوجية تبنى على عمادين الحب والرحمة فإذا ضعف الحب سارع عمود الرحمة لإنقاذ الحياة الزوجية، أحبتي في الله تأملوا معي قول العظيم الرحيم جل في علاه وهو يقول: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الروم:21).

الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله،واعلموا رحمني الله وإياكم أن شريعة الإسلام كل لا يتجزأ وأنها تنظم كافة مناحي حياتنا وأنا بقدر ما نبتعد عنها نصاب بالمشكلات والتعب والعناء،أحبتي في الله تأملوا معي: هل المقدمون على الطلاق علموا أن هناك خطوات وضعها الإسلام قبل الطلاق للحفاظ على الأسرة وطبقوها؟.هل علموا أنه العلاج الأخير وأنه من السفه وقلة العقل والدين أن يطلق الرجل امرأته من أجل خلاف بسيط فيتعجل بالنطق بالطلاق؟.هل تأمل هؤلاء قول الله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }(النساء:19). نعم فالإنسان علمه قاصر ولا يعلم الغيب فقد يتعجل رجل بطلاق زوجته فيخسر خيرا ًكثيرا ، وكم ممن تمهل في قضية الطلاق فجنى الخير الكثير،وقد وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:((لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ))(مسلم،الوصية بالنساء،ح(2672)).نعم فكل بني آدم مجبولون على النقص إلا من كمله الله،فإذا أخذ الزوج على زوجته نقصاً في جانب من جوانب شخصيتها فنقول له انظر لنفسك فهل أنت الكامل المكمل الذي لا يوجد به نقص أو عيب؟.ثم لماذا أخي لا تنظر إلا للعيوب؟.أين نظرك لا يقع على الحسنات منها؟.مع الأسف عند أدنى مشكلة زوجية فلا يستحضر الطرفان إلا العيوب ويتناسون الحسنات،فأقول لكل واحد من الزوجين لا تكن كالذبابة لا تقع إلا على القاذورات ولكن كن النحلة التي لا تقع إلا على الورود والأزهار فتنتج عسلاً.عباد الله لنا بإذن الله وقفات أخرى مع آداب الطلاق وأحكامه وما يتعلق به في الخطبة القادمة بإذن الله،أسأل الله أن يحفظ بيوتنا وبيوتكم وأن يجعلها عامرة بذكره والإيمان بجلاله .


 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية