اطبع هذه الصفحة


توجيهات رمضانية (18)

توبتك في رمضان

خالد بن علي الجريش


الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خير البرية أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد،،
إن شهر رمضان سُمي بذلك لمعانٍ عدة منها: أن شهر رمضان ترمُض فيه الذنوب وتحترق، قال القرطبي رحمه الله: قيل إنه سُمي رمضان لأنه يرمُض الذنوب أي يُحرقها بالأعمال الصالحة، وحيث إن الأمر كذلك فإن التوبة في هذا الشهر أيضًا تُحرق الذنوب وتمحوها، فيكون التائب خالصًا من الذنب وذلك فضل الله تبارك وتعالى يؤتيه من يشاء، وسيكون الحديث عن التوبة في هذه الوصايا العشرين لعلها أن تكون وأمثالها زادًا لنا إلى الإنابة والرجوع إلى الله عز وجل ففي ذلك الفلاح والفوز الكبير.

الوصية الأولى:
إن من أسماء الله تعالى (الغفور والغفّار) وهما صيغة مبالغة ومعنى ذلك أنه كثيرُ المغفرة، كيف وقد حثّ عباده على الاستغفار، فعلينا جميعًا بكثرة الاستغفار فما أسهله وأخفّه وأعظمه وأجلّه، وليس هو عسيرًا ولكنه توفيق لقوم وحرمان لآخرين، فاجعل لك مع الاستغفار منهجية ترتّبها لنفسك مُكثرًا ومستثمرا.

الوصية الثانية:
إن شهر رمضان المبارك له خصوصيةٌ في المغفرة وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري.
فكيف إذا انضم إلى هذا المكفّرات الأخرى كقيام رمضان وقيام ليلة القدر فإن المغفرة تكون متتابعة عليك بل كيف إذا انضم إلى هذا التوبة والرجوع إلى الله تعالى، فإن الصحيفة ستكون بيضاء نقية بإذن الله تبارك وتعالى، فاحرص على جمعها في هذا الشهر المبارك يا رعاك الله.

الوصية الثالثة:
إن هذه المكفرات للذنوب قد تكون على الصغائر كما يقوله بعضهم، ولكن اجعل لك شيئًا يُحرق الكبائر ويُزيلها ويمحو أثرها، وذلك يكون بالتوبة من تلك الكبائر فشهر رمضان فرصة عظيمة للتنقية من الذنوب والسيئات كبيرها وصغيرها، وكم هي نعمة كبرى حيث فتح الله تعالى لعباده باب التوبة، فيغفر لهم بتوبتهم فاسع إلى التوفيق باستثمار ذلك المجال.

الوصية الرابعة: إن كثرة الاستغفار هو سياج لهذه التوبة بأن تكون نصوحًا وصادقة ولا يتخللها الشقوق فإن الاستغفار المتتابع بعدها هو من المحافظة عليها.

الوصية الخامسة: إن الأسباب في شهر رمضان مهيأةٌ للتوبة والرجوع، وذلك لأن الشياطين مُصفّدةٌ والأعمال الصالحة قائمة والجو الإيماني كبير، فإن هذه وأمثالها فُرُص عظيمة إلى أن يحاول المسلم أن يتصفح أعماله وأقواله وسلوكه، فيأخذ ما كان حسنًا منها ويترك ما كان سيئًا بالتوبة الصادقة، فإن هذا خيرٌ له من بقائه تتراكم عليه الذنوب والسيئات فيندم حين لا ينفع الندم.

الوصية السادسة: إن الله تعالى رحيمٌ ولطيفٌ وودودٌ وعفوٌ وتوابٌ وغفورٌ وغفّارٌ وحليم، فأين صاحب المعصية من هذه الأسماء الحسنى ، كيف لا تؤثر فيه وهو يعلمها ويقرؤها بل ويحفظها وهو مع ذلك شديد العقاب وعذابه أليم، فاستثمار ذلك بالتوبة هو عين العقل والحكمة والرشد بخلاف من استمر على معاصيه ولم يرفع بذلك رأسًا فإنه على خطر إن لم يعف الله عنه.

الوصية السابعة: هل تعلم أن توبتك تعني محبة الله لك، وأنت تسعد عندما يُحبك كبار القوم، فكيف إذا أحبك الله، ولله المثل الأعلى، وحينها سيُغدق عليك بالخيرات المتنوعة والتوفيق المتتابع، قال تعالى (إن الله يحب التوابين ويُحب المتطهرين) فستكون بعد ذلك من قوم يحبهم ويحبونه وحينها يا بشراك.

الوصية الثامنة:
قال عليه الصلاة والسلام (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) رواه مسلم.
فما موقفك وأنت تقرأ أو تسمع هذا الحديث، اليد مبسوطة في كل ليل وفي كل نهار فلماذا ذلك العاصي لا يُقبل على هذا البسط ويستثمره فإن الأمر قد يتغير فجأةً بموتٍ أو عقوبة أو غيرها، فليتق الله أولئك المخالفون، وليستثمروا بسط الله يده لهم إن كانوا يعقلون.

الوصية التاسعة:
إن من المبشرات للتائب أن تلك السيئات التي تحمِلها خلال ما سلف من الوقت، ستُقلب إلى حسنات، وذلك فضلٌ عظيمٌ من الله تبارك وتعالى على عباده، فملايين السيئات ستكون ملايين من الحسنات أو أن توفق لحسنات مثلها، فشيء هذا ربحه وهذه مُخرجاته هل يتأخر عنه عاقل أو مُنصف؟ واحذر أن يُضيّع عليك الشيطان تلك الفُرص بتسويل أو وسوسة في إغفالك عن هذا وأمثاله.

الوصية العاشرة:
ماذا لو مات هذا العاصي على معصيته، فماذا يتمنى؟ لا شك أنه يتمنى أن يرجع ليتوب فما دام هذا هو الواقع وهو تمني الرجوع فأنت الآن في زمن الإمهال، فلا تنتظر حتى يحصُل ما لأجله تتمنى الرجوع، فإن الإنسان له عقل يعرف فيه منافعه ومضاره.

الوصية الحادية عشرة:
لا تقنط مهما كثُرت معاصيك وسيئاتك، فإن الله تعالى يُنادينا جميعًا قائلًا (قُل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم) فنداء يتبعه بشرى وبشرى يتبعها نتيجة عظيمة وهي مغفرة الذنوب جميعًا، فأين العصاة من هذه الآية.

الوصية الثانية عشرة:
كما أن الله تعالى يُحبك إذا تُبت فهو أيضًا يفرح بتوبتك، وهو الغني عنك، فكيف تقول بفرح رجلٍ معه ناقته وعليها طعامه وشرابه وهو في صحراء قاحلة ثم ضلّت عنه وضاعت ثم جلس عند شجرة ينتظر الموت جوعًا وعطشًا فنام ، فلما استيقظ من شدة الجوع والعطش رأى راحلته قائمةً عند رأسه فلا شك أن فرحه شديد، والله إن فرح الله بتوبة عبده أشد من فرح هذا بناقته.

الوصية الثالثة عشرة:
كافيك أن من آثار التوبة كثرة الحسنات التي يُوفّق إليها التائب بعد توبته، فهو أثر عظيم وتوفيق من الله تبارك وتعالى للتائب، فما أعظمه من أثر وعطاء جزيل.

الوصية الرابعة عشرة:
اجعل من مخرجاتك في رمضان توبتك من ذنوبك لتكون صحيفتك فيه وفي غيره بيضاء نقية، فتسعد دنيًا وأخرى.

الوصية الخامسة عشرة:
احرص على شروط التوبة الصادقة وهي العزم على ألا تعود، والإقلاع عن المعصية وتركها، وإن صاحب ذلك تأنيب الضمير والندم على ما مضى فهو حَسَن فإنك بهذا تكون توبتك صادقةً ونصوحا.

الوصية السادسة عشرة:
إذا تُبت من الذنب التوبة الصادقة، ثم سوّل لك الشيطان فعُدت إلى المعصية مرةً أخرى فتُب توبةً ثانيةً للعمل الآخر، فإن العمل الأول له توبته، والعمل الثاني يحتاج إلى توبة، واجعل الشيطان هو المغلوب، فلا تيأس ما دامت توباتك نصوحًا وصادقة.

الوصية السابعة عشرة:
إن التوبة هي ليست للعاصي فقط، بل هي للعاصي والمُطيع حيث يُنادينا الله تعالى جميعًا بقوله تبارك وتعالى (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) فليس الإنسان المطيع معصومًا، فلنلهج بالتوبة جميعًا والاستغفار كثيرًا لنفلح وننجح.

الوصية الثامنة عشرة:
ادعُ الله تعالى كثيرًا أن يوفقك للتوبة والثبات عليها فإن التوفيق لها رحمةٌ من الله تبارك وتعالى عليك، وإحسان ومحبة وفضل فاطمح في هذا كثيرًا واطمع فيه لعلك أن تُوفق إليه.

الوصية التاسعة عشرة:
احذر أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم (ويوم يَعَض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) فإنك الآن تخوض في الفرصة أو تتفيؤ ظلالها فلا تفُتك فإن الأمر يأتي على غرة وفجأة، والأمور تتغير بالليل والنهار، فاحسب لهذا حسابه.

الوصية العشرون:
إن من أسماء الله تعالى التواب، وهو صيغة مبالغة، أي كثير التوبة، فاستثمر ذلك تائبًا ومُنيبا وإنك عندما تكون كذلك، فإنك إنما تسعى لنفع نفسك فهل من مدّكر.

أخي الكريم وبعد هذا التطواف حول التوبة والوصايا حولها احرص على دراسة وضعك واعتبر بمن مضى ولم يتُب، واعلم أنك إن عملت ما عملت في التوبة والأوبة، إنما هو مرصود لك، وإن استمر العاصي على معصيته فإنه لا يضر إلا نفسه، فعليك أن تتأمل هذا كثيرًا حق التأمل، وإن الربح في التوبة لك وإن الخسارة في عدم التوبة عليك، فلك ما كسبت وعليك ما اكتسبت.

وفقنا الله تعالى جميعًا للتوبة النصوح الصادقة، وغفر لنا ذنوبنا وستر عوراتنا وأمّن روعاتنا وإلى لقاء آخر وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 

خالد الجريش
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية