اطبع هذه الصفحة


فوائد من تفسير سورة الفاتحة والبقرة
للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ..
تفسير مطبوع في 3 مجلدات .. الطبعة الأولى 1423هـ .. دار ابن الجوزي ..

فهد بن عبد الله الجريوي
@FF8008

 

فوائد من المجلد الأول :

 

1 ـ سورة الفاتحة سميت بذلك لأنه افتتح بها القرآن الكريم ، وقد قيل : إنها أول سورة نزلت كاملة . ص3 .

 

2 ـ سورة الفاتحة لها مميزات تتميز بها عن غيرها ، منها أنها ركن في الصلوات التي هي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، ومنها أنها رقية إذا قرئ بها على المريض شُفي بإذن الله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي قرأ على اللديغ ، فبرئ : ( وما يدريك أنها رقية ) .

وقد ابتدع بعض الناس اليوم في هذه السورة بدعة ، فصاروا يختمون بها الدعاء ، ويبتدئون بها الخطب ويقرؤونها عند بعض المناسبات ، وهذا غلط : تجده مثلاً إذا دعا ، ثم دعا قال لمن حوله : ( الفاتحة ) يعني اقرؤوا الفاتحة ، وبعض الناس يبتدئ بها في خطبه أو في أحواله ، وهذا أيضاً غلط لأن العبادات مبناها على التوقيف ، والاتباع . ص 3-4 .

 

3 ـ هل البسملة آية من الفاتحة أو لا ؟..

في هذا خلاف بين العلماء فمنهم من يقول : إنها آية من الفاتحة ، ويقرأ بها جهراً في الصلاة الجهرية ، ويرى أنها لا تصح إلا بقراءة البسملة لأنها من الفاتحة ومنهم من يقول : إنها ليست من الفاتحة ولكنها آية مستقلة من كتاب الله وهذا القول هو الحق ودليل هذا : النص ، وسياق السورة .

أما النص :

فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : إذا قال : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) قال الله تعالى : أثنى علي عبدي ، وإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال الله تعالى : مجدني عبدي ، وإذا قال ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال الله تعالى : هذا بيني وبين عبدي نصفين ، وإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال الله تعالى : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) ..

وهذا كالنص على أن البسملة ليست من الفاتحة ، وفي الصحيح عن أنس بن مالك  قال : ( صليت خلف النبي  وأبي بكر ، وعمر ، فكانوا لا يذكرون ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في أول قراءة ولا في آخرها ) والمراد لا يجهرون والتمييز بينها وبين الفاتحة في الجهر وعدمه يدل على أنها ليست منها .

أما من جهة السياق من حيث المعنى :

فالفاتحة سبع آيات بالاتفاق ، وإذا أردت أن توزع سبع الآيات على موضوع السورة وجدت أن نصفها هو قوله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وهي الآية التي قال الله فيها : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) لأن ( الحمد لله رب العالمين ) واحدة ( الرحمن الرحيم ) الثانية ( مالك يوم الدين ) الثالثة ، وكلها حق لله  ( إياك نعبد وإياك نستعين ) الرابعة يعني الوسط وهي قسمان : قسم منها حق لله ، وقسم حق للعبد ( اهدنا الصراط المستقيم ) للعبد ( صراط الذين أنعمت عليهم ) للعبد ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) للعبد .

فتكون ثلاث آيات لله  وهي الثلاث الأولى ، وثلاث آيات للعبد وهي الثلاث الأخيرة وواحدة بين العبد وربه وهي الرابعة الوسطى ..

فالصواب الذي لا شك فيه أن البسملة ليست من الفاتحة كما أن البسملة ليست من بقية السور . ص7 ـ 9 .

 

4 ـ قال تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ) فهنا تقديم وصف الله بالألوهية على وصفه بالربوبية : وهذا إما لأن ( الله ) هو الاسم العَلَم الخاص به ، والذي تتبعه جميع الأسماء ، وإما لأن الذين جاءتهم الرسل ينكرون الألوهية فقط . ص 10 .

 

5 ـ ربوبية الله تعالى مبنية على الرحمة الواسعة للخلق الواصلة ، لأن الله تعالى لما قال : ( رب العالمين ) كأن سائلاً يسأل : ما نوع هذه الربوبية ؟ هل هي ربوبية أخذ ، وانتقام ، أو ربوبية رحمة ، وإنعام ؟..

قال تعالى : ( الرحمن الرحيم ) . ص11

 

6 ـ في قوله تعالى : ( مالك ) قراءة سبعية : ( مَلِك ) و( المَلِك ) أخص من (المالك ) .

ففي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة ، وهي أن ملكه  ملك حقيقي ، لأن من الخلق من يكون ملكاً ، ولكن ليس بمالك : يسمى ملكاً اسماً وليس له من التدبير شيء ، ومن الناس من يكون مالكاً ، ولا يكون ملكاً : كعامة الناس ، ولكن الرب  مالك ملك . ص 12 .

 

7 ـ قال تعالى : ( مالك يوم الدين )

إن قال قائل : أليس مالك يوم الدين ، والدنيا ؟..

فالجواب : بلى ، لكن ظهور ملكوته ، وملكه ، وسلطانه ، إنما يكون في ذلك اليوم لأن الله تعالى ينادي : ( لمن الملك اليوم ) فلا يجيب أحد فيقول تعالى : ( لله الواحد القهار ) في الدنيا يظهر ملوك يعتقد شعوبهم أنه لا مالك إلا هم فالشيوعيون مثلاً لا يرون أن هناك رباً للسموات ، والأرض يرون أن الحياة : أرحام تدفع ، وأرض تبلع ، وأن ربهم هو رئيسهم . ص 12ـ 13 .

 

8 ـ ليعلم أن القراءة التي ليست في المصحف الذي بين أيدي الناس لا تنبغي القراءة بها عند العامة لوجوه ثلاثة :

الوجه الأول : أن العامة إذا رأوا هذا القرآن العظيم الذي قد ملأ قلوبهم تعظيمه ، واحترامه إذا رأوه مرة كذا ، ومرة كذا تنزل منزلته عندهم لأنهم عوام لا يُفرقون.

الوجه الثاني : أن القارئ يتهم بأنه لا يعرف لأنه قرأ عند العامة بما لا يعرفونه فيبقى هذا القارئ حديث العوام في مجالسهم .

الوجه الثالث : أنه إذا أحسن العامي الظن بهذا القارئ وأن عنده علماً بما قرأ فذهب يقلده فربما يخطئ ثم يقرأ القرآن لا على قراءة المصحف ، ولا على قراءة التالي الذي قرأها وهذه مفسدة .

ولهذا قال علي رضي الله عنه : ( حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكذب الله ورسوله ) . وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ( إنك لا تحدث قوما ً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) .

والحمد لله : ما دام العلماء متفقين على أنه لا يجب أن يقرأ الإنسان بكل قراءة ، وأنه لو اقتصر على واحدة من القراءات فلا بأس ، فدع الفتنة وأسبابها . ص 18 ـ 19 .

 

9 ـ قال تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .

هذا من بلاغة القرآن حيث جاء التعبير عن المغضوب عليهم باسم المفعول الدال على أن الغضب عليهم حاصل من الله تعالى ، ومن أوليائه . ص 20 .

 

10 ـ قال تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .

فقدم سبحانه الأشد ، فالأشد لأنه تعالى قدم المغضوب عليهم على الضالين لأنهم أشد مخالفة للحق من الضالين فإن المخالف عن علم يصعب رجوعه بخلاف المخالف عن جهل . ص 20 .

 

11 ـ سورة الفاتحة سورة عظيمة ، ولا يمكن لي ولا لغيري أن يحيط بمعانيها العظيمة ، لكن هذا قطرة من بحر ، ومن أراد التوسع في ذلك فعليه بكتاب (مدارج السالكين ) لابن القيم . ص20 .

 

12 ـ قال في افتتاح سورة البقرة : ( آلم ) .

هذه الحروف الهجائية اختلف العلماء فيها ، وفي الحكمة منها على أقوال كثيرة يمكن حصرها في أربعة أقوال :

القول الأول : أن لها معنى ، واختلف أصحاب هذا القول في تعيينه : هل هو اسم لله أو اسم للسورة أو أنه إشارة إلى مدة هذه الأمة أو نحو ذلك .

القول الثاني : هي حروف هجائية ليس لها معنى إطلاقاً .

القول الثالث : لها معنى الله أعلم به ، فنجزم بأن لها معنى ولكن الله أعلم به لأنهم يقولون : إن القرآن لا يمكن أن ينزل إلا بمعنى .

القول الرابع : التوقف ، وألا نزيد على تلاوتها ونقول : الله أعلم : ألها معنى ، أم لا وإذا كان لها معنى فلا ندري ما هو .

وأصح الأقوال فيها القول الثاني وهو أنها حروف هجائية ليس لها معنى على الإطلاق وهذا مروي عن مجاهد ، وحجة هذا القول : أن القرآن نزل بلغة العرب وهذه الحروف ليس لها معنى في اللغة العربية مثل ما تقول : ألف ، باء ، تاء ، ثاء ، جيم ، حاء . . . ، فهي كذلك حروف هجائية .

أما كونه تعالى اختار هذا الحرف دون غيره ، ورتبها هذا الترتيب فهذا ما لا علم لنا به .

هذا بالنسبة لذات هذه الحروف ، أما بالنسبة للحكمة منها فعلى قول من يعين لها معنى فإن الحكمة منها : الدلالة على ذلك المعنى مثل غيرها مما في القرآن .

وأما على قول من يقول : ( ليس لها معنى ) ، أو : ( لها معنى الله أعلم به ) أو : ( يجب علينا التوقف ) .. فإن الحكمة عند هؤلاء على أرجح الأقوال وهو الذي اختاره ابن القيم ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، واختاره تلميذه الحافظ الذهبي ، وجمع كثير من أهل العلم هو الإشارة إلى بيان إعجاز القرآن العظيم ، وأن هذا القرآن لم يأت بكلمات ، أو بحروف خارجة عن نطاق البشر وإنما هو من الحروف التي لا تعدو ما يتكلم به البشر ومع ذلك فقد أعجزهم .

فهذا أبين في الإعجاز لأنه لو كان في القرآن حروف أخرى لا يتكلم الناس بها لم يكن الإعجاز في ذلك واقعاً لكنه بنفس الحروف التي يتكلم بها الناس ومع هذا فقد أعجزهم ، فالحكمة منها ظهور إعجاز القرآن الكريم في أبلغ ما يكون من العبارة ، قالوا :

ويدل على ذلك أنه ما من سورة افتتحت بهذه الحروف إلا وللقرآن فيها ذكر إلا بعض السور القليلة لم يذكر فيها القرآن لكن ذُكر ما كان من خصائص القرآن :

فمثلاً قوله تعالى : ( كهيعص ) ليس بعدها ذكر للقرآن ولكن جاء في السورة خاصية من خصائص القرآن وهي ذكر قصص من كان قبلنا : ( ذكر رحمت ربك عبده زكريا ) .

كذلك في سورة الروم قال تعالى في أولها : ( الم * غلبت الروم ) فهذا الموضع أيضاً ليس فيه ذكر للقرآن ولكن في السورة ذكر شيء من خصائص القرآن وهو الإخبار عن المستقبل : ( غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين ) .

وكذلك أيضاً قوله تعالى : ( الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) ليس فيها ذكر القرآن ولكن فيها شيء من القصص الذي هو أحد خصائص القرآن : ( ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا ) .

فهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره جمع من أهل العلم هو الراجح :

أن الحكمة من هذا ظهور إعجاز القرآن في أبلغ صوره ، حيث أن القرآن لم يأت بجديد من الحروف ومع ذلك فإن أهل اللغة العربية عجزوا عن معارضته وهم البلغاء الفصحاء . ص22 ـ 24 .

 

13 ـ قال الله : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه )

أشار إليه سبحانه بأداة البعيد ( ذلك ) لعلو منزلته لأنه أشرف كتاب ، وأعظم كتاب ، وإذا كان القرآن عالي المكانة والمنزلة ، فلا بد أن يعود ذلك على المتمسك به بالعلو والرفعة ، لأن الله يقول : ( ليظهره على الدين كله ) وكذلك ما وُصف به القرآن من الكرم ، والمدح ، والعظمة فهو وصف أيضاً لمن تمسك به . ص 25 ، ص28 .

 

14 ـ من القواعد الهامة في فهم وتفسير القرآن :

أنه يجب علينا إجراء القرآن على ظاهره ، وأن لا نصرفه عن الظاهر إلا بدليل ، مثل قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ..

فهذه الآية ظاهرها خبر لكن المراد بها الأمر لأنه قد لا تتربص المطلقة فما دمت تريد تفسير القرآن الكريم فيجب عليك أن تجريه على ظاهره إلا ما دل الدليل على خلافه ، وذلك لأن المفسر للقرآن شاهد على الله بأنه أراد كذا وكذا وأنت لو فسرت كلام بشر على خلاف ظاهره للامك هذا المتكلم ، وقال : لماذا تحمل كلامي على خلاف ظاهره !..

ليس لك إلا الظاهر ، مع أنك لو فسرت كلام هذا الرجل على خلاف ظاهره لكان أهون لوماً مما لو فسرت كلام الله ، لأن المتكلم غير الله ربما يخفى عليه المعنى ، أو يعييه التعبير ، أو يعبر بشيء ظاهره خلاف ما يريده ، فتفسره أنت على ما تظن أنه يريده ، أما كلام الله فهو صادر عن علم ، وبأبلغ كلام ، وأفصحه ، ولا يمكن أن يخفى على الله ما يتضمنه كلامه فيجب عليك أن تفسره بظاهره . ص26 ـ 27 .

 

15 ـ قال تعالى : ( إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) .

من فوائد هذه الآية أن الإنسان إذا كان لا يشعر بالخوف عند الموعظة ، ولا بالإقبال على الله تعالى فإن فيه شبهاً من الكفار الذين لا يتعظون بالمواعظ ، ولا يؤمنون عند الدعوة إلى الله . ص38 .

 

16 ـ قال الله تعالى : ( يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) .

إن قيل : كيف يكون خداعهم لله وهو يعلم ما في قلوبهم ؟..

فالجواب : أنهم أظهروا إسلامهم فكأنما خادعوا الله لأنهم حينئذ تُجرى عليهم أحكام الإسلام ، فيلوذون بحكم الله ـ ـ حيث عصموا دماءهم وأموالهم بذلك . ص45 .

 

17 ـ قال تعالى : ( وإذا قيل لهم ءامنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما ءامن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون )

من فوائد الآية : أن كل من لم يؤمن فهو سفيه ، كما قال الله تعالى : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) . ص51 .

 

18 ـ قال عن المنافقين : ( وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ) .

المنافق ذليل لأنه خائن فهم ( إذا لقوا الذين ءامنوا قالوا آمنا ) خوفاً من المؤمنين ، ( وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ) خوفاً منهم ، فهم أذلاء عند هؤلاء ، وهؤلاء ، لأن كون الإنسان يتخذ من دينه تقية فهذا دليل على ذله ، وهذا نوع من النفاق لأنه تستر بما يُظَن أنه خير وهو شر . ص54 ـ 55 .

 

19 ـ قال تعالى : ( يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ) .

قيل : إن في الآية مجازاً من وجهين :

الأول : أن الأصابع ليست كلها تجعل في الأذن ..

والثاني : أنه ليس كل الأصبع يدخل في الأذن ..

والتحقيق : أنه ليس في الآية مجاز ، أما الأول : فلأن ( أصابع ) جمع عائد على قوله تعالى : ( يجعلون ) فيكون من باب توزيع الجمع على الجمع ـ أي يجعل كل واحد منهم أصبعه في أذنه ، وأما الثاني : فلأن المخاطب لا يمكن أن يفهم من جعل الأصبع في الأذن أن جميع الأصبع تدخل في الأذن ، وإذا كان لا يمكن ذلك امتنع أن تحمل الحقيقة على إدخال جميع الأصبع ، بل الحقيقة أن ذلك إدخال بعض الأصبع ، وحينئذ لا مجاز في الآية .

على أن القول الراجح أنه لا مجاز في القرآن أصلاً لأن معاني الآيات تدرك بالسياق ، وحقيقة الكلام : ما دل عليه السياق وإن استعملت الكلمات في غير أصلها ، وبحث ذلك مذكور في كتب البلاغة ، وأصول الفقه .

وأكبر دليل على امتناع المجاز في القرآن :

أن من علامات المجاز صحة نفيه ، وتبادر غيره لولا القرينة ، وليس في القرآن ما يصح نفيه وإذا وجدت القرينة صار الكلام بها حقيقة في المراد به . ص65 ـ 66 .

 

20 ـ قال تعالى : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ) .

النداء هنا وجه لعموم الناس مع أن السورة مدنية والغالب في السور المدنية أن النداء فيها يكون موجهاً للمؤمنين ، والله أعلم بما أراد في كتابه ..

ولو قال قائل : لعل هذه آية مكية جعلت في السورة المدنية ؟..

فالجواب :

أن الأصل عدم ذلك ـ أي إدخال الآيات المكية في السور المدنية ، أو العكس ولا يجوز العدول عن هذا الأصل إلا بدليل صحيح صريح وعلى هذا فما نراه في عناوين بعض السور أنها مدنية إلا آية كذا ، أو مكية إلا آية كذا غير مسلم حتى يثبت ذلك بدليل صحيح صريح ، وإلا فالأصل أن السورة المدنية جميع آياتها مدنية ، وأن السور المكية جميع آياتها مكية إلا بدليل ثابت . ص72 .

 

21 ـ قال تعالى : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ) .

من طريق القرآن أنه إذا ذَكر الحكم غالباً ذكر العلة ، الحكم : ( اعبدوا ربكم ) والعلة : كونه رباً خالقاً لنا ، ولمن قبلنا . ص74 .

قال تعالى : ( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون * وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ) .

قوله تعالى : ( وإن كنتم ) الخطاب لمن جعل لله أنداداً لأنه تعالى قال : ( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون * وإن كنتم في ريب ) .

وفي ذكر هذه الآية المتعلقة برسالة محمد إشارة إلى كلمتي التوحيد ، وهما شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، لكن شهادة أن لا إله إلا الله :

توحيد القصد

والثاني : توحيد المتابعة ..

فكلاهما توحيد ، لكن الأول توحيد القصد بأن يكون العمل خالصاً لله ، والثاني توحيد المتابعة بأن لا يتابع في عبادته سوى رسول الله .

وإذا تأملت القرآن وجدت هكذا : يأتي بما يدل على التوحيد ، ثم بما يدل على الرسالة ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : ( أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ) ثم قال تعالى : ( أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ) وهذا مطرد في القرآن . ص80 ـ 81 .

 

22 ـ الريب يفسره كثير من الناس بالشك ، ولا شك أنه قريب من معنى الشك ، لكنه يختلف عنه بأن ( الريب ) يُشعر بقلق مع الشك ، وأن الإنسان في قلق عظيم مما وقع فيه الشك ، وذلك لأن ما جاء به الرسول حق والشاك فيه لابد أن يعتريه قلق من أجل أنه شك في أمر لا بد من التصديق به بخلاف الشك في الأمور الهينة ، فلا يقال : ( ريب ) وإنما يقال في الأمور العظيمة التي إذا شك فيها الإنسان وجد في داخل نفسه قلقاً ، واضطراباً . ص81

 

23 ـ هل النار باقية ، أو تفنى ؟..

ذكر بعض العلماء إجماع السلف على أنها تبقى ، ولا تفنى وذكر بعضهم خلافاً عن بعض السلف أنها تفنى ، والصواب أنها تبقى أبد الآبدين ، والدليل على هذا من كتاب الله في ثلاث آيات من القرآن :

في سورة النساء ، وسورة الأحزاب وسورة الجن ..

فأما الآية التي في النساء فهي قوله تعالى : ( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا * إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا ) ..

والتي في سورة الأحزاب قوله تعالى : ( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبدا ) ..

والتي في سورة الجن قوله تعالى : ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) ..

وليس بعد كلام الله كلام ، حتى أني أذكر تعليقاً لشيخنا عبدالرحمن بن سعدي على ( كتاب شفاء العليل) لابن القيم ، ذكر أن هذا من باب : ( لكل جواد كبوة ، ولكل صارم نبوة ) وهو صحيح ، كيف أن المؤلف يستدل بهذه الأدلة على القول بفناء النار ، مع أن الأمر فيها واضح ؟ !

غريب على ابن القيم أن يسوق الأدلة بهذه القوة للقول بأن النار تفنى !..

وعلى كل حال ، كما قال شيخنا في هذه المسألة : ( لكل جواد كبوة ، ولكل صارم نبوة ) والصواب الذي لا شك فيه ـ وهو عندي مقطوع به ـ أن النار باقية أبد الآبدين لأنه إذا كان يخلد فيها تخليداً أبدياً لزم أن تكون هي مؤبدة لأن ساكن الدار إذا كان سكونه أبدياً لا بد أن تكون الدار أيضاً أبدية .

و أما قوله تعالى في أصحاب النار : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) فهي كقوله تعالى في أصحاب الجنة : ( خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) لكن لما كان أهل الجنة نعيمهم ، وثوابهم فضلاً ومنة ، بين أن هذا الفضل غير منقطع ، فقال تعالى : ( عطاء غير مجذوذ ) ولما كان عذاب أهل النار من باب العدل ، والسلطان المطلق للرب قال تعالى في آخر الآية : ( إن ربك فعال لما يريد ) وليس المعنى : ( إن ربك فعال لما يريد ) أنه سوف يخرجه من النار ، أو سوف يُفني النار . ص86 ـ 87 .

 

24 ـ إذا قال قائل : ما وجه الإعجاز في القرآن ؟ وكيف أعجز البشر ؟..

الجواب : أنه معجز بجميع وجوه الإعجاز لأنه كلام الله ، وفيه من وجوه الإعجاز ما لا يدرك فمن ذلك :

أولاً : قوة الأسلوب وجماله ، والبلاغة والفصاحة وعدم الملل في قراءته ، فالإنسان يقرأ القرآن صباحاً ، ومساءً ـ وربما يختمه في اليومين ، والثلاثة ـ ولا يمله إطلاقاً ، لكن لو كرر متناً من المتون كما يكرر القرآن مل .

ثانياً : أنه معجز بحيث أن الإنسان كلما قرأه بتدبر ظهر له بالقراءة الثانية ما لم يظهر له بالقراءة الأولى .

ثالثاً : صدق أخباره بحيث يشهد له الواقع وكمال أحكامه التي تتضمن مصالح الدنيا ، والآخرة لقوله تعالى : ( وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً ) .

رابعاً : تأثيره على القلوب ، والمناهج ، وآثاره حيث ملك به السلف الصالح مشارق الأرض ، ومغاربها . ص88 .

 

25 ـ حكى الله عن الأنبياء والرسل ، ومن عاندهم أقوالاً ، وهذه الحكاية تحكي قول من حُكيت عنه فهل يكون قول هؤلاء معجزاً ـ يعني مثلاً : فرعون قال لموسى : ( لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين ) : هذا يحيكه الله عز وجل عن فرعون فيكون القول قول فرعون ..

فكيف كان قول فرعون معجزاً والإعجاز إنما هو قول الله عز وجل ؟..

فالجواب : أن الله تعالى لم يحك كلامهم بلفظه بل معناه ، فصار المقروء في القرآن كلام الله وهو معجز .ص 89 .

 

26 ـ البشارة هي الإخبار بما يسر ، وسميت بذلك لتغير بشرة المخاطب بالسرور ، لأن الإنسان إذا اُخبر بما يسره استنار وجهه ، وطابت نفسه ، وانشرح صدره ، وقد تستعمل ( البشارة ) في الإخبار بما يسوء ، كقوله تعالى : ( فبشرهم بعذاب أليم ) : إما تهكماً بهم ، وإما لأنهم يحصل لهم من الإخبار بهذا ما تتغير به بشرتهم ، وتسود به وجوههم . 89 ـ 90 .

 

27 ـ قال تعالى : ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) .

من فوائد الآية مشروعية تبشير الإنسان بما يسر ، لقوله تعالى : ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ، وقوله تعالى : ( وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين) ، وقوله تعالى : ( فبشرناه بغلام حليم ) ، فالبشارة بما يسر الإنسان من سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام .

وهل من ذلك أن تبشره بمواسم العبادة ، كما لو أدرك رمضان ، فقلت : هنّاك الله بهذا الشهر ؟..

الجواب : نعم ، وكذلك لو أتم الصوم ، فقلت : هنأك الله بهذا العيد ، وتقبل منك عبادتك وما أشبه ذلك فإنه لا بأس به ، وقد كان من عادة السلف . ص93 .

 

28 ـ قال تعالى : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ) .

الموت يطلق على ما لا روح فيه وإن لم تسبقه حياة ، يعني : لا يشترط للوصف بالموت تقدم الحياة لقوله تعالى : ( كنتم أمواتاً فأحياكم ) ، أما ظن بعض الناس أنه لا يقال : ( ميت ) إلا لمن سبقت حياته فهذا ليس بصحيح ، بل إن الله تعالى أطلق وصف الموت على الجمادات ، قال تعالى في الأصنام : ( أموات غير أحياء) . ص106 .

 

29 ـ قال الله عن الملائكة : ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) .

وصف الإنسان نفسه بما فيه من الخير لا بأس به إذا كان المقصود مجرد الخبر دون الفخر ، لقولهم : ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) .

ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) ، وأما إذا كان المقصود الفخر ، وتزكية النفس بهذا فلا يجوز لقوله تعالى : ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) . ص117 ـ 118 .

 

30 ـ قال تعالى : ( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ) .

هل هذه الأسماء أسماء لمسميات حاضرة أو لكل الأسماء ؟

للعلماء في ذلك قولان ، والأظهر أنها أسماء لمسميات حاضرة بدليل قوله تعالى : ( ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ) وهذه الأسماء ـ والله أعلم ـ ما يحتاج إليها آدم ، وبنوه في ذلك الوقت . ص119 .

 

31 ـ قال تعالى : ( فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) .

زعم بعض العلماء أن المراد : كان من الكافرين في علم الله بناءً على أن ( كان ) فعل ماضٍ والمضي يدل على شيء سابق ، لكن هناك تخريجاً أحسن من هذا : أن نقول : إن ( كان ) تأتي أحياناً مسلوبة الزمان ، ويراد بها تحقق اتصاف الموصوف بهذه الصفة ومن ذلك قوله تعالى : ( وكان الله غفوراً رحيماً ) ، وقوله تعالى : ( وكان الله سميعاً بصيراً ) وما أشبهها هذه ليس المعنى أنه كان فيما مضى بل لا يزال فتكون ( كان ) هنا مسلوبة الزمان ، ويراد بها تحقيق اتصاف الموصوف بما دلت عليه الجملة ، وهذا هو الأقرب ، وليس فيه تأويل ويُجرى الكلام على ظاهره . ص125 ـ 126 .

 

32 ـ قال تعالى : ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ) .

هل المراد بـ ( الجنة ) جنة الخلد ، أم هي جنة سوى جنة الخلد ؟

ظاهر الكتاب ، والسنة أنها جنة الخلد ، وليست سواها لأن ( أل ) هنا للعهد الذهني .

فإن قيل : كيف يكون القول الراجح أنها جنة الخلد مع أن من دخلها لا يخرج منها وهذه أُخرج منها آدم ؟

فالجواب : أن من دخل جنة الخلد لا يخرج منها بعد البعث ، وفي هذا يقول ابن القيم في الميمية المشهورة : فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم قال : ( منازلك الأولى ) لأن أبانا آدم نزلها . ص128 .

 

33 ـ قال تعالى مخاطباً آدم وحواء : ( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)

قد يُنهى عن قربان الشيء والمراد النهي عن فعله للمبالغة في التحذير منه ، فإن قوله تعالى : ( ولا تقربا هذه الشجرة ) المراد : لا تأكلا منها ، لكن لما كان القرب منها قد يؤدي إلى الأكل نُهي عن قربها . ص131 .

 

34 ـ قال تعالى : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ) .

اختلف العلماء متى كان هذا على قولين :

القول الأول :

أن موسى اختار من قومه سبعين رجلاً لميقات الله ، وذهب بهم ، ولما صار يكلم الله ، ويكلمه الله قالوا :

( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) فعلى هذا القول يكون صعقهم حينما كان موسى خارجاً لميقات الله .

القول الثاني :

أنه لما رجع موسى من ميقات الله ، وأنزل الله عليه التوراة ، وجاء بها قالوا : ليست من الله ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) .

والسياق يؤيد الثاني لأنه تعالى قال : ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ) ثم ذكر قصة العجل ، وهذه كانت بعد مجيء موسى بالتوراة ثم بعد ذلك ذكر : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) .

وأما قوله تعالى : ( فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين ) . فقد أيد بعضهم القول الأول بهذه الآية ولكن الحقيقة ليس فيه تأييد لهم لأنه تعالى قال : ( فلما أخذتهم الرجفة) رُجِفَ بهم والأخرى أخذتهم الصاعقة صعقوا وماتوا .

فالظاهر لي أن القول الأول لا يترجح بهذه الآية لاختلاف العقوبتين ، هذه الآية كانت العقوبة بالصاعقة وتلك كانت بالرجفة والله أعلم . ص191 ـ 192 .

 

35 ـ قال تعالى في شأن بني إسرائيل : ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا ) .

إن قال قائل : أليس حِل الغنائم من خصائص هذه الأمة ، أي أمة محمد ؟

فالجواب : بلى ، والإذن لبني إسرائيل أن يأكلوا من القرية التي دخلوها ليس على سبيل التمليك بل هو على سبيل الإباحة ، وأما حل الغنائم لهذه الأمة فهو على سبيل التمليك . ص203 .

 

36 ـ قال تعالى : ( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم ) .

( مصراً ) ليست البلد المعروف الآن ، ولكن المقصود أي مصر كانت ولهذا نُكرت ، ومصر البلد لا تنكر ، ولا تنصرف واقرأ قوله تعالى : ( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً ) فالمعنى : اهبطوا أي مصر من الأمصار تجدون ما سألتم . ص212 .

 

37 ـ قال تعالى : ( إن الذين ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .

الأقرب في الصابئين إنهم من لا دين لهم : من كانوا على الفطرة ولا يتدينون بدين . ص222 .

 

38 ـ قال الله عن قوم موسى : ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة ) .

ففي تلك الساعة هرعوا إلى السجود وسجدوا ، ولكنهم مالوا في سجودهم ينظرون إلى الجبل خائفين منه ، ولهذا يقال : إن سجود اليهود إلى الآن سجود مائل كأنما ينظرون إلى شيء فوقهم وقالوا : إن هذا السجود سجدناه لله لإزالة الشدة فلا نزال نسجد به ، فهذا سجودهم إلى اليوم . ص226 .

 

39 ـ قال تعالى : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) .

في هذه الآية بيان حكمة الله في مناسبة العقوبة للذنب ، لأن عقوبة هؤلاء المتحيلين أنهم مسخوا قردة خاسئين ، والذنب الذي فعلوه أنهم فعلوا شيئاً صورته صورة المباح ولكن حقيقته غير مباح ، فصورة القرد شبيهة بالآدمي ، ولكنه ليس بآدمي ، وهذا لأن الجزاء من جنس العمل ، ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى : (فكلاً أخذنا بذنبه ) . ص231 .

 

40 ـ قال تعالى : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون )

من فوائد الآية :

ذم من لا يعتني بمعرفة معاني كتاب الله ، فمن لا يفهم المعنى فإنه لا يتكلم إلا بالظن لقوله تعالى : ( وإن هم إلا يظنون ) . ص256 .

 

41 ـ كفر بني إسرائيل بالنبي ما هو إلا بغي وحسد لقوله تعالى : ( بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) ، فمن رد الحق من هذه الأمة لأن فلاناً الذي يرى أنه أقل منه هو الذي جاء به فقد شابه اليهود . ص294 .

 

42 ـ ينبغي على من آتاه الله من فضله من العلم وغيره ، أن يكون أعبد لله من غيره لأن الله تعالى أعطاه من فضله فكان حقه عليه أعظم من حقه على غيره ، فكلما عظم الإحسان من الله عز وجل استوجب الشكر أكثر ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الليل حتى تتورم قدماه فقيل له في ذلك فقال : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) . ص295 .

 

43 ـ قال تعالى : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) .

ظاهر الآية الكريمة أن الله تعالى أمر نبيه أن يتحداهم بأنه إن كانت الدار الآخرة لهم كما يزعمون فليتمنوا الموت ليصلوا إليها ، وهذا لاشك هو ظاهر الآية الكريمة وهو الذي رجحه ابن جرير ، وكثير من المفسرين . وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله تعالى : ( فتمنوا الموت ) أي فباهلونا ، وتمنوا الموت لمن هو كاذب منا فتكون هذه مثل قوله تعالى في سورة آل عمران : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) فيكون هذا المعنى :

تمنوا الموت عن طريق المباهلة ، ورجح هذا ابن كثير وضعف الأول بأنه لو كان المراد : تمنوا حصول الموت لكانوا يحتجون أيضاً علينا نحن ، ويقولون : أنتم أيضاً إن كنتم تقولون : إن الدار الآخرة لكم فتمنوا الموت لأن تحديكم إيانا بذلك ليس بأولى من تحدينا إياكم به ، لأنكم أنتم أيضاً تقولون : إن الدار الآخرة لكم ، وأن اليهود بعد بعثة الرسول في النار ، فتمنوا الموت أيضاً .

والجواب عن ذلك :

أنا لم ندع أن الدار الآخرة خالصة لنا من دون الناس بل نؤمن بأن الدار الآخرة لكل من آمن وعمل صالحاً سواء كان من هذه الأمة أم من غيرها ، وهذا المعنى الذي نحا إليه ابن كثير ـ رحمه الله ـ مخالف لظاهر السياق فلا يعول عليه وقد عرفت الانفكاك منه . ص308 .

 

44 ـ قال الله عن اليهود : ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) .

نكر الله ( حياة ) ليفيد أنهم حريصون على أي حياة كانت وإن قلت حتى لو لم يأتهم إلا لحظة فهم أحرص الناس عليها . ص309 .

 

45 ـ من غور فهم السلف كراهتهم أن يدعى للإنسان بالبقاء ..

فإن الإمام أحمد كره أن يقول للإنسان : ( أطال الله بقاءك )

لأن طول البقاء قد ينفع ، وقد يضر إذاً الطريق السليم أن تقول : ( أطال الله بقاءك على طاعة الله ) أو نحو ذلك . ص312

 

46 ـ قال تعالى : ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) .

لا يعارض هذه الآية قوله تعالى : ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون )

لأن هذه الآية في صنف معين من النصارى وهم الذين منهم القسيسون والرهبان الذين من صفاتهم أنهم لا يستكبرون ، فإذا وجد هذا الصنف في عهد الرسول أو بعده انطبقت عليه الآية ، لكن اختلف حال النصارى منذ زمن بعيد نسأل الله أن يعيد للمسلمين عزتهم وكرامتهم ، حتى يعرفوا حقيقة عداوة النصارى ، وغيرهم من أهل الكفر فيعدوا لهم العدة . ص344 ـ 345

 

47 ـ قال تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) .

وجه الخيرية كما يقول العلماء أن النسخ إن كان إلى أشد فالخيرية بكثرة الثواب وإن كان إلى أخف فالخيرية بالتسهيل على العباد مع تمام الأجر ، وإن كان بالمماثل فالخيرية باستسلام العبد لأحكام الله عز وجل وتمام انقياده لها كما قال تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) . ص346 ـ 347 .

 

48 ـ قال تعالى : ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .

إن إخلاص النية وحده لا يكفي في تبرير التعبد لله لقوله تعالى : ( وهو محسن ) وعلى هذا فمن قال : إنه يحب الله ، ويخلص له وهو منحرف في عبادته فإنه لا يدخل في هذه الآية لاختلال شرط الإحسان . ويتفرع على هذه الفائدة أن أهل البدع لا ثواب لهم على بدعهم ـ ولو مع حسن النية ـ لعدم الإحسان الذي هو المتابعة ، والأجر مشروط بأمرين :

الأول : إسلام الوجه لله

والثاني : الإحسان . ص370 .

 

49 ـ النص من الكتاب والسنة إذا كان يحتمل معنيين لا منافاة بينهما ، ولا يترجح أحدهما على الآخر فإنه يحمل على المعنيين جميعاً ، لأنه أعم في المعنى ، وهذا من سعة كلام الله عز وجل ، وكلام رسوله وشمول معناهما ، وهذه قاعدة مهمة ينبغي أن يحتفظ بها الإنسان . ص373 .

 

50 ـ حكم الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

شرعي : مثل قوله تعالى في سورة الممتحنة : ( ذلكم حكم الله يحكم بينكم ) .

كوني : مثل قوله تعالى عن أخي يوسف : ( فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ) .

جزائي : مثل قوله تعالى : ( فالله يحكم بينهم يوم القيامة ) . والحكم الجزائي هو ثمرة الحكم الشرعي لأنه مبني عليه : إن خيراً فخير وإن شراً فشر . ص375 .

 

51 ـ الحكم يوم القيامة بين الناس إما بالعدل أو بالفضل ، ولا يمكن أن يكون بالظلم لقوله تعالى : ( وما ربك بظلام للعبيد ) وقوله تعالى : ( ولا يظلم ربك أحداً) هذا بالنسبة لحقوق الله أما بالنسبة لحقوق الخلق فيما بينهم فيقضى بينهم بالعدل . فإذا قال قائل : إذا كان الله تعالى يجزي المؤمنين بالفضل ، فما الجواب عن قوله تعالى : ( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ) ؟

فالجواب : أن هذا هو الذي أوجبه الله على نفسه والفضل زيادة والمقام مقام تحذير . ص376 .
 


 

فوائد من المجلد الثاني :

 

1 ـ المضاف إلى الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

إما أن يكون أوصافاً أو أعياناً أو ما يتعلق بأعيان مخلوقة ..

فإذا كان المضاف إلى الله وصفاً فهو من صفاته غير مخلوق ، مثل كلام الله ، وعلم الله ، وإذا كان المضاف إلى الله عيناً قائمة بنفسها فهو مخلوق وليس من صفاته ، مثل مساجد الله ، وناقة الله ، وبيت الله ، فهذه أعيان قائمة بنفسها إضافتها إلى الله من باب إضافة المخلوق لخالقه على وجه التشريف ، ولا شيء من المخلوقات يضاف إلى الله إلا لسبب خاص به ولولا هذا السبب ما خص بالإضافة ، وإذا كان المضاف إلى الله ما يتعلق بأعيان مخلوقة فهو أيضاً مخلوق ، وهذا مثل قوله تعالى : (ونفخت فيه من روحي ) فإن الروح هنا مخلوقة لأنها تتعلق بعين مخلوقة . ص9

 

2 ـ قال تعالى : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) .

 

الإنسان المصاب إذا رأى أن غيره أُصيب يتسلى بذلك ، وتخف عليه المصيبة ، كما قال تعالى : ( ولن ينفعكم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ) فالله تعالى يسلي رسوله صلى الله عليه وسلم بأن هذا القول الذي قيل له قد قيل لمن قبله . ص25 .

 

3 ـ الشفاعة هي التوسط للغير بدفع مضرة ، أو جلب منفعة سميت بذلك لأن الشافع إذا انضم إلى المشفوع له صار شفعاً بعد أن كان وتراً . ص38 .

 

4 ـ قال تعالى : ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن )

قوله تعالى : ( بكلمات ) أصح الأقوال فيها أن كل ما أمره به شرعاً ، أو قضاه عليه قدراً فهو كلمات ، فمن ذلك أنه ابتلي بالأمر بذبح ابنه فامتثل ، لكن الله رفع ذلك عنه حين استسلم لربه وهذا من الكلمات الشرعية وهذا امتحان من أعظم الامتحانات ، ومن ذلك أن الله امتحنه بأن أوقدت له النار وأُلقي فيها وهذا من الكلمات الكونية وصبر واحتسب فأنجاه الله منها ، وقال تعالى : ( يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ) وكل ما قدره الله عليه مما يحتاج إلى صبر ومصابرة ، أو أمره به فهو داخل في قوله تعالى : ( بكلمات ) . ص41 .

 

5 ـ اختلف المؤرخون : هل كان الحجر الذي كان يرفع عليه إبراهيم بناء الكعبة لاصقاً بالكعبة ، أو كان منفصلاً عنها في مكانه الآن ؟

أكثر المؤرخين على أنه كان ملصقاً بالكعبة ، وأن الذي أخره إلى هذا الموضع عمر بن الخطاب وبناءً على ذلك يكون للخليفة حق النظر في إزاحته عن مكانه إذا رأى في ذلك المصلحة .

أما إذا قلنا : إن هذا مكانه على عهد النبي فالظاهر أنه لا يجوز أن يغير ، لأن النبي أقره ، وإذا أقره النبي فليس لنا أن نؤخره عنه .

وقد كتب أحد طلبة العلم رسالة في هذا الموضوع ، وقرظها الشيخ عبدالعزيز بن باز ورأى أنه يجوز إزاحته عن مكانه من أجل المصلحة والتوسعة بناءً على المشهور عند المؤرخين أنه كان لاصقاً بالكعبة ، ثم أُخر وهذا لا شك أنه لو أُخر عن مكانه فيه دفع مفسدة ، وهي مفسدة هؤلاء الذين يتجمعون عنده في المواسم وفيه نوع مفسدة وهي أن يبعد عن الطائفين في غير أيام المواسم ، فهذه المصالح متعارضة هنا :

هل الأولى بقاؤه في مكانه ؟ أو الأولى تأخيره عن مكانه ؟..

فإذا كانت المصالح متكافئة فالأولى أن يبقى ما كان على ما كان ، وحذراً من التشويش واختلاف الآراء في هذه المسألة ، ومسألة تضييق المصلين على الطائفين هذا يمكن زواله بالتوعية إذا أفادت أو بالمنع بالقهر إذا لم تفد ، وفي ظني أنها قلّت في السنوات الأخيرة بعض الشيء لأن الناس صار عندهم وعي . ص50 ـ 51 .

 

6 ـ الشقاق بمعنى الخلاف وهو في كل معانيه يدور على هذا حتى في قوله تعالى : ( وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ) فبعضهم قال : ( الشقاق ) هنا بمعنى الضلال ولكن الصحيح أن معناه : الخلاف فكلما جاءت في القرآن فمآلها إلى الخلاف ولكنها أشد ، حيث تفيد الاختلاف مع طلب المشقة على الخصم ، ويدل لهذا أن أصل معنى الشقاق أن يكون أحد الطرفين في شق ، والثاني في شق آخر ، وبهذا يكون الخلاف . ص93 .

 

7 ـ قال تعالى : ( فإن ءامنوا بمثل ما ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم )

قد يقول قائل : يبدو لنا أن المناسب أن يقول : ( وهو القوي العزيز ) لأنه قال : (فسيكفيكهم الله ) فما هو الجواب عن ختمها بالسمع والعلم ؟..

الظاهر لي والله أعلم أنه لما كان تدبير الكيد للرسول من هؤلاء قد يكون بالأقوال وقد يكون بالأفعال والتدبير أمر خفي ليس هو حرباً يعلن حتى نقول : ينبغي أن يقابل بقوة ، وعزة قال تعالى : ( وهو السميع العليم ) أي حتى الأمور التي لا يُدرى عنها ولا يبرزونها ولا يظهرون الحرابة للرسول فإن الله سميع عليم بها ، هذا ما ظهر لي والله أعلم . ص93 ـ 94 .

 

8 ـ قال تعالى : ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب ) .

العدو يحتج على عدوه بما يثير نعرته ويلزمه ، لقوله تعالى : ( عن قبلتهم ) لم يقولوا : عن القبلة كأنهم يقولون : كنتم تتولون ذلك فما الذي صرفكم عنه ؟ ! وهكذا قد يثير شعور الإنسان حتى يبقى على ما هو عليه ، وكأنهم قالوا : بالأمس تختارونها ، واليوم تنكرونها ، وتنبذونها ، فالخصم دائماً يُهيج خصمه بما يثير نعرته ليوافقه فيما ذهب إليه . ص107 .

 

9 ـ بعض الذين أسلموا ارتدوا حينما تحولت القبلة إلى الكعبة وقالوا : ( إن محمداً ليس على يقين من أمره ، بالأمس له قبلة واليوم له قبلة ) ، وما علموا أن ذلك مما يؤيد رسالته ، لأن الإنسان الكذاب يحرص على أن لا يتراجع لأن التراجع وصمة فيه ، لكن الإنسان الصدوق لا يهتم أن يقول ما أوحي إليه ، سواء وافق ما كان عليه أولاً ، أو خالف . ص119 .

 

10 ـ قال تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) .

التقدم حقيقة إنما يكون بالإسلام وأن الرجعية حقيقة إنما تكون بمخالفة الإسلام ، لقوله تعالى : ( ممن ينقلب على عقبيه ) فإن هذا حقيقة الرجوع على غير هدى ، لأن الذي ينقلب على عقبيه لا يبصر ما وراءه ، فمن قال للمتمسكين بكتاب الله وسنة رسوله رجعيون قلنا له : بل أنت الرجعي حقيقة لأن الله سمى مخالفة الرسول انقلاباً على العقب ولا أبلغ من هذا الرجوع أن الإنسان يرجع على عقبيه رجوعاً أعمى والعياذ بالله لا يدري ما وراءه . ص119 .

 

11 ـ تأمل الفضل والكرم من الله : هو الذي منّ علينا بالهداية ثم يقول في سورة الرحمن : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ، فكأننا نحن الذين أحسنا ، فأحسن إلينا بالجزاء مع أن له الإحسان أولا ً وآخراً . ص120 ـ 121 .

 

12 ـ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :

إن التقليد بمنزلة أكل الميتة يحل للضرورة ، أما مع وجود لحم فلا تأكل الميتة ؛ فمع وجود الدليل من الكتاب ، والسنة ، وتبينه للإنسان فإنه لا يحل له أن يقلد ؛ ولهذا لم يأمر الله بسؤال أهل العلم إلا عند عدم العلم فقال تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون * بالبينات والزبر ) أما إذا كنا نعلم بالبينات ، والزبر فلا نسألهم ؛ ونأخذ من البينات ، والزبر . ص133

 

13 ـ الظاهر والله أعلم أن الكعبة ليست قبلة للمسلمين خاصة ؛ لأنه تعالى أضاف استقبالها إليهم بل الكعبة قبلة لكل الأنبياء لقوله تعالى : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً ) ، وهكذا قال شيخ الإسلام : إن المسجد الحرام قبلة لكل الأنبياء ؛ لكن أتباعهم من اليهود ، والنصارى هم الذين بدلوا هذه القبلة . ص137 .

 

14 ـ هناك كلمة يقولها بعض الناس فيقول : ( إن الله على ما يشاء قدير ) ؛ وهذا لا ينبغي :

أولا : لأنه خلاف إطلاق النص ؛ فالنص مطلق .

ثانياً : لأنه قد يفهم منه تخصيص القدرة بما يشاء الله دون ما لم يشأ ؛ والله قادر على ما يشاء ، وعلى ما لا يشاء .

ثالثاً : أنه قد يفهم منه مذهب المعتزلة القدرية الذين قالوا : ( إن الله عز وجل لا يشاء أفعال العبد ؛ فهو غير قادر عليها ) .

ولهذا ينبغي أن نطلق ما أطلقه الله لنفسه ، فنقول : إن الله على كل شيء قدير ؛ أما إذا جاءت القدرة مضافة إلى فعل معين فلا بأس أن تقيد المشيئة ، كما في قوله تعالى : ( وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ) فإن ( إذا يشاء ) عائدة على الجمع ؛ لا على القدرة ؛ فهو قدير على الشيء شاءه ، أم لم يشأه ؛ لكن جمعه لا يقع إلا بالمشيئة . ص148 ـ 149 .

 

15 ـ ( النعمة) هي ما ينعَم به على الإنسان ؛ ويقال : ( نِعمة ) بكسر النون ؛ ويقال ( نَعمة ) بالفتح ؛ لكن الغالب في نِعمة الخير أن تكون بالكسر ؛ والنَعمة بالفتح : التنعم من غير شكر ، كما قال تعالى : ( ونَعمة كانوا فيها فاكهين ) ، وقال تعالى : ( وذرني والمكذبين أولي النَعمة ) . ص156 .

 

16 ـ معية الله نوعان :

النوع الأول :

عامة لجميع الخلق ، ومقتاها الإحاطة بهم علماً ، وقدرة ، وسلطاناً ، وسمعاً ، وبصراً ، وغير ذلك من معاني ربوبيته ؛ لقوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ) .

النوع الثاني :

خاصة ؛ ومقتضاها مع الإحاطة : النصر ، والتأييد ؛ وهي نوعان :

مقيدة بوصف ، كقوله تعالى : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )

ومقيدة بشخص ، كقوله تعالى لموسى ، وهارون : ( إنني معكما أسمع وأرى ) ، وقوله عن نبيه محمد : ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) . ص174 ـ 175 .

 

17 ـ ذكر العلماء أن للإنسان عند المصيبة أربعة مقامات :

المقام الأول :

الصبر ـ وهو واجب .

المقام الثاني :

الرضا ـ وهو سنة على القول الراجح ؛ والفرق بينه ، والصبر ، أن الصابر يتجرع مرارة الصبر ، ويشق عليه ما وقع ؛ ولكنه يحبس نفسه عن السخط ؛ وأما الراضي : فإن المصيبة باردة على قلبه لم يتجرع مرارة الصبر عليه ؛ فهو أكمل حالاً من الصابر .

المقام الثالث :

الشكر : بأن يشكر الله على المصيبة .

فإن قيل : كيف يشكره على المصيبة ؟ فالجواب : أن ذلك من وجوه :

منها : أن ينسبها إلى ما هو أعظم منها ؛ فينسب مصيبة الدنيا إلى مصيبة الدين ؛ فتكون أهون ؛ فيشكر الله أن لم يجعل المصيبة في الأشد .

ومنها : احتساب الأجر على المصيبة بأنه كلما عظم المصاب كثر الثواب ؛ ولهذا ذكروا عن بعض العابدات أنها أصيبت بمصيبة ، ولم يظهر عليها أثر الجزع ؛ فقيل لها في ذلك ، فقالت : إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها .

المقام الرابع :

السخط ـ وهو محرم ـ بل من كبائر الذنوب ؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) . ص180 ـ 181 .

 

18 ـ من القول على الله بلا علم القول على الله بلا علم في أحكامه ؛ مثل أن يقول : ( هذا حرام ) وهو لا يعلم أن الله حرمه ؛ أو ( واجب ) وهو لا يعلم أن الله أوجبه ؛ وهم كثيرون جداً ؛ ومنهم العامة ..

ومنهم أدعياء العلم الذين يظنون أنهم علماء وليس عندهم علم ؛ ومن الأشياء التي مرت علي ، وهي غريبة : أن رجلاً ذهب إلى إمام مسجد ليكتب له الطلاق ؛ فقال له :

( طلق امرأتك طلقتين ؛ أنا لا أكتب طلقة واحدة ؛ لأن الله يقول : (الطلاق مرتان) ؛ فقال له الرجل : ( اكتب أني طلقت امرأتي مرتين ) ؛ وهذا جهل مركب مناف لمعنى الآية ؛ لأن معناها أن الطلاق الذي يملك فيه الرجعة هو الطلقة الأولى ، والطلقة الثانية ؛ فإن طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره . ص240 .

 

19 ـ بعض الناس يسمون ملك الموت عزرائيل ؛ ولكن لم يصح هذا . ص285 .

 

20 ـ حدود الله نوعان :

حدود تمنع من كان خارجها من الدخول فيها ، وهذه هي المحرمات ؛ ويقال فيها : ( فلا تقربوها ) .

حدود تمنع من كان فيها من الخروج منها ؛ وهذه هي الواجبات ؛ ويقال فيها : (فلا تعتدوها ) . ص349 ـ 350 .

 

21 ـ كلما نقص الإنسان من تقوى الله كان ذلك دليلاً على نقص عقله ( عقل الرشد ) بخلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما رأيت من ناقصات عقل ، ودين ) ؛ فإن المراد بنقص العقل هنا عقل الإدراك ؛ فإن مناط التكليف عقل الإدراك ؛ ومناط المدح عقل الرشد ؛ ولهذا نقول : إن هؤلاء الكفار الأذكياء الذين هم في التصرف من أحسن ما يكون ؟ نقول : هم عقلاء عقول إدراك ؛ لكنهم ليسوا عقلاء عقول رشد ؛ ولهذا دائماً ينعى الله عليهم عدم عقلهم ؛ والمراد عقل الرشد الذي به يرشدون . ص420 .

 

22 ـ عرفات سمي لعدة مناسبات :

قيل : لأن الناس يعترفون هناك بذنوبهم ، ويسألون الله أن يغفر لهم .

وقيل : لأن الناس يتعارفون بينهم ؛ إذ أنه مكان واحد يجتمعون فيه في النهار ؛ فيعرف بعضهم بعضاً .

وقيل : لأن جبريل لما علّم آدم المناسك ، ووصل إلى هذا قال : عرفت .

وقيل : لأن آدم لما أهبط إلى الأرض هو وزوجته تعارفا في هذا المكان .

وقيل لأنها مرتفعة على غيرها ؛ والشيء المرتفع يسمى عُرفاً ؛ ومنه : أهل الأعراف ، كما قال تعالى : ( ونادى أصحاب الأعراف رجالا ) ؛ ومنه : عُرف الديك لأنه مرتفع ؛ وكل شيء مرتفع يسمى بهذا الاسم .

وعندي ـ والله أعلم ـ أن هذا القول الأخير أقرب الأقوال ؛ وكذلك الأول : أنه سمي عرفات ؛ لأن الناس يعترفون فيه لله تعالى بالذنوب ؛ ولأنه أعرف الأماكن التي حوله . ص421 .

 

23 ـ قال تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ) .

أي يبيعها ؛ لأن ( شرى ) بمعنى باع كقوله تعالى : ( وشروه بثمن بخس ) أي باعوه بثمن بخس ؛ أما ( اشترى ) فهي بمعنى ابتاع ؛ فإذا جاءت التاء فهي للمشتري الآخذ ؛ وإذا حذفت التاء فهي للبائع المعطي . ص 451 .
 


 

فوائد من المجلد الثالث :

 

1 ـ من يوصف بالتبشير إنما هم الرسل ، وأتباعهم ؛ وأما ما تسمى به دعاة النصرانية بكونهم مبشرين فهم بذلك كاذبون ؛ إلا أن يراد أنهم مبشرون بالعذاب الأليم ، كما قال تعالى : ( فبشرهم بعذاب أليم ) ؛ وأحق وصف يوصف به هؤلاء الدعاة أن يوصفوا بالمضللين أو المنصرين ؛ وما نظير ذلك إلا من اغتر بتسمية النصارى بالمسيحيين ؛ لأن لازم ذلك أنك أقررت أنهم يتبعون المسيح ، كما إذا قلت : ( فلان تميمي ) إذاً هو من بني تميم ؛ والمسيح ابن مريم يتبرأ من دينهم الذي هم عليه الآن كما قال تعالى :

( وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) .

إلى قوله تعالى : ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ) الآيتين ؛ ولأنهم ردوا بشارة عيسى بمحمد ، وكفروا بها ؛ فكيف تصح نسبتهم إليه ؟ ! والحاصل أنه ينبغي للمؤمن أن يكون حذراً يقظاً لا يغتر بخداع المخادعين ، فيجعل لهم من الأسماء ، والألقاب ما لا يستحقون . ص32 .

 

2 ـ قال تعالى : ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ) .

( عسى ) تأتي لأربعة معان :

للرجاء ؛ والإشفاق ؛ والتوقع ؛ والتعليل ؛ والظاهر أنها هنا للتوقع ، أو للترجية ـ لا الترجي ـ فإن الله عز وجل لا يترجي كل شيء عنده هين ؛ لكن الترجية بمعنى أنه يريد من المخاطب أن يرجو هذا ؛ أي افعلوا ما آمركم به عسى أن يكون خيراً . ص48 ـ 49 .

 

3 ـ قال تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس )

لأنهما يتضمنان مفاسد كثيرة في العقل ، والبدن والاجتماع ، والسلوك ؛ وقد ذكر محمد رشيد رضا في هذا المكان أضراراً كثيرة جداً ؛ من قرأ هذه الأضرار عرف كيف عبر الله عن ذلك بقوله تعالى : ( إثم كبير ) ، أو ( إثم كثير ) وهاتان القراءتان لا تتنافيان ؛ لأنهما جمعتا وصفين مختلفين جهة ؛ فيكون الإثم كثيراً باعتبار آحاده ؛ كبيراً باعتبار كيفيته . ص68

 

4 ـ قال تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس )

تأمل قوله تعالى : ( منافع للناس ) ؛ لأنها منافع مادية بحتة تصلح للناس من حيث هم أناس ؛ وليست منافع ذات خير ينتفع بها المؤمنون . ص69 .

 

5 ـ إذا حلف الإنسان على المستقبل بناءً على غلبة الظن ، فتبين بخلافه فلا كفارة فيه ؛ لأنه يحلف على ما في نفسه ، وعلى ظنه ؛ وهذا القول هو الراجح ؛ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية . ص119 .

 

6 ـ كيف نجمع بين قوله تعالى : ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) وبين قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تخيروني على موسى ) ونهيه أن يفاضل بين الأنبياء ؟..

الجواب : أن يقال : في هذا عدة أوجه من الجمع ؛ أحسنها أن النهي فيما إذا كان على سبيل الافتخار والتعلي : بأن يفتخر أتباع محمد على غيرهم ، فيقولوا : محمد أفضل من موسى مثلاً ؛ أفضل من عيسى ؛ وما أشبه ذلك فهذا منهي عنه ؛ أما إذا كان على سبيل الخبر فهذا لا بأس به ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) . ص239 .

 

7 ـ قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) .

ظاهر الآية نفي الشفاعة مطلقاً ؛ وحينئذ نحتاج إلى الجمع بين هذه الآية وبين النصوص الأخرى الدالة على إثبات الشفاعة في ذلك اليوم ؛ فيقال : الجمع أن يحمل مطلق هذه الآية على المقيد بالنصوص الأخرى ، ويقال إن النصوص الأخرى دلت على أن هناك شفاعة ؛ لكن لها ثلاثة شروط : رضا الله عن الشافع وعن المشفوع له وإذنه في الشفاعة . ص249 .

 

8 ـ من أخذ بالعدل كان حرياً بالهداية ؛ لمفهوم المخالفة في قوله تعالى : ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) ؛ فإذا كان الظالم لا يهديه الله ، فصاحب العدل حري بأن يهديه الله ؛ فإن الإنسان الذي يريد الحق ويتبع الحق ـ والحق هو العدل ـ غالباً يُهدى ، ويوفق للهداية ؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية عبارة من أحسن العبارات ؛ قال رحمه الله : ( من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق ) ؛ وهذه كلمة مأخوذة من القرآن منطوقاً ، ومفهوماً . ص286 .

 

9 ـ قوله تعالى : ( مائة ) فيها ألف بين الميم والهمزة ؛ والميم مكسورة ، والألف عليها دائرة إشارة إلى أن الألف هذه تكتب ، ولا ينطق بها ؛ وبهذا نعرف خطأ من ينطقون بها : ( مَائة ) بميم مفتوحة ؛ ومن قرأ بها في القرآن فقد لحن لحناً يجب عليه أن يعدله ؛ وبعض الكتاب المعاصرين يكتبها بدون ألف كـ ( فئة ) يعني : ميم ، وهمزة ، وتاء ، وهذا أحسن إلا في رسم المصحف فيتبع الرسم العثماني . ص289 .

 

10 ـ ذكر العلماء أن اليقين ثلاث درجات :

علم ، وعين ، وحق ؛ وكلها موجودة في القرآن ؛

علم اليقين قوله تعالى : ( كلا لو تعلمون علم اليقين ) ،

ومثال عين اليقين قوله تعالى : ( ثم لترونها عين اليقين )

ومثال حق اليقين قوله تعالى : ( إن هذا لهو حق اليقين ) ..

نضرب مثالاً يوضح الأمر : قلتُ: إن معي تفاحة حلوة ـ وأنا عندك ثقة ؛ فهذا علم اليقين : فإنك علمت الآن أن معي تفاحة حلوة ؛ فأخرجتها من جيبي ، وقلت : هذه التفاحة ؛ فهذا عين اليقين ؛ ثم أعطيتك إياها ، وأكلتَها وإذا هي حلوة ؛ هذا حق اليقين . ص303 ـ 304 .

 

11 ـ إن قال قائل : عندي مال محرم لكسبه ، وأريد أن أتصدق به فهل ينفعني ذلك ؟..

فالجواب :

إن أنفقه للتقرب إلى الله به : لم ينفعه ، ولم يسلم من وزر الكسب الخبيث ؛ والدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ) ؛ وإن أراد بالصدقة التخلص منه ، والبراءة من إثمه : نفعه بالسلامة من إثمه ، وصار له أجر التوبة منه لا أجر الصدقة .

ولو قال قائل : عندي مال اكتسبته من ربا فهل يصح أن أبني به مسجداً ، وتصح الصلاة فيه ؟..

فالجواب :

بالنسبة لصحة الصلاة في هذا المسجد هي صحيحة بكل حال ؛ وبالنسبة لثواب بناء المسجد : إن قصد التقرب إلى الله بذلك لم يقبل منه ، ولم يسلم من إثمه ؛ وإن قصد التخلص سلم من الإثم ، وأثيب ـ لا ثواب باني المسجد ـ ولكن ثواب التائب . ص328 .

 

12 ـ إن قال قائل : كيف يزيد الله تعالى المنفق فضلاً ونحن نشاهد أن الإنفاق ينقص المال حساً ؛ فإذا أنفق الإنسان من العشرة درهماً صارت تسعة ؛ فما وجه الزيادة ؟..

أما بالنسبة لزيادة الأجر في الآخرة فالأمر ظاهر فإن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ؛ ومن تصدق بما يعادل تمرة من طيب ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ فإن الله يربيها له حتى تكون مثل الجبل ..

وأما بالنسبة للزيادة الحسية في الدنيا فمن عدة أوجه :

الوجه الأول : أن الله قد يفتح للإنسان باب رزق لم يخطر له على بال فيزداد ماله.

الوجه الثاني : أن هذا المال ربما يقيه الله آفات لولا الصدقة لوقعت فيه ؛ وهذا مشاهد فالإنفاق يقي المال الآفات .

الوجه الثالث : البركة في الإنفاق بحيث ينفق القليل ، وتكون ثمرته أكثر من الكثير ؛ وإذا نُزعت البركة من الإنفاق فقد ينفق الإنسان شيئاً كثيراً في أمور لا تنفعه ؛ أو تضره وهذا شيء مشاهد . ص349 .

 

13 ـ بعض الأعمال تكون أفضل من بعض ..

وتفاضل الأعمال يكون بأسباب :

أ‌. منها التفاضل في الجنس ، كالصلاة ـ مثلاً ـ أفضل من الزكاة ، وما دونها .

ب‌. التفاضل في النوع ؛ فالواجب من الجنس أفضل من التطوع لقوله تعالى في الحديث القدسي : ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ) .

ج . التفاضل باعتبار العامل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) .

د . التفاضل باعتبار الزمان ، كقوله صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من ذي الحجة : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ) ، وكقوله تعالى : ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) .

هـ . التفاضل بحسب المكان ، كفضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره .

و. التفاضل بحسب جودة العمل وإتقانه ، كقوله : ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ) .

ز. التفاضل بحسب الكيفية ، مثل قوله : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) وذكر منهم ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) . ص358 ـ 360 .

 

14 ـ قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل )

هذه الآية الكريمة أطول آية في كتاب الله ؛ وهي في المعاملات بين الخلق ؛ وأقصر آية في كتاب الله قوله تعالى : ( ثم نظر ) لأنها ستة أحرف ؛ وأجمع آية للحروف الهجائية كلها آيتان في القرآن فقط ؛

إحداهما : قوله تعالى : ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً ) آل عمران : 154

والثانية قوله تعالى : ( محمد رسول الله والذين معه ) الفتح : 29

فقد اشتملت كل واحدة منهما على جميع الحروف الهجائية . ص402 ـ 403 .

 

(انتهت فوائد سورتي الفاتحة والبقرة) ..


 

فهد الجريوي
  • مع القرآن
  • مع السنة
  • العلم والعلماء
  • انتقاءات متنوعة
  • الصفحة الرئيسية