اطبع هذه الصفحة


الطاعة طريق العزة والتمكين

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله ولي المتقين وناصر ومعز عباده المؤمنين،أحمده سبحانه وأشكره جعل العاقبة للمتقين والنصر لعباده الطائعين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يخرج عن تدبيره وقهره وسطوته خلق من العالمين وأشهد أن رسولنا وحبيبنا وأمامنا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث بالرسالة للثقلين الإنس والجان أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:فأوصيكم عباد الله بتقوى الله فهي طريق العزة والتمكين يقول ربنا جل وعلا:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ}([1]).
دخل على رستم قائد الفرس في مجلسه الذي قد زينه وبالغ في زينته حيث زين بالنمارق الذهبية وزرابي الحرير وأظهرت فيه اليواقيت واللآلئ الثمينة والزينة العظيمة ، وجلس رستم على سرير من ذهب ووضع على رأسه تاجاً مرصعاً بأثمن الجواهر ، دخل عليه وهو بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة لم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ، فهل احتقر نفسه ولبسه أمام أبهة العظمة والسلطان التي تذهب بالأبصار أمامه ؟ هل زاغت عينه يوم أن رأى الذهب والجواهر وبهر بها فصرفته عن مراده وغرضه ؟ لا . لأن في قلبه إيمان رفعه فوق الدنيا وزينتها وحلق به في السماء ، نظر إلى تلك البهرجة الدنيوية وتذكر جنات الخلد جنات عرضها السموات والأرض أعدها الله لعباده الصالحين وجعل الشهداء الذين سفكوا دماءهم في سبيله يتبوؤن أعلى المنازل بها ، وقارن مقارنة سريعة ما هذا الذهب وما هذه الجواهر وما هذه الزينة التي زين بها الإنسان دنيا زائلة إلى جوار جنة زينها بديع السموات والأرض فاحتقر تلك الزينة وأخذ يدلل لهم على احتقاره لها بغرسه لرمحه في تلك الفرش الحريرية وهو يتوكأ عليه ويمزقها به حتى وقف الذي شغل بإيمانه وجنة ربه أمام الذي شغل بدنياه وقوته وزينته ودار ذلك الحوار بين الفريقين واسمعوا لذلك الحوار ؟ يسأل رستم : ماجاء بكم ؟ فلم يتلعثم ولم يفكر لأن الغاية واضحة في نفسه كالشمس فهم قوم ما خرجوا يقاتلوا من أجل تراب أو من أجل قبيلة أو عصبية أو من أجل أي شعارات من الشعارات الأرضية إنما خرجوا ليجعلوا كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ، خرجوا من أجل نصرة لا إله إلا الله محمد رسول الله ، خرجوا من أجل نشر لا إله  إلا الله محمد رسول الله ، فأجاب : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها،ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله ، قالوا : وما موعود الله ؟ قال الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي(2).الله أكبر ما أعظمها من كلمات لا تصدر إلا عن يقين عظيم وإيمان راسخ كالجبال الرواسي؛ كان ذلكم الرجل هو ربعي ابن عامر ولم يكن يمثل نفسه فقط بل كان يمثل أمة الإسلام بأكملها في ذلك الزمان التي عرفت أن طريق النصر والعزة والتمكين يبدأ بطاعة الله وينتهي بطاعة الله يبدأ بطاعة الله لأن القوي المقتدر يقول : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(3).تبدأ بطاعة الله لأن الله يقول:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(4).وتنتهي بطاعة الله لن المليك المدبر يقول: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}(5). هذا المعنى كيف تغفل عنه أمة الإسلام اليوم وقد أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ : ((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ..))(6). فكيف بأمة أغلبها من أولياء الله، للأمة آيات بينات في سيرة رسولها r  تدلها على أن طاعة الله والاستقامة على منهجه هي طريق العزة والنصر والتمكين فهذا يوم بدر يوم أن أقبلت قريش بخيلها وخيلائها وحدها وحديدها تنوي استئصال الإسلام وإبادة أهله، فحشدت ذلك الجيش العظيم العدد والعدة، بينما كان جيش الإسلام قليل العدد والعدة ولكن كانوا قوماً أهل طاعة وإيمان كانوا قوماً تربوا على يدي رسول الله r فماذا حدث ؟ تعطلت القوانين المادية الأرضية وانتقلت قيادة المعركة من الأرض إلى السماء:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(7).اشتركت جنود السماء مع جنود الأرض في المعركة وصدرت التوجيهات الربانية : {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}(8).فكان النصر لأهل الطاعة والاستقامة وكان الذل والصغار على أهل المعصية والكفر ، وفي يوم الخندق الذي اجتمعت فيه العرب قاطبة وتمالأ معها اليهود من داخل المدينة على إبادة الإسلام وأهله ووقع المسلمون في شدة وضيق يصفها العليم الخبير بقوله:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ()هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}(9). لكنهم كانوا قوماً أهل طاعة أهل صلاح أهل استقامة أهل صلاة وقرآن ، وما كان الله ليخلف وعده لهم ويتخلى عنهم في تلك الظروف حاشاه سبحانه وبحمده فجاء النصر الإلهي والذي عبر عنه القوي العزيز بقوله : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}(10).فأذل الله وأخزى أهل المعصية والكفر والطغيان ونصر أهل الطاعة والاستقامة والإيمان وأخبرنا عن ذلك بقوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}(11).أيها الأحبة في الله وقد يأتي الشيطان فيقول لأحدنا هذا رسول الله مع صحبه وذلك خاص بذلك الزمان ولا مكان له في غيره ، فنقول له لا والله بل هي قاعدة مضطردة خالدة إلى يوم القيامة وضعها رب العالمين بقوله : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}(12). فهذا أبو مسلم الخولاني يقتحم النار التي أو قدها له الأسود العنسي الكذاب فتستحي النار أن تحرق رجلاً ألقي فيها من أجل لا إله إلا الله فلا تحرق أبا مسلم بإذن الله ويخرج منها سليماً كما دخل، وهذا عقبة بن نافع لما افتتح القيروان جاء إلى غابة مليئة بالهوام والسباع فناداهم بأعلى صوته يا أيها الدواب إنا نازلون فاظعنوا وكررها ثلاث مرات فلم يبقى شجر ولا حجر إلا خرج من تحته دابة حتى شوهدت الوحوش وهي تحمل أولادها هاربة مطيعة لأمر ذلك القائد المسلم المطيع لربه(13)، وهذا الإمام أحمد يرسل إليه الخليفة العباسي بأن لدينا جارية تصرع فتعال لتقرأ عليها فيرسل الإمام أحد تلامذته بحذائه ويقول له خاطب الشيطان الذي فيها وقل له إن الإمام أحمد يخيرك بين أن تخرج وبين أن تضرب بهذا النعل فتأتي الإجابة من ذلك الشيطان بقوله:إن الإمام أحمد أطاع الله فأطاعه كل من في الأرض ولو أمرنا أن نخرج من العراق لخرجنا! الله أكبر فهل بعد هذا يشك أحد في أن طاعة الله هي مفتاح السعادة والنصر والعزة والتمكين في الأرض؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}(14). 

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله. فها نحن قد علمنا طريق السعادة والعزة فما نحن فاعلون ؟ ليعد كل منا وليتأمل في حاله وحال زوجه وبيته وأولاده هل هم من العباد المؤمنين الطائعين؟لينظر حاله مع الصلاة حاله مع القرآن حاله مع قيام الليل حاله مع بر الوالدين حاله مع صلة الرحم حاله مع كل جوانب الطاعة، فإن كان مطيعاً فالحمد لله وإن وجد غير ذلك فليتب إلى الله وليعد لطريق الحق.ثم لينظر كل منا ماذا فعل ليكثر من عدد الصالحين في الأمة حتى يتنزل النصر على الأمة ؟ ماذا فعل مع أهل بيته،مع أقربائه،مع أهل حيه،مع زملائه في العمل؟معاشر المؤمنين إن أردنا لأمتنا نصراً وعزاً وتمكيناً وأمناً وغنى فلابد لنا من العمل على نشر الطاعة بين العباد وتحبيبهم فيها،وإلا والعياذ بالله فالتردي في الحال والمآل وقد قال الله في محكم التنزيل:{..إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ..}(15). 

---------------------
([1]) الأنبياء:105.(2)ابن كثير،البداية والنهاية،ج7،ص39.(3)محمد:7.(4)الأنفال:45.(5)الحج:41.(6)البخاري،الرقاق، ح(6021) .(7)الأنفال:17. (8)الأنفال:12.(9)الأحزاب10،11.(10)الأحزاب:9.(11)الأحزاب:25.(12)الروم:47.(13)عقيلان، أبطال ومواقف،ص188.(14)النور:55. (15)الرعد:11.
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية