اطبع هذه الصفحة


صلاة الفجر في حياة المسلم

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمد لله عظيم القدر،نافذ الأمر،جعل من بعد العسر يسر،ومن بعد ظلمة الليل انبلاج الفجر،أحمده سبحانه وأشكره أن شرع لنا الصلاة فيها راحة وطمأنينة لكل تقي تمكن الدين من قلبه فاستقر،وخص منها بالمزايا صلاة الفجر،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الميامين الغر .أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله يقول الله جل جلاله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(18)}.
عباد الله إن من رحمة الله بنا وجوده وإحسانه علينا أنه لم يجعل بيننا وبين الوقوف بين يديه ومناجاته حواجز أو موانع فالمسلم يستطيع مناجاة ملك الملوك جل جلاله في أي وقت وفي أي مكان فمعه مسجده ومعه طهوره ، ثم جعل لمن غفل عن ذلك خمس أوقات رسمية يناديك فيها منادي الله حي على الصلاة حي على الفلاح، يناديك ربك لا لحاجته إليك وإنما لحاجتك أنت إليه يناديك لتقف بين يديه فيزداد إيمانك وتزكوا نفسك ويطهر قلبك ويرضى عنك ربك وقد خص الله صلاة الفجر بمزيد من التذكير فهذا منادي الله حين ينادي لصلاة الفجر يقول الصلاة خير من النوم هذه الكلمات حينما يسمعها قلب المؤمن ينتعش وتنبت فيه حدائق الإيمان فتكون تلك الكلمات كقطرات خير أصابت أرضاً خصبة مباركة فأتت أكلها ضعفين ، أتدرون أحبتي لما استيقظ المؤمن وتأثر بهذه الكلمات لأنه دثر قلبه قبل النوم بمناجاة ربه في صلاة الليل وطهر جسده من الذنوب بوضوء قبل النوم فنام على طهارة وحرس نفسه طوال الليل بتلاوة آية الكرسي والمعوذات ونفخ في كفيه ومسح بهما جسده ، أما الذي دثر قبل  النوم قلبه بعهر القنوات أو بفساد المسلسلات أو بفحش الأغنيات أو بجريمة المعاكسات ، ثم كان آخر عهده بالدنيا قبل نومه سيجارة أطفأها أو مجلة فجور كان يقلب صفحاتها فنام على غير وضوء وعلى غير ذكر تفوح منه رائحة دخانه فقد نام في دثاره شيطان وغطى قلبه بلحاف الران ! فنقول لمثل هذا يا أخي الحبيب ماذا لو كانت تلك اللحظات هي آخر لحظات حياتك فلم تصح منها إلا في ظلمة القبر وأنت تسأل ؟ ألم تسمع إلى العديد من القصص لأناس ناموا على أمل أن يستيقظوا غداً فما استيقظوا إلا على هول القبر وظلمته وفتنته ! أتدرون أحبتي لِمَ لَمْ يستيقظ أمثال هؤلاء لصلاة الفجر ؟ لأن كلمات الأذان الطيبة الطاهرة جاءت لتدخل من الأذن فوجدتها قد سُدت ببول الشيطان،وجاءت لتدخل إلى القلب فتاهت في ظلمات المعاصي الكثيفة التي غطى بها ذلك المحروم قلبه ، أخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقِيلَ مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ مَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ ،وَاخْتُلِفَ فِي بَوْل الشَّيْطَان , فَقِيلَ هُوَ عَلَى حَقِيقَته . قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيْره لَا مَانِع مِنْ ذَلِكَ إِذْ لَا إِحَالَة فِيهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الشَّيْطَان يَأْكُل وَيَشْرَب وَيَنْكِح فَلَا مَانِع مِنْ أَنْ يَبُول . وَقِيلَ هُوَ كِنَايَة عَنْ سَدّ الشَّيْطَان أُذُن الَّذِي يَنَام عَنْ الصَّلَاة حَتَّى لَا يَسْمَع الذِّكْر . وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَان مَلَأَ سَمْعه بِالْأَبَاطِيلِ فَحَجَبَ سَمْعه عَنْ الذِّكْر([1]).
أيها الأحبة في الله تعالوا لننظر ماذا خسر ذاك الذي فرط في صلاة الفجر مع الجماعة:الخسارة الأولى أنه أصبح خبيث النفس كسلان لما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ([2]).الخسارة الثانية:قد يخسر من ترك صلاة الفجر مع الجماعة لغير عذر النور في وقت يكون في أشد الحاجة إليه في يوم القيامة الرهيب أخرج الترمذي([3]) وأبو داود عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،ثم قال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَرْفُوعٌ وهُوَ صَحِيحٌ مُسْنَدٌ وَمَوْقُوفٌ إِلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسْنَدْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .الخسارة الثالثة: يحرم باباً من أبواب رحمة الكريم العظيمة فعند ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشَّاءُونَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ أُولَئِكَ الْخَوَّاضُونَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ([4]).الخسارة الرابعة:يخسر شهادة الملائكة له عند اللطيف الخبير بأن كان من المصلين أخرج البخاري في صحيحه  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ))([5]) فهل تحب أخي أن يشهد لك بالنوم فيقال تركناهم وهم نائمون وأتيناهم وهم نائمون ؟ .الخسارة الخامسة:يخسر أجراً عظيماً يعطاه على أمر لم يفعله أخرج الإمام مسلم عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ))([6]) فها هو مصل الفجر في جماعة يُعطى أجر من قام الليل كله!.الخسارة السادسة:يخسر براءة من النفاق؛فالذي يستيقظ لصلاة الفجر بخفة وحب ونشاط عنده براءة بإذن الله من النفاق كما أخبر بذلك الحبيب المصطفى e فيما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ))([7]) وعند النسائي من رواية أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقَالَ: ((أَشَهِدَ فُلَانٌ الصَّلَاةَ قَالُوا لَا قَالَ فَفُلَانٌ قَالُوا لَا قَالَ إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ أَثْقَلِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ وَلَوْ تَعْلَمُونَ فَضِيلَتَهُ لَابْتَدَرْتُمُوهُ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))([8])وكشف خسائر تارك صلاة الفجر مع الجماعة يطول ولكن حسبي ما ذكرت،فيا من يتقنون حساب الأرباح والخسائر في الدنيا أدعوكم ونفسي لإتقان حساب الأرباح والخسائر في الآخرة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا(78)}

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفى بالتمام والوفى وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى و ند له يبتغى وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الإمام المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وعلى آله الأطهار الحنفا.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على الصلوات عامة في جماعة المسجد و خصوا بمزيد من الحرص صلاة الفجر تسعدوا،واعلموا رحمني الله وإياكم أن مما يعين على الاستيقاظ لصلاة الفجر التخفف من الذنوب والمعاصي،وأن يجعل العبد آخر عهده بالدنيا قبل النوم طاعة كصلاة الوتر وأذكار النوم أو قرءاه شيء من القرآن ومحاسبة النفس وأن ينام العبد على طهارة،وأن يقرأ أية الكرسي حين يأوي إلى فراشه،التخفف من الطعام والشراب الإحساس بأهمية صلاة الفجر في حياة المسلم وأنها أساس البركة في اليوم والنجاة يوم القيامة،الاهتمام بوضع وسائل للتنبيه من النوم،كضبط ساعة للتنبيه،أو التواصي مع أهل الخير من الجيران بأن يوقظ بعضهم بعضاً إما عن طريق الهاتف أو جرس الباب،لكني أقول للجار المحب للخير الذي يسعى لإيقاظ جاره أن يترفق به فقد يدفع الحماس بعض المحبين للخير إلى أن يظل يضرب على جرس الباب حتى يخرج إليه رب الدار فيطمئن برؤيته أنه قد استيقظ أو يستمر في مواصلة الاتصال بالهاتف حتى يرد عليه،فأقول له إن في هذا حرصاً تشكر عليه لكنه قد يؤدي إلى نتيجة عكسية فأنت لا تدري بظرف رب البيت فقد يكون قد استيقظ قبلك وكان في أثناء محاولتك إيقاظه مشغولاً بالاستعداد للصلاة في مكان لا يستطيع فيه الرد عليك فتزعج أهله،وقد يكون بالبيت طفل يبكي طوال الليل لم ينم إلا قبيل الفجر فيستيقظ بسبب إصرارك على رد صاحب المنزل ونحو ذلك من الظروف،وإنما يكفي طرق خفيف تظن أن صاحب المنزل قد استيقظ معه،أيها الأحبة في الله إن من الجميل أن يتعاون أهل الحي أو حتى أهل العمارة الواحدة على إيقاظ بعضهم بعضاً لصلاة الفجر فهذا من التعاون على البر والتقوى،وليعلم أن كل من أيقظ مسلماً سواء كان من أهل بيته أو من جيرانه لصلاة الفجر فإن له مثل أجره،كما أحب التنبيه على الأباء بأن تعويدهم أبنائهم على صلاة الفجر من الصغر سوف يدفعهم للمحافظة عليها وتسهل عليهم في الكبر.


([1]) ابن حجر في الفتح كتاب الجمعة .
([2]) صحيح البخاري كتاب الجمعة ،حديث (1074)
([3])الترمذي ، كتاب الصلاة ، ح (207)
([4]) ابن ماجة ، كتاب المساجد والجماعات ،ح (771)
([5]) البخاري كتاب مواقيت الصلاة ، ح (522)
([6]) مسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، ح(1049)
([7]) البخاري ، كتاب الأذان ، ح(617)
([8]) النسائي ، كتاب الإمامة ،ح (834)
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية