اطبع هذه الصفحة


رحلتي إلى ليسوتو
3 محرم 1445هـ

د. عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد،
لقد شرع الله لنا السفر والتجول في البلاد الواسعة لاستكشافها والتعرف على الشعوب التي تعيش فيها والوقوف على أحوالهم واحتياجاتهم ومساعدتهم إذا لزم الأمر، كما أن من فوائد السفر العظيمة نشر الدعوة إلى الله بين شعوب العالم واكتشاف أحوال المسلمين في البلاد غير المسلمة وتحديد احتياجاتهم وإيصال أصواتهم إلى الشعوب الإسلامية من أجل الوصول إلى السبل التي يمكن من خلالها مساعدة المسلمين في تلك البلاد وخاصةً إذا ما كانت من البلاد الفقيرة والتي يعاني فيها المسلمون من الإهمال والتهميش.

وقد قمنا بزيارة لإحدى الدول الأفريقية وهي دولة ليسوتو الواقعة في جنوب أفريقيا، وتبلغ مساحة دولة ليسوتو 30,355 كم مربع، بحدود يبلغ طولها 909 كم، وتعتبر دولة ليسوتو من الدول المغلقة، حيث إنها تحدها دولة جنوب أفريقيا من جميع الاتجاهات، وتتميز هذه الدولة بطبيعتها الجغرافية المتفردة، فهي الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي تقع على مرتفع يبلغ ارتفاعه 1000 متر فوق سطح البحر.


تعتبر أرض دولة ليسوتو جبلية في الغالب،
وهي تتميز بمناخ معتدل في المناطق المنخفضة وشديد البرودة في المناطق المرتفعة، وبصورة عامة فإن مناخ ليسوتو يزداد برودة بشكل ملحوظ في فصل الشتاء، ولا تطل ليسوتو على أي مسطحات مائية كبيرة مثل البحار والمحيطات، ويعتبر جبل دراكینسبرج الجبل الأعلى في ليسوتو، أما القمة الأعلى فهي قمة ثابانا نتلینیانا والتي يقدر ارتفاعها بحوالي ثلاثة آلاف وخمسمئة متر.

حصلت دولة ليسوتو على استقلالها عام 1966 م حيث كانت تحت الاستعمار البريطاني،
وتعد اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية لدولة ليسوتو إضافةً إلى لغة محلية وهي لغة سيسوتو، وتعتبر دولة لوسيتو من دول الكومنولث، وهي الدول التي يكون لها ملك شرفي في حين يتولى رئيس الوزراء الحكم وتسيير شؤون البلاد وإدارتها، كما أن الدستور في ليسوتو ينص على استقلالية القضاء وفصله عن أجهزة الدولة الأخرى، ويتألف النظام القضائي من المحكمة العليا ومحكمتي الاستئناف والصلح، إلى جانب محاكم تقليدية تشرف على القضاء في المناطق الريفية، أما عن التقسيم الإداري لدولة ليسوتو فهي تضم عشر مقاطعات لكل منها عاصمة يطلق عليها اسم كامبتاون.

وتتصف الحياة الاقتصادية في ليسوتو بالطابع الريفي،
حيث يعتمد الاقتصاد بدرجة كبيرة على الزراعة وتربية الماشية؛ إذ يعمل ما يقارب 50% من السكان في الزراعة وتربية الماشية، كما أن ثلثي دخل البلاد تقريبًا ناتج من القطاع الزراعي، بالإضافة إلى مجموعة من النشاطات الاقتصادية الأخرى مثل التعدين والصناعات الخفيفة، وبصورة عامة فإن اقتصاد ليسوتو مرتبط بشكل كامل باقتصاد جنوب أفريقيا، وتشكل التدفقات النقدية من تحويلات العمال الخارجية وإيصالات الاتحاد الجمركي لجنوب أفريقيا أحد المصادر المهمة للاقتصاد في ليسوتو.

وتعتبر النصرانية ديانة الغالبية العظمى من السكان،
حيث تقدر نسبة النصارى في ليسوتو بحوالي 90% من إجمالي عدد السكان، وينقسم النصارى إلى عدد من الطوائف أكثرها الرومان الكاثوليك بنسبة تقارب 45%، وتوجد العديد من الديانات الأخرى إلى جانب النصرانية في ليسوتو، ومنها الإسلام والهندوسية والبوذية وغيرها من الديانات الأخرى، وتقدر نسبة المنتسبين لهذه الديانات بـــ 1٠% من إجمالي عدد سكان البلاد.

وبصورة عامة فإن ظروف المسلمين في ليسوتو لا تختلف كثيرًا عن ظروفهم في جنوب أفريقيا،
وقد بني أول مسجد في ليسوتو بواسطة الشيخ صوفي صاحب المتوفي سنة 1910، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر، وقد اشتهر الشيخ صوفي صاحب وهو تاجر وداعية إسلامي بأعماله الخيرية والاجتماعية التي ساهمت في ظهور مجتمع إسلامي بين السكان المحليين السود في مدينة بوتابوتي.

وللمسلمين في ليسوتو طابع خاص وفريد، حيث إنهم ينطقون باللغة الهندية
وهي لغة غريبة ولا يمكن تفسير هذه الظاهرة إلا بارتباطهم بعلماء مسلمين هنود، فتمسكوا باللغة التي تلقوا بها العلم الشرعي وأهملوا لغتهم الأم مما يدل على شدة ارتباطهم بالدين الإسلامي وانتمائهم له ولعلمائه، ونسبة المسلمين في ليسوتو ضئيلة حيث إن عدد المسلمين فيها 25 ألف مسلم فقط.

وليس في ليسوتو عدد كبير من المساجد، فقد بلغ عدد المساجد فيها 20 مسجدًا فقط
وهي مساجد ذات مساحات صغيرة لا تتسع في الغالب لأكثر من 60 مصليا، وفي ليسوتو ثلاثة مساجد رئيسية وهي مسجد مدينة مابوصى ومسجد الصوفي في مدينة بوتابوتي ومسجد مدينة هلوسي ويتولى مسؤولية هذه المساجد مسلمون هنود أغلبهم من التجار، ولذلك فإن التعليم الشرعي في ليسوتو متواضع جدًا ويفتقر إلى الإمكانيات اللازمة لنشر الإسلام والدعوة، ونظرًا لذلك فإن المسلمين الذين يرغبون في حفظ القرآن وتعلم العلوم الشرعية يلجؤون إلى المراكز العلمية في جنوب أفريقيا، وبصورة عامة فإن هناك ضعف شديد في تعلم العلوم الشرعية مثل الفقه والحديث وغيرها.

وعن تاريخ الدعوة في ليسوتو فقد بدأت من قبل بعض الأخوة من آسيا ومن بينهم الصوفي ساب،
وقد كانت الدعوة في البداية ذات طابع صوفي، وقد استمرت العقيدة الصوفية بين المسلمين هناك حتى اعتقدوا أنها صورة الإسلام الصحيحة، وفيما بعد بدأ بعض الدعاة من أهل السنة والجماعة بنشر الإسلام بعقيدته الصحيحة، إلا أنهم تعرضوا للتضييق من قبل الصوفيين مما أضعف امكانياتهم وقدرتهم على تبليغ الدين الإسلامي بصورته الصحيحة، ومن دعاة أهل السنة والجماعة الشيخ محي الدين من أثيوبيا، والشيخ أمين مطيع الله من نيجيريا، والشيخ عبد الكريم جسموني محمدي من زمبابوي، والشيخ إبراهيم صار من السنغال، والشيخ عبد الكريم من دنيسيا، وقد شارك في الدعوة الإسلامية العديد من أبناء ليسوتو، منهم سبعة درسوا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وعادوا إلى بلادهم ليشاركوا في نشر الدين الإسلامي والعقيدة الصحيحة لأهل السنة والجماعة.

ولكن الوضع الاقتصادي في ليسوتو وبخاصة للمسلمين عائق أمام نشر الدعوة والعقيدة الصحيحة بين المسلمين،
خاصةً مع عدم وجود فرص عمل للخريجين مما دفع طلاب العلم إلى إهمال الدعوة للبحث عن عمل يكسبون منه قوتهم وقوت أهليهم، وهو ما يشير إلى ضرورة الاهتمام بتقديم المساعدة للمسلمين في ليسوتو بصورة مناسبة وكافية ليتمكن طلاب العلم من ممارسة مهاهم في الدعوة إلى الله ونشر الدين الإسلامي بصورته الصحيحة على منهج أهل السنة والجماعة، ومن احتياجات المسلمين في ليسوتو توفير المدارس ومراكز الدعوة وتحفيظ القرآن والمشاركة في إنشاء الأوقاف التي تساعد على استمرار أنشطة هذه المؤسسات التي تعتبر البنية التحتية للدعوة الإسلامية في أي بلد وخاصة البلاد الفقيرة، كما أن ليسوتو بحاجة إلى إنشاء مساجد وإذاعة إسلامية من أجل تكوين مجتمع إسلامي متكامل يقوم على رعاية شؤون المسلمين وتعزيز الدعوة ونشر الإسلام.

وقد تضمنت رحلتنا إلى ليسوتو العديد من الأنشطة للتعرف على المسلمين هناك والوقوف على احتياجاتهم من أجل تعزيز أنشطتهم وقدرتهم على نشر الدعوة والعلوم الشرعية،
فقد تمت زيارة بعض المراكز الإسلامية في ليسوتو وهي مركز عثمان بن عفان ومركز الكتاب والسنة وهو الأشهر هناك وكذلك مركز النجاشي، وقد شاركنا خلال هذه الزيارات في بعض اللقاءات الدعوية، إلا أننا وجدنا هذه المراكز بسيطة جدًا وينقصها الكثير من الإمكانيات، كما عقدنا العديد من اللقاءات مع الدعاة في ليسوتو حيث شارك في هذه اللقاءات 25 داعية منهم داعيتان من النساء، وقد ناقشت هذه اللقاءات أوضاع الدعوة في ليسوتو من حيث الإيجابيات والعوائق والمشاكل التي تواجه الدعوة كما تمت مناقشة بعض الحلول التي يمكن أن تساعد الدعاة في ممارسة أنشطتهم الدعوية، كما شاركنا في برنامج حول الدعوة الإلكترونية وكيفية توظيفها في الأنشطة الدعوية في ليسوتو.

وقد تم التنسيق مع بعض الدعاة للمشاركة في ترجمة ثلاث كتب للتعريف بالإسلام إلى اللغة المحلية لليسوتو، وتم تقديم 5000 بوستر للتعريف بالإسلام يضم 50 لغة وشات للتواصل المباشر مع المعرف بالإسلام،
وتم تدشين قروب يشمل جميع الدعاة والناشطين في الدعوة في ليسوتو وهم من تخصصات متعددة فمنهم المهندسون والتجار وغيرهم وقد وجدنا لهم بصمات مميزة في الدعوة، كما سيتم العمل على عقد دورات تدريبية (أون لاين) باللغة الإنجليزية للتعريف بالإسلام وبرامج تتعلق بالدعوة والمتابعة المستمرة وتحفيزهم وتزويدهم بكل برنامج يناسبهم من كتب ومواقع ودورات ولقاءات ومشاريع وغيرها من الأمور التي تساعدهم في تطوير نشاطاتهم الدعوية.

وفي نهاية جولتنا في هذا البلد الجميل وجدنا أن المواطنين هناك ودودون ومسالمون ولديهم الرغبة في الاستماع للدعاة،
كما أن البلد آمن ويمتاز بإتاحة حرية الدعوة للجميع، مما يدفعنا إلى الدعوة لتركيز الجهود لدعم الدعوة في ليسوتو ومساعدة القائمين عليها بمختلف الوسائل الممكنة، وهذه رسالة إلى المؤسسات والجمعيات الخيرية والدعوية للالتفات إلى هذا البلد وتقديم الدعم المناسب لهم على مختلف المستويات، وينبغي للمسلمين أن يزيدوا من اهتمامهم بمثل هذه الدول المنسية التي يمكن أن تكون فيها بذرة صالحة للإسلام، فيكثفوا من جهودهم في الوصول إليها وتقديم الدعم بقدر استطاعتهم للمشاركة في نشر الدعوة الصحيحة والمنهج الإسلامي القويم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 

 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية