صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حوار مع قلب

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمد لله المطلع على خفيات السرائر ،العالم بمكنونات الضمائر، المستغني في تدبير ملكه عن المشاور والموازر، أحمده سبحانه وأشكره على خيره المتكاثر وعلى كل نعمه الخفي منها والظاهر وقد وعد بالمزيد لكل شاكر،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلب القلوب وغفار الذنوب،وستار العيوب ومفرج الكروب ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المحبوب والرسول الصادق غير المكذوب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله فبالتقوى تُصلحُ القلوب وتُغفرُ والذنوبُ يقول جل وعلا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(29)}الأنفال

أخي الحبيب هذا حوار قلب يحاور صاحبه فأنصت إليه يا رعاك الله علَّ الله أن ينفعني وإياك به يقول هذا القلب : يا صاحبي أنا قلبك أنا أهم قطعة في بدنك لا أقصد من الناحية الطبية فهذا الأمر معلوم لدى الجميع لكن أقصد من الناحية الأخرى التي غفل عنها البعض في هذا الزمان،أنا أهم قطعة فيك أنا أهم من عماراتك وسياراتك وأموالك وكل ما تملك لأن سلامتي هي أساس نجاتك في يوم القيامة الرهيب ألم تسمع لقول الخلاق العظيم: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)}(الشعراء) أنا أهم قطعة فيك لأنه متى ما صلحت صلح لسانك فلا ينطق بالفحش والحرام وصلح بصرك فلا ينظر إلى حرام ، وصلح سمعك فلا يسمع الحرام،وصلحت يدك فلا تمتد إلى حرام،وصلحت رجلك فلا تمشي إلى حرام،وصلح عقلك فلا يفكر في الحرام ، وصلحت نفسك فلا تتوق إلى الحرام، يا صاحبي هذا ليس من قولي بل هو من قول نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: (( أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ))البخاري(الإيمان ح 50) ، يا صاحبي إني أشفق عليك من حيلة خبيثة بثها عدوك اللدود الشيطان فانطلت مع الأسف على بعض الناس حيث قال لهم إن الإيمان في القلب وأن الإنسان مادام قلبه طيباً لا يُضيره ما فعل ، فأقول لك لا والله لا تصدق ذلك فإنه لو صلح القلب لصلح القول والعمل وهذا هو نص الحديث السابق، لا تصدق من يتحدث بفحش الكلام ثم يقول لك إن هذا كلام من طرف اللسان وإن قلبي سليم فقل له لقد أخبرنا من هو خير وأصدق منك ومن البشرية جمعاء رسولنا حيث قال:((لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))المسند لأحمد(12575)،يا صاحبي إذا كان خير البرية صلى الله عليه وسلم يقول:((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ))مسلم الإيمان (70) فإذا كان عدم تغيير المنكر دلالة على ضعف الإيمان في القلب فما بالك بارتكاب المنكر بنفس منشرحة وقلب مسرور؟ يا صاحبي اعلم أن الله لا يزيغ قلب عبد عن طريق الهدى حتى يزيغ العبد نفسه أولاً أتريد دليلاً على ذلك؟ إذاً استمع إليه من كتاب ربك حيث يقول الله جل جلاله:{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(5)}الصف،يا صاحبي أناشدك الله أن تنأى بي عن العمى فإنك إن عميت أنت في عينيك فصبرت فزت وفزنا جميعاً يقول صلى الله عليه وسلم :((إِنَّ اللَّهَ قَالَ إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ)) البخاري كتاب المرضى (5221)، أما إن عميت أنا قلبك فهلكنا جميعاً يقول ربنا جل وعلا:{ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(46)}الحج، أتدري يا صاحبي ما سبب مرضي وإصابتي بالعمى أو موتي والعياذ بالله إنها المنكرات التي ترد لي من جوارحك من السمع الحرام،من النظر الحرام ،من الفعل الحرام، من الكسب الحرام، من اللفظ الحرام،يا صاحبي مالي أراك سخي علي بما يضعفني من المنكرات والإكثار من المباحات ، وتبخل علي بما يقويني من الطاعات من الصلاة من قراءة القرآن من الذكر من الدعوة إلى الله من مجالسة الصالحين من ذكر الموت وما بعده من أنواع الطاعات التي تحي القلوب يا صاحبي هل أنبئك بعلامات تعرف بها مرض قلبك من صحته؟ إذا طلبت ذلك فهاك بعضها إذا كنت تجلس أمام وسائل الإعلام ساعات طويلة تقلب بصرك وسمعك فيما فيها من منكرات فإذا جاء حديث خير أو قراءة لقرآن شغلت نفسك عنها بأمور أخرى فاعلم أن قلبك على خطر،إذا كنت تجلس في المجلس مسروراً متى ما كان الحديث في غير الدين فإذا ذكر الله والدار الآخرة انقبض قلبك وضاق صدرك فاعلم أن قلبك على خطر ومصداق ذلك قول العليم الخبير:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ(45)}الزمر ،إذا كنت تحضر المواعظ وخطب الجمع وتخرج منها كما دخلت دون أن تتأثر فاعلم أن الموعظة قد لا مست أذنيك ولما وجدت الطريق إلى قلبك قد سد أمامها بران المعاصي خرجت ولم تستفد منها ومصداق ذلك قول العظيم سبحانه:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(14)}إذا قرأت أو سمعت القرآن ولم تتأثر فاعلم أن قلبك قد وصل من الخطورة ما وصل فالله يقول:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أقطعة لحم صغيرة في صدرك أشد قساوة وصلابة من الجبال؟ إذا كان قلبك ساهياً لا هياً في الصلاة وفي الذكر وفي الدعاء فاعلم أن قلبك على خطر،إذا كنت تفعل في حياتك ما تشاء لا فرق بين معروف ولا منكر فاعلم أن قلبك على خطر عظيم ومصداق ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم :((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ))مسلم الإيمان (207)،إذا كنت لا تجد في قلبك رحمة للصغير واليتيم والمسكين فقلبك على خطر،إذا ابتغيت أجر العمل الصالح من غير الله كثناء الناس أو نحوه فقلبك على خطر،إذا تعلق قلبك بالطبيب حين المرض،وبالمرتب آخر الشهر حين الرزق،واعتمدت على ما لديك من عقارات ومدخرات ونسيت أن الله هو الرازق الشافي فلم تطلب منه فقلبك على خطر،إذا لم يكن قلبك معلق بالله في كل أحوالك فقلبك على خطر،إذا كان هناك شيء أحب إليك من الله ورسوله فاعلم أن قلبك على خطر أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ()إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)}الشعراء

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى وصحبه واتباعه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:فيستمر القلب في محاورة صاحبه قائلاً:يا صاحبي إن من علامات صحتي الإقبال والتلذذ بالطاعات والنفرة والتقزز من المنكرات، يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه لو صلحت قلوبكم ما شبعتم من كتاب الله ، وكان قوم يفضلون صلاة الليل على الفراش الوثير وحضن الزوجة الدافئ لأن قلوبهم صحت فوجدوا في الطاعة من اللذة ما يفوق لذة النوم والفراش والزوجة، ومن علامات الصحة اطمئنان القلب لذكر الله وسعادته وانشراحه ومصداق ذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ(28)}الرعد، وجل القلب حينما يُذكر الله من علامات صحته يقول تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2)}الأنفال، وعلامات الصحة لا تخفى على أولي البصيرة،وقد تسألني يا صاحبي فتقول بعد أن سمعت ما سمعت إني أود أن يكون قلبي قلباً صالحاً نقياً فما السبيل إلى ذلك؟ فأقول لك إن السبيل إلى ذلك سهل ميسر اقبل على الله بصدق وتب إلى الله من كل ما سلف من الذنوب والخطايا واغسل ران قلبك بذنوب الندم الحارة،اكثر من الطاعات وفِرَّ من المنكرات فرارك من الأسد الجائع،اكثر من المسح على رأس الأيتام وأحسن إليهم ، تخفف من الطعام والشراب والضحك والكلام فيما لا ينفع وإن كان من المباح فإن كثرته تقسي القلب،أكثر من تذكر الموت وما بعده وزر المقابر وتفكر في حال أهلها،أكثر من مجالسة الصالحين وأكثر من القراءة في سير السلف الصالح،ثم استن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان أكثر دعائه في السجود يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك،فاكثر من دعاء من بيده قلبك أن يصلحه،واحرص على صلاح قلب زوجتك وأولادك ومن حولك.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية