اطبع هذه الصفحة


المسلمون الجدد في أفريقيا.. لماذا ينجذب الأفارقة إلى الإسلام

د.عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 
الإسلام دينٌ عالمي، ارتضاه الله للعالمين دينا قيما، ومن هذا المنطلق حرص العلماء والدعاة على نشره وتعليم مبادئه السمحة للناس كافة في جميع بلاد الأرض، وقد دخل الإسلام قارة أفريقيا منذ بداية الدعوة الإسلامية، حيث هاجر المسلمون بأمرٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة، وقد امتد انتشار الإسلام في الحبشة خاصةً والشعوب والقبائل الإفريقية في الدول الأخرى منذ ذلك الوقت وعبر العصور اللاحقة.

كما امتدت الدعوة الإسلامية في قارة أفريقيا عن طريق الفتوحات الإسلامية التي قادها الصحابة رضوان الله عليهم في عصر الخلفاء الراشدين والعصور الإسلامية اللاحقة، بالإضافة إلى العديد من الوسائل الأخرى مثل الهجرة والتجارة والتي كان لها أثر كبير في امتزاج الحضارة الإسلامية مع الشعوب الأفريقية حسياً ومعنوياً، وقد ساهم هذا الامتزاج الحضاري في تحويل الشعوب الإفريقية من المعتقدات الجاهلية الوثنية التي كانوا يعتنقونها في دياناتهم التقليدية إلى الإسلام.

وقد شهدت الدعوة الإسلامية إقبالاً متزايداً من الشعوب الأفريقية لما تتصف به هذه الدعوة من السماحة والرفق واللين، وقد أظهر بعض العلماء والدعاة في العصر الحديث أن هدفهم في البداية كان تعليم المسلمين في الدول الأفريقية أمور دينهم، إلا أنهم لاحظوا إقبالاً متزايداً للناس من غير المسلمين على مجالسهم وحلقاتهم، وقد كان العلماء والدعاة يستمعون لأسئلة غير المسلمين بصدرٍ رحب ويجيبونهم عليها برفقٍ ولين ويقدمون لهم الهدايا، وقد كان لما لاحظته الشعوب الأفريقية من الصدق والأخلاق النبيلة للدعاة والعلماء الأثر الكبير في جذب قلوبهم ودفعهم للتعرف أكثر على حقيقة دين الإسلام ومبادئه وتعالميه، بالإضافة إلى الخدمات التنموية التي كان الدعاة يقدمونها للقرى التي يدعون أهلها إلى الإسلام، حيث يقومون بتأسيس جامع ومدرسة وبئر مياه في كل قرية يدخلونها.

ويرجع انجذاب الشعوب الأفريقية إلى اعتناق الإسلام إلى الأمان والصفاء الروحي الذي يشعرون به منذ اللحظة الأولى لدخولهم الإسلام، كما تأثروا بما لمسوه من الأخلاق الحميدة والأمانة التي يتصف بها عامة المسلمين في تعاملاتهم في حياتهم الاجتماعية والعملية، إضافةً إلى القيم الاجتماعية السامية التي يتميز بها المجتمع المسلم والتي تدعو إلى التسامح والتعايش على أساس من التآخي ومشاعر المحبة، بالإضافة إلى أن طبيعة الحياة في المجتمعات الإسلامية والتي تتصف بالهدوء والأمان ساهمت في جذب قلوب الشعوب الأفريقية من أجل الحصول على الحياة الآمنة في ظل الصراعات العالمية المتنامية، وقد تظافرت هذه الأسباب في دفع الشعوب الأفريقية إلى الإقبال على اعتناق الإسلام.

وقد انتشر الإسلام بين الشعوب الأفريقية بصورة متسارعة، فقد أصبحت أفريقيا من أكثر قارات العالم من حيث نسبة المسلمين إلى عدد السكان، حيث تقدر نسبة المسلمين في أفريقيا بـ 51,7% وهي نسبة تزيد عن عدد المسلمين في قارة آسيا التي تقدر بـ 27% بينما قدرت نسبة السلمين في أوروبا بـ 5% ولم تتجاوز 1% في الأمريكيتين، وقد شهدت أعداد المسلمين في أفريقيا تزايداً مستمراً خلال فترات زمنية قصيرة، حيث كان عدد المسلمين في أفريقيا في عام 1931 يقدر بـ 40 مليون نسمة وقد وصل هذا العدد في عام 1951 إلى ما يقارب 90 مليون نسمة، وفي حلول السبعينيات من القرن الماضي وصل عدد المسلمين في أفريقيا إلى نحو 150 مليون نسمة، ويزداد إقبال الشعوب الأفريقية على اعتناق الإسلام اضطراداً في الوقت الحالي، حيث أشارت الإحصائيات إلى أن 90% من الأفارقة الذين يتركون دياناتهم التقليدية يعتنقون الإسلام بينما يتحول 10% فقط إلى المسيحية.

ويحتل الدين الإسلامي المرتبة الأولى بين سكان أفريقيا بنسبة وصلت حسب تقدير بعض الدراسات إلى 60%، وتحتل الديانة المسيحية المرتبة الثانية بنسبة قدرت بـ 35% بينما يعتنق 5% بعض الديانات الوثنية المتوارثة، ويتركز الوجود الإسلامي في قارة أفريقيا في مجموعة من الأقاليم حيث تشكل نسبة المسلمين 95% من سكان الشمال الأفريقي و75% من السكان في شرق وغرب أفريقيا، كما تشكل 25% من السكان في مناطق وسط وجنوب القارة، ويعتبر المسلمون أغلبية في العديد من الدول الأفريقية، ففي أثيوبيا على سبيل المثال تجاوزت نسبة المسلمين 65% من عدد السكان إلا أن الأقلية المسيحية تهيمن على الحكم فيها بدعم من أوروبا.

ويواجه المسلمون الجدد في أفريقيا الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وخاصة في الدول التي يشكل المسلمون فيها أقليات، ويرجع ذلك إلى سيطرة الدول الاستعمارية على جميع الموارد والثروات الاقتصادية لهذه الدول، وهو ما أدى إلى انتشار العوز والفقر في القرى الإسلامية وغيرها في أفريقيا مما ترك آثاراً سيئة على الأوضاع الاجتماعية والصحية والتعليمية والاقتصادية للمسلمين.
وقد كثف الدعاة المسلمون حملاتهم الدعوية ونشاطاتهم في قارة أفريقيا من خلال الجمعيات والمشاريع التنموية من أجل المساهمة في تحسين أوضاع المسلمين الاقتصادية والاجتماعية، حيث تتفشى الأمية والفقر في غالبية القرى الأفريقية المسلمة، كما تعاني القرى الأفريقية من قلة المدارس وتردي المناهج التعليمية، وهو ما أدى إلى انتشار الجهل والأمية بين المسلمين هناك.

وتلعب المؤسسات والجمعيات الإسلامية الخيرية دوراً هاماً في رعاية وخدمة المسلمين الجدد في أفريقيا، وقد كان نشاط هذه الجمعيات والمؤسسات أحد أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الإسلام والإقبال عليه بين الشعوب الأفريقية، حيث تأسست الكثير من الجمعيات الإسلامية التي تهدف إلى نشر الإسلام في قارة أفريقيا وتعريف شعوبها بالقيم الإسلامية العظيمة التي تدعو إلى المحبة والسلام، وقد قامت هذه الجمعيات بتقديم المساعدات الإغاثية للقرى الأفريقية بالإضافة إلى تشجيع المبادرات المحلية التي تهدف إلى تحقيق التنمية.

كما قامت العديد من الدول الإسلامية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية بالمشاركة في تقديم مختلف المشاريع التنموية التي تهدف إلى تطوير المجتمعات الأفريقية المسلمة وغير المسلمة، وذلك في سبيل تنمية الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية للمسلمين الجدد، وقد بلغت قيمة المساعدات التنموية التي قدمتها الدول الإسلامية للدول الأفريقية خلال العقود الأربعة الماضية تقريباً 30 مليار دولار.
وقد كان للمملكة العربية السعودية دور كبير في إظهار القيم الإسلامية السامية وخاصةً فيما قدمته من دعم المشاريع الإغاثية والتنموية في الكثير من الدول الأفريقية، حيث قدمت المملكة من خلال الصندوق السعودي للتنمية مجموعة من القروض التنموية الميسرة لأكثر من 300 مشروع إغاثي في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية وغيرها من القطاعات الحيوية الهامة في 44 دولة أفريقية، كما قامت المملكة بإعفاء مجموعة من الدول الأفريقية من قروض بلغت قيمتها ستة مليارات دولار.

إضافة إلى إسهامات الممكلة العربية السعودية في توفير المنح الدراسية لأبناء القارة الإفريقية، مما نتج عنه تخريج أجيال من العلماء من هذه القارة ممن تعلم في جامعات المملكة العربية السعودية ورجع إلى بلاده مشعلا من مشاعل الدعوة والهداية، وقد حظي كثير من خريجي الجامعات السعودية بالدعم المادي والمعنوي بناء على تكوينهم العلمي الدعوي الذي أهلهم لإنشاء جمعيات ومؤسسات تعليمية ودعوية كان لها أثر في نشر الإسلام.

وفي هذا المقام يذكر فيشكر دور بقية الدول العربية في أفريقيا والخليج العربي في الجانبين التنموي والتعليمي في القارة الإفريقية مما شكل مع جهود المملكة العربية السعودية حلقة متكاملة من العناية والرعاية.

وهذه المكتسبات التي كانت مخرجات لهذه الجهود تحتاج إلى محافظة عليها بمواصلتها وتعاهدها على مستوى الدول والجمعيات والأفراد المهتمين بالجوانب التعليمية والدعوية خصوصا في ظل تنامي النشاط الإيراني في إفريقيا والذي يختلف عن جهود الدول العربية في كونه ذا أهداف سياسية تسعى إلى الهيمنة على الشعوب واستخدامها أداة لإحداث شرخ اجتماعي وسياسي يجعل شعوب المنطقة وساستها رهن التوجهات والسياسات الإيرانية التي لا تخفى آثارها المدمرة على كل بصير.

نسأل الله أن يحفظ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وأن يؤلف بين قلوبهم ويجمع كلمتهم على الحق والخير والهدى.


 

 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية