اطبع هذه الصفحة


لقاء إذاعي بعنوان:
(قُمْ للمعلمِ وفِّهِ التَّبجيلا)

د.عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن والاه.
لماذا نتحدث عن المعلمين؟
للمعلمِ الكثيرُ من الفضائلِ في المجتمعاتِ البشريَّةِ، وهو ما يجعلُ الحديثَ عن المعلمِ ودورهِ في المجتمعِ من أهمِّ المواضيعِ.
فالمعلمُ هو عنصرُ القوةِ ، وحجرُ الأساسِ في المجتمعاتِ والدُّولِ، فلا يمكنُ لمجتمعٍ من المجتمعاتِ أن يَستغنيَ عن المعلمِ، وهو الذي يتخرجُ من تحتِ يديه جميعُ العاملين في المهنِ المختلفةِ، فبفضلِ المعلمِ يتخرجُ الطبيبُ والمهندسُ والاقتصاديُّ والسياسيُّ والمزارعُ والجنديُّ والعاملُ وغيرُهمْ ممن تقومُ نهضةُ المجتمعاتِ البشريةِ على كاهلِهمْ.
ولهذا فيمكننا اعتبارُ المعلمِ بأنه المسؤولُ الأولُ عن تكوينِ وعيِ المواطنين وإنشائهِ، أو إعادةِ تشكيلهِ، بناءً على الأسسِ الوطنيةِ، والقوميةِ، والأخلاقيةِ القويمةِ.
ولا ريبَ أنَّ للمعلمِ دورًا بالغَ الأهميةِ في المجتمعاتِ، وتبرزُ هذهِ الأهميَّةُ في الآثارِ العظيمةِ التي يعودُ بها وجودُ المعلمِ على كلٍّ من الأفرادِ والمجتمعاتِ على حدٍ سواءٍ.
وهو ما نلمسهُ في المجتمعاتِ المتقدمةِ التي تُولي المعلمَ عنايةً كبيرةً، وتهتمُ بهِ في مختلفِ مراحلِ تكوينهِ وفي حياتهِ العمليةِ.
فما تقدمتْ المجتمعاتُ المتقدمةُ إلا بعدَ ما اهتمتْ بالمعلمِ من حيثُ الإعدادُ الجيِّدُ والتركيزُ على تحسينِ ظروفِ العملِ الخاصةِ بهِ وتوفيرِ كافةِ الوسائلِ التي تعينهُ على تطويرِ قدراتهِ ومهاراتهِ خلالَ مسيرتهِ المهنيةِ.
ويأخذُ الحديثُ عن المعلمِ أهميتَهُ في الأساسِ من كونهِ المسؤولَ عن تكوينِ الوعيِ السليمِ للأطفالِ، فهو الشخصُ الأولُ الذي يتعاملُ معهُ الأطفالُ، ويتلقوْن عنهُ العلومَ والمعارفَ خارجَ حدودِ الأسرةِ، ولأنَّ الأطفالَ هم رجالُ المستقبلِ، وهم المعوَّلُ عليهمْ في النهوضِ بالأممِ والحفاظِ على تقدمها وازدهارها ـ فإنَّ إعدادَهمْ وتشكيلَ وعيِهمْ بالصورةِ الصحيحةِ السليمةِ من ضرورياتِ بناءِ الأممِ.
ومن المسؤولياتِ العظيمةِ التي تقعُ على كاهلِ المعلمين، حيثُ يقومُ المعلمُ ببذلِ أقصى الجهودِ واستخدامِ كافَّةِ الوسائلِ التربويَّةِ والتعليميَّةِ المناسبةِ لإنشاءِ العقولِ النيرةِ والمتفتحةِ، وبناءِ الشخصياتِ القويمةِ التي يمكنها حملُ أمانةِ النهوضِ بالمجتمعِ وتطويرهِ.
فعقولُ الأطفالِ الصغيرةِ التي يغرسُ فيها المعلمُ المعارفَ العلميةَ المتنوعةَ، والقيمَ والأخلاقَ النبيلةَ، ما هي إلى لبناتٌ تُسهمُ في تكوين عقلِهِ، وبناءِ وعيهِ، وتهذيبِ مشاعرهِ.
ولا شك أن فئاتِ المجتمعِ جميعَها تدينُ بالفضلِ للمعلمِ، والذي يعتبرُ في حدِّ ذاتهِ مدرسةً متكاملةَ الأركانِ، فهو الإنسانُ الذي يعملُ جاهدًا من أجلِ تخريجِ كافةِ فئاتِ المجتمعِ وإعدادهمْ بما يؤهلهمْ لتأديةِ واجباتهمْ في الوظائفِ المختلفةِ التي يتخرجون للعملِ فيها.
 وكلما كان المعلمُ أكثرَ كفاءةً كانت المخرجاتُ أعلى جودةً وأثمنَ قيمةً، وهو ما يعودُ بالنفعِ على الفردِ بصورةٍ خاصةٍ وعلى المجتمعِ بصورةٍ عامةٍ، أما إذا لم يُؤدِّ المعلمُ ما عليه من الواجبِ فإنَّ بناءَ أفرادِ المجتمعِ سيتَّسمُ بالخللِ والنقصِ، وهو ما يؤدي إلى تخريجِ الفئاتِ المختلفةِ من أفرادِ المجتمعِ بصورةٍ ناقصةٍ وغير مكتملةٍ، فيصعبُ عليها حملُ الأمانةِ التي تتطلَّبُها مهامُّهم ومواقعُهم المختلفةُ في المجتمعِ، وبالتالي فإن المجتمعَ يفقدُ قدرتَهُ على البقاءِ في المسيرةِ المتقدمةِ للحضارةِ الإنسانيةِ.
والتعليم من أسمى المهنِ الجليلةِ التي عرفها الإنسانُ عبرَ حقبِ التاريخِ المختلفةِ، وذلك لكونهِ المسؤولَ عن رعايةِ بذرةِ المعرفةِ وريِّها، والمعرفةُ هي الأساسُ والعمودُ الفقريُّ لتشكيلِ الحضاراتِ الإنسانيةِ وتطورِها، وهي العصبُ الحاليُّ للنهضةِ الاقتصاديةِ والعلميةِ والتقنيةِ في الدولِ المتقدمةِ.
وهذا هو الذي منحَ المعلمَ مكانتَهُ المرموقةَ في الحضاراتِ الإنسانيةِ القديمةِ، وفي عصرنا الحاليِّ، فقدْ أدرك جميعُهمْ أنَّ بذرةَ المعرفةِ التي يرعاها المعلمُ وينمِّيها إنما هي أصلُ الشجرةِ الوارفةِ التي يستظلُّ بظلِّها بنو الإنسانِ لتحميَهمْ من شرورِ الجهلِ والخرافاتِ.
وقد أثبتتْ حقائقُ التاريخِ ووقائعُهُ أنهُ ما من أمَّةٍ أهملت المعلمينَ وحطتْ من قدرِهمْ إلَّا ولبستْ لباسَ الجهلِ وتاهتْ في سبلِ الشعوذةِ والخرافاتِ.
أما على صعيدِ عصرِنا الحاليِّ على وجهِ الخصوصِ فإن دورَ المعلمِ أصبحَ أكثرَ تطورًا، وازدادتِ الحاجةُ إلى المعلمين ذوي الكفاءاتِ العاليةِ التي تناسبُ قدراتُهم ومهاراتُهم مع المتطلَّباتِ التي تفرضُها التحدِّياتُ والتغيُّراتُ المتسارعةُ التي يتَّسمُ بها عصرُنا الحاليُّ.
فقدْ أشارتْ العديدُ من الدراساتِ إلى أن التأثيرَ الخاصَ بالمعلمِ على التحصيلِ الدراسيِّ للطلابِ هو الأهمُّ من بين العواملِ الأخرى في البيئةِ الدراسيةِ، حيثُ يمتلكُ المعلمُ الكفءُ مقدرةً متميزةً في تحسينِ مخرجاتِ العمليةِ التعليميةِ، وتطويرِها والوصولِ بالطلابِ إلى أعلى المستوياتِ الممكنةِ من الأداءِ.
ولا يقتصرُ دورُ المعلمِ في العمليةِ التعليميةِ الحديثةِ على الوصولِ إلى تحقيقِ نتائجَ دراسيةٍ متقدمةٍ للطلابِ في الاختباراتِ فحسبُ، بل يَتعدَّى ذلك إلى تحدِّي الطلابِ في امتلاكِ مهاراتِ التفكيرِ النَّاقدِ، ومكافئتِهم عليها، ومن هنا فإن الدورَ الرئيسيَّ للمعلمِ أصبحَ يتمثلُ في تشجيعِ الطلابِ على إكمالِ تعليمِهم في المستوياتِ اللاحقةِ، وإرشادِهم نحو الطرقِ الصحيحةِ للنجاحِ فيها، وزيادةِ دوافعِ الطلابِ نحوَ المشاركةِ في الفعالياتِ والأنشطةِ التي مِن شأنِها أن تُحسنَ من مستوياتِ أدائِهم وتصقِلَ شخصياتِهم.
كما يعتبرُ المعلمُ صاحبَ الدورِ الأهمِّ في اكتشافِ المواهبِ التي يَمتلكُها الطلابُ، والتَّفطُّنِ لقُدراتِهم الخفيَّةِ التي يَتمتَّعون بها، وهو ما يتيحُ للمعلمِ تنميةَ هذه المواهبِ وتعزيزَها، وإرشادَ الطلابِ للوسائلِ التي تمكنهم من الارتقاءِ بمواهبِهم ومهاراتِهم وتنميتِها.
وبهذا فإن المعلمَ يستطيعُ أن يحوِّلَ الاختلافَ الموجودَ بين الطلابِ إلى أسبابٍ وعواملَ للتميُّزِ فيما بينهمْ، كما أنَّ رعايةَ المعلمِ لمواهبِ الطلابِ واهتمامَهِ بها يعززُ من شعورِ الطلابِ بالثقةِ بأنفسِهم، وينمِّي فيهم احترامَ الذاتِ، وهو ما يزيدُ من ارتباطِ الطلابِ بالمدرسةِ وتعلُّقِهم بها فيَعتبرونها مصدرًا مهمًّا للإلهامِ، ومحفِّزًا للمضـيِّ في طرقِ النجاحِ في الحياةِ العلميةِ والعمليةِ.
ومن أهمِّ أدوارِ المعلِّم الناجح: تشجيعُ طلابِه على العملِ الجادِّ، والتفاني في سبيلِ تحقيقِ أهدافهم، والوصولِ إلى أحلامِهم المستقبليةِ.
وتظهرُ أهميةُ دورِ المعلمِ في المجتمعِ جليةً فيما يعلِّمهُ للطلابِ من القيمِ التي تؤهِّلُهم ليكونوا قادةَ المستقبلِ، وذلك من خلالِ غرسِ القيمِ الاجتماعيةِ الإيجابيةِ: مثلَ احترامِ الآخرين، وحبِ المشاركةِ في الأنشطةِ والأعمالِ الاجتماعيةِ والثقافيةِ، وتقبلِ الاختلافِ، ومراعاةِ الأخلاقياتِ العامةِ في السلوكياتِ واتخاذ القراراتِ، فكلُ هذهِ القيمِ وغيرِها من شأنِها أن تزيدَ من شعورِ الطالبِ بالانتماءِ للمجتمعِ، وأنَّ عليهِ مسؤوليةً تجاهَهُ، وهو ما يؤهلُ الطلابَ لأنْ ينجحوا في قيادةِ المجتمعِ في المستقبلِ، حيثُ يعتمدُ المستقبلُ على القادةِ المتعلمينَ، الذينَ يتحلَّوْنَ بالأخلاقِ والمسؤوليةِ، ويمتلكونَ من المهاراتِ ما يؤهلهمْ للتعاملِ مع المشكلاتِ المستقبليةِ؛ لحلها، بالإضافةِ إلى القدرةِ الكافيةِ على التواصلِ مع الشعوبِ والثقافاتِ والحضاراتِ المختلفةِ.
 

القيم التي ينبغي أن تظهر في سلوك المعلم:

إنِّ الحديثَ عن تقدُّمِ المجتمعاتِ وتطوُّرِها لا يُمكنُ أن يتمَّ إلا من خلالِ رفعِ كفاءةِ المعلمِ والنهوضِ بهِ، فالمعلمُ هو صاحبُ الدورِ الرئيس في العمليةِ التعليميةِ والتربويةِ، ولما لهذا الدورِ من الأهميةِ ـ فلا بد أنْ تكونَ هناكَ مجموعةٌ من المميزاتِ في تكوينِ المعلمِ، وذلكَ ليتمكنَ من أداءِ المهمةِ العظيمةِ المنوطةِ بهِ بأعلى كفاءةٍ ممكنةٍ، تسهمُ في تحقيقِ الأهدافِ المرجوَّةِ من العمليةِ التعليميةِ والتربويةِ.
وللقيمِ التي يمتلكها المعلمُ أهميةٌ كبيرةٌ ودورٌ رئيسٌ في تحقيقِ أهدافِ العمليةِ التربويةِ، وذلكَ لأنها تؤثرُ مباشرةً في سلوكياتِ الطلابِ ومعتقداتهم، ولأنَّ الطلابَ هم أهمُّ ثروةٍ تمتلكُها المجتمعاتُ البشريةُ.
ولكونِ المعلمِ هو المسؤولَ عن رعايةِ هذهِ الثروةِ واستثمارِها بالصورةِ المثلى، التي تحققُ طموحاتِ المجتمعِ وأهدافَه ـ لأجْلِ ما تقدَّم وجبَ التأكيدُ على أنَّ المعلمَ يجبُ أنْ يمتلكَ من القيمِ النبيلةِ التي تؤثِّرُ في شخصيةِ الطلابِ وتعزِّزُها، لبناءِ طالبٍ ذي شخصيةٍ قويةٍ ،تستمدُ قيمَها من القيمِ الأصيلةِ للمجتمعِ: كالتي تحثُّ على العدلِ والمساواةِ، والانضباطِ والالتزامِ بالأنظمةِ والقوانينِ واحترامِها، والانتماءِ للوطنِ والمجتمعِ، وخدمتِهما، والذَّوْدِ عنهما، والتعاونِ والتكاملِ في ذلك، والمشاركةِ في العملِ الخيريِّ، وتقبلِ الآخرين... وغيرِها من القيمِ.
وتعدُّ القيمُ التربويةُ من أهمِّ الأهدافِ التي تسعى المؤسساتُ التربويةُ إلى غرسِها في نفوسِ الطلابِ، وبناءِ شخصياتِهم من خلالِها؛ لما لهذه القيمِ من دورٍ مهمٍّ في بناءِ الشخصيةِ المتكاملةِ والسويةِ للطلابِ في جميعِ جوانبها.

وبما أنَّ المعلمَ هو الشخصُ المخوَّلُ بتنميةِ شخصياتِ الطلابِ والارتقاءِ بنفوسِهم وشخصياتِهم ـ فإنهُ من المهمِّ أنْ تتمثلَ فيه القيمُ التي تسعى المؤسساتُ التربويةُ إلى غرسِها؛ لكي يرى الطلابُ من خلاله تطبيقًا عمليًا لهذهِ القيمِ؛ ليعينَهم على تطبيقها في مختلفِ جوانبِ حياتهم، وفي مقدمةِ هذهِ القيمِ: قيمُ الشريعةِ الإسلاميةِ التي تعدُ أهمَّ القيمِ التي تتركُ الآثارَ الإيجابيةَ في نفوسِ الطلابِ، ومن أهمِّ القيمِ التي يجبُ أنْ تظهرَ في سلوكِ المعلمِ:

أولًا: التمسُّكُ بالشريعةِ الإسلاميةِ:

وذلك بالتمسُّكِ بكتابِ اللهِ ´ وسنةِ رسولهِ ‘، حيثُ يعدُّ التمسكُ بالقرآنِ والسنةِ أهمَّ القيمِ التي تسهمُ في تكوينِ الشخصيةِ الإسلاميةِ السليمةِ للطلابِ، والتي تعينُ على الهدايةِ واتباعِ طريقِ الحقِّ، والعيشِ وفقَ مرادِ اللهِ ¸، فقدْ قالَ اللهُ تعالى: (ﱡ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:103]. فقدْ أمرَ اللهُ تعالى بالاعتصامِ بحبلهِ، وحبلُ اللهِ هو عهدُ اللهِ، أو هو القرآنُ، كما قالَ المفسرونَ.
فالعهدُ الذي أخذهُ اللهُ على المسلمينَ هو الاعتصامُ بالقرآنِ والسنةِ؛ فقدْ أمرَ ´ في هذهِ الآيةِ بالاجتماعِ، ونهى عن التفرقِ والاختلافِ بينهم. ومن الواجبِ على المعلمِ أنْ يكونَ قدوةً للطلابِ في التمسكِ بدينِ اللهِ ¸ واعتبارهِ منهجًا رئيسًا للحياةِ، وهذا هو الذي من شأنهِ أنْ يحققَ لهم الفلاحَ في الدنيا والآخرةِ، فقدْ قالَ اللهُ تعالى: ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) [طه: 123-124].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم  قالَ: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ».([1])
وتكمنُ أهميةُ قيمةِ التمسكِ بالشريعةِ الإسلاميةِ ومصادرِها في أنها تعدُّ أُمَّ القيمِ الساميةِ وأساسَها، فما يتضمنهُ كتابُ اللهِ ¸ وسنةُ نبيهِ من القيمِ تعجزُ الكتبُ والمؤلفاتُ عن جمعهِ وحصرهِ، وإنَّ غرسَ العقيدةِ الصالحةِ في نفوسِ الطلابِ هو الأساسُ في غرسِ مختلفِ القيمِ الساميةِ ونبذِ الرذائلِ منها، وإنَّ غرسَ المعلمِ لقيمِ الشريعةِ الإسلاميةِ في نفوسِ الطلابِ يملأها بكلِ نافعٍ ومفيدٍ، ويجنِّبُهم الوقوعَ في الخطأِ والانحرافِ، ويحببُ إليهم تبنيَ مختلفِ قيمِ الخيرِ والعملِ الصالحِ، ويحققُ لهم مختلفَ احتياجاتِهم النفسيةِ.

ثانيًا: العملُ الخيري:

ويعدُّ من أهمِّ القيمِ التي ينبغي على المعلمِ أنْ يركزَ عليها في سلوكهِ معَ الطلابِ؛ ليكتسبوها منهُ، حيثُ تعودُ هذهِ القيمةُ بالعديدِ من الفوائدِ على شخصيةِ الطلابِ، حيثُ تعزِّزُ هذهِ القيمةُ من شعورِ الفردِ بالانتماءِ للآخرين وارتباطهِ بهم، كما تمنحُ الأعمالُ الخيريةُ الطلابَ المشاعرَ الجيدةَ، وتقللُ بدرجةٍ كبيرةٍ من مشاعرهم السلبيةِ وتحسنُ من حالتهم النفسيةِ، وبامتلاكِ المعلمِ لقيمِ العملِ الخيري فإنهُ يسهمُ بصورةٍ كبيرةٍ وفعالةٍ في زيادةِ إقبالِ أفرادِ المجتمعِ على العملِ الخيري، وتعزيزِ هذهِ القيمةِ لديهِ، من خلالِ تبنِّي الطلابِ لهذا العملِ، وزيادةِ إقبالهم عليهِ.

ثالثًا: الصدقُ:

إنَّ الصدقَ من أهمِّ أخلاقِ المسلمِ، ومن الصفاتِ الفارقةِ بين المؤمنِ والمنافقِ، ويكفي أن نشيرَ لأهمية الصدق في الدِّين بما رواه عبد الله بن مسعود ¢ عن النبي ‘ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا». متفق عليه واللفظ لمسلم.
ويعتبرُ الصدقُ من القيمِ الأخلاقيةِ الساميةِ التي تسهمُ في تعزيزِ الثقةِ بين الناسِ، وتمنحُ الشعورَ بالراحةِ، حيثُ يمتلكُ الفردُ جوابًا واحدًا عن الموضوعِ الذي يُسألُ عنهُ؛ وذلك لأنّهُ يروي ما حدثَ فعلًا، على خلافِ الكذبِ الذي قد يضطرُّ فيهِ إلى قولِ العديدِ من الأكاذيبِ بذاتِ الموضوعِ، الأمرُ الذي قد يؤدّي إلى شعورهِ بالتعبِ والقلقِ حيالَ ذلك، إضافةً إلى التسبّبِ في الخلافاتِ، حتّى بعدَ تقديمِ الاعتذارِ، وفقدانِ ثقةِ من حولهُ، كما قدْ يكونُ الكذبُ مصدرًا للفزعِ والقلقِ أكثرَ من الحقيقةِ.
فمثلًا عندَ إخبارِ الأطفالِ بأنَّ شخصًا مقرّبًا لهمْ قدْ نامَ بدلًا من إخبارهم بأنّه قد توفّي، قد يتسبّبُ في شعورِهم بالخوفِ عندَ الذهابِ إلى النومِ؛ لظنّهم بأنّهم لنْ يستيقظوا مُجدّداً.
والصدقُ من أهمِّ القيمِ التي ينبغي أنْ يمتلكها المعلمُ ويؤثرَ بها في طلابهِ، حيثُ يعدُّ الصدقُ إِحدى القيمِ الأساسيَّةِ التي تقومُ عليها القيمُ الأخرى، فإذا فقدتْ قيمةُ الصدقِ فقدتْ القيمُ الأخرى أهميتَها، وأصبحتْ محلَ شكٍّ في المجتمعِ؛ لذلك فإنَّ الصدقَ قيمةٌ أساسيةٌ لابد أنْ يتحلى المعلمُ بها في كلِ وقتٍ ومكانٍ.
 
رابعًا: تقبلُ الآخرِ:

الفصلُ الدراسيُّ مجتمعٌ مصغرٌ، ولذلك فعلى المعلمِ أنْ يمتلكَ العديدَ من القيمِ الاجتماعيةِ وأنْ يعملَ على تطبيقها في هذا المجتمعِ كتدريبٍ لممارستهِ عمليًّا من قبلِ الطلابِ في حياتهم الحقيقيةِ في المجتمعِ الكبيرِ.
ولوجودِ العديدِ من الأطيافِ في المجتمعِ الواحدِ فإن قيمةَ تقبلِ الآخرين من أهمِ القيمِ التي ينبغي أنْ تظهرَ في سلوكِ المعلِّمين؛ لأنها تساعدُ الطلابَ على تفهُّمِ الاختلافاتِ الموجودةِ بين أفرادِ المجتمعِ، سواءً في اللونِ أو العرقِ أو الدينِ، فبغرسِ قيمةِ تقبلِ الآخرِ يمكنُ أنْ يُخرِّجَ المعلمُ أجيالًا تمتلكُ مقدرةً على التعاملِ مع الجميعِ بصورةٍ تتناسبُ مع القيمِ العُليا للمجتمعِ، وقيمِ الشريعةِ الإسلاميةِ السمحةِ.
وعلى غرارِ هذهِ القيمِ فإنَّ هناكَ الكثيرَ من القيمِ الشخصيَّةِ: الأخلاقيَّةِ والاجتماعيَّةِ والثقافيَّةِ التي ينبغي أنْ يتحلَّى بها المعلمُ ويتَّصفَ بها سلوكُهُ؛ ليؤثِّرَ من خلالها في طلابهِ ويَنقلَها إليهم؛ ليَكتسبوها ويُمارسوها في مختلفِ مجالاتِ حياتِهم، بما يحققُ المصلحةَ لهم وللمجتمعِ بشكلٍ عامٍ. ولكي يتمكنَ المعلمُ من التأثيرِ في سلوكياتِ طلابهِ ونقلِ القيمِ إليهم فإنهُ يجبُ أنْ تتوفرَ فيهِ العديدُ من الصفاتِ والخصائصِ: منها القدرةُ على إقامةِ العلاقاتِ مع الطلابِ، وامتلاكُه للوعي الكافي باحتياجاتِ الطلابِ وخصائصِهم، بالإضافةِ إلى امتلاكِ خصائصِ الصبرِ واللطفِ والاهتمامِ، والإخلاصِ والتَّفاني في العملِ.

واجبنا نحو المعلم
يقفُ المجتمعُ حائرًا أمامَ فضلِ المعلمِ ومكانتهِ الكبيرةِ، فمهما قدمَ المجتمعُ للمعلمِ يظلُّ مقصرًا أمامَ إنجازاتِ المعلمِ، وفضلهِ على سائرِ المجتمعِ، حيثُ يجبُ على المجتمعِ أنْ يضعَ المعلمَ في مكانةٍ عاليةٍ تتناسبُ مع حجمِ العطاءِ الذي يُقدمهُ للمجتمعِ، وأنْ يَحظى بدرجةِ احترامٍ تفوقُ غيرَهُ من أصحابِ المهنِ.

فالمعلمُ هو من يفني عمرَهُ في سبيل النهوضِ بالمجتمعِ وأفرادهِ من خلالِ نـشرِ العلمِ والمعرفةِ، ومن صورِ تقديرِ المجتمعِ للمعلمِ: احترامهُ ومنحهُ المكانةَ الكبيرةَ التي يستحقها والتي تليقُ به، ونشرُ ثقافةِ احترامِ المعلمِ بين عامةِ الناسِ، والتعاملُ معهُ بكلِ لطفٍ واحترامٍ ولباقةٍ، وعدمُ رفعِ الصوتِ عندهُ تحتَ أي ظرفٍ من الظروفِ، والحديثُ إليهِ بصورةٍ تشعرهُ بمكانتهِ وأهميتهِ، واتباعُ تعليماتهِ وتوجيهاتِه، وعدمُ التعرضِ لهُ بالأذى سواءً بالقولِ أو الفعلِ.

والاهتمامُ بالوضعِ الماديِّ للمعلمِ يساعدُ في جعلِ التعليمِ وظيفةً مرغوبا فيها لدى جميعِ فئاتِ المجتمع، ولذلك نجدُ أن الكثيرَ من الدولِ المتقدمةِ حولَ العالمِ رفعتْ من مرتباتِ المعلمين، وجعلتْ وظيفةَ المعلمِ إحدى الوظائفِ العليا في المجتمعِ، فينبغي على المجتمعِ أن يحفظَ قيمةَ المعلمين، من خلالِ توفيرِ الدعمِ الماديِّ المناسبِ لهم؛ لإعانتهم على العطاءِ وأداءِ مهامهم على أكملِ وجهٍ ممكنٍ.

ومن واجبِ المجتمعِ نحوَ المعلمِ: أنْ يوفِّرَ لهُ البيئةَ التعليميةَ السليمةَ التي تعينُ المعلمَ على العطاءِ، كالوسائلِ التعليميةِ المناسبةِ التي تمكنهُ من تقديمِ المعلوماتِ بصورةٍ أسهلَ، وبشكلٍ يجذبُ انتباهَ الطلابِ، بالإضافةِ إلى مراعاةِ الأعدادِ المناسبةِ من الطلابِ في الفصولِ، فتكدُّسُ الطلابِ في الفصولِ الدراسيةِ من شأنهِ أن يقللَ من كفاءةِ المعلمِ وقدرتهِ على الأداءِ، وكذلك توفيرُ كافةِ الإمكانياتِ الماديةِ التي يحتاجُ إليها المعلمُ لتنفيذِ الأنشطةِ التعليميةِ التي تحتاجها الدروسُ، والتي تعتبرُ من العواملِ المهمةِ في تكوين شخصيةِ الطلابِ؛ ليتمكنَ من اكتشافِ مهاراتِهم ومواهبِهم التي يتميَّزون بها.

ولأولياءِ الأمورِ الدورُ الرئيسُ في تربيةِ الطلابِ وتوجيهِ سلوكٍهم تجاهَ المعلمين، حيثُ يميلُ الأطفالُ لتقليدِ آبائهم، ولذلك فإن على أولياءِ الأمورِ واجبًا تجاهَ المعلمين، فمن الواجبِ عليهم: أن يكونوا عونًا لهم على أداءِ مهامِّهم، وذلك من خلالِ الاهتمامِ بتربيةِ أبنائِهم تربيةً حسنةً، وإرشادِهم إلى احترامِ المعلمِ وتقديرهِ، وبيانِ أهميةِ المعلمِ والدورِ الذي يقومُ بهِ في الارتقاءِ بالمجتمعِ ومواطنيهِ.

كما ينبغي أنْ يعاملَ أولياءُ الأمورِ المعلمين معاملةً تليقُ بمكانتهم وتقديمِ الاحترام لهم، كما يتوجبُ على أولياءِ الأمورِ أنْ يقوموا باحتواءِ أيَّة مشكلةٍ يتعرضُ لها المعلمون أمامَ الطلابِ بصورةٍ تحافظُ على مكانتهِ عندَ الطلابِ، كما يجبُ أن يحرصَ أولياءُ الأمورِ على وصفِ المعلمين بأفضلِ الصفاتِ والأسماءِ، وتوجيهِ سلوكِ أبنائهم إلى التعاملِ مع المعلمين بما يليقُ بمكانتِهم.

وعلى الطالبِ واجباتٌ متعددةٌ تجاهَ المعلمِ، حيثُ إنْ المعلمَ هو صاحبُ الفضلِ العظيمِ عليه، ومن هذهِ الواجباتِ: احترامُ الطالبِ للمعلمِ ،وتعظيمُ مكانتهِ، ومنحهُ أقصى درجاتِ الامتنانِ والتقديرِ، كما يجبُ على الطالبِ أن يتخذَ معلمَهُ قدوةً له، ويأخذُ منه العلومِ والمعارفِ النافعةِ والأخلاقِ والقيمِ الحميدةِ، وكذلك اتباعُ التعليماتِ والقواعدِ التي يحدِّدها المعلمُ للفصلِ وللمدرسةِ، مثلَ آدابِ الحديثِ والاستماعِ والمشاركةِ.
كما يجبُ على الطالبِ أنْ يهتمَّ بتحضيرِ دروسهِ، وأنْ يجتهدَ في تحصيلهِ العلمي، فيكونَ معينًا للمعلمِ في إنجاحِ العمليةِ التعليميةِ وتحقيقِ أهدافها.

ومن واجباتِ الطالبِ أن يعملَ بجدٍّ على إتمامِ واجباتهم المدرسيةِ وتسليمِها للمعلمِ في وقتها المحدَّدِ، بالإضافةِ إلى حرصِ الطالبِ على المشاركةِ في الأنشطةِ والفعالياتِ المنهجيةِ وغيرِ المنهجيةِ التي يقومُ المعلمُ بتنفيذها.

وختامًا فإنَّ كلًّا من المجتمعِ وأولياءِ الأمورِ والطالبِ لديهم العديدُ من الواجباتِ التي يجبُ أنْ يؤدوها في حقِ المعلمِ لإعانتهِ على أداءِ واجباتهِ والوصولِ إلى تحقيقِ النجاحِ في العمليةِ التعليميةِ وتحقيقِ أهدافها، وإنَّ هذهِ الواجباتِ ليستْ فقطْ من أجلِ المعلمِ، وإنما هي مساعدةٌ للمعلمِ على تأديةِ واجباتهِ، ومساهمةٌ في ارتقاءِ المجتمعِ وتطورهِ من خلالِ المساهمةِ في إنجاحِ العمليةِ التعليميةِ.

-----------------------------------------
([1]) رواه مالك في الموطأ بلاغا، قال ابن عبد البر: وهذا أيضا محفوظ معروف مشهور عن النبي ¢ عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد. ورواه الحاكم والدارقطني والبيهقي والبزار، وله أصل في الصحيح.

 

 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية