اطبع هذه الصفحة

http://saaid.org/Doat/aljuaid/62.htm?print_it=1

كن إبراهيم هذا الزمان

د. عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 الحَمْدُ للهِ وَالصَّلَاةُ والسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ نَبِيِّنَا مُحمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ ومَنْ وَالَاهُ.

أَمَّا بَعْدُ فَلمَّا كَانَ الإِنسَانُ مَجْبولًا بَطْبَعِهِ عَلى حُبِّ المَالِ، كَمَا أَخْبَرَ اللهُ ¸ فِي قَولِهِ: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمـًّا} وَقَولِهِ¸: {وَإِنَّهُ لِـحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}؛ فَقَدْ جَعَلَ اللهُ مَنْزِلَةَ الإِنْفَاقِ عَالِيَةً، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الأُجُورِ العَظِيمَةِ مَا لَا يَخْفَى، وَمَعَ ذَلِكَ تَكَفَّلَ اللهُ لِلْمُنْفِقِ بِالْعِوَضِ، وَقَدْ كَلَّفَ اللهُ فِي كِلِّ يَوْمٍ مَلَكًا يَدْعُو بِالْخَيرِ وَالغِنَى لِمَنْ جَادَتْ نَفْسُهُ بِالبَذْلِ وَالعَطَاءِ فِي سَبيلِ اللهِ ، وَمَلَكًا آخَرَ يَدْعُو بِالفَقْرِ وَالإِمْلَاقِ عَلَى مَنْ بَخِلَ وَضَنَّ عَلى عِبَادِ اللهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ¢ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» متفق عليه.

وَإِنَّ اللهَ جَعَلَ رَحْمَةَ الْمُسْلِمِ بِأَخِيهِ الْمُسْلمِ سَبَبًا فِي النَّجَاةِ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ؛ حَيْثُ أَخْبَرَنَا الْمَعْصُومُ أَنَّهُ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ». رواه مسلم.

أَخِي الْمُسْلمَ، كَمْ مِنْ مَكْرُوبٍ حَوْلَنَا تَتَقَافَزُ الهُمُومُ فَوْقَ قَلبِهِ الكَسِيرِ، وَتَتَرَاكَمُ الأَحْزَانُ فِي نَفْسِهِ البَئِيسَةِ، بِسَبَبِ دَيْنٍ أَثْقَلَهُ، أَوْ مَرَضٍ أَقْعَدَهُ، أَوْ ضَائِقَةٍ أَلَمَّتْ بِهِ؟!

فَهُوَ فِي أَشَدٍّ الحَاجَةِ إِلَى مَنْ يَنْتَزِعُ الهُمُومَ مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ يَنْتَزِعُهُ مِنْ بَيْنِ الهُمُومِ؛ لِتَعُودَ إِلَيْهِ بَسْمَةٌ فَارَقَتْ شَفَتَيْهِ، وَطَمَأْنِينَةٌ هَجَرَتْ قَلْبَهُ وَوِجْدَانَهُ!

أَخِي الْمُسْلمَ، هَلْ لَكَ فِي أَنْ تَكُونَ إِبْرَاهِيمَ زَمَانِكْ؟ تَتَلَمَّسُ حَوَائِجَ الْمُحِيطِينَ بِكَ، وَتَتَفَرَسُ هُمُومَ مَنْ حَوْلَكَ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.

إِبْرَاهِيمُ هَذَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ بن أَدْهَمَ (القُدْوَةُ الإِمَامُ العَارِفُ سَيِّدُ الزُّهَادِ) كَمَا يَنْعَتُهُ الذَّهَبِيُّ، فَاقْرَأْ قِصَّتَهُ كَمَا أَخْرَجَهَا ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ البَلَخِيِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الضِّيَاعِ (يَعْنِي مِنْ أَصْحَابِ الْمِهَنِ) فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَلَيْسَ هَذَا فُلَانٌ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ.

فَقَالَ لِرَجُلٍ: أَدْرِكْهُ فَقُلْ لَهُ: قَالَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ: مَا لَكَ لَمْ تُسَلِّمْ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ إِلَّا امْرَأَتِي، وَضَعَتْ اللَّيْلَةَ وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، فَخَرَجْتُ شِبْهَ الْمَجْنُونِ ! (يَعْنِي لَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ إِلَّا مَا نَزَلَ بِهِ) قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَقُلْتُ لَهُ (يَعْنِي قُلْتُ لَهُ مَا قَالَ الرَّجُلُ) فَقَالَ: إِنَّا لِلهِ!! كَيْفَ غَفَلْنَا عَنْ صَاحِبِنَا حَتَّى نَزَلَ بِهِ الأَمْرُ؟! فَقَالَ: تَعَالَ يَا فُلَانُ، اِئْتِ فُلَانًا صَاحِبَ البُسْتَانِ، فَاسْتَسْلِفْ مِنْهُ دِينَارَيْنِ، وَاشْتَرِ لَهُ مَا يُصْلِحُهُ بِدِينَارٍ، وَادْفَعِ الدِّينَارَ الآخَرَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَدَخَلْتُ السُّوقَ فَأَوْقَرْتُ (يَعْنِي اشْتَرْيتُ حِمْلَ بَعِيرٍ) بِدِينَارٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَوَجَّهْتُ إِلَيْهِ، فَدَقَقْتُ البَابَ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَنَا، أَرَدتُّ فُلَانًا، قَالَتْ: لَيْسِ هُوَ هَا هُنَا، قَالَ: فَأَمَرْتُهَا أَنْ تَفْتَحَ البَابَ وَأَنْ تَتَنَحَّى، فَفَتَحَتِ البَابَ وَتَنَحَّتْ، وَأَدْخَلْتُ مَا عَلَى البَعِيرِ، وَأَلْقَيتُهُ فِي صَحْنِ الدَّارِ، وَنَاوَلْتُهَا الدَّينَارِ، فَقَالَتْ: عَلَى يَدَيْ مَنْ هَذَا ـ رَحِمَكَ اللهُ ـ فَقُلْتُ: أَقْرِئِيهِ السَّلَامَ وَقُولِي: هَذَا عَلَى يَدَيْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمٍ، فَقَالَتْ: اللهم لَا تَنْسَ هَذَا اليَوْمَ لإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ، قَالَ فَجِئْتُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَحَدَّثْتُهُ بِمَا كَانَ وَأَخْبَرْتُهُ بَدَعْوَتِهَا وَقَوْلِهَا، قَالَ: فَفَرِحَ إِبْرَاهِيمُ فَرَحًا لَمْ يَفْرَحْ مِثْلَهُ قَطُّ، فَلَمَّا جَاءَ الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، فَنَظَرَ إِلَى صَحْنِ الدَّارِ وَقَدْ مُلِئَ مِنَ الخُبْزِ وَمَا تَحْتَاجُهُ، وَدَفَعَتِ الْمَرْأَةُ الدِّينَارَ إِلَيْهِ، قَالَ لَهَا: عَلَى يَدَيْ مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: عَلَى يَدَيْ أَخِيكَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمٍ فَقَالَ: اللهم لَا تَنْسَ هَذَا اليَوْمَ لإِبْرَاهِيمَ!

وإِبْرَاهِيمُ بْنِ أَدْهَمٍ، ¬ هُوَ القَائِلُ: (ذَهَبَ السَّخَاءُ وَالْكَرَمُ وَالجُودُ وَالْمُوَاسَاةُ، فَمَنْ لَمْ يُوَاسِ النَّاسَ بِمَالِهِ وَطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، فَلْيُوَاسِهِمْ بِبَسْطِ الوَجْهِ وَالخُلُقِ الحَسَنِ، لَا تَكُونُونَ فِي كَثْرَةِ أَمْوَالِكُمْ تَتَكَبَّرُونَ عَلَى فُقَرَائِكُمْ، وَلَا تَمِيلُونَ إِلَى ضُعَفَائِكُمْ، وَلَا تَنْبَسِطُونَ إِلَى مَسَاكِينِكُمْ).

أَخِي الْمُسْلمُ: اِعْلَمْ رَعَاكَ اللهُ - أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَلَّ بَيْنَنَا أَمْثَالُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمٍ، فَقَدْ كَثُرَ فِينَا أَصْحَابُ الحَاجَاتِ وَالكُرُبَاتِ مِمَّنْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا، فَاحْرِصْ عَلَى أَنْ تَكُونَ أَنْتَ إِبْرَاهِيمَ هَذَا الزَّمَانِ؛ عَـسَى اللهُ أَنْ يَعْصِمَكَ مِنْ أَلَمِ الفَاقَةِ وَذُلِّ الحَاجَةِ، وَأَنْ تَكُونَ مِنَ السَّابِقِينَ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمٍ: (مَا فَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنِ أَدْهَمٍ ¬ أَصْحَابَهُ بَصَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ، وَلَكِنْ بِالصِّدْقِ وَالسَّخَاءِ).

رَحِمَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمٍ وَوَفَقَنَا لَأَنْ نَكُونَ فِي زَمَانِنَا كَإِبْرَاهِيمَ بِنْ أَدْهَمٍ فِي زَمَانِهِ
وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَامُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.


 

 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية