اطبع هذه الصفحة


الشخصية الإسلامية المتكاملة
(joma606)19/8/1434هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى،أحمده جل شأنه وأشكره على نعم متتابعة تترى،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولاند بحق يدعى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله على هذا النبي الكريم وعلى الآل والصحب وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:فوصية الله لعباده في كل زمان وعلى كل حال تقواه سبحانه في السر والعلن فها هو سبحانه يخبركم بذلك بقوله : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا } (النساء:131).
أحبتي في الله أنا وإياكم نعيش في مجتمع واحد،نبحر في مركب واحد،ما رأيكم أن أدعوكم لنتأمل سوياً في بعض الظواهر السلبية في المجتمع لا نظرة انتقاد بل نظرة علاج،والمعالج يبحث عن السبب الرئيس فإذا وفقه الله في الوصول إليه أمكنه التفكير بشكل صحيح في سبل العلاج. أحبتي في الله نعيش هذه الأيام أيام الإجازة موسم الأفراح والمناسبات السعيدة،فينزل المرء ليبحث عن لباس لأهله مناسب فلا يكاد يجد إلا ألبسة تكشف من جسد المرأة أكثر مما تغطي،وتكاد تكون مثل هذه الألبسة هي الطاغية على السوق!.وإذا ذهبت تشتري عباءة لزوجتك أو ابنتك فإن أغلب الموجود في السوق المطرزة والمخصرة ونحوها مما لا يليق بالمرأة المؤدبة أن تلبسه فضلاً عن المرأة المسلمة المتدينة!.نكاد نجمع في المجتمع على أن هناك من التجار ومن أطباء العيادات الخاصة وغيرهم من يرفعون الأسعار من غير مراعاة للفقراء والضعفاء ومن في حكمهم!.لماذا بعض المدرسين والمدرسات يؤدون التدريس كمجرد عمل بعيداً عن جوانب التربية وتنشئة الأجيال وهًمِّ بناء كوادر فاعلة في الأمة ؟. لما بعض الموظفين يعرقل معاملات المراجعين من أجل رشوة أو من أجل أن تكون له مكانة مهمة في المجتمع؟. وبعد هذا العرض الموجز لبعض الظواهر السلبية في المجتمع والقائمة يطول عرضها،هل ترون أن هناك عنصراً مشتركاً بينهم يوم أن فُقِد ظهرت هذه الظواهر وغيرها؟. أحبتي في الله كل واحد منا ذكراً كان أو أنثى صغيراً كان أم كبيراً له أجزاء مكونة لشخصيته العامة أو الكلية؛ فهو على سبيل المثال:أب وأخ وأبن وتاجر أو طبيب أو مدرس وقس على ذلك من الأجزاء المتعددة للشخصية الكلية،وبعض الناس قد يحصر نفسه في جزئية من تلك الجزئيات وينسى الجوانب الأخرى فيشكل هو ومن شابهه ظواهر سلبية في المجتمع.إلا أن السؤال هل هناك إطار عام للشخصية المتكاملة؟. أقول:نعم.وفي نظري أن الغفلة عن هذا الإطار العام هي السبب المشترك لكل الظواهر السلبية في المجتمع.أعرفتم ما هذا الإطار؟.هذا الإطار هو أنك مؤمن أو مسلم.هذا الإطار هو الذي يجمع جوانب شخصيتك وبالتالي ينعكس على كل جزء منها.أتحبون دليلاً على ذلك؟. تعالوا وتأملوا معي في الخطاب الإلهي لنا ولكم هل تجدون فيها خطاب يا أيها النجار أو يا أيها الصانع أو يا أيها الأب لا.بل الخطاب الإلهي:يا أيها الذين آمنوا .. وحتى في حال الإخبار فعلى سبيل المثال يقول الله: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (التوبة:71).أحبتي في الله تعالوا وتأملوا معي في أحاديث نبينا وحبيبن صلى الله عليه وسلم يبين لنا ضرورة تكامل الشخصية المسلمة في إطارها العام إطار الإيمان،أعرض لكم أمثلة من ذلك:أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي شريح أن النبي قال:((وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ))))(البخاري،اثم من لا يأمن جاره بوائقه،ح(5557)).لا حظ معي الشخصية الجزئية هي أنه جار إلا أنه لا بد من مراعاة الإطار العام وهو أنه مؤمن.وأخرج البخاري أيضاً في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ..))(البخاري،المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده،ح(9)).والأمثلة في هذا المجال كثيرة يضيق المجال عن حصرها، أظن أنكم الآن تشاركوني الرأي أنه يوم أن ينغمس المرء في جزء من أجزاء شخصيته وينسى الإطار العام الذي يجمع أجزاء تلك الشخصية إطار الإيمان والإسلام تحدث منه الظواهر السلبية،أحبتي في الله تعالوا وأنصتوا معي لربنا وحبيبنا جل في علاه وهو يرسم لنا الشخصية المتكاملة للعبد المؤمن يبدأها بالإطار العام الذي يجمع أجزاء تلك الشخصية فيقول : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } (الأحزاب:35).

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن نبينا وحبيبنا الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحيه وأتباعه.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله وأحيوا في نفوسكم ونفوس أهليكم وأبنائكم وفي من حولكم من أفراد المجتمع الشخصية المسلمة المتكاملة تسعدوا وتختفي كثيراً من المظاهر السلبية في المجتمع،تعالوا وتأملوا معي إلى التجار الذي أغرقوا البلاد بالملابس العارية الفاضحة طلباً للربح الكبير لو تأملوا قول الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } (النور:19). هل تتوقعون أنهم يقبلون على ذلك؟. التجار الذين يغالون في الأسعار لو تأملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه :((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))(البخاري،الإيمان ان يحب لأخيه ما يحب لنفسه،ح(12)).وقوله عليه الصلاة والسلام:((مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ))(البخاري،رحمة الولد وتقبيله،ح(5538)).هل نتوقع منهم المغالاة في الأسعار سواء كانوا تجاراً أو أطباء في عيادة خاصة أو غيرها؟. الموظفون المعطلون لمصالح الناس هل لو سمعوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنه قالت:سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا ((اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ))(مسلم،فضيلة الإمام العادل،ح(3407)). هل نتوقع أن يعرقلوا أعمال المراجعين. إذاً فالمشكل في التاجر حصر نفسه في جزئية شخصية التاجر فترك الزمام لحافز الربح يقوده ونسي الإطار العام لشخصيته فلم يرجع ليتأكد هل هذه التصرفات تتناسب مع شخصيته المسلمة أم لا . وكذا الموظف والطبيب وغيرهم ، بل هناك من حصر نفسه في جزئية شخصية العمل ونسي أنه زوج عليه واجبات فأهمل أهله وبيته ، ومنهم من نسي أنه أب فأهمل تربية أبناءه ، والأخطر من ذلك أن ينسى الذكر أو الأنثى من أمة الإسلام أنه عبد لله ، وأنه خُلِق لغاية عظمى وهي عبادة الله من خلال عمارة الأرض. وأن ينسى أفراد أمة الإسلام العظيمة أنهم حملة رسالة وهداية للناس أجمعين. عباد الله إن ما أود التأكيد عليه أنه لا بد من إحياء الدعوة لتكوين الشخصية المسلمة المتكاملة،فكلما نجحنا في ذلك كلما تقلصت الظواهر السلبية في المجمتع، وهي قضية تحتاج لتظافر الجهود فيشارك فيها الأفراد كما يشارك فيها الإعلام بكل صوره وكذا المنابر.


 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية