ما موقفنا من المهن الحرفية ؟
(joma739) 11/6/1438هـ )

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الكبير المتعال،إليه المرجع والمآل،أحمده جل شأنه وأشكره على نعمه العظيمة وأسأله أن يحفظها من الزوال،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له ولا ند يرجى منه النوال،وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبد الله ورسوله بهي الطلعة جميل الخصال صلى الله على هذ النبي العظيم وعلى الصحب والآل.أمابعد:فاتقوا الله عباد تفوزوا بجنة عرضها السموات والأرض فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت وعلى خطر على قلب بشر وعدكم ذلكم ربكم بقوله:{ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ()لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ()تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّ}(مريم:61-63).أحبتي في الله سؤال أوجهه لنفسي قبل أن أوجهه لكم لأن القضية مشتركة بيننا جميعاً لذى نريد أن نتأملها سوياً، هل إذا تقدم لخطبة ابنتك أو اختك صاحب مهنة سباك أو نجار أو ميكانيكي أو غيرها من المهن هل تزوجه؟.وإن وافقنا أنا وأنت على ذلك هل توافق الفتاة على ذلك؟.ولو كان دخله الشهري يتجاوز العشرة الاف ريال؟.أحبتي أنا واحد منكم وأعيش في نفس المجتمع ونشترك في أعرافنا الاجتماعية،بيد أني أجزم أن أغلبنا لا يوافق على هذا الزواج لأن هذا غدا عرفاً اجتماعياً.هنا يجب أن نتوقف وننظر هل هذا العرف عرف شرعي؟.هل الشرع لا يؤيد الاقتران من صاحب الحرفة؟.الحقيقة أن الله أمرنا بالسعي في الأرض ولم يحدد لنا مجالاً محدداً فقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }(الملك:15).أشرف الخلق الأنبياء والرسل ومنهم نبينا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم عملوا برعي الغنم في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ)) فَقَالَ: أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ: ((نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ))(البخاري،رعي الغنم على قراريط،ح(2102)).العمل المهني عمل يدوي وقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم العامل بيده فقال صلى الله عليه وسلم : ((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ))(البخاري،كسب الرجل وعمله بيده،ح(1930)).بعد ما سمعنا أحبتي هل النظرة الاجتماعية للحرفي وصاحب المهنة بأنه أقل شأناً من الموظف الإداري نظرة صحيحة شرعاً؟.بناء على النتيجة هل نحن مأمورون باتباع الشرع أم باتباع العرف؟.هل تعلمون يا كرام أن هذه النظرة الخاطئة ترتب عليها مشكلات اجتماعية عدة ؟.فالشاب اصبح إذا تخرج من الثانوية لا يريد إلا الدخول للجامعة ولا يبحث عن المجالات المهنية التي قد يتفوق فيها وإذا لم يجد فرصة للجامعة جلس في البيت واصبح رقماً اضافياً في عداد البطالة وعبئاً على والديه ومجتمعه وقد ينحرف عياذاً بالله نتيجة الفراغ،ترتب على تلك النظر الخاطئة أن تكدست البيوت بالعوانس اللواتي لا يردن الحرفي ولو كان دخله عالياً نتيجة تلك النظرة الخاطئة اصبح المجتمع يقف على حافة مشكلة خطرة،فلو أن اخوتنا من الوافدين لأي سبب وتحت أي ظرف خرجوا من البلاد فإن البلاد تصاب بالشلل، أحبتي في الله القاعدة التي يجب علينا أن نعرفها وأن نعتقدها أن أي عرف اجتماعي أو غيره يجب أن يخضع لحكم شريعة الله فما كان موافقاً للشريعة قبلناه وطبقناه وسنجد فيه الخير كل الخير،وما كان لا تسنده شريعة الله عز وجل فلا ينبغي أن يكون له مكاناً في حياتنا لأنه سيكون سبب بلاء وتعب ومشكلات للأفراد وللمجتمع وقد حدد لنا ربنا المنهج بقوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى()وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه:123-124).

الخطبة الثانية :
الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله على هذا النبي العظيم وعلى آله وصحبه وأتباعه. أمابعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن أبواب الرزق ليست محدودة بل هي كثيرة ومتنوعة هكذا اقتضت حكمة الله حتى تتكامل الحياة وتسير ، وأن الضابط الرباني في التفاضل بين الناس هو التقوى قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13).وأن علينا أن نشجع أبناءنا على ولو كانوا طلاباً في الجامعة على اكتساب حرفة يرتزقون منها ورب حرفة اغنت صاحبها عن تسول الوظيفة، كنت اتحدث مع طلابي في الجامعة حول هذا الموضوع وأهمية الحرفة فقال لي أحد الطلاب إن لي زميل تخرج من الجامعة وأمضى عاماً أو يزيد بلا وظيفة ثم دخل دورة في صيانة الجوالات وعمل في هذا المجال ولما سأله صديقه الطالب عن ذلك قال له:لن أفكر يوماً في وظيفة فدخلي الشهري من صيانة الجوالات يزيد على اثني عشر الف ريال شهرياً، بالطبع هذا مثال وليس دعوة لأن يعمل الشباب جميعهم في هذا المجال فالمجالات كثيرة ومتنوعة،والأمر ليس قصراً على الشباب بل حتى الفتيات،فكم من النساء الذكيات اكتسبت حرفة وسوقت عبر وسائل التواصل واصبح كسبها وهي في بيتها وبين أولادها أضعاف تلك التي خرجت وتتعرض للضغوط النفسية والفتن، يكفي مثالاً أن تتأملوا دخل المشاغل النسائية وأماكن تزيين النساء.