اطبع هذه الصفحة


توجيهات رمضانية (14)

بيتك في رمضان

خالد بن علي الجريش


الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه والتابعين.
إن البيت هو المستقر لهذه الأسرة وهو موضع اجتماعها ومعيشتها ومهجعها، هذا البيت هو المدرسة التربوية يتلقى فيها الأولاد عن آبائهم وأمهاتهم توجيهاتهم وتجاربهم، ويقوم الأولاد بالبر والتكريم لوالديهم، وشيء بهذه الخصوصية له توجيهاته الخاصة به من علم وتعلّم وأخلاق وسلوك، لاسيّما في شهر رمضان المبارك فهو دورة سنوية يقضيها أهل البيت فيما بينهم، مُفيدين ومستفيدين، وحول هذا الموضوع خلال هذا الشهر المبارك سيكون الحديث في خمس عشرة همسة، لعلها أن تكون داعمًا لأهل البيت يقوّي بعضهم بعضا.
الهمسة الأولى: يتعين على الوالدين الكريمين استشعار الرعاية الشرعية على أولادهم، حيث جعلها الله لهم، قال عليه الصلاة والسلام: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيّته) وإن كانت هذه الرعاية عامة في كل وقت فهي في أوقات المواسم تتأكد أكثر، استثمارًا لهذه الأوقات، فابذلا أيها الوالدان الكريمان جهدكما في حسن استثمار الوقت في هذا الشهر المبارك، فعززا وشجعا، وارسما البرامج لأولادكم فكل نتاج يحصلون عليه، فهو عائد لكم، إن هذه الرعاية إن حُفظت وسُددت فصاحبها مُفلح ورابح، وإن ضُيعت لا قدّر الله فإن صاحبها مسؤول عنها فليُتأمل هذا كثيرًا، حرصًا على النفس والأولاد، فماذا يُشاهدون وماذا يسمعون وهل تتابعت النصائح والتوجيهات عليهم براءةً للذمة، وهل استُديم لهم الدعاء بالصلاح والإصلاح، كل هذه ونحوها عوامل تساهم بالنجاح والفلاح.

الهمسة الثانية:
إن أهل البيت عندما يعملون في طهي الطعام وإعداده ونحو ذلك ليعلموا أنهم مأجورون في ذلك، حيث إنهم يلاقون من المشقة الشيء الكثير، فليستحضروا النية الصالحة لتعظُم أجورهم ويستشعروا أنهم بذلك يتقربون إلى الله تعالى بالقيام بواجبهم، فتذكرهم لهذا واستحضاره يُزيل عنهم شيئًا من المشقة والتعب، وإن تربية البنات على هذا المعنى له إيجابياته المستقبلية في حياتهم الزوجية.

الهمسة الثالثة:
جميل جدًا إن يوجد خلال شهر رمضان في البيت حلقة يومية رمضانية ولو كانت قصيرة، يتلقى فيها أهل البيت أحكام وحِكَم الصيام والقيام وغيرهما، فما أحوجنا لمثل هذا ليكون العمل موافقًا للشرع مع ما يطرأ من مسائل يتعلمونها وآداب يتخلّقون بها، إضافةً إلى الحالة الروحانية التي يجدها أهل البيت لأنهم بذلك نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، فيا بشراهم بهذه البشائر العظيمة.

الهمسة الرابعة:
من البرامج المقترحة في هذا المجال أن يطرح خلال الشهر في كل يوم سؤال عن أحكام شهر رمضان وحِكَمه ثم تُطلب الإجابة من أهل البيت ويُكرم الفائزون نهاية الشهر فإنهم بهذا يتسابقون في هذا الميدان العلمي والتربوي مما يجعلهم يبحثون عن الإجابة، فهي تربية وتعليم.

الهمسة الخامسة:
ليجعل أهل البيت لهم نصيبًا من عباداتهم النوافل في بيوتهم، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن الله جاعل من صلاته في بيته خيرًا) فيكون الآباء والأمهات قدوةً للأولاد في رؤيتهم لهم وهم يصلون أو يقرؤون أو يذكرون الله أو يدعون ويبتهلون، وفي مقابل هذا ليجعل أهل البيت لهم خبايا في بيوتهم فيُغلق عليه بابه فيصلي فلا يراه إلا الله، فهذه خبيئة يرجو فاعلها برّها وذُخرها عند الله عز وجل.

الهمسة السادسة:
إن بعض البيوت قد يتحول شهر رمضان عندهم من شهر استثمار إلى شهر استهلاك، وهذه مشكلة تحتاج إلى حل عاجل، فالإسراف مذموم في كل حال، لا سيما في هذا الوقت العظيم كشهر رمضان، فالإسراف في الطعام والشراب وفي النوم والأحاديث الجانبية والترفيه وفي وسائل التواصل الإسراف بهذه كلها قواطع لأهل البيت، وتشتيت لأمرهم، فما أحوج هؤلاء إلى أن ينظروا إلى منهجية بعض الأسر التي ضربت أروع الأمثلة في التوازن بين هذه الحاجيات كلها، فيستلهموا الدرس والعبرة قبل أن تضيع لحظات هذا الشهر المبارك وأوقاته سُدى.

الهمسة السابعة:
من تعظيم حرمات الله تعالى، تعظيم هذا الشهر المبارك ، وأيضًا من تعظيمه ألا ندخل على أهلنا ما يُعكّر صفو لياليه وأيامه من محذوراتٍ شرعية، ومن تعظيم حُرماته أيضًا ألا يُضيّع أبناؤنا صلاة الجماعة في المساجد، لأن في هذا إضاعة للنفس بحجة السهر ليلًا والنوم نهارا، ومن تعظيم حرماته، تعظيمه في قلوبنا وقلوب أبنائنا، ومن تعظيم حرماته الاهتمام بصيامه وقيامه على الوجه الصحيح، ومن تعظيم حرماته كثرة الذكر فيه إلى غير ذلك مما هو تعظيم له، فهو شهر عظيم عند الله تعالى، فلنعظّم ما عظّم الله عز وجل.

الهمسة الثامنة:
حيث إن البيت هو المستقر لهذه الأسرة فليُحصن بالحصون المانعة من المعصية والشياطين وذلك كذكر الله تعالى عند الدخول والسلام على أهل البيت وكثرة الصلاة فيه وقراءة القرآن فيه، وإخراج الصلبان والصور والكلاب منه، وتطهيره من مزامير الشيطان وتعليم أهل البيت على آلية التعاون بينهم على البر والتقوى وتشجيعهم على صلاة النوافل وتطبيقهم للأخلاق الفاضلة الحسنة ونحو ذلك، مما يجعل أهل البيت مجتمعين على كلمةٍ سواء، مُهتدين بهدي الله تعالى، وهذا من أعظم أسباب الثبات لهم على دين الله عز وجل.

الهمسة التاسعة:
صلاة المرأة في بيتها خيرٌ لها، قال عليه الصلاة والسلام: (وبيوتهن خير لهن) قال هذا في المدينة، ولا يخفى فضلها، حيث إن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة فكيف بما هو دون ذلك، فإن أرادت المرأة الخروج إلى المسجد للصلاة فلتخرج متسترة غير متعطرة وتبتعد عن الرجال، وأما إن كانت في بيتها فلتصل ما كتب الله لها أن تصلي، وتقرأ وتكثر من ذكر الله تعالى ولتعلّم بناتها منهجًا عباديًا يكون سلوكًا لهن خلال هذا الشهر المبارك.

الهمسة العاشرة:
الأولى بأهل البيت أن يجتمعوا على طعامهم ومجالسهم ولا يتفرّقوا لما في الاجتماع من الألفة والمحبة والترابط، فإذا أكلوا أكلوا جميعا فإن ذلك أكثر بركة لهم من أن يكونوا متفرقين، فيتعلم بعضهم من بعض، وربما كان مجلسهم هذا مجلس ذكر وخير، يشهد لهم عند الله تبارك وتعالى.

الهمسة الحادية عشرة:
ما يتبقى من الأطعمة يجب أن يكون له آليه معروفة متفق عليها وذلك شكر لله تعالى على نِعمه، وتقدير للنعمة حق قدرها فيؤسفنا كثيرًا ما يصدر من بعض العوائل والأسر بحيث يجمعون الأطعمة مع غيرها في نفايات واحدة، وهؤلاء يُخشى عليهم من العقوبة والحرمان، ولكن يُقترح في هذا ما يلي:
وضع ما تبقى من الأطعمة في صحون بلاستيكية، وإعطائه للمحتاجين، فهم بانتظاره، وإن كان غير صالح للاستهلاك الآدمي، فيوضع في مكان ترده البهائم كالبراري والصحاري، أو أن يُدفع لأصحاب الماشية والدواجن ونحو ذلك، مما يجعلنا نحمل شعار (الحفاظ على النعمة شكر لها).

الهمسة الثانية عشرة:
اجعل لأهل البيت منهجية مقترحة في الأعمال الصالحة واجعلهم يختارون منها ما يناسبهم من أقوال وأفعال واجعلهم شركاء في إعداد البرنامج تحت إشراف الوالدين الكريمين تحفيزًا لهم وتشجيعا، وهؤلاء الأولاد في الحقيقة هم المكسب الحقيقي.

الهمسة الثالثة عشرة:
يمكن للأسرة أن تجود في هذا الشهر المبارك وتبذل على الفقراء والمحتاجين ليكون وقايةً لها من عذاب الله ورِفعةً في درجاتها، ويُقترح لذلك وضع صندوق مصغّر في مكان بارز في البيت يتصدق فيه أهل البيت بالقليل والكثير، ويُدفع للفقراء بشكل دوري، وفي هذا إحياء لقيمة الجود والبذل، وهي صدقة سر صاحبها تحت ظل العرش بإذن الله تعالى.

الهمسة الرابعة عشرة:
نظرًا لكثرة القراءة للقرآن في هذا الشهر المبارك فيسهل ويحسُن أن يقرأ أهل البيت سورة البقرة يوميًا في بيتهم، فقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (اقرؤوا سورة البقرة فإن البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان) رواه مسلم.

الهمسة الخامسة عشرة:
استودع بيتك عند خروجك، فإن الله إذا استودع شيئًا حفظه.
أيها الإخوة الكرام إن حرص أهل البيت على استثمار لحظات هذا الشهر هو النقطة الأساسية بعد توفيق الله تعالى لهم، فشجعوا وحفّزوا وابذلوا وقتكم وجهدكم لتخرجوا في نهاية شهركم بنتائج مفرحه تقر بها العين وتستريح لها النفس.

وفقنا الله تعالى لكل خير وإلى حلقة أخرى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

خالد الجريش
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية