اطبع هذه الصفحة


سلسلة التقارير الدعوية عن الدول الإفريقية (2)
(رَوَاندا) كما رأيتها
رحلات دعوية ومشاهدات

د. عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فانطلاقًا من واجب الدعوة إلى الله تعالى ونـشر الإسلام والخير والهدى الذي بعث الله به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، واستشعارًا لحاجة الأقليات الإسلامية عموما وفي أفريقيا على وجه الخصوص ـ إلى الدعم المادي والمعنوي، وإلى العناية والاهتمام بهم علميا ودعويا ـ كانت رحلتنا إلى دولة (رواندا) و تجولنا في جميع أنحاء الدولة، واستغرقت الرحلة سبعة أيام.

وقد زرنا عددا من معالمها، منها: متحف الإبادة الجماعية، وبحيرة (كيفو)، ومصنع القهوه في (كيغالي)، ومزارع الشاي، ومزارع القهوة، ومزارع قصب السكر، ومزارع الموز، كما زرنا كثيرًا من مدارس وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، كما شاركنا في بعض القوافل الدعوية، وغير ذلك من المناشط.

وقد رأيت أن أسطر بعض معالم هذه الرحلة المباركة باختصار، وأسأل الله تعالى أن يتقبلها ويثيب عليها، وأن يجعل هذا التقرير مفيدا للقارئ محفزا على زيارة هذا البلد ودعم الأقلية المسلمة فيه ماديا ومعنويا ودعويا وتعليميا. 

الموقع الجغرافي لرواندا:

تقع جمهورية رواندا في شرق وسط أفريقيا، إلى الجنوب من خط الاستواء.

وتحدُّها (أوغندا) شمالًا، و(تنزانيا) شرقًا، وجمهورية (الكونغو) الديمقراطية غربًا، و(بوروندي) جنوبًا.

وتُعَد (رواندا دولة) حبيسة، غير ساحليَّة، وتشكِّل جزءً من مرتفعات شرق ووسط أفريقيا، وتتميَّز بتضاريس جبليَّة مرتفعة.

أما مساحتها: فتبلغ (26.338) كم2، بينما يبلغ عدد سكانها (ثلاثة عـشر ونصف مليون) نسمة، وذلك بحسب تعداد سنة (2021)م.

وتمثِّل قبائل (الهوتو) نسبة ثمانين في المئة (80%) من السكان، بينما تمثِّل قبائل (التـوتسي) نسبة عشرين في المئة(20%)، وتوجد بالجمهورية جاليات عربية ومسلمة.

وتُعَد جمهورية رواندا بلدًا زراعيًّا؛ يعيش تسعون في المئة (90%)من شعبها على الزراعة البدائية، وليس لهذه الدولة الأفريقية الفقيرة أيَّة منافذ بحرية، وليس لديها إلا القليل من الموارد والصناعات البدائية، ومن أهم صادراتها البنُّ والشاي.

ويمكن لمن يزور رواندا أن يطَّلع على عدد من أهم معالمها؛ ومنها: بحيرة (كيفو)، مصنع القهوة في (كيغالي)، ومزارع الشاي، ومزارع القهوة، ومزارع قصب السكر، ومزارع الموز... وغيرها من المعالم التي تميز هذا البلد الأفريقي الصغير، وتبلغ به مكانة كبيرة يستحقها بلا شك.

الحالة السياسية في رواندا:

 على عادة الدول الاستعمارية في التفريق بين أبناء الشعب الواحد، والعمل على مبدأ "فرِّقْ تَسُدْ"؛ استطاعت بلجيكا أن تُوقِع بين العنـصريْن اللذيْن يتكون منهما النسيج البشري في دولة رواندا؛ حيث  دعمت بلجيكا قبائل (التوتسـي) ورفعت شأنها داخل رواندا، على حساب قبائل (الهوتو)، وهو الأمر الذي أدَّى إلى عدَّة حروب بين العنصريْن.

وفي هذه الحروب الداخلية غيَّرت بلجيكا موقفها وقامت بدعم قبائل (الهوتو)؛ الذين يمثِّلون الأكثرية في رواندا، وانتهى الأمر إلى مذابح (1993- 1994)م؛ التي راح ضحيتها أكثر من ثمانمائة ألف من قبائل (التوتسي).

وهكذا تكون حال الدول التي تتعرض للدسائس والمؤامرات من قِبَل الكيانات المتطلعة إلى استغلالها سياسيًّا أو فكريًّا أو اقتصاديًّا، كما هو الواقع المؤلم الذي مرت به رواندا.

وعلى الصعيد الداخلي دخلت المجالس التشريعية (رواندا) سنة (2008)م، بإيجاد أول مجلس تـشريعي منتخب تمثِّل النساء فيه الأغلبية، وفي شهر نوفمبر( 2009)م أصبحت (رواندا) عضوًا في دول (الكومنولث). 

التجارة وأثرها في دخول الإسلام إلى رواندا:

  للرحلات دورها الكبير -منذ أقدم العصور- في الْتِقاء الحضارات وامتزاج الثقافات وتبادل المعارف، ولا يقف الأمر عند هذا الحدِّ؛ بل امتد أيضًا ليشمل التأثير الديني؛ فقد انتشرت النصرانية في بعض البلدان في القرون الخمسة الأولى من الميلاد، عن طريق التُّجار والرحالين، وكذلك كان للتجارة دورها في انتشار الإسلام خلال القرون الأولى من الهجرة النبوية المباركة، ثم استمر هذا الدور إلى العصر الحديث.

وقد وصل الإسلام إلى (رواندا) في نهاية القرن التاسع عـشر تقريبًا، بواسطة بعض التجار العرب القادمين من شرق أفريقيا، وكذلك عن طريق بعض الجنود السواحليِّين الذين وصلوا إليها مع الألمان عام (1894)م حين احتلوا (رواندا) في ذلك الوقت.

دور المملكة العربية السعودية في دعم الإسلام في رواندا:

تضطلع المملكة العربية السعودية بدورٍ كبيرٍ في نشر الإسلام في ربوع الأرض، وقد ساهمت المملكة مساهماتٍ متميزة في مساعدة المسلمين الروانديِّين من أجل تعزيز قوَّتهم داخل بلادهم، ومن مساهمات المؤسسات الدعوية والإغاثة السعودية في رواندا:

أولًا: تأسيس عدد من المؤسسات الإسلامية داخل رواندا.

ثانيًا: إنشاء عدد من المدارس تتولى تعليم المسلمين في بلدهم.

ثالثًا: استقبال عددٍ من الطلاب ليتلقَّوا تعليمهم في جامعات المملكة العربية السعودية، وكذلك في غيرها من جامعات العالم الإسلامي.

وقد عاد هؤلاء الخرِّيجون إلى بلادهم حاملين راية النهضة والإصلاح.

مواجهة المسلمين في رواندا للصعو بات قبل الحرب الأهلية:  

واجه الإسلام تحديات صعبة في بداية وصوله إلى دولة رواندا، وكانت السلطات المحلية تعرِّف بالمسلمين الروانديِّين باعتبارهم أجانب، وليسوا من أبناء الدولة،

وقد ساعد المبشِّرون (الكاثوليك) في هذا الموقف العدائي ضد الإسلام؛ فقد كان الكاثوليك يحاربون بضراوةٍ أيَّ تأثيرٍ للأديان المنافسة، وقد قامت دول أوربا بمؤازرة الموقف الكاثوليكي، وكذلك قاموا بدعم السلطة المحلية في محاولات للقضاء المبكر على الإسلام داخل (رواندا)، وكان لهذه الحروب جانب فكري؛ حيث كانوا ينبذون كل من يعتنق الإسلام، ويعزلونه عن أفراد أسرته، ويتركونه فريسة للوحدة والإهمال والتنمر.

وأما الوضع التعليمي لدى المسلمين فكان متدنِّيًا للغاية في ظل الإدارة البلجيكية لرواندا، إذا ما قورن بالوضع التعليمي لأصحاب الديانات الأخرى، كما أن غالبية المسلمين يسكنون في الأحياء الفقيرة، وليس لديهم إلا عددٌ ضئيلٌ من المدارس والمعاهد.

ويمكن القول بأن عام (1994م) مثَّل نقلة نوعية في أوضاع المسلمين التعليمية؛ حيث بدأ النظام التعليمي يقيِّم الطالب بموجب نتائجه، دون اعتبارٍ لديانته أو قبيلته، وكذلك انتعشت بالتزامن مع ذلك (جمعية مسلمي رواندا) بعد عودة الخريجين من جامعات العالم الإسلامي، وتم إنشاء عددٍ من المدارس التعليمية الإسلامية.

وأما السياسة فلم تكن لهم فيها مشاركة قبل سنة (1992)م؛ التي شهدت تسجيل أول حزب إسلامي رسمي، وبعدها عُيِّن أول مسلم في البرلمان سنة (1994)م؛ وهو من خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، كما شهدت السنة نفسها تعيين أول سفير مسلم لجمهورية رواندا في ليبيا، وفي السنة التالية (1995)م عُيِّن أول وزير مسلم في رواندا.  

موقف المسلمين في رواندا من الحرب الأهلية وأثره في التوسعة عليهم:

كانت نسبة المسلمين في رواندا  قليلة جدا، وكانوا مهمشين ومحرومين من التعليم، فضلا عن المناصب، وعندما حصلت المجزرة في عام (١٩٩٤م) وتورط فيها قادة الميلشيات بمساعدة الفرنسيين، وكانت مجازر بمباركة الكنيسة، ووقوع كثير من المذابح داخل الكنائس، وبمساعدة الرهبان، وسقوط مئات الآلآف من القتلى، بل تجاوز القتلى مليون إنسان خلال تسعين يومًا فقط!

في هذه الظروف التزم المسلمون الحياد التام، ولم يتورطوا فيما وقع من المجازر والمذابح، بل كانوا يحمون من لجأ إلى قراهم ومناطقهم، سواء كان من عرقية (هوتو) أو من (توتسي)، ويقولون: ديننا يحرم علينا قتل الأبرياء، ولم يقتلوا أحدًا، بل ساهموا في الأمن والاستقرار.

وبعد انتهاء المجازر وبداية المحاكمات ارتفع شأن المسلمين كثيرًا، وأعطيت لهم الفرصة كاملة مثلهم مثل غيرهم في التعليم والحقوق، وانتـشر الاسلام وتضاعف المسلمون من (ثلاثمائة ألف) إلى اكثر من (مليون )مسلم، ويشكلون حاليا نسبة عشـرين بالمائة (20%) من عدد السكان، وتسلم المسلمون مناصب كبيرة، مثل وزارة الداخلية والعدل وغيرهما.

وبسبب أخلاق المسلمين الكريمة، وتعاملهم الطيب شجعتهم الحكومة على نـشر الإسلام، وطلبت منهم أن يدعوا الناس للإسلام، وسهلت لهم كل السبل، لكن المادة تنقصهم، وكانت الحكومة تقول: دينكم هو الصحيح: ودين الكنيسة كذب لأنها قتلت الناس. 

ومن التسهيلات للمسلمين على سبيل المثال، لا الحصر:

أولًا: أنه لا يذبح أحد في جميع الدولة ذبيحة إلا مسلم، وإذا ذبح غير مسلم لا يأكلونها، ويقولون: حرام.

ثانيًا: منعت الحكومة تربية الخنازير في البيوت والمزارع، ولكن في مزارع خاصة.

ثالثًا: أصدرت الحكومة أمرًا بختان جميع الناس المسلمين وغيرهم، وكلفت مفتي المسلمين بالتنفيذ، ويقولون: إن ذلك لأسباب صحية.

ومن احترام وتقدير الشعب الراوندي للإسلام أننا رأينا غير المسلمين يحـضرون أبناءهم ويسجلونهم في حلقات تحفيظ القرآن، وعندما تسألهم يجيب إجابة عجيبة يقول: (أنا فاتني هذا الخير، ولا أريد أن يفوت ابني، وأني أرجو البركة إذا حفظ القرآن).

رحلتي إلى رواندا:

كتب الله لي ـ بفضل منه ومنة ـ زيارة هذه البقعة من بقاع أرض الله، فشاهدت بعيني من معالم الحضارة وجمال الطبيعة وحُسن الخُلق ما تَشرُف به أيَّة بلدةٍ على وجه الأرض.

فحين هبطنا في مطار (كيغالي) كان معنا أكياس بلاستيكية فيها تُمور، وفيها بعض الهدايا التي نريد أن نُهديها إلى إخواننا هناك، فاستوقفتنا السلطات في المطار، ثم جاؤوا بمقصٍّ حديديٍّ وطلبوا منا أن نقص هذه الأكياس المغلَّفة، وأعطونا بدلًا عنها أوراقًا وقراطيسَ؛ معلِّلين ذلك بسببٍ أسعدنا كثيرًا؛ إذْ أخبرونا أنهم لا يسمحون بدخول البلاستيك إلى بلدهم؛ حفاظًا على سلامة بيئتهم الزراعية التي تمثِّل نشاطهم الرئيسَ الذي يعتمدون عليه كمصدرٍ للرزق.

وكان في استقبالنا في هذه الزيارة مفتي المسلمين في رواندا وبرفقته بعض الدعاة الراونديين من خرِّيجي الجامعة الإسلامية، واتجهنا إلى مقرِّ إقامتنا الذي كان مُعدًّا لضيافتنا طيلة الأيام السبعة مدَّة الزيارة؛ التي تَبَاحَثْنا في أثنائها حول أحوال المسلمين هناك، وما يمكن تقديمه إليهم في إطار التعاون الذي يخدم الإسلام والمسلمين ومن خلال ما تقدمه المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين ووليِّ عهده، تجاه الكثير من دول العالم ومنها جمهورية رواندا، وقد تجوَّلنا في جميع أنحاء الدولة حتى وصلنا إلى حدود الكنغو في الشمال الغربي، وشاهدنا كثيرًا من معالم رواندا؛ التي كانت أكثر مما كنَّا نسمع عنها.

مزايا الشعب الرواندي:

الشعب الرواندي يتميز بمزايا، تعدُّ بمقاييس الأخلاق والقيم من أهم الثروات، ولا شك أنها صفات تَرْقَى بهذا الشعب إلى درجةٍ متقدِّمةٍ من الحضارة والمدنيَّة، ومنها:

       1)   أنهم يهتمُّون اهتمامًا بالغًا بنظافة ملابسهم وشوارعهم.

       2)   أنهم يهتمُّون بالرياضة، ولا سيَّما ما يبني الجسم ويقوِّيه، لذا تجد أجسامهم رياضية.

       3)   أنهم يتجنبون تجنُّبًا تامًّا كل ما يمكن أن يؤذي النفس، لذلك لا يكاد أحدٌ منهم يشرب السجائر أو ما أشبهها من المشروبات المضرَّة بالصحة.

       4)   طابع أهل البلد البساطة الشديدة واحترام النظام بشدة، والحيوية والنشاط و،البلد خصبة جدا للدعوة، ويدخل في الاسلام آلاف الناس كل شهر.

       5)   من أخلاقهم مسلمهم وكافرهم الحفاوة بالضيف والمبالغة في إكرامه.

       6)   الشعب الراوندي شعب يحترم النظام، والدولة حازمة جداً جداً في الأمن والنظام،

ومن الأنظمة في الحياة العامة لديهم:

o   من وجد وثيابه متسخة، أو مشى حافي القدمين: عوقب بغرامة.

o   من رمى شيئا في الشارع فغرامته خمسون دولارا.

o   من سار فوق المسطحات الخـضراء، ولم يسلك المسارات المخصصة للـمشي غرامته عشرة دولارات.

o     البغاء محرم وعقوبته شديدة جدا، والتسوُّل جريمة يعاقب عليها القانون.

o   ربط الحزام في السيارة ولبس الخوذة لقائد الدراجة النارية أمر لا تساهل فيه.

وفي الختام: هناك بوادر ومبشرات لمدِّ جسور التواصل بين المملكة العربية السعودية وبين (رواندا)، حيث افتتحت سفارة (رواندا) في الرياض قبل فترة وجيزة، وهناك مباحثات لفتح سفارة للمملكة في رواندا قريباً، علماً أنه تم الغاء التأشيرة لكل زائر سعودي لرواندا ويمكن الحصول عليها في المطار مباشرة، وهذا سيسهل التواصل بين البلدين، ويسهل السفر لرواندا للاستثمار والدعوة، ونشر الثقافة الإسلامية مما سيكون له أثر في نـشر الإسلام ودعم المسلمين هناك، وعليه فأختم بالتوصيات التالية:

أولًا: الزيارات الدعوية لـ(رواندا) للوقوف على حاجات الدعوة وطلاب العلم هناك والتنسيق مع وزارة الشئون الإسلامية ورابطة العالم الإسلامي في ذلك.

ثانيًا: دعم المسلمين في مشاريع بناء المدارس والمساجد ومراكز التعريف بالإسلام وغيرها من المشاريع الإغاثية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة.

ثالثًا: مضاعفة أعداد طلاب المنح من (رواندا) في مختلف الجامعات السعودية والدول العربية والإسلامية، والعناية والاهتمام بهم؛ ليكون دعاة ومؤثرين في بلدهم.

والله أسأل أن يبارك في جهود الدعاة في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يسددهم ويوفقهم لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية