اطبع هذه الصفحة


من صور الكيد ضد بلاد الحرمين

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمد لله رب العالمين،ناصر عباده الموحدين،ومذل المنافقين والمفسدين وحامي حوزة هذا الدين،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تكفل برد كيد الكائدين وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله  فإن التقوى متى ما خالطها الصبر كانت  درعاً واقياً من كيد الأعداء قرر ذلك رب العالمين بقوله:{إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}(1).
أمة الإسلام  أي قطعة في الجسد هي أهم؟.لا شك أنها القلب.فمتى ما أصاب القلب ما يعطله أو يعرقل وظيفته تأثر بذلك سائر الجسد؛ وكذا أحبتي في الله جسد أمتكم أمة الإسلام فإن أخطر مكان فيه القلب  وقلب أمة الإسلام بلادكم بلاد الحرمين لأن المسلمين يتجهون نحوها خمس مرات في كل يوم وليلة في الفرائض فضلاً عن النوافل،ولأنه بفضل من الله قامت بلادكم على أساس التوحيد والعودة الصادقة إلى معين الإسلام الصافي، وحملت بتوفيق الله لواء الدعوة لدينكم الإسلام فكان لها أثرها في جميع أنحاء العالم الإسلامي؛ وأصبحت مرجعاً للعالم الإسلامي أجمع،من هنا شعر أعداء الإسلام والذين يمكرون الليل والنهار  حتى  لا تقوم للإسلام قائمة ، بخطورة الأمر فبدءوا بالكيد الخفي لها لأنهم لا يستطيعون مواجهتها مهما بلغت قوتهم بالكيد الظاهر الجلي لعلمهم أن العالم الإسلامي بأكمله سيهب للدفاع عنها لمكانتها في قلوبهم ؛ ومع الأسف كان من أبناء هذه البلاد العاقين لها من قَبِلَ أن يكون جندياً في معسكرهم ضد بلاده ، ومن أبرز أهداف ذلك المخطط القذر تكوين أجيال من أبنائكم وبناتكم لا هم لها إلا الشهوات بمختلف أنواعها لا تحمل ديناً ولا مبدءا فيسهل تحريكهم من خلال الشهوات ضد بلادهم ؛ ويصبح ولاءهم لولاة أمرهم على قدر ما يحوزون من الدنيا والصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم  يقول فيما أخرج البخاري: ((ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَاهُ إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا))(9).أو تكوين شباب متدين بغير علم يسهل التلبيس عليه وإدخاله في صراع مع ولاة أمره من خلال تكفيرهم وتفسيقهم ومن ثم الخروج عليهم وقتالهم ونبينا وحبيبنا يقول فيما أخرجه مسلم:((خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ))(10)؛
وكانت أول الخطوات التنفيذية لذلك المخطط خروج المظاهرة النسائية المعروفة مستغلة أحداث حرب الخليج الثانية ، وبفضل من الله تمكنت البلاد من مواجهتها ووأدها في مهدها،ولكن لم ييئس الأعداء فأخذوا على مدار السنوات التي أعقبت  تلك المظاهرة المشؤومة يغرقون أبناءكم وبناتكم ليل نهار بفحش القنوات الفضائية،وقذر الشبكة العنكبوتية، وكتابٍ في الصحف اليومية يتباكون على حال المرأة  المسلمة ويدعون لخروجها لمخالطة الرجال والتمرد على التعاليم الإلهية الصريحة التي قال الله فيها مخاطباً أمهات المؤمنين خاصة ونساء المسلمين عامة:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى...}(2).
ولنكن صرحاء نعم لقد أحدثت تلك الحملة الشعواء أثراً على شباب الحرمين وإن لم يكن كما يرغبون والمتابع للأحداث اليومية واهتمامات الشباب والفتيات،وما يحدث في الأسواق والمنتزهات،والتبدل في حال الحجاب،والتصاعد المقلق في الإصابة بمرض الآيدز،يدرك ذلك جيداً،كل ذلك لأن تلكم الحملة وجدت ثلة من شباب وفتيات المجتمع يعانون من ضعف الثقافة الدينية وضعف التربية،واستطاعوا اقناع فئة أخرى من الشباب بالقتل والتفجير وزعزعة الأمن في البلاد،مستغلين في ذلك بعض الظواهر السلبية التي ظهرت في المجتمع نتاج الحملة السابقة،ومن تلك الخطوات التشكيك في قدوات الأمة من علماء ودعاة السلفية حيث تقوم القنوات الفضائية المشبوهة بالتشكيك فيهم من خلال حوارات تدعي فيها الموضوعية،وهناك اليوم حملة شرسة تشنها ثلة من المنصرين العرب عبر القنوات الفضائية والشبكة العنكبويتة تشكك الناس في ثوابت دينهم وكما قال الله جل في علاه:{... وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}(3).
وكان من الجوانب التنفيذية لذلك المخطط احتضان  أجراء ينعقون الليل والنهار باسم الإصلاح وهم يهدفون لزلزلة أمن هذه البلاد وإدخالها في دوامة من المظاهرات التي يتخللها تخريب وفوضى،وإدخال البلاد في صراع بين الدولة والشعب،والسؤال هل يكون إصلاح مع المظاهرات والفوضى والتخريب؟.وإن كان بفضل من الله لم تجد تلك الدعاوى استجابة من شعب بلاد الحرمين الفطناء ،لكن لنكن واقعيين ففي كل بلاد فوضويون يحبون الفوضى ويمتهنونها فيجب أن نكون على حذر من مكر أولئك وما يخططون،لاسيما وقد اهتمت قنوات فضائية عالمية وافترت واصطنعت أحداثاً لم تقع وأعطت الحدث هالة إعلامية كبيرة من مقابلات وتحليلات وغيرها مما يشعر بعمق المكر بهذه البلاد الطاهرة،فنداء أوجهه لكل مواطن وقاطن في هذه البلاد المباركة،فأقول احذروا ثم احذروا ثم احذروا فإن بلادكم مستهدفة وأمنكم مستهدف وعيشكم مستهدف وأعراضكم مستهدفه وقبل ذلك كله وبعده فإن دينكم مستهدف فلا يخدعكم معسول الكلام فإن ما خفي في الصدور أعظم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}(4).

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن وجود دولة ونظام مهما كان فيها من سلبيات هو أفضل من انفلات في الأمن والنظام ولنا عبرة في دول مجاورة،فما بالكم بدولة نقيم فيها شعائر الله في أمن وأمان،فلنحمد الله على النعمة ولنحافظ عليها بأن نكون يداً واحدة مع ولاة أمرنا المسلمين على من يسعى للإفساد في البلاد قبل أن يتسلط على رقابنا وأعراضنا وثرواتنا غيرُ المسلمين ،أو تدخل البلاد لا قدر الله في دوامة حرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس، ولاتعطوا أسماعكم وقلوبكم لمحطات فضائية مسمومة،واعلموا أيضاً أنه لن يُردَّ عنا هذا الكيد إلا بطريق واحد لا بديل له ألا وهو الرجوع إلى الله والصدق معه فقد أخبرنا الله عن سنة إلهية ماضية حتى قيام الساعة فقال:{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}(5). وبين لنا سبحانه أن مكر أهل الكفر بنا عظيم فقال:{وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } (6).فأي طاقة لنا بمثل هذا المكر؟.فلابد لنا إذاً من الاستعانة بالقوي المقتدر والاستكانة إليه فقد قال سبحانه:{...وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}(7).وضرب الله لنا مثلاً كيف يفعل القوي المقتدر بالماكرين فقال:{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(8).أوصيكم أحبتي ونفسي بالجد في طلب العلم الشرعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي على التماسك ضد تلك المخططات حتى تفوتوا على أعدائكم مقاصدهم وتنعموا نحن بعيشة سعيدة هانئة.     

--------------------
(1)آل عمران :120.(2) الأحزاب :33.(3) التوبة :47.(4) التوبة :8.(5) الشورى :30(6) إبراهيم :46.(7) الأنفال :30.(8) النمل :50-52.(9)البخاري،الأحكام،ح(6672).
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية