اطبع هذه الصفحة


وقفات مع أحداث الأسبوع (فايروس سارز، زلزال تركيا، أعاصير أمريكا)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمد لله ناصر دينه وحافظ جنده وهازم أعدائه أحمده سبحانه وأشكره على عظيم نعمه وكبير إحسانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يصيب بعذابه من يشاء ويرحم من يشاء ويمهل إلى أجل مسمى من يشاء،وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداًعبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تحوزوا على الأمان النفسي والمعيشي يقول ربكم في محكم التنزيل : } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا{ (1) .
أيها الأحبة في الله في ظل انتفاش الباطل وزهوه وظنه أنه قادر على التحكم في مصير البشر كما يشاء،يرسل القوي المقتدر سبحانه علامات وعبر لتشعر ابن آدم بأنه مهما ملك من الأسلحة ومهما بلغ من القوة والسلطان وكثرة الجمع فهو عاجز حقير ، فما أن انتهت الأحداث الأخيرة بما فيها إلا ووقعت أحداث تناقلها الإعلام العالمي فيها عبرة وطمأنينة للعباد المؤمنين ولي مع تلك الأحداث الأخيرة وقفات
الوقفة الأولى : مع ما ظهر للعالم من شيء جديد، يقتل الناس على فرشها دون أن يهدم البيوت أو أن يدمر المدن، ينتقل من بلد إلى بلد بدون تأشيرة دخول أو جواز سفر ، لا تقف في وجهه الحدود الدولية ولا الحواجز الجمركية ولا ترهبه الحشود العسكرية أعلمتم ما هو ؟ إنه فيروس سارز الذي نشر الرعب في العالم أجمع فما من دولة إلا وهي تحتاط له وتخشى أن يحط رحاله فيها قتل أكثر من خمس وثلاثين وأربعمائة شخص من بينهم الطبيب الذي كشف أمره وأصيب به ما جاوز الستة آلاف مصاب(2).فلا إله إلا الله ما أضعف هذا الإنسان الذي غرته الدنيا بزخرفها فاغتر بعلمه واغتر بقوته ونسي وصف الله له بقوله:{..وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا}(3) ؛ ويتجلى هذا الضعف في أن فيروساً صغير الحجم لا يرى حتى بالمجهر العادي يصرعه ويلزمه الفراش وقد ينهي حياته،يحوله من إنسان يبارز ربه بالمعاصي و يظلم الخلق إلى مجرد جسد ملقى على سرير المرض أو جثة ملفوفة في أكفانها تنتظر من يحملها إلى قبرها،ويبلغ الضعف الإنساني لكافة البشر قمته يوم ترى أن البشرية بأكملها وبما تملك من صواريخ وقنابل نووية وسفن فضائية تقف عاجزة مكتوفة الأيدي أمام هذا المخلوق الصغير وتعترف بضعفها قائلة في مرحلة معينة ليس له علاج،يقف الطب بكل ما أوتي من تطور و آلات عاجزاً عن أن يقدم للمريض ما يعيد إليه الحياة ، هذا العجز والضعف البشري يتجلى في حياة البشر في اليوم أكثر من مرة في صورة سكرة الموت حيث تقف جميع البشرية عاجزة عن منع خروج روح المحتضر مهما كان منصبه ومهما كانت أمواله ومهما كان سلطانه يقرر تلك الحقيقة من بيده ملكوت السموات والأرض في آيات تتلى إلى يوم القيامة بقوله:{ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ()وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ()وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ()فَلَوْلَا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ()تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}(4).وإن المرء ليتساءل هل يتحرك هذا الفيروس بأمر ه؟بمزاجه؟بهواه؟ الجواب بلا شك لا،فمن ذا الذي يوجهه؟من ذا الذي يحركه؟إنه مدبر الكون وخالقه إنه القائل في محكم التنزيل:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(5)،إنه القائل {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(6) . الله أكبر فما هو إلا جندي من جنود الله يأتمر بأمر الله ويصيب بقدر الله وإرادته :} وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{(7).
الوقفة الثانية: مع الزلزال الذي أصاب دولة إسلامية،وكم في الزلزال من عبر ودلالات على عظمة الله وعلى قدرة الله وعلى أن المتصرف في هذا الكون هو الله،فقولوا لي بربكم ماذا تغني الأسلحة الدقيقة والفتاكة والمدمرة،يوم يأتي أمر الله فتهتز الأرض فجأة فيفزع الإنسان ويهرب ولكن إلى أين الهرب فالأرض التي يدب عليها هي مصدر الخطر،وإذا بالبيوت تتهاوى على رؤوس ساكنيها وإذا بمدن تدمر ويقتل الآلاف في ثوانٍ أو دقائق معدودات ، ويقف الجميع عاجزون ضعفاء مهما ملكوا من آليات ضخمة ومتقدمة حتى ينقضي الزلزال وتسكن الأرض فيهرعون لإنقاذ الضحايا. فالله أكبر ما أشد ضعف المخلوق و الله أكبر ما أعظم قوة الخالق { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}(7).
الوقفة الثالثة: مع الأعاصير التي اجتاحت وسط الولايات المتحدة الأمريكية تلك الدولة التي يرى كثير من سكان الأرض أنها الدولة الكبرى والقوة التي لا تهزم،ضربت الريح وسطها فدمرت أحياء بأكملها ونقلت قطاراً ضخماً من فوق قضبانه وأطاحت به،وقتلت وجرحت فماذا أغنت عنهم قوتهم وماذا أغنت عنهم أسلحتهم لم يستطيعوا أن يحركوا ساكناً حتى هدأت الريح فخرجوا ليبحثوا عن الضحايا فلا إله إلا الله ما أشد ضعف المخلوق وإن عظم في أعين المخلوقين ولا إله إلا الله ما أعظم قدرة الخالق،فمن ذا الذي أرسل تلك الريح؟ومن ذا الذي جعلها تحدث ذلك الدمار بالقوم ؟ إنه الله القوي المقتدر،فما هي إلا من جند الله الواحد الأحد { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }(7).
فيا قومي أتظنون أن هذا الرب العظيم المقتدر سيخلي بين القوم الكافرين وبين دينه؟أتظنون أن الرحمن الرحيم سيخلي بين القوم الكافرين وبين العباد المؤمنين يفعلون بهم كيف شاؤا؟لا والله وحاشاه سبحانه فهذا فرعون يوم أن أراد أن يبيد الدين وأهله أن يقتل موسى ومن معه وكان وقتها في قمة قوته وسلطته وكان موسى في قمة ضعفه المادي والعددي،عندها تدخل القوي المقتدر فجعل النصر لموسى ومن معه والخزي والذل والهلاك لفرعون ومن معه، وهذا أبرهة الحبشي الأشرم تفرد بالبيت ولم يكن بينه وبين هدمه إلا أن يتقدم نحوه،فتدخل الجبار العظيم فدمره وجيشه بطيور أبابيل،وهذه قريش جاءت يوم بدر وكانت في قمة قوتها وسطوتها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال من الضعف المادي والعددي شديد،فتدخل القوي المقتدر سبحانه وجعل النصر لرسوله ومن معه وجعل الذل والصغار على قريش ومن معها،وهكذا الأمر في حال قطز مع التتار وصلاح الدين مع الصليبيين وغيرها الكثير،فأبشروا وأملوا فإن نصر الله قريب،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :}...وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{ (8) .

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أمابعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنه لا سعادة ولا عز ولا تمكين ولا نصر للأفراد ولا للأمة إلا بالعودة إلى الله والسير على الطريق الذي ارتضاه له من التمسك بكتاب الله والسير على سنة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وعدٌ وعد به من لا يخلف الميعاد بقوله:}...وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ{ (9).فلم يعد بالنصر الغافلين أو المذنبين أوالمطبلين فأوفوا لله بما طلب يوفي لكم الكريم بما وعد :} وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ{(10).

----------------------
(1) الطلاق:2،3. (2)المدينة،عدد (14621)،ص32. (3) النساء:28. (4) الواقعة:83،87. (5) الأنعام:59. (6) فاطر:11.(7) الفتح:4 . (8) الحج:40.(9) الروم :47. (10) محمد:38.

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية