صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لقاء إذاعي بعنوان:
منزلة الأخلاق في الإسلام

د.عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدُ لله رَبِّ العالمين، حَمْدًا يَليقُ بِجَلالِ وَجْهِهِ وَعَظيمِ سُلْطَانِهِ، فَلَهُ الحَمْدُ حَتى يَرْضَى، وَلَهُ الحَمْدُ إِذَا رَضِي، وَلَهُ الحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا.
والصَّلَاةُ والسَّلامُ عَلَى خَيْرِ الأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَخَيْرِ بَنِي آدَمَ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَاقْتَدَى بِهِ، وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَومِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَالأَخْلَاقُ هِيَ مَجْمُوعَةُ السَّجَايَا وَالطَّبَائِعِ وَالمعانِي والصِّفَاتِ الَّتِي تَسْتَقِرُّ في نَفْسِ الإِنْسانِ، وَهِيَ الْعَينُ الَّتِي يَنْظُرُ بِهَا الإِنسانُ إِلَى الأفعالِ والأقوالِ، وَيُمَيِّزُ مِنْ خِلَالِهَا بَيْنَ الحسنِ والقبيحِ مِنْهَا، فَيَقْبَلُ مَا اسْتُحْسِنَ مِنْهَا، وَيَبْتَعِدُ عَمَّا هُو قَبِيحٌ، وَالأخلاقُ مِيزَانٌ تُقَاسُ بِهِ الأُمَم، وَفِي ذَلِكَ قَالَ الشَّاعرُ:

وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ --- فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا

وقال آخرُ:

صَلَاحُ أَمْرِكَ لِلْأَخْلَاقِ مَرْجِعُهُ --- فَقَوِّمْ النَّفْسَ بِالْأَخْلَاقِ تَسْتَقِمِ

وقال آخرُ:

إِذَا أُصِـيبَ الْقَوْمُ فِي أَخْلَاقِهِمْ --- فَـأَقِمْ عَـلَيْçمْ مَّأْتَمًا وَعـَوِيلَا

وَلَمَّا كَانَتِ لِلِأْخَلَاقِ أَهَمِيَّةُ كَبِيرةٌ فِي بِنَاءِ الإِنْسَانِ وَالْأُمَمِ، جَاءَ الإسلامُ بِتعظيمِ الأخلاقِ والحثِّ على التَّخَلُّقِ بِأَحْسنِهَا.

من مظاهر اهتمام الإسلام بالأخلاق

أولا: أن تتميم مكارم الأخلاق من المقاصد الأساسية لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم:
مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَكانَةِ الأخلاقِ فِي الإسلامِ حديثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ‘: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» رواه أحمد وفي بعض روايات الحديث: «لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ».
ففي الحديثُ أنَّ الرسالةَ التي بُعِثَ بِهَا رَسُولُنَا الكريمُ إِنَّمَا هِيَ مَقصورةٌ عَلَى الحثِّ عَلى مكارمِ الأخلاقِ والدعوةِ إِلَيْهَا.
وَيُمْكِنُ أنْ نلاحظَ ذلكِ مِنْ أسلوبِ القَـصْرِ والحَـصْرِ الذِي اسْتَخْدَمَهُ نَبِيُّنَا في بدايةِ هَذَا الحديثِ حيثُ بَدَأَ بِـ (إِنِّمَا) وَهِي أداةُ الحـصرِ كَمَا هُو مَعْروفٌ في لُغَتِنَا العربيةِ، وَهْوُ أسلوبٌ بليغٌ نَبَّهَنَا بِهِ رَسُولُنَا ‘ على المنزلةِ الرفيعةِ التي جعلَهَا اللهُ ¸ للأخلاقِ.
قال ابن عبد البر في: ويدخلُ في هذا المعنى: الصلاحُ والخيرُ كُلُّه، والدينُ والفضلُ والمروءةُ والِإحسانُ والعدلُ، فبذلك بُعثَ ليُتمِّمَه.
بل إِنَّ الفطرةَ السليمةَ التي فَطَرَنَا اللهُ ¸ عَلَيْهَا تَدْعُوا إلى مكارمِ الأخلاقِ.
وقدْ أَجْمَعَ العقلاءُ والحكماءُ في مُخْتَلَفِ الأزْمِنَةِ والعصورِ على أهميةِ الأخلاقِ ومنزلَتِهَا الرفيعةِ.
فالصدقُ، والشجاعةُ، والصبرُ، والوفاءُ بالعهودِ، والكرمُ، والأمانةُ ،مِنَ الأخلاقِ الكريمةِ التي يستحقُّ بها الإنسانُ محبةَ الناسِ جميعًا.
وقدْ عُرِفَ نَبِيُّنَا قبلَ البعثةِ بأخْلَاقِهِ الكريمةِ، وقدْ كَانَتْ سببًا لِحُبِّ الناسِ لَهُ، فَقدِ اشْتَهَرَ ‘ بَيْنَ الناسِ بالصادقِ الأمينِ.
بَيْنَمَا الأخلاقُ السيئةُ كالكَذِبِ، والبُخلِ، والجُبنِ، والغدرِ مِنَ الأخلاقِ المكروهةِ التي يَسْتَحِقُ صاحِبُهَا الذَّمَ.
وقدْ بيَّنَ اللهُ ¸ في غيرِ موضعٍ مِنْ كتابِهِ الكريمِ أَنَّ الهَدَفَ مِنَ الرِّسَالاتِ التي جاءَ بِه الرسلُ والأنبياءُ صلوات الله وسلامهم عليهم إنَّما هُو هدفٌ أخْلَاقِي، حيثُ تَسْتَهْدِفُ هذه الرسالاتُ جميعًا بيانَ طريقِ الحقِّ والخيرِ الذي يُرْشِدُ مَنْ يَتْبَعُهُ إلى الفلاحِ في الدنيا والآخرةِ، ويُبْعِدُهُ عنِ الـشرِّ وسُوءِ العاقبةِ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرةِ.
وقدْ كانَ رسولُنَا وخاتمُ النَّبِيِّينَ أكملَ بني آدمَ خُلُقًا،وقدِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ أمَّهَاتُ الفضائِلِ، وقدْ أمرَهُ اللهُ ¸ بِالاقْتِدَاءِ بِمَنْ سبقَهُ مِنَ الأنْبياءِ حيثُ قالَ تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام:90].
وَليسَ المقصودُ بِهَذَا الهَدْيِ المعرفةُ باللهِ أو شرائعُ هؤلاءِ الأنبياءِ، فَلِكُلٍّ منهم شريعةٌ خاصَّةٌ تَتَناسَبُ معَ أحوالِ قَوْمِهِ، بلْ إنَّ الأمرَ في هذهِ الآيةِ إنَّمَا هو بالاقْتداءِ بَمَا اخْتُصَّ بِهِ كُلُّ واحدٍ مِمَّنْ سَبَقَهُ منَ الأنبياءِ منَ الأخلاقِ الكريمةِ، حيثُ اخْتُصَّ كلٌّ منهم بأخلاقٍ خاصَّةٍ.
وكَأنَّمَا أَمَرَ اللهُ ¸ نبيَّهُ ‘ بالاقتداءِ بِمجموعِ هذهِ الأخلاقِ المتفرقَةِ بينَ الأنبياءِ، وَلَمَّا كانتْ هَذِهِ الدَّرَجَةُ خاصَّةً بِهِ وَصَفَهُ اللهُ ¸ بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].
وهو وصْفٌ تَفَرَّدَ بِهِ نَبيُّنا ‘ عنْ غيْرِهِ مِنَ الأنبياءِ، فقدْ وصفَ اللهُ ¸ بعضَ أنبيائِه صلوات الله وسلامه عليهم بالتَّقِي والرَّشِيدِ والحليمِ وغَيْرِهَا منَ الصفاتِ.
وقدْ أدركَ مَنْ عَاصرَ النبيَّ ‘ منْزِلَةَ الأخلاقِ في الإسلامِ، فهذا أحدُ حُكَماءِ العَرَبِ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِي عِنْدَمَا دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الإِسْلَامِ قَالَ: (إِنَّ الذي يدعو إليهِ مُحَمَّدٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ دِيناً لَكَانَ في أخلاقِ الناسِ حَسَناً).

ثانيا: أن قدر إيمان المسلم ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم والقرب منه بقدر حسن خلقه:

وَفي حديثٍ آخرَ يُبَيِّنُ النبيُّ ‘ مكانةَ الأَخْلاقِ وأهَمِّيَتَهَا وَمَنْزِلَتَهَا في الإسلامِ: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله ‘: «أكمَلُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهُم خُلُقًا». رواه أبوداود.
وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ ‘ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «الْمُتَكَبِّرُونَ». رواه الترمذي.
وعَنْ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ‘: «إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ وَمَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا» رواه الحاكم والبيهقي.

ثالثا: ارتباط الأخلاق الحسنة بتقوى الله تعالى:

وقد أَمَرَنَا نَبِيُّنَا ‘ بِالْتِزَامِ الأخلاقِ الحسنَةِ، وَقَرَنَهَا بِتَقْوَى اللهِ ¸ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ‘: «اتَّقِ اللهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الترمذي وقال حسن صحيح.

رابعا: اهتمام القرآن الكريم بترسيخ الأخلاق الحميدة والتنفير من الأخلاق الذميمة بأساليب متنوعة:

الناظرُ في القرآنِ الكريمِ يرى الكثيرَ مِنَ الآياتِ التي تتعلقُ بموضوعِ الأخلاقِ ومدحِ اللهِ ¸ للأخلاقِ الكريمةِ وأصحابِهَا، ونَهْيِهِ عنِ الأخلاقِ السيِّئَةِ وذَمِّ مَنْ يَتَّصِفُ بِهَا وتَوَعُّدَهُمْ بالعقابِ في الدنيا والآخرةِ، فقدْ قالَ ¸: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الجمعة:2] .
كما أمَرَ اللهُ ¸ بالتَّخَلُّقِ بالأخلاقِ الحسنةِ فقال: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:133 -134] .
فَوَضَّحَتْ هذهِ الآيةُ الكريمةُ مَنْزِلَةَ الأخلاقِ الكريمةِ، مِثْلَ السَّخَاءِ والإنْفاقِ وكَظْمِ الغيظِ، والإحسانِ، وأنّها تُوجِبُ محبةَ اللهِ ¸ للعبدِ، وقدْ قالَ ¸: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت:34] 
وهُوَ مَا يَدُلُّ على أَنَّ حُسْنَ الخلقِ هَوَ أَحَدُ الأُسُسِ الاجتماعيةِ القويمةِ التي يقومُ عليْها صلاحُ المجتمعاتِ؛ لِمَا لَهَا منْ أَثَرٍ في نشرِ الخيرِ والمحبةِ بينَ الناسِ.
وقدْ بيَّنَ اللهُ ¸ أنَّ الأخلاقَ الحسنةَ سببٌ لنشْرِ المحبةِ بينَ الناسِ في قوله ¸: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران:159].
كما بيَّنَ محبةَ الرسول ‘ لأصْحَابِهِ وللنَّاسِ وحرْصِهِ على الخيِر لهُم وذلكِ في قولِه ¸: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].

خامسا: العلاقة الوثيقة بين الأخلاق وبين العبادات:

مِنْ أهَمِّ مظاهرِ اهتمامِ الإسلامِ بالأخلاقِ أنَّ الهدفَ الأسْمَى مِنْ أغلبِ العباداتِ هو هدفٌ أخلاقيٌّ، ومِنْ بينِ هذه العباداتِ الصلاةُ والتي هي عمودُ الإسلامِ، فقدْ قَالَ اللهُ ¸: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].
فمَن لمْ تَنْهَه صَلَاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والْمُنْكَرِ لمْ يُؤَدِّ مقصدَ الصلاةِ، فتكونُ عَمَلًا بِلَا ثمرةٍ.
كما شرعَ اللهُ ¸ الصدقةَ، وبيَّنَ أنَّ الهدفَ منها تزكيةُ النفوسِ وتربيتُها على حُسْنِ الخلقِ، فالحكمةُ منَ الصدقةِ نشْرُ التواضعِ والتراحمِ بينَ الناسِ وتركِ البخلِ والكِبْرِ.
وقدْ بَيَّنَ النبيُّ ‘ أَنَّ معنى الصدقةِ يتجاوزُ البذلَ مِنَ المالِ بلْ يشتمِلُ على الكثيرِ مِنَ السّلوكيّاتِ والأخلاقِ الحسنةِ، فقدْ بَيَّنَ ‘ أنَّ التَّبَسُمَّ في وجهِ المسلمِ صدقةٌ، والأمرُ بالمعروفِ والنهْيُ عنِ المنكرِ صدقةٌ، وإماطةُ الأذى عنِ الطريقِ صدقةٌ، وإرشادُ الرجلِ الضالِ صدقةٌ.
كما أنَّ الصيامَ مِنَ الأعمالِ التي تُرَبِّي النفسَ عَلَى الأخلاقِ الكريمةِ، فعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ‘ قَالَ: «فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ، أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» رواه البخاري ومسلم وأحمد واللفظ له.
كما أمَرَ اللهُ ¸ مَنْ حَجَّ البيْتَ أنْ يتخلقَ بأحسَنِ الأخلاقِ فقالَ في كتابِهِ الحكيمِ: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:197] .
فكانَ الحجُّ بمثابةِ تدريبٍ للنَّفسِ على الانْضِبَاطِ والْتِزَامِ الأخلاقِ الحسنةِ، وقدْ تجاوزَ ذلكِ إلى البُعْدِ عنِ التَّعَرُضِ للطيُّورِ والأشجارِ وغيرِهَا في الحج.

نماذج من الأخلاق الحميدة التي دعا لها الإسلام:

لَـمَّا كانت للأخلاقِ هذه المنزلةُ الرفيعةُ والمكانةُ العاليةُ في دينِنَا الحنيفِ فَإنَّهُ حَرِيٌّ بالمؤمنِ الحريصِ على الوصولِ إلى أعْلَى مراتبِ الإيمانِ أنْ يحْرِصَ على التَّخَلُّقِ بأحسنِ الأخلاقِ التي أرشَدَنَا إليها اللهُ ¸ في كِتَابِهِ والتي أَكَّدَ عليها نبيُّنا ‘ في سنَّتِهِ، فالمسلمُ كاملُ الإسلامِ هو مَنْ يتحلَّى بالأخلاقِ الحسنةِ ويَنْأَى بِنَفْسِهِ عَنِ الأخلاقِ السَّيِّئَةِ.
وقدْ قالَ النبيُّ ‘ لِعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ: «يَا عُقْبَةُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَهْلِ الْآخِرَةِ: تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ». رواه الحاكم والبيهقي.
وَيُمْكِنُنَا أنْ نَلْحظَ مِنْ خلالِ اهتمامِ الإسلامِ بالأخلاقِ أنَّ دينَنَا الحنيفَ يدعُو إلى إقامةِ حضارةٍ إنسانِيَّةٍ على أُسُسٍ مَتِينةٍ راسخةٍ.
فَبِدَعوةٍ الإسلامِ إلى الأخلاقِ الحميدةِ إرساءٌ للكثيرِ مِنَ الخصالِ الإيجابيةِ في المجتمعِ الإنساني والتي منها: الحياءُ، والصَّلاحُ، والصدقُ، وقلةُ الكلامِ، وكثرةُ العملِ، وتركُ المرءِ ما لا يعْنِيهِ، وبِرُّ الوالدينِ، وصلةُ الأرحامِ، والصبرُ، والشكرُ، والحِلْمُ، والعفةُ. 

أهمية الأخلاق في نهضة الأمم

لا يَخفى على الـمُتأملِ عظيمُ الأثَرِ للأخلاقِ في المجتمعِ مِنَ الازدِهَارِ والرُّقي.
فبالأخلاقِ تتقدمُ المجتمعاتُ الإنسانيةُ وتزدهِرُ، ويدومُ أثرُهَا بينَ الأجيالِ اللاحقةِ.
فالأخلاقُ الكريمةُ هي أحدُ الأصولِ الرئيسةِ الحقيقيةِ للحضارةِ الإنسانيةِ.
ويدلُّ صلاحُ أخلاقِ المجتمعِ على صلاحِ قلوبِ أبنائِهِ، وسلامةِ نفوسِهِمْ الزكيةِ، وعقيدتِهِمْ الصحيحةِ، كما أنَّه دليلٌ على الصلابةِ والاستقرارِ النفسيِّ، والفِكْرِ القويمِ لأبناءِ المجتمعِ.
وسوءُ الأخلاقِ إنما يدلُّ على الخَلَلِ الكبيرِ في بناءِ المجتمعِ ونفوسِ أبنائِهِ.
فالأخلاقُ هي وسيلةُ النهوضِ بالأمَمِ، وانهيارُ المنظومةِ الأخلاقيةِ في المجتمعِ وشيُوعُ الأخلاقِ المذمومةِ بينَ أبنائِه كالمحاربةِ على السلطةِ، ونقضِ العهودِ، والظلمِ، مِنَ الأسبابِ الرئيسةِ التي تُسْهِمُ في سقوطِ الأمَمِ.
وعلى العكسِ منْ ذلكِ فإنَّ انتشارَ الأخلاقِ الحميدةِ يُسْهِمُ في تحقيقِ التعاونِ، ونشرِ العدالةِ والمساواةِ، والتي تؤدي إلى انتشارِ الأمنِ والاستقرارِ في المجتمعِ بأكملِهِ، ويقودُ ذلك في المحصِّلةِ إلى نجاحِ الأممِ وفلاحِهَا.
كما أنَّ انتشارَ الأخلاقِ الحميدةِ هو أساسُ إحساسِ الفردِ بالطمأنينةِ، ونشرِ السعادةِ العامةِ لدى الأفرادِ خاصةً ،وفي المجتمعِ بصورةٍ عامةٍ، من خلالِ الثقةِ المتبادلةِ، والأُلفةِ والمحبةِ بينَ الناسِ.
فكُلَّما افتقدَ المجتمعُ الأخلاقَ زادَ انتشارُ الشرِّ والعداءِ في هذا المجتمعِ، والحرصِ على المصالحِ الفرديَّةِ، والذي يعتبرُ أحَدَ أهَمِّ أسبابِ شيُوعِ الشقاءِ والتعاسةِ لدى الفردِ والمجتمعِ بأكملِهِ، وهو ما بيَّنَهُ الإسلامُ من خلالِ اهتمامِهِ بالأخلاقِ الحميدةِ وحثِّهِ عليها والأمرِ بالالتزامِ بها والنهيِّ عَنِ الأخلاقِ المذمومةِ والأمرِ بالبُعْدِ عنها.
وخِتامًا ندعو اللهَ أنْ يصْلِحَ نفوسَنَا ونفوسَ أبناءِ الإسلامِ وأنْ يهديَنَا إلى أحسنِ الأخلاقِ لا يهدي إلى أحسنِهَا إلا هو، وأنْ يُسَلِمَنَا مِنْ سوءِ الأخلاقِ ويعصِمَنا منها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية