صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ذم الكبر

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمدلله الخالق البارئ المصور العزيز العلي المتكبر، الجبار الذي كل جبار له ذليل خاضع،وكل متكبر في جناب عزه مسكين متواضع،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له القهار الذي لايدفعه عن مراده دافع ،الغني الذي ليس له شريك في الملك ولا منازع،وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله بعثه الله لأهل الهدى نجم ساطع،وعلى أهل الفجور والخنا سيف قاطع صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ماسجد لله ساجد أو ركع لله راكع .
أما بعد:فأوصيكم عباد الله بوصية الله للأولين والآخرين إذ يقول:{..وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}.
عباد الله خُلقٌ يزينه الشيطانُ لضعفاءِ ومرضى النفوس فينفخ فيهم حتى ينتفخ أحدهم ويرتفع كالبالون ؛ فتتلاعب بهم الأهواء ويكونون عرضة للسقوط والتلاشي في أي لحظة،هذا الخلق هو خلق الكبر والذي عرَّفه لنا خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه بقوله :((الكِبرُ بَطَرُ الحقِ وغَمطُ الخَلْقِ)) فالمتكبر يرد الحق مهما كان مصدره ويرى نفسه أنه هو الأعلا ولاشيء يعلوه فينظر لكل الناس نظرة احتقار وازدراء ؛ وإمام المتكبرين وقدوتهم في ذلك عدو البشرية جمعاء إبليس أعاذنا الله وإياكم من شره ومكره حيث رد الحق حين جاءه من رب العالمين ورأى نفسه أنه الأفضل وقال قولته التي ملؤها التكبر العفن :{ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ(76}(ص)وتبع إبليس في نهجه طائفة من البشر قص الله علينا حكايتهم فمنهم من تكبر على الله كفرعون يوم أن قال:{.. أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى}والنمرود يوم أن قال:{ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ..}(البقرة)وكفار قريش يوم أمروا بالسجود فقالوا:{..وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا(60}(الفرقان)وتكبر قوم على رسل الله فقال قوم فرعون:{ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ(47}(المؤمنون)وقال كفار قريش:{ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ االْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ(31}(الزخرف)وتكبر أقوام على خلق الله فكان مصير الجميع الهلاك والبوار.
الكبر ياعباد الله مهلكة وأيُّ مهلكة فالمتكبر يصرفه العزيز الجبار عن تدبر أياته يقول تعالى:{ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ(146}(الأعراف)المتكبر يختم القدير على قلبه فلا يميز بين الحق والباطل يقول الله جل جلاله:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ(35}(غافر)
المتكبر ياعباد الله ارتكب ذنباً عظيماً فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((يقولُ اللهُ تعالى :الكِبرِياءُ رِدَائي والعَظمَةُ إِزاري فمن نازعني واحِداً منها ألقيتهُ في جهنمَ ولا أبالي))مسلم.
إن الكبر ياعباد الله أمره خطير فيكفي المرء أن يكون في قلبه مثقال ذرة من كبر ليُحرم الجنة ونعيمها فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لايَدخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كانَ في قلبهِ مِثْقَالُ ذَرّةٍ مِنْ كِبْر ..))(مسلم)
المتكبرون هم أول من تبحث النار عنهم يوم القيامة أخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((يخرجُ مِنَ النارِ عُنُقٌ لهُ أُذنان تسمعانِ،وعينانِ تُبْصِرانِ،ولِسانٌ ينطقُ ، يقولُ:وُكّلْتُ بثلاثةٍ.بكلِ جبارٍ عنيدٍ ،وبكلِ من دعا مع اللهِ إله آخرَ، وبالمصورين))
المتكبرون يا أمة الهدى هم من حطب جهنم ووقودها فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((احتجتِ الجنةُ والنارُ ، فقالتِ النارُ:فيَّ الجبارون والمتكبرون ..))(مسلم)ويوم الحشر يفضح الناس كل بما كان يعمل في الدنيا وممن يفضح في ذلك اليوم الرهيب المتكبرون يقول صلى الله عليه وسلم :((يُحشرُ المتكبرونَ على أمثالِ الذّرّ (أي صغار النمل)في صُورِ الرجالِ يغْشاهمُ الذّلُ من كلِ مكان،يساقونَ إلى سَجنٍ في جهنمَ يُقالُ له بُولَسٌ،تعلوهم نار الأنيار يُسقونَ مِنْ عُصارَةِ أهلِ النارِ طينةُ الخبالِ)) (النسائي والترمذي).
والكبر ياعباد الله احساس بالعظمة في النفس ينعكس في صورة تصرفات المتكبر فإما أن يكون اختيال في المشية أو إعجاب بالرأي حيث يرد كل رأي مخالف ولو كان حقاً أو استبداد في المنصب وازدراء للأخرين ،ومن الصور التي تدلك على المتكبر أنه يُكثر الطعن في الناس إما في هيئاتهم أو في فقرهم أو في علمهم أو عقيدتهم لأنه يريد أن يقول للناس إني أنا الوحيد الكامل وإن كل من حولي من الناس ناقصين.
وأخطر أنواع الكبر من يتكبر على شريعة الله فتأتيه بالأية والحديث الدالة على خطأ ما هو فيه فيقول لا أستطيع الحياد عما أنا فيه وقد يتحجج بالظروف وتغير الزمان وغيرها ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يأكل بشماله فقال له كل بيمينك فقال لا أستطيع، فقال له صلى الله عليه وسلم لا استطعت ما منعه إلا الكبر فشلت يمين الرجل ، فهلا انتهى أقوام عن الكبر على شريعة الله من قبل أن تحل بهم عقوبة من العزيز الجبار؟
وأشد ما يفتك الكبر بالأسرحينما يتكبر الزوج على زوجته وأولاده فيستبدبهم،أو حينما تتكبر الزوجة على زوجها على أنها الأجمل أو الأكثر مالاً أو نحو ذلك من أمور الدنيا.
وتشتد المرارة حينما يُتعبُ الأبُ أو الأم نفسه في تعليم أبنه أو ابنته ثم يتكبر فيرى نفسه أنه عالم وهم جهَّال.
وكم من جاهل أهلكه من حوله حيث قدموه على أنه العالم المبجل فقبلوا رأسه بمناسبة وبغير مناسبة وإذا مشى مشوا من خلفه تبعاً له وإذا تحدث كأن على رؤسسهم الطير واعتقدوا في أن رأيه لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،فإذا طعن في رجل اعتقدوا النقص فيمن طعن فيه بغير أن يطلبوا الدليل والبينة ،وإذا تصرف تصرفاً ولو خاطئاً اعتبروه صواباً لأنهم ادعوا أو كادوا أن يدعوا له العصمة ، والمسكين ظن بنفسه تلك الصفات فانتفش وانتفخ حتى كاد أن يقول ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد وماعلم أنه هلك وأن أول من جنى عليه أتباعه، فإذا رأيت من يظنه الناس من العلماء يغضب إذا لم يقف له الناس ولم يقبلوا رأسه ويحملوا نعله فاغسل يدك منه وكبر عليه أربعاً فإن العالم الحقيقي يزيده علمه تواضعاً،وهذا الأمر نجده على كافة المستويات وفي مختلف الشرائح الاجتماعية،فالنفاق الإداري للمدير والمسئول هو مما يهلك ذلك المسئول إن لم يكن من أهل البصيرة ، ونفاق الطلاب للمدرسين يهلك ضعفاء النفوس منهم وقس على ذلك .
وإذا نظرنا ياعباد الله إلى طائفة المتكبرين فنجد أن كلاً منهم قد تكبر بنعمة من نعم الله أتاه الله إياها فمنهم من تكبر لسعة في المال وآخر لمنصب وجاه وثالث لكثرة علم أو كثرة عباده ونحو ذلك،لكن هناك طائفة أشد عذاباً وأشد مقتاً وهي طائفة لم تؤتى من أسباب الكبر شيء ومع ذلك تأبى نفوسهم المريضة إلا الكبر وهذه الطائفة يقول عنها صلى الله عليه وسلم :((ثلاثةٌ لا يُكَّلِمُهُمُ اللهُ يومَ القيامةِ ولا يُزكيهم ولا ينظرُ إليهم ولهم عذابٌ أليم وذكرَ منهم وعائلٌ(أي فقير) مستكبر))أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ(72}(الزمر).

الخطبة الثانية
الحمدلله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمة الإيمان والهدى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يبتغى ولا ند له يرتجى وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أمام التقى وعنوان الطهر والنقاء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء .
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وليحاول كل منا أن يعالج هذا الداء في نفسه وفي الاخرين فإنه يبدأ في النفس صغيراً ثم يكبر إن لم يُتدارك حتى يصعب علاجه ومن وسائل علاج ذلك تذكير النفس الدائم بأصل خلقتها وما هيتها، يروى أن مُطرِّف بن عبد الله الشِّخِّير رأى المهلب وهو يتبختر في جبة خز،فقال:ياعبدالله إن هذه مِشيةٌ يُبْغِضُها الله ورسوله .فقال له المهلب:أما تعرفني؟ فقال:بل أعرفك أولك نطفة مَذِرة وآخرك جيفة قذرة وأنت بين ذلك تحمل الَعذِرة فمضى المهلب وترك تلك المَشية ،وكان المهلب ملكاً.
وأحياناً قد يُلم بالمرء لمة من كبر فإن صرفها فإنها لاتضره بإذن الله ومن ذلك ما روي أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أم الناس في صلاة فلما سلم قال لتَلْتَمِسُنّ إماماً غيري،أو لَتُصَلُّنَّ وُحداناً،فإني رأيت في نفسي أنه ليس في القوم أفضل مني، فهكذا النفوس المستضيئة بنور الإيمان تتدارك أي غمزة من غمزات الشيطان.
ومن وسائل علاج النفس في زمننا المعاصر أن يحمل أحدنا كيس النفايات ليلقيه في مكانه ويتعمد أن يراه الناس أو إذا جاء بمشتريات من السوق يحملها على ظهره ويصعد بها إلى البيت،ومع الأسف هناك من يستعلي على مثل هذه الأمور ويرى أنها من مهمة السائق أو الخادمة،بل مع الأسف هناك من يربي أولاده وزوجته على الكبر فيشتري لهم أفضل الملابس ويقول لهم لتكونوا أفضل الناس،ويصف زوجته وبنياته بأن هن أجمل الناس،ويصف ولده بأنه أعلم الناس وهكذا ولا يعني هذا أيها الأحبة أننا نمنع الرجل من شراء الملابس الجيدة لأهله أو الثناء عليهم لكن لاتغرس في نفوسهم أنهم أفضل الناس بل علمهم التواضع وإن رأيت فيهم من الكبر شيئاً فسارع بعلاجه فإن أهملته فثق أنك أول من تدفع الثمن وكم من زوج غرس في زوجته أنها أجمل الناس فصدقت ذلك واحتقرته وتكبرت عليه وطالبت بالفراق لأنها رأت أنه لايستحقها،ولنا في هدي الفاروق مع نفسه وولده أسوة ففي يوم جمع الناس وصعد المنبر وقال إني كنت أجير اً عند بني فلان وكنت أرعى الغنم لبني فلان وتكلم على هذا النحو فلما نزل عاتبه بعض الناس بأن لا داعي لذكر ذلك فقال أعجبتني نفسي فقالت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فأردت أن أذلها ودخل عليه يوماً أحد أحفاده في حلة جديدة وقد تنظف وتطيب وترجل فقام عليه عمر فضربه بالدرة فقالت أمه لم يا أمير المؤمين فقال رأيت أن نفسه أعجبته فأردت أن أذله،و لا يفهم أحبتي أن معنى ذلك مواصلة الإذلال المتواصل للأهل والأولاد إنما هو التوازن والمؤمن بصير
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية