اطبع هذه الصفحة


رمضان مدرسة الصبر
(joma609)11/9/1434هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، أحمده جل شأنه وأشكره أعلا منزلة الصبر والصابرين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولا ند و لامعين ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صادق الوعد الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين.
أما بعد : ف { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } (النساء:1). معاشر المؤمنين في أيام الإفطار منذ أن نصبح وحتى نمسي والماء منا في كل مكان في البيت، وفي المكتب ثلاجة بها مختلف المشروبات وعامل لعمل القهوة والشاي، وإذا عدنا للمنزل بعد الظهيرة نكون بانتظار طعام الغذاء بشوق نظراً لما نعانيه من ألم الجوع ، والمدخن الشره في الفطر لا يصبر على سيجارته أكثر من نصف الساعة!! في الإفطار قد يجد البعض صعوبة في أن يمسك لسانه بيد أنه في الصيام يجتهد في ذلك وإذا أفلتت منه كلمه وجد من يذكره ، فما السبب وراء تغير حالنا في رمضان عن أيام الإفطار ؟. ألستم معي أنها ثمرات مدرسة الصبر،فشهر رمضان مدرسة للصبر بكل جوانبه الثلاث الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله،والصبر على أقدار الله،أحبتي تعالوا وتأملوا معي كيف أن أجر الصبر من عظمه مفتوح حيث يقول الله عنه : { ...إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (الزمر:10).وتأملوا أيضاً كيف أن أجر الصيام من عظمه مفتوح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ..))(البخاري،قول الله يريدون أن يبدلوا كلام الله،ح(6938)). معاشر الصائمين حينما يصبر الإنسان عن أساسيات الحياة الثلاث الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس كما أمره ربه بقوله : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ.. } (البقرة:187). يكون على الصبر عما سواها أقدر حينما يضبط الإنسان لسانه عن صغار الكلام المؤذي في الصيام كما أمره رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله : ((..وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ..))(البخاري،هل يقال إني صائم إن شئتم،ح(1771)). يكون بعد الصيام أقدر على ضبط لسانه،وإذا ضبط العبد فرجه ولسانه اسمعوا معي للجائزة التي تنتظره؛أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ))(البخاري،اللسان وقول النبي صلى الله عليه وسلم ..،ح(5993)).أحبتي في الله الصائم يحفظ جوفه عن الطعام والشراب ويحفظ فرجه حتى عما أحل الله له ويحفظ لسانه ، ويحفظ جميع جوارحه كل ذلك ابتغاء مرضات الله وكذا الصابر يصبر عما حرم الله عليه ويصبر على طاعة الله ويصبر على أقدار الله ابتغاء ما عند الله من الأجر والمثوبة ، لدى تجد أن من يصوم رمضان حقاً هو من أكثر الناس صبراً . والسؤال لماذا المؤمن بحاجة لأن يتربى على الصبر ؟. لأن الحياة الدنيا جبلت على الكدر ولم تصفو لأحد ولو كان لها أن تصفو لأحد لصفت لنبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم فكم واجه صلوات ربي وسلامه عليه من الصعاب والشدائد كان زاده فيها بعد الإيمان بالله الصبر،بل وبين صلى الله عليه وسلم حاجة المؤمن للصبر لأنه من أشد الناس ابتلاء بقوله فيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده بإسناد حسن عن أبى عبيدة بن حذيفة عن عمته فاطمة انها قالت : أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم نعوده في نساء فإذا سقاء معلق نحوه يقطر ماؤه عليه من شدة ما يجد من حر الحمى قلنا يا رسول الله لو دعوت الله فشفاك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((ان من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))(أحمد،حديث فاطمة عن أبي عبيدة،ح(27124)[تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح لغيره وهذا إسناد حسن]).معاشر الصائمين هنيئاً لكم أن تخرجوا من شهر الصيام وأنتم أقدر على الصبر جنبني الله وإياكم البلايا وشرور الفتن،أحبتي في الله تعالوا وانصتوا معي لربنا يثني على الصابرين بقوله : { ...فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ()الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } (الحج:34-35).

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له يرتجى ولا ند له يبتغى وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء .أمابعد:فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا رحمني الله وإياكم أن العبد المؤمن في هذا الزمان أحوج للصبر من أي وقت آخر،فالصبر أحبتي ليس على ما أصاب الإنسان في نفسه أو ماله أو أهله،بل هناك صبر على ما أصاب أمة الإسلام.فكم يحترق العبد المؤمن وهو يرى اليهود يقتطعون مدينة القدس جزءا جزءا من خلال تهجير أهلها وبناء المستوطنات بها ، وكم يحترق العبد المؤمن وهو يرى قطعان اليهود تدنس المسجد الأقصى وأمام ضعف الأمة المعاصر المطبق لا يملك إلا الصبر،وكم يحترق العبد المؤمن على ما يحصل في سوريا من تدمير للمساجد وسفك للدماء وهتك للأعراض همجية ووحشية ما شهد العالم مثلها،والعالم كله ينتظر متى ينتهي هذا السفاح من جريمته لتسارع الدول بتقديم المعونات لغسل يديه وبناء ما دمر، وأمام ذلك لا يملك المؤمن إلا الصبر،ويحترق المؤمن لما يحدث لإخواننا في أراكان المسلمة من قتل وحرق للناس وهم أحياء واغتصاب للنساء وغيرها من سجل الجرائم التي يطول شرحها فلا يملك إلا الصبر، وقد أرشدنا الله لمواجهة المصائب بقوله: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ()الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ() أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } (البقرة:155-157). أمة الإسلام أرجو أن لايفهم الصبر بمعناه السلبي أي أن الإنسان يستكين لما أصابه ولا يسعى لدفعه، فالمرض ابتلاء أمرنا بأن ندفعه بالدواء ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنزل الله من داءٍ إلا أنزل له شفاءً))(الجمع بين الصحيحين،ح(2519)). وكذا إذا نزل الفقر بعبد فإنه ابتلاء فلا ينبغي له أن يستسلم ويقول كتب علي الفقر وعلي أن أصبر،نقول له اصبر وارضى بما كتب الله لك لكن لا يمنع ذلك من أن تعمل وتجتهد لأن تغني نفسك، وهكذا أحبتي أمة الإسلام لا ينبغي لها أن تركن لحالها وضعفها وإنما عليها أن تسعى لأن تمتلك عناصر القوة الإيمانية في المقام الأول ثم القوة الحربية تنفيذاً لأمر الله لها بقوله : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } (الأنفال:60).

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية