بأي شيء تقاس الأعمار

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد القهار ، مقلب الليل والنهار ، أحمده جل شأنه وأشكره على نعم يقصر عن شكرها فناء الأعمار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده شريك له ولا ند إليه يصار ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله النبي المصطفى المختار صلى الله على هذا النبي العظيم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .أمابعد:فهذا ربكم يخاطبكم ويوصيكم ياعباد الله فاسمعوا لوصية ربكم إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:102). أحبتي في الله في نهاية كل عام يتجدد الحديث عن الأعمار ومامضى منهاوهناك فخ قديقع فيه البعض وهوأنه لايحاسب نفسه إلاعند نهاية العام فنرى رسائل الواتس التي تطلب المسامحة ونحوهاوأقول عنه إنه فخ لإنه من تسويف الشيطان حيث يوحي للبعض أن أمامك عام وفي نهاية العام تتوب،ومايدري المسكين هل يتم العام أم لا.وهنايلح سؤال:بأي شيء تقاس الأعمار؟.هل تقاس بالأعوام،أم بالأشهر،أم بالأيام، أم بالدقائق والثواني؟.معاشرالمؤمنين إن الأعمار لاتقاس بشيء مما سبق.إذاً بماتقاس؟.الحياة تقاس لدى العقلاءمن المسلمين وغيرهم بمدى الإنجاز،فكم ممن أنجز في فترة وجيزة من عمره انجازات جعلت سيرته خالدة،وكم ممن عاش لعمرطويل ومات بلا إنجازفمات وماتت معه سيرته،الإمام النووي مات صغيراً لكنه خلف تراثاً علمياًانتفعت به الأمة ولازال ذكره خالداً،صلاح الدين الأيوبي خلدالتاريخ له استعادةالمسجدالأقصى من الصليبيين، محمد الفاتح خلد له التاريخ فتح القسطنطينية،والأمثلة تطول.قد يقول قائل لست عالماً كالنووي حتى أحدث إنجازاً ولاقائداً عسكرياً محنكاً مثل صلاح الدين أومحمدالفاتح أنارجل عادي فكيف أحقق إنجازاً ؟.كيف أحقق أنجازاً وهذا الحياة الدنيا مهما طالت فهي قصيرة والزمن متسارع وصدق ربنا إذ يصفها بقوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } (النازعات: 46). كيف أحقق إنجازاً وهذه الحياة تغرنابمتاعهاوتفتنا صباح مساء بفتنها وقدحذرنا الله من الاغتراربهاوبفتنتهابقوله: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَامَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَافِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ }(التوبة:38).؟. أجيب أحبتي إن أكبرتوفيق لك من الله أن تستثمرهذه الحياة الدنياالفانية معدودةالأيام والأعوام لتحقق الإنجازالأعظم الفوزبجنة عرضهاالسموات والأرض،إذا كان هذا هو الإنجازالمطلوب فحق علينا أن نقف هناوأن نسائل أنفسنا أين قضينا ساعتنا؟.فيماذهبت أيامنا؟.في أي شيء مضت أعمارنا؟.أحبتي..أحبتي إني أناديكم من شغاف قلبي بنداء ملؤه المحبة والرحمة لنراجع أنفسنا وأناأولكم في أسلوب قضائنا لحياتنا،ووالله ثم والله ثم والله لاحياة إلاحياةالآخرة يقول ربناجل في علاه: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } (العنكبوت:64).ولانعيم إلانعيم جنان ربي الكريم أخبرنا عن ذلك حبيبنا بقوله :((يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِيَوْمَ الْقِيَامَةِفَيُصْبَغُ فِي النَّارصَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًاقَطُّ هَلْ مَرَّبِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لَاوَاللَّهِ يَارَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّالنَّاسِ بُؤْسًافِي الدُّنْيَامِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِفَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّبِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لَاوَاللَّهِ يَارَبِّ مَامَرَّبِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَارَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ))(الجمع بين الصحيحين، افراد مسلم،ح(2142)).أخي الحبيب ما رأيك أن أدعوك لتستمع معي فالذي يخاطبنا هو ربنا يخاطبنا سبحانه للنجو يخاطبنا لنسعد سعادة لا شقاء بعدهايخاطبنا بقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } (آل عمران:133).

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله على هذا النبي العظيم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أمابعد : فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن المرء يوم القيامة لا يسئل عن عدد الأعوام التي عاشها بل يسأل عن الأعمال التي عملها ويجزى عليها يقول  : ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن عمره فيم أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلا))(الترمذي،باب في القيامة،ح(2417)). والخطورة أحبتي أن مثقال الذرة يفرق هناك في يوم الحساب أخبرنا عن ذلك اللطيف الخبير بقوله : {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ () فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ () وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }(الزلزلة:6-8). وبعد أن سمعنا ما سمعنا لابد بعد العلم من العمل فلنبادر فور عودتنا لبيوتنا لمراجعة كم من اليوم نمضيه في طاعة الله ندخر فيه أعمالاً لآخرتنا وكم من الساعات تمر علينا لا نقول نعصي الله فيها بل في غفلة عن طاعة الله ، كم تأخذ الأجهزة الذكية والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعية من أعمارنا وأعمار أبنائنا ، ومن رحمة الله أن بإمكان العبد أن يحول كافة عادات حياته اليومية من أكل وشرب ونوم ونحوها إلى عبادة فقط أن ينوي بها التقوي على طاعة الله ، وذكر الله يمكن أن يملأ به الإنسان وقته في أي مكان وعلى أي حال يباح فيه ذكر الله .