اطبع هذه الصفحة


جرب المدارس وجرب الإيمان
(joma774) 20 /7 /1439هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله العليم القدير،الخبير البصير،أحمده جل شأنه وأشكره جعل بيده الأمر والتدبير،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له إليه المصير،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ رسالة ربه بلا كلل ولا تقصير صلى الله على هذا النبي العظيم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .أمابعد:فهذا ربكم يوصيكم ياعباد لله فاستمعوا لوصية ربكم إذ يقول:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }(آل عمران:102).أحبتي الكرام شُغل الناس في مكة المكرمة خلال الأسبوع الماضي بوجود حالات للجرب ببعض المدارس، وتعاطى كل منهم بحسبه فمحترفوا الإشاعات نشروا إشاعة تعليق الدراسة في جميع مدارس مكة المكرمة، ومنهم من أعطى الموضوع أكبر من حجمه،ومنهم من اطلق لسانه بلا تقوى ولا ورع وتعرض لشريحة من شرائح المجتمع المكي فاتهمهم بسوء النظافة فنقول له أحمد الله على النعمة، ولو كنت تعيش في نفس ظروف الفقر والحاجة التي يعيشونها ربما كان وضعك أسوء منهم،ومن الناس من منع أبناءه من الذهاب للمدارس خوفاً عليهم ومساهمة في عدم انتشار المرض، وهذا السلوك الذي يسمى في عصرنا بالحجر الطبي الهدف منه محاصرة المرض وعدم انتشاره، وله أصل في ديننا فهذا خير البشر صلى الله عليه وسلم يوجهنا بذلك في مواجهة الأمراض المعدية الخطيرة بقوله: ((إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا))( لبخاري،كتاب الطب،ح5287)، لنقف هنا أحبتي ونتأمل في سلوك المجتمع أمام نوعين من الجرب: الجرب الجلدي والجرب الإيماني؛الجرب الجلدي يؤدي لتشوه في الجلد ولا يؤدي الجلد وظيفته بفاعلية كالجلد السليم،وكذلك الجرب الإيماني يصيب الإيمان في قلب العبد المؤمن فتتشوه لديه معالم الإيمان، ولا يعود الإيمان يؤثر بفاعلية على أقواله وأفعاله،ومما ذكره الأطباء من أسباب الجرب الجلدي ترك الأوساخ تتراكم على الجسم وعدم المبادرة بنظافته أولاً بأول، ومن أسباب الجرب الإيماني ترك الذنوب تتراكم على القلب وعدم المبادرة لتنظيف القلب أولاً بأول بالتوبة والاستغفار يقول سيدي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم : ((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ))(مسلم،بدأ الإسلام غريباً..،ح(207))،إذاً فصاحب الجرب الجلدي واضح يمكن رؤيته بالعين، وصاحب الجرب الإيماني يمكن معرفته من خلال اتباعه لهواه وإعراضه عن شريعة ربه ومولاه، مصاب الجرب الجلدي يعرف مرضه ويسعى للعلاج منه،إلا إن الكارثة والمصيبة العظمى في صاحب جرب إيماني لا يشعر بمرضه ويكابر ولا يبحث لنفسه عن علاج، أتعرفون لماذا؟.لأن الذنوب والمعاصي غطت على أهم عضو في جسده على قلبه فتعطلت لديه وسائل الإحساس جميعاً فما عاد يدرك الخطر الذي هو فيه تعالوا واسمعوا لربنا يخبرنا عمن تعطلت حواس الإدراك لديهم بقوله: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }(الأعراف:179).أيها الأذكياء الفطناء تأملوا معي في حال من تعطلت حواس الإدراك لديهم فكانوا من أصحاب النار ، وبين حال أهل الجنة من المتقين الذين تعمل حواسهم بفضل الله بكفاءة عاليه هاهو ربكم يخبركم عنهم بقوله:{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}(الأعراف:201).

الخطبة الثانية :الحمدلله الملك الحق المبين،أحمده جل في علاه وأشكره جعل الجنة مثوى المتقين،وجعل النار مثوى الكافرين،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا معين،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صادق الوعد الأمين صلى الله على هذا النبي العظيم وعلى آله وصحابته أجمعين.أمابعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن جرب الإيمان أشد فتكاً وانتشاراً وعدوى من الجرب الجلدي لدى كانت النصيحة الربانية من الله العليم لحبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم وهومن هو في الإيمان بقوله:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطً}(الكهف:28).وحذر صلى الله عليه وسلم أمته من تلك العدوى وضرب لها مثالاً رائعاً بقوله:((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً))(البخاري،المسك،ح(5108)).فيا عباد الله كما أشفقتم على أولادكم من مرض الجرب الجلدي مع أنه مرض له علاج، فوالله لنحن أحق بالخوف والإشفاق الشديد على أنفسنا وعلى أهلينا من الجرب الإيماني لاسيما وأن فيروسات الفتنة والمنكرات أصبحت تكاد تخالط كل ذرة من ذرات الهواء الذي نستنشقه،وهي تصل إلى بيوتنا وأولادنا ليس عبر الأصدقاء فقط بل عبر الأجهزة الذكية ومختلف التطبيقات ووسائل التواصل، فاللهم سلم سلم،وكما تعودون أولادكم قراءة الأذكار ليحفظهم الله من الأمراض، عودوهم كثرة الابتهال إلى الله أن يعصمهم من الفتن،فهذا الحبيب صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه فيقول:((..تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ..))(مسلم،عرض مقعد الميت،ح(5112)).

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية