اطبع هذه الصفحة


مقتل الرهينة الأمريكي بالرياض

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد قوله الفصل ليس بالهزل ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمة الدين والعقل ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر حتى مع الأعداء والكفار بالعدل ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع دينه على بصيرة غير مخل. .أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بجنة عرضها السموات والأرض وعدكم بذلك من لا يخلف الميعاد بقوله : } وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين{ (1).
معاشر الأحبة في الله تزايد بطش وتنكيل أعداء الإسلام بأبناء هذه الأمة المكلومة فهذه أنهار الدم تجري يومياً على ثرى فلسطين الحبيبة،وهاهم الشهداء يتسابقون إلى جنة ربهم وإلى معانقة الحور العين هناك وشعارهم: }...وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى{(2).
ويفعل اليهود ما يفعلون بإخواننا دون أن يعترض العالم عليهم ويوقفهم عند حدهم لما وجدوا الدعم اللامحدود من الدولة العظمى على مستوى العالم أمريكا،ويعاني إخواننا في العراق ما يعانونه من قوات التحالف وقد خرج جزء منه في صورة ما حدث في سجن أبو غريب من اغتصاب للنساء وإذلال وتعذيب تجرد من الإنسانية للرجال على يد القوات الأمريكية وما خفي كان أعظم، كل ذلك يثير الحنق والسخط في قلوب المؤمنين على تلك الدولة الظالمة والتي أصبحت تتبنى ظلم الإسلام والمسلمين والسعي لمحاربة الدين؛ ولهذا حينما ذُبح الرهينة الأمريكي ونشرت صورة قتله والتمثيل بجثته على العالم لعل بعض المسلمين وجد في ذلك راحة وشيئاً من الانتقام و الرد العملي ولو جزئياً على سياسة الغطرسة الأمريكية،
ولكن السؤال هل يجيز الإسلام ذلك الفعل؟.هل يجيز الظلم للفرد المسلم أن يتجرد من إنسانيته ومن ضوابط شريعته؟.
تعالوا أحبتي معي لنرى ذلك من سيرة نبينا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم  فهذه قريش حاولت محو الإسلام في مهده فعذبت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  بأصناف العذاب والرسول صلى الله عليه وسلم  يرى ذلك أمام عينيه آل ياسر يعذبون وهذه سمية المرأة المؤمنة الصابرة العفيفة رضي الله عنها تقتل شر قتلة  تطعن في موطن العفة بالرمح ورسول الله يقول صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة،وهذا بلال وخباب رضي الله عنهم وما نالهم من العذاب،بل أكثر من ذلك سعت قريش لارتكاب أعظم جريمة في التاريخ ألا وهي قتل سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي فماذا فعل بهم قدوتنا صلى الله عليه وسلم يوم أن ظفر بأسراهم يوم بدر لم يأمر إلا بقتل من قام بأذية المسلمين شخصياً وهم النضر بن الحارث،وعقبة بن أبي معيط فقط (3).
وكيف عامل بقية الأسرى وهم من أفراد الدولة التي آذت ومازالت تؤذي المسلمين، بل حملوا السلاح وخرجوا محاربين لله ورسوله؟.أصدر توجيهاته بقوله:((استوصوا بهم خيراً))(4).وكانوا أهل كفر وشرك! فبادر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لتنفيذ الوصية فما كانت تقع في يد أحدهم كسرة من خبز إلى ودفعها للأسرى واكتفوا هم بالتمر(4).وفي أحد قتل مشركوا قريش حمزة رضي الله عنه أسد الله وأسد رسوله عم النبي صلى الله عليه وسلم  وأخوه من الرضاعة وأحد من أعز الله به الإسلام،ولم يكن قتلاً عادياً بل قتل مع التمثيل بجثته  رضي الله عنه  هو وغيره من قتلا المسلمين في تلك المعركة، حيث بقرت بطونهم وقطعت آذانهم وفروجهم،وتخيل أخي موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو واقف أمام جثة ذلك الشهيد البطل مجندلة في التراب،وبطنه قد شقت وكبده قد أخرجت والدماء  الطاهرة تغطي المكان،في منظر مفزع يثير الغضب ويوجع القلب وقد ذكر ابن كثير في تفسيره رواية فيها ضعف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عند رؤيته ذلك المنظر:((لئن أظهرني الله عليهم لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم))(5).فأنزل الله ذلك التوجيه الرباني له وللأمة من بعده على مر الزمن:  { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ }(6).
وقد اتبع المسلمون ذلك التوجيه الرباني في سيرتهم؛فهذا هولاكو التتري الهمجي فعل هو وجيشه بالمسلمين أفعالاً شائنة بشعة من القتل والتحريق والهدم فلما ظفر بجنوده الملك المظفر قطز لم يفعل بهم كما فعلوا بالمسلمين وكانت الثمرة أن أخذوا يدخلون في دين الله أفواجاً،وهذا ريموند القائد الصليبي القذر وجنده الذين دخلوا القدس وهم يسبحون في دماء المسلمين،يوم أن تمكن منهم القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي لم يعاملهم بالمثل والقصص كثيرة،فقتل الرهينة الأمريكي الذي حدث والتمثيل البشع به لا تقره شريعتنا، كيف وهو ليس بأسير حرب وله عهد الله ورسوله؟.وإنا والله لا نبكي أمريكياً مات على الكفر فإن كان هناك متسع من البكاء فإخواننا في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان وغيرهم أحق بالبكاء، لكنا نبكي شباباً أرادوا رضوان الله وجنانه وعز أمتهم فضلت أقدامهم الطريق. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }(7).

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن ذلك لا يعني التهاون مع أهل الكفر والذل لهم لا والله وإنما هي الدعوة لأن لا يستفزنا الغضب فنتجاوز حدود الله ؛ فعند لقاء أهل الكفر في أرض القتال والمعركة لا رحمة لهم وهذا توجيه ربنا بذلك إذ يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }(8). وبقوله سبحانه: { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا..}(9).
وإن من حكم  نهي الإسلام عن التمثيل بالجثث وقتل المعاهدين وغيرها من تلك الأحكام هو بيان أن ديننا دين رحمة وليس دين قتل ودماء،فكم استغلت وسائل الإعلام الصليبية واليهودية حادثة قتل ذلك الأمريكي والتمثيل بجثته وأعادت عرضها عدة مرات لتغرس في العالم أجمع أن دين الإسلام هو دين قتل وإرهاب ودماء وهذا هو دليل من أرض الحرمين، وكم تخسر الدعوة الإسلامية بتلك الدعاية المضللة.
فهل نعي أحبتي خطورة التصرفات التي لا تتقيد بضوابط الشرع؟ وهل نعود للالتفاف حول علمائنا لنقتبس منهم العلم الشرعي الصحيح؟. فإن من أخطر الآفات وأعظم الذنوب إتباع الهوى باسم الدين؛وإني أنادي من هذا المكان الطيب المبارك أولئك الشباب مطالباً إياهم أن يغتنموا فرصة فتح باب التوبة من قبل الدولة،فالرجوع عن الخطأ أولى والله من الاستمرار فيه،فلا نكابر ولا تعمي أعيننا عصبيات جاهلية عن طريق الحق،فمقصودنا جميعاً هو رضى الله والجنان والطريق واضحة.

-------------------
(1)  آل عمران: 133.(2) طـه: 84.(3)المبارك فوري،الرحيق المختوم،ص253.(4)أبو الحسن الندوي،السيرة النبوية ، ص194. (5)ابن كثير، تفسير القرآن العظيم،ج2،ص592.(6) النحل: 126.(7) المائدة: 8.(8) التوبة: 123. (9) محمد: 4.
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية