كيف تعيش سعيداً؟.
(joma599) 2/6/1434هـ )

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله { الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا }(الفرقان:59).أحمده جل شأنه وأشكره وعد المؤمن أن يعيش سعيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولا ند ولا معينا ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله اصطفاه ربه بالرسالة فكان سراجاً منيرا ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد : فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بمعية الله لكم يقول ربنا في محكم التنزيل : { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ }(النحل:128).

أخي الحبيب هل تحب أن تعيش سعيداً ؟. قد تقول لي قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نحدد ما الأمور التي إذا توفرت عاش الإنسان سعيدا؟.أقول أحبتي إن عناصر السعادة قد لخصها لنا من أوتي جوامع الكلم سيدي محمدبن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأخرجها الإمام الترمذي في سننه حيث قال : ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا))(الترمذي،في التوكل على الله،ح(2268)).إن من أهم عناصر السعادة الأمان ؟ فأنت مهما ملكت من الدنيا وكنت خائفاً لن تجد السعادة . فإذا كان هناك من يؤمنك من ظلم الظالمين وبطش الجبابرة المعتدين ، تجد نفسك تعيش على هذه الأرض مرفوع الرأس عزيزا شامخاً لا تخشى أحداً ، أتدري من يكفل الأمان للأفراد والمجتمعات؟. إنه الله القوي المقتدر الذي لا تقف أمام قوته وقدرته قوة قوي. أخي اسمح لي أن أخذك في جولة لبعض الأمثلة التطبيقية لهذا الموضوع.أكبر جبار غشوم ظلوم عرفته البشرية هو فرعون ، ويوم أن أرسل الله موسى وهارون إليه بالرسالة أعلنا لريهما خوفهما منه فقالاً كما أخبرنا الله عن ذلك في كتابه : { قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى }(طه:45).فجاء التأمين الإلهي العظيم { قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى }(طه:46). واستناداً لهذا الأمان الإلهي العظيم انطلق موسى عليه السلام الذي كان خائفاً يخاطب الطاغية المجرم فرعون بقوله: { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا }(الإسراء:102). فأراد فرعون أن يستخدم قوته لإيذاء موسى ومن معه فتدخلت القوة الإلهية العظمى فانظر أخي ماذا حدث : { فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا()وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفً }(الإسراء:103-104).وحاولت قريش استئصال الفئة المؤمنة بالمدينة المنورة وحشدت لذلك جيشاً عظيماً يوم بدر فماذا كانت النتيجة ؟ من أمن المسلمين ؟. تدخلت القوة الإلهية و نزلت الملائكة وانتقلت إدارة االمعركة من الأرض إلى السماء: { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }(الأنفال:12).فكن قريباً من الله يحفظك الله من شياطين الإنس: { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }(الحج:38).حقق العبودية لله يحفظك الله من شياطين الجن وعلى رأسهم إبليس : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا }(الإسراء:65).ثم العنصر الثاني من عناصر السعادة العافية في الجسد فمن ذا الذي أصح بدنك ؟. وغيرك مريض. ومن ذا الذي يشفيك إذا نزل المرض إنه الله اللطيف الخبير اسمع لما أصاب أيوب عليه السلام من داء عضال فمن شفاه: { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ()ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ }.(ص:41-42).فوالله ما شفي مريض ذكراً كان أو أنثى صغيراً كان أم كبيراً إلا بإذن الله ، وكم من القصص التي يضيق المجال عن ذكرها نزلت بهم أمراض خطيرة هي في موازين الطب لا علاج لها،فلجأوا لمن بيده الشفاء فرفع الله ضرهم وما أصابهم ومتعهم بالصحة والعافية،فكن قريباً من الله وإذا نزل بك مرض لا قدر الله فخذ بالأسباب ولا تركن لها ولا تعتمد عليها إنما ارفع كفيك للسماء ونادي بخضوع وخشوع يارب وثق بأن الله قريب يسمعك وسوف يكشف عنك ضرك وما نزل بك. أما الضلع الثالث من أضلاع السعادة فهو الرزق والمال فقد بين الله أن بيد ه خزائن السموات والأرض رداً على من حاول أن يضيق على المؤمنين من المنافقين فقال جل جلاله : { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ }(المنافقون:7).وبين لنا سبحانه كيف أننا كل ما تقربنا إليه واعتذرنا عن ذنوبنا يرزقنا الرزق المتنوع الكثير فقال سبحانه: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا()يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا()وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا }(نوح:10-12).أحبتي في الله إن السعادة كل السعادة هي في التزام منهج الله والقرب منه وقد وعدكم بذلكم ربكم وربكم لا يخلف الميعاد سبحانه بقوله: { قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى }(طه:123).

الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله تفلحوا في الدنيا والآخرة . عباد الله لوقيل لشاب سوف نزوجك بعد شهر أجمل وأكمل فتيات الدنيا ، كيف يعيش حياته خلال هذا الشهر ؟. ألا يعيش في أحلام يقظة سعيدة وهو في شوق لانتظار ذلك اليوم الذي يزف فيه للفتاة الموعودة وكل ما يمر عليه خلال هذا الشهر لا يلقي له بالاً مهما كان فيه من كدر لأن ما سيعقبه خير عظيم. والله قد وعدكم في الجنة الحور العين . ولو وعد رجل مسن بمزرعة فيها أنهار وأشجار وأطيار بعد فترة من الزمن تجده يعيش في سعادة غامرة بانتظار ذلك الوعد ، والله وعدكم جنة عرضها السموات والأرض فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فقال سبحانه في نعيم أهلها: { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا()مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا()وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا()وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ()قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا()وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا()عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا() وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا()وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا() عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا()إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا }(الإنسان:12-22).ووعدكم ما هو أعظم نعيم في الجنة لذة النظر لجلال وجهه العظيم. أخرج الإمام مسلم في صحيحه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ))(مسلم،المؤمنون في الآخرة،ح(266)).