اطبع هذه الصفحة


لقاء إذاعي بعنوان:
التطوع في الإسلام
ودور المملكة في العمل الخيري والتطوعي
داخليًّا وخارجيًّا

د.عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على خير الأنام محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

مفهوم العمل التطوعي

التطوع في اللغة: يعني التَّنَفُّلَ او تكلُّفَ الطاعةِ، وهو أن يقومَ الإنسانُ بعملِ أمرٍ ما بطوعهِ واختيارِه، وقد جاء في القرآن الكريم: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} [سورة البقرة:184].

أما التطوعُ في الاصطلاحِ:
فهو كلُ عملٍ يكونُ الباعثُ على القيامِ به العمل احتسابَ الأجرِ عند اللهِ ¸، سواءٌ كان هذا العملُ فكريًا أو بدنيًا أو اجتماعيًا أو دينيًا أو مدنيًا، وسواءٌ قام به فردٌ واحدٌ أو ضمنَ مجموعةٍ أو مؤسسةٍ.

أهمية العمل التطوعي في الإسلام

لقد حثَّنا دينُنُا الحنيفُ على العملِ التطوعيِّ، ورتَّب الله تعالى أجورًا عظيمةً على العملِ التطوعيِّ، قال الله ¸: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة البقرة:110].

كما عدَّدَ لنا القرآنُ الكريمُ الكثيرَ من أشكالِ العملِ التطوعيِّ، فقال الله ¸:
{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [سورة البقرة:177].

وقد أكدت آياتُ القرآنِ الكريمِ أنَّ الإيثارَ (وهو تقديمُ الغيرِ على النفسِ) يعتبرُ من أفضلِ أشكالِ العملِ التطوعيِّ فقال تعالى:
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سورة الحشر:9]. فهذه الآيةُ تتناولُ القائمين على العملِ التطوعيِّ؛ لأنهم يؤثرون مصالحَ غيرِهم على مصالحِهم الشخصيةِ، ويهتمون بأمرِ الآخرين أكثرَ من اهتمامِهم بأنفسِهم.

كما وردت العديدُ من الشواهدِ التي تحثُّ على العملِ التطوعيِّ وتبينُ أهميتَه في السنةِ النبويةِ، ففي الصحيحينِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ¢ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ‘:
«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» رواه البخاري (2320) ومسلم (1553)

وعن أبي موسى الأشعري ¢ عن النبي ‘ أنه قال:
«عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ»، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ» رواه البخاري (1445) ومسلم (1008).

ففي هذيْنِ الحديثيْنِ بيانٌ لعددٍ من صُورِ وأشكالِ العملِ التطوعيِّ التي حثَّنا عليها النبيُّ ‘ وأمرَنا بها وبيَّن الثواب العظيم الذي يترتبُ عليها.

أثر العمل التطوعي على الفرد والمجتمع

يظهرُ من هذا الاهتمامِ بالعملِ التطوعيِّ في القرآنِ الكريمِ والسنةِ النبويةِ أنَّ للعملِ التطوعيِّ أهميةً كبيرةً تعودُ بالنفعِ على كلٍّ مِنَ الفردِ والمجتمعِ.

ومِن الآثار الإيجابيةِ للعملِ التطوعيِّ على الفردِ والمجتمعِ على سبيلِ المثالِ، لا الحصرِ:


أولا:
الإقبالُ على العملِ التطوعيِّ مِن أسبابِ الفلاحِ في الدنيا والآخرةِ، قال الله ¸: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة الحج:77].

ثانيا:
أن العملَ التطوعيَّ والخيريَّ من أسبابِ الحصولِ على المعونةِ من الله ¸، وذلك لما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر ƒ أن رسول الله ‘ قال: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاري (2442) ومسلم (2580).

ثالثا:
العملُ التطوعيُّ أحدُ أهمِّ أشكالِ الاستفادةِ مِن الطاقاتِ التي يمتلكُها الشبابُ، والاستفادةُ منها واستثمارُها  على الوجه الصحيح.

رابعا:
للعملِ التطوعيِّ دورٌ إيجابيٌّ مهمٌّ في إتاحةِ الفرصةِ للشبابِ في المشاركةِ في مختلفِ الأنشطةِ الاجتماعيةِ والبيئيةِ والاقتصاديةِ، والتي تُنمِّي الإحساسَ بالمسؤوليةِ والشعورِ بالقُدرةِ على البذلِ والعطاءِ في المجالاتِ التي يُتقنونَها.

دور المملكة في العمل الخيري والتطوعي داخليًا

المملكةُ العربيةُ السعوديةُ مِن الدولِ السبَّاقةِ في أعمالِ الخيرِ، وللمملكةِ علاقةٌ عريقةٌ ومتجذرةٌ معَ العملِ الخيريِّ والتطوعيِّ حكومةً وشعبًا.

أما على المستوى الحكوميِّ فقد اتخذت المملكةُ من قولِ الله ¸:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ} [سورة المائدة:2]. وقولِ النبي ‘: «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» رواه البخاري (481) ومسلم (2585) مبدأً ودستورًا ومنهاجًا للعمل الخيري في المجتمع السعودي.

وأما على مستوى الشعبِ فقد أكرمَ اللهُ تعالى شعبَ المملكةَ بأن جعلَ مِن قِيمِه الاجتماعيةِ وموروثِه الشعبيِّ: عملَ الخيرِ وعونَ المحتاجِ وإسداءَ المعروفِ، وهذه المعاني من مكارمِ الأخلاقِ التي كانت لدى العربِ قبلَ الإسلامِ، فجاء الإسلامُ فأتمَّها وأكَّد عليها وهذَّبها، فكان للعمل التطوعيِّ لدى أبناءِ هذه البلادِ محفزٌ دينيٌّ واجتماعيٌّ، وتبنَّت الدولةُ هذا الأمرَ ونظَّمته وشجَّعت عليه، فكان اجتماعُ هذه العواملِ من أسبابِ تميزِ المملكةِ في هذا الجانبِ.

وقد شهدَ المجتمعُ السعوديُّ تأسيسَ الكثيرِ من المؤسساتِ التي تُشـرِفُ على العملِ الخيريِّ والتطوعيِّ في المملكةِ، والتي تُسمَّى بالجمعياتِ الخيريةِ، وقد بلغَ عددُ الجمعياتِ الخيريةِ المسجلةِ لدى وزارةِ العملِ والشؤونِ الاجتماعيةِ ما يقارب الـ (290) جمعيةً خيريةً، والـ (40) مؤسسةً خيريةً، بالإضافةِ إلى الـعشراتِ من الأوقافِ والصناديقِ الأسريةِ، والمراكزِ التي تُقدِّمُ الأعمالَ الخيريةَ والتطوعيةَ في مجالاتٍ متخصصةٍ، لها الكثيرُ من البرامجِ والأنشطةِ والفعالياتِ الخيريةِ والتطوعيةِ.

ولا شكَّ أنَّ المؤسساتِ الخيريةَ والتطوعيةَ ليست بالحديثةِ في المجتمعِ السعوديِّ، فقد بدأَ تنظيمُ الجمعياتِ الخيريةِ وظهورُها منذ ستينياتِ القرنِ الماضي.

ومع أن البدايةَ كانت ضعيفةً نسبيًا، حيثُ بلغَ عددُ الجمعياتِ المسجلةِ في البداية ثمانِيَ جمعياتٍ، إلا أنه في العقدِ التالي ظهرتْ زيادةٌ في أعدادِ الجمعياتِ الخيريةِ التي وصلت إلى (22) جمعيةً مسجلةً، وفي فترةِ الثمانينياتِ من القرنِ الماضي ظهر توسعٌ كبيرٌ في إنشاءِ وتسجيلِ الجمعياتِ الخيريةِ في المملكةِ.

دور الممكلة في العمل التطوعي داخليا:

اعتنت المملكةُ بالعملِ الخيريِّ داخليًا، حيث كان على الدوامِ من أهمِّ أولوياتِها، فمِن خلالِ وزارةِ العملِ والشؤونِ الاجتماعيةِ، والضمانِ الاجتماعيِّ يتمُّ البحثُ عن المحتاجينَ، ودراسةُ حالاتِهم، وتخصيصُ إعاناتٍ سنويةٍ وشهريةٍ لهم وفقًا لمجموعةٍ من المعاييرِ والضوابطِ، ويستفيدُ منها الكثيرُ من أبناءِ المملكةِ من كبارِ السنِّ والأراملِ والمطلقاتِ، والكثير من المحتاجين والفقراءِ.

كما توجدُ العديدُ من الجمعياتِ التي تمارسُ نشاطاتِها في المجالاتِ الإغاثيةِ والدعويةِ والتعليميةِ والصحيةِ.

دور المملكة في العمل الخيري والتطوعي خارجيًا

تسطِّرُ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ أروعَ الرواياتِ في تبنِّي القضايا التي تخُصُّ المسلمين في مختلفِ أنحاءِ العالمِ، فقد تكاتَفت جهودُ شعبِ وحكومةِ المملكةِ في تقديمِ الأعمالِ الخيريةِ التطوعيةِ للمسلمين في مختلفِ أنحاءِ العالمِ.

وقد أسهمتْ جهودُ المملكةِ من خلالِ مؤسساتِها الإغاثيةِ الرائدةِ في حمايةِ المسلمين في الكثيرِ من بلدانِ العالمِ وخاصةً الفقيرةَ منها ـ مِن الوقوعِ فريسةً لغير المسلمين ليَفتنوهم عن دينِهم.

وقد أسهمتْ مؤسساتُ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ من خلالِ العملِ الخيريِّ الدعويِّ والإغاثيِّ في تقديمِ مختلفِ الخِدْماتِ للمسلمين، سواءٌ كانت في المجالاتِ الصحيةِ أو التعليميةِ أو غيرها.

وتَضمُّ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ العديدَ من الجمعياتِ والمؤسساتِ الخيريةِ العالميَّة، ومنها:

o
     رابطةُ العالم الإسلامي.
o
     وهيئةُ الإغاثة الإسلامية العالمية.
o
     ومؤسسةُ الملك فيصل الخيرية.
o
     والندوةُ العالمية للشباب الإسلامي.

وتتميز هذه الجمعياتُ والمؤسساتُ بأنها على درجةٍ عاليةٍ من التنظيمِ والإدارةِ والتفاني والإخلاصِ في العملِ للوصول إلى تقديمِ أفضلِ الخِدْمات للمسلمين في مختلفِ أنحاءِ العالمِ.
وتتنوعُ خِدْماتُ هذه المؤسساتِ وتشملُ مختلفَ القطاعاتِ والمجالاتِ:
o
     فمنها ما يُقدم الخِدْماتِ التربويةَ والدعويةَ.
o
     ومنها ما يقدم الخِدْماتِ الإغاثيةَ والإنسانيةَ.
o
     ومن هذه المؤسسات ما تَشملُ خِدْماتُها مختلفَ دولِ العالمِ.
o
     ومنها ما تختصُّ خِدْماتُها بمناطقَ محددةٍ مثل أفريقيا.

واستكمالًا لمسيرةِ مُلوكِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ في الكرمِ والسخاءِ والعملِ الخيريِّ والإنسانيِّ، فقد أسَّسَ خادمُ الحرمينِ الشـريفينِ الملكُ سلمانُ بنُ عبدِ العزيزِ
مركزَ الملكِ سلمانَ للأعمالِ الخيريةِ، وقد قالَ حفظه اللهُ في افتتاحه: (انطلاقاً من تعاليمِ دينِنا الإسلاميِّ الحنيفِ التي توجبُ إغاثةَ الملهوفِ ومساعدةَ المحتاجِ، والمحافظةَ على حياةِ الإنسانِ وكرامتِه وصحتِه، وامتداداً للدورِ الإنسانيِّ للمملكةِ العربيةِ السعوديةِ ورسالتِها العالميةِ في هذا المجالِ، فإننا نعلنُ تأسيسَ ووضعَ حجرِ الأساسِ لهذا المركزِ الذي سيكونُ مخصَّصاً للإغاثةِ والأعمالِ الإنسانيةِ، ومركزاً دولياً رائداً لإغاثةِ المجتمعات التي تُعاني من الكوارثِ بهدفِ مساعدتِها ورفعِ معاناتِها؛ لتعيشَ حياةً كريمةً).

ويسعى هذا المركزُ إلى مواصلةِ نهج المملكةِ في مدِّ يدِ العوْنِ للمحتاجين في العالمِ، وتقديمِ المساعداتِ انطلاقًا من الدوافعِ الإنسانيةِ. كما أنه يقومُ بالتنسيقِ والتشاورِ مع المنظماتِ والهيئاتِ العالميةِ الموثوقةِ،

 بالإضافةِ إلى العملِ على تطبيقِ أعلى المعاييرِ الدوليةِ الخاصةِ بالبرامجِ الإغاثيةِ وتوحيدِ الجهودِ المختلفةِ التي تبذلُها الجهاتُ الخاصةُ بالأعمالِ الإغاثيةِ في المملكةِ، والوصولِ إلى أعلى مستوى من الكفاءةِ والاحترافيةِ في أداءِ المتطوعين في مختلفِ المجالاتِ.
 

 

 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية