اطبع هذه الصفحة


الجهل بالدين وخطره

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى،أحمده سبحانه وأشكره بصرًّ بفضله وإحسانه من شاء بطريق الهداية والتقى،وترك من اتبع هواه وشيطانه للتخبط والردى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا سيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أمابعد:
فأوصيكم معاشر المؤمنين في زمن كثر فيه أدعياء العلم واختلطت فيه القضايا والمفاهيم بتقوى الله فهي الطريق نحو البصيرة والسداد في الأمور أخبر بذلك ربنا العظيم بقوله:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }(1).
أيها الأحبة في الله هناك آفة خطرة بدأت تنخر في مجتمعنا المسلم الطاهر وقد بدت آثارها ظاهرة للعيان منذ فترة ليست بالقصيرة وأخذت تتطور حتى كان منها ما كان من التفجيرات الآثمة التي هزت قلب كل مؤمن غيور على دينه وبلاده؛تلك الآفة أيها الأحبة في الله والتي ينتج عنها مصائب عظيمة هي الجهل بالدين ، وهذه الآفة الخطرة ليست قصراً على أمتنا أو على بلادنا فهي خطرة في كل زمان ومكان ، فهؤلاء النصارى عبدوا الله على جهل فضلوا وأضلوا و لذلك أمر الله الأمة بالحذر من أن تسلك منهجهم وأن تسأل الله في كل ركعة تصليها أن تقول: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ()صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ }،عبدوا الله على جهالة فأحدثوا في دينهم ما لم يأذن به الله فذمهم الله بقوله : { ...وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَامَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }(2) . وقد حذر الله أهل الكتاب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن يسيروا على خطا من سبقهم من الجهل والضلال فقال سبحانه : { قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } (3). وقد حدث في هذه الأمة أن اتخذت طائفة منها رؤساء جهال أفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا كثيراً وكانوا سبباً لفتنة كبيرة في الأمة وتذكر المصادر بأن اليهودي عبد الله بن سبأ استغل جهل هؤلاء القوم فعبث بأفكارهم وحرضهم على خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم جميعاً فخرجوا عليهم وكانت منهم تلك الفئة الباغية التي قتلت ذي النورين عثمان رضي الله عنه وكان وقتها الخليفة حاكم المسلمين وأدخلوا الأمة بعدها في مشكلات وفتن متتابعة ، ومن أعظم ما يفتن به الجاهل أنه يجهل جهله فيرى أنه قمة في العلم وأن غيره لا يفقه من دين الله شيئاً أو أنه لا يقوم بما أوجبه الله عليه فهو يمالئ الحاكم أو يداهن في دينه فيزداد تشبثاً بجهله ويزاد عمى على عماه ؛ ومثال ذلك الخوارج الذين كفروا علياً رضي الله عنه وقاتلوه كانوا يرون أنهم قمة العلم في زمانهم مع أنه كان في ذلك الزمان حبر الأمة عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ، وقد ذهب إليهم وجادلهم وبين لهم فما فائت معه إلا فئة منهم ، والآخرين زادوا عماً على عماهم وتعصباً لأفكارهم الجاهلية السوداء ، فهل كانوا أهل فسق ؟ هل كانوا أهل مجون؟ لا والله بل كانوا أهل عبادة وصلاة وصيام كانت ترى في وجوههم خطوط من كثرة البكاء وفي جباههم أثر السجود كانوا رهباناً في الليل فرساناً في النهار ولكن على جهل ؟ فما أغنى عنهم ذلك من الله من شيء أخبر عن ذلك الصادق المصدوق فيما أخرجه البخاري في صحيحه عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ فَقَالَ : ((وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ)) فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ: ((دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ وَهُوَ قِدْحُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ)) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ.
أذكر هذا أيها الأحبة في الله لأن هناك من يحاول أن يربط بين تلك الجريمة وبين التدين وهناك من اقتنع بذلك فخاف على أولاده من التدين فأغرقهم في اللهو والفساد وقال هذا خير من تدين ينته بأعمال إرهابية ، فنقول لهم ويحكم قد أخطأتم الطريق ، وارتكبتم إثماً عظيماً فالدين من شرعه ؟ إنه شرعة الله وحاشا لله أن يشرع ما فيه قتل وتدمير وإفساد في الأرض ، الدين رحمة الدين رأفة الدين عز الدين أمن وآمان ، لكن الجهل في الدين هو المصيبة ، أقول لهم أنظروا إلى سيرة تلك الفئة المطاردة من أين تلقوا علومهم الشرعية ؟ من لا زموا من علماء هذه البلاد ؟ لا تجدون من ذلك شيئاً وإنما خرجوا من هذه البلاد الطاهرة محضن التدين على بصيرة إلى بلاد أخرى تموج فيها الفتن والتيارات وهم أصحاب جهل فغرس فيهم قوم انحرفت أفكارهم ما غرسوا وما كان عند هؤلاء علم ليميزوا بين الخطأ والصواب ، فارتضوا أولئك الرؤساء الجهال وضربوا بعلماء الأمة في هذه البلاد عرض الحائط وطعنوا فيهم،فنتج عن ذلك ما نتج.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }(4) .

الخطبة الثانية

الحمد لله على إنعامه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ..وبعد :
فاتقوا الله عباد الله ولنقف صفاً واحداً في وجه من يريد النيل من ديننا ووطننا لنقف صفاً واحداً في وجه التيارات الفكرية الهدامة التي تستهدف شبابنا وفتياتنا باسم الدين أو باسم التقدم والمدنية ؛ وذلك من خلال نشر دين الإسلام الصحيح كل حسب طاقته ، وليقم الآباء بتوجيه أبنائهم وحثهم على التزام العلماء الموثوق بدينهم ، وليجلس الأب ليناقش ابنه فيما يحمله من أفكار فإن وجده يكفر ويبدع ويفسق أئمة شهدت لهم الأمة وشهد لهم المجتمع بالخيرية والتأثير فلينتبه فإن ذلك بوادر الانحراف الفكري الخطير ، ليقم الإعلام بدوره في تبصير الناس بدينهم وطرح القضايا المعاصرة على الساحة ليعالجها أهل العلم من منظور شرعي كأحكام أهل الذمة والمستأمنين من الحربيين ونحو ذلك ، كما أن على الخطباء والأئمة توضيح مثل هذه القضايا وحكم الله فيها ولعلنا بإذن الله في الخطبة القادمة نتناول جانباً من الأخطاء الشرعية التي وقعت فيها تلك الفئة الآثمة التي قامت بالتفجيرات الأخيرة.

----------------
(1) الأنفال:29.(2)الحديد:27.(3) المائدة:77.(4)الأنعام:122.
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية