اطبع هذه الصفحة


توجيهات رمضانية (11)

أذكارك في رمضان

خالد بن علي الجريش


الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه وصلى الله وسلم على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى وبعد،،،
الإيمان يزيد وينقص في قلب المؤمن وزيادته تكون بالطاعات ونُقصانه تُحدثه المعاصي، وإن من أفضل الأعمال التي يزيد بها الإيمان هو ذكر الله تعالى لا سيّما في هذا الشهر المبارك، ولم يأت الأمر بالذكر فقط، بل بالإكثار منه، قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا) بل وجعل ذكره كثيرًا سببًا للفلاح، وقال تعالى (واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون) وإن كان هذا في جميع الأيام والشهور إلا أنه في شهر رمضان قد يعظُم لعِظم الزمان وشرفه، فكم نحن بحاجة إلى التذكير بذلك، لأن عبادة الذكر هي من أخف العبادات، حيث إنها لا تحتاج إلى طهارة ولا إلى مكان معين ولا هيئة معينة، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في جميع أحيانه، كما تقوله عائشة رضي الله عنها.

ولعلي أتشرف أخي الكريم أن أُلقي عليك هذه الوقفات الخمسة عشر حول الذكر في رمضان، لعلها تكون زادًا لي ولك وفقنا الله جميعًا لمرضاته وزادنا من فضله وعطائه.

الوقفة الأولى:
الذكر هو روح الأعمال كلها، لأنه أكبرها، قال تعالى (ولذكر الله أكبر) فكل أعمالنا مقترنة به، فكل الأعمال الصالحة لا تخلو من الذكر قليلًا أو كثيرا، فهو سرّها وروحها ولأجل هذا ونحوه أُمرنا بالإكثار منه فهل استجبنا وأكثرنا؟ فالغفلة عنه من علامات الحرمان، والنجاة من الغفلة والحرمان هو بحضور ذكر الله تعالى على اللسان والقلب، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه (ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله).

الوقفة الثانية:
الذاكر لله تعالى والمكثر منه كما أنه يجدد إيمانه فهو يجدد براءته من النفاق، فالمنافقون أقل الناس ذكرا، قال تعالى (ولا يذكرون الله إلا قليلًا) والمؤمن مطالب أن يتميز عن المنافقين بكثرة ذكره وشكره، فلا تغفل أخي الصائم أختي الصائمة عن هذا الإكثار، أو أن يغالبك في هذا كثرة النوم والإنشغال، فكلمة سبحان الله نخلة في الجنة، وكلمة الحمد لله تملأ الميزان، وكلمة سبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، ولا إله إلا الله أفضل الحسنات، والكلمات الأربع أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما طلعت عليه الشمس، فعليك بالإكثار منها في كل أحوالك، رددها كثيرًا، ولهذا يقول الحسن البصري رحمه الله (ما عليك يا ابن آدم إذا فرغت أن تقول للملك اكتُب فتبدأ بالتسبيح والتحميد ونحوهما) فما أيسر العمل وأعظم الأمل مع ذكر الله تعالى.

الوقفة الثالثة:
إن تعويد اللسان على كثرة ذكر الله تعالى أمر مهم جدًا، وتكسب من خلاله الحسنات كالجبال، وإن شهر رمضان فرصة للإنطلاق في ذلك، ففي ليالي رمضان وأيامه متّسع كبير وأيضًا تكسِب روحانية تختلف عن غيره من الشهور من حيث الصفاء والسكينة والخشوع، كيف إذا عُلم أن الأجر فيه أعظم من غيره، فما أسعد الذاكرين بقوله تعالى (فاذكروني أذكركم) استشعر هذا فإن استشعارك يقوي عزيمتك لاستدامة الذكر.

الوقفة الرابعة:
يتنوع الذكر فأفضله ما اجتمع عليه القلب واللسان، وإن كان الذكر في اللسان فقط فله أجره، وإن كان في القلب فقط فله أجره، ولكن احرص على الحال الأولى وهي اجتماع القلب واللسان ما أمكن، فإن فيها من تعظيم الله تعالى وتربية النفس وتقوية إيمانها ما يكون سببًا عظيمًا في الثبات على الحق وزيادة الأجور في ميزان العبد.

الوقفة الخامسة:
من أهم أنواع الذكر وبرامجه أن يكون في البيت مجلس ذكر يتناول أهل البيت في هذا المجلس آيات من كتاب الله تعالى أو بعض نصوص السنة النبوية ويتدارسونها بينهم، فيا ترى كم من الخير العظيم في هذا المجلس الذي أهمله بعض الناس، فكم سيتعلمون ويتربون وتحل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتحفّهم الملائكة ويذكرهم الله فيمن عنده وتبعد عنهم الشياطين، لكن هذا المجلس يحتاج إلى نوع من البرمجة التربوية والإيمانية في منهجيته.

الوقفة السادسة:
تختلف الأذكار في عِظم أجرها، فمن الذكر المضاعف ما ورد في حديث جويرية رضي الله عنها حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد قلت بعدكِ أربع كلمات ثلاث مرات لو وُزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته) رواه مسلم
ومن عظيم الذكر أيضًا قولك (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) في اليوم مائة مرة فقد ورد عند البخاري أن من قال ذلك كتب الله له مائة حسنة ومحا عنه مائة سيئة وكانت عدل عشر رقاب وكانت حرزًا له من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي، ومن عظيم الذكر في أجره وهو يسير في تنفيذه قول النبي صلى الله عليه وسلم (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه البخاري ومسلم
وفي رواية لمسلم (يُسبح مائة تسبيحة فيُكتب له ألف حسنة أو يُحط عنه ألف خطيئة) فحافظ على هذه الأذكار الثلاثة ونحوها واجعل شهر رمضان انطلاقة لك بها إن لم تكن كذلك، فهي كلها لا تأخذ من وقتك الثمين غير ثلاث عشرة دقيقة أو نحوها.

الوقفة السابعة:
كيف تُكتب من الذاكرين الله كثيرا؟ سُئل ابن الصلاح رحمه الله عن هذا فقال: إذا حافظ على الأذكار في الصباح والمساء وعند منامه وأكله وشُربه وصلاته ودخوله وخروجه مع ما يتيسر له من تحزيبه لكتاب الله تعالى كُتب منهم. ويا بشراك حينها، وقد ورد في الحديث الصحيح قال عليه الصلاة والسلام (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعًا كُتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات) رواه أبو داود وصححه الالباني وغيره.

الوقفة الثامنة:
هل لك برنامج مع الاذكار؟ إن جميع حالاتك لو بحثت لرأيت أنها مشتملة على الذكر فأكلك وشُربك وصباحك ومساؤك ودخولك وخروجك ونومك ويقظتك ومشيتك إلى الصلاة وصلاتك وسائر عباداتك كلها مشتملة على الذكر، فما أجمل أن تجمع تلك الأذكار من كتب السنة أنت وأولادك وربما تسلسل ذلك في أحفادك، فكنت صاحب هذه الصدقة الجارية، أرجو أن يتم ذلك ووفقك الله.

الوقفة التاسعة:
إن عبادة الذكر كثيرًا ما تكون في الخلوات، وهذه هي التي يُسميها أهل العلم خبيئات الأعمال، فاجعل لك من ذلك النصيب الوافر خبايا، فهذا من أسباب التوفيق ومفاتيح الرزق، وهي سياج كبيرٌ عن فعل المعصية.

الوقفة العاشرة:
ما أسهل الاستغفار في وقت السحر لمن يسّره الله تعالى عليه وشهر رمضان فرصة عظيمة لمن استثمر ذلك واستشعره فيستغفر ذاهبًا وآيبًا جالسًا وقائمًا، لا سيّما إذا قرنه بالتوبة، فعليك بالإكثار من ذلك فهو من أعظم الذكر، وقد قال صلى الله عليه وسلم (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا) وإن كان الاستغفار في كل وقت لكنه في الأسحار أفضل لأنه وقت إجابة، واستثمارها هو من توفيق الله تعالى للمستثمر.

الوقفة الحادية عشرة:
إن ذكرك لله تعالى في كثير من الأمكنة هو تكثير للشهود لك، فالأرض تحدّث أخبارها وهي شهادتها لكل عبد أو أمه عمل عليها ما عمل من خير أو شر، فكل بقعة تقع عليها قدمك، احرص أن تذكر الله تعالى فيها لتكون تلك البقعة شاهدة لك.

الوقفة الثانية عشرة:
إن أعظم الذكر هو كلام الله تعالى فاجعل لك مع كلام الله تعالى وقراءته برنامجًا لا تتخلى عنه يزيد في أوقات المواسم الأخرويّة كشهر رمضان وعشر ذي الحجة ونحوها، كُن حريصًا على التنفيذ والتخطيط لهذا البرنامج، وإن شهر رمضان موسم عظيم فكن مُكثرًا فيه مرتبًا برنامجك فهو من أوسع الأبواب لكسب الأجور، فسابق غيرك في هذا المضمار.

الوقفة الثالثة عشر:
اجعل لك قائمة أذكار اليوم والليلة المقيدة والمطلقة وحررها في ورقة وحاسب نفسك من خلالها حتى تعتادها في جميع عُمرك.

الوقفة الرابعة عشرة:
لحظات الانتظار يُهدرها بعض الناس إما سكوتًا أو تقليبًا لأبصارهم هنا وهناك ونحو ذلك، لكن استثمارها بالذكر بأنواعه هو استثمار أمثل من جميع الجوانب، فهو كسب للخير وشهادة البقعة لك وانشراح وذهاب للملل ونحو ذلك، فاحرص وذكّر غيرك بذلك.

الوقفة الخامسة عشرة:
إن تحفيظك لأولادك في شهر رمضان كل يوم ذكرًا يحفظونه ويُحافظون عليه لهو من الأعمال الصالحة والصدقات الجارية لك، فهم سيحفظون ثلاثين ذكرًا بأحاديثها ولعلهم يستمرون عليها، فلك أجرها ما داموا عاملين، وربما انتقلت إلى أولادهم وأحفادهم، فيا بشراك حينها، فشهر رمضان هو شهر النشاط والحيوية في الأعمال والأقوال الصالحة، فاستحث الخطى واجمع الهمم وحرر البرامج لهذه العبادات في هذا الشهر المبارك، فهو فرصة عظيمة أن يكون الإنسان فيه كذلك، وحينها يُحس بلذة وطعم هذا الشهر وحلاوته فيستمتع به بخلاف بعض المحرومين فإنه قد يتضايق لأنه لم يُفكر في برنامج ولا في مشروع أخروي فهو ينتظر النهاية وشتان بين الفريقين.

نسأل الله تبارك وتعالى التوفيق والسداد وإلى حلقة أخرى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

خالد الجريش
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية