اطبع هذه الصفحة


توجيهات أسرية (15) أهمية تربية الأسرة على الفضائل الشرعية

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
فإن مما يعلمه الصغير والكبير بحمد الله تبارك وتعالى أن الله عز وجل خلق الخلق للعبادة قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وكم هو جميل أن نقف مع أنفسنا داخل أسرتنا عن هذه الحكمة وتفعيلها وتحقيقها واقعا عمليا ملموسا، إن تربية الأسرة على الفضائل الشرعية يُكسبنا تربيتهم على القيم الجميلة الرائعة وعلى المفاهيم العبادية الفاضلة من الأقوال والأفعال فمما تكسبه في بادئ الأمر أننا حين نغرس فيهم هذا الغرس العظيم فنتحصل على الهدوء والسكينة والطمأنينة والخير العظيم والسلوك الحسن والبركة لديهم، وهي بلا شك مطالب عظيمة لكل أبوين يريدان السعادة والإسعاد لهم ولمن تحت أيديهم وكونوا جميعا أيها الآباء والأمهات على ثقة تامة أن كل غرس في هذا المجال في أولادكم هو صدقة جارية لكم فهو سينعكس على أولادهم وإن نزلوا، فاجعلوا ذلك مشروعا لكم في حياتكم، نقول هذا أيها الكرام لأن القيم تتقلب عند كثير من الناس تقلبا كبيرة وعندما يكون الأولاد تربوا على العبادة والتقوى فلا شك أن هذا سياج كبير للمحافظة على قيمهم الإيجابية، يقول أحدهم: سافرت سفرا طويلا فكان أبي حفظه الله يرسل إلي رسالة في كل أسبوع مضمونها (احفظ الله يحفظك) ويعلق عليها ما تيسر تعليقا خفيفا فكانت هذه الرسالة زادا لي أتمتع به وسياجا كبيرا افرح بقراءته وهي بمثابة الدرس أتلقاه أسبوعيا من والدي الكريم، ولعلي أقترح على أخي وأختي الأب والأم الكريمين هذه المقترحات السبعة:

الأول:
جميل أن يتناقش الأب والأم في تربية نشئهم المبارك على هذه الفضائل ويجعلانه برنامجا يطبقانه على أولادهم فيجعلا في كل أسبوع عملا من الأعمال أو الأقوال الصالحة يثبت عليه الأولاد تطبيقا مستمرا ونشجعهم على ذلك ونحفزهم واعلموا أن ما تنفقونه في هذا المجال مخلوف عليكم بإذن الله تعالى .

الثاني:
في جلساتكم الأسرية من الممكن أن يذكر نماذج من حياة العابدين في الماضي والحاضر لتكون زادا لهم في توصياتكم لهم وبرامجكم معهم.

الثالث:
وضع صندوق في مكان مناسب لأهل البيت جميعا لتربيتهم على الصدقة فيضعون فيه كل يوم ما يتيسر ولو قليلا ثم في نهاية الشهر يتم فتحه والتبرع به، فهذا العمل يكسبهم قيمة الكرم والجود والبذل والصدقة وتذكروا دائما (اللهم أعط منفيا خلفا).

الرابع:
أن يوجد لقاء أسبوعي تربوي بين أفراد الأسرة لمدارسة تقوية العمل بهذه الفضائل وإحيائها والاستمرار على تطبيقها وذلك من خلال جلستهم الودية الاعتيادية.

الخامس:
توصيتهم بنشر ما يعملون به من هذه الفضائل على زملائهم وأقربائهم ليكسبوا أجر الدلالة على الخير ويكسبوا هذه القيمة وهي نشر الخير بين الناس وأنتم الرابحون قبلهم لأنكم الأصل في هذا.

السادس:
من المهم جدا جدا رؤيتهم لكم وعلمهم بكم أحيانا وأنتم تطبقون هذه الفضائل لأنكم موضع القدوة لهم فهم يجمعون بين السماع والرؤية في اكتساب هذه الفضائل مما يجعلها تثبُت لديهم وتتأسس في نفوسهم.

السابع:
كثرة الدعاء منكم لهم بأن الله تعالى يفتح على قلوبهم ويثبتهم ويرزقهم المزيد من فضله فإن الدعاء من أقوى الأسباب في قبولهم واستمرارهم.

أخي الكريم إن مثل هذه الأعمال الفاضلة تحتاج إلى أن تعمل بها الروح قبل أن تعمل بها الجوارح وإليك هذا الموقف العظيم، ففي ذات ليلة استضاف سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بعض طلبة العلم فلما جلسوا قال أحدهم: يا شيخ عبد العزيز أنت رجل كبير وكفيف وأعمالك كثيرة وجبارة وعظيمة ومتنوعة، هل تحس بالتعب منها؟ فقال رحمه الله رحمة واسعة كلمة تُكتب بماء الذهب وهي قوله رحمه الله: إذا كانت الروح تعمل فإن الجوارح لا تأكل.

قال: إذا كانت الروح تعمل فإن الجوارح لا تكل، حقا إنها كلمة عظيمة وجليلة ورائعة من هذا الإمام رحمه الله لو طبقناها في عباداتنا كلها لذهب الملل والتعب حصل من اللذة بعمل الفضائل الشيء الكثير، هذه الفضائل تتنوع من الأقوال والأفعال وأعمال القلوب فالموفق من وفقه الله تعالى للبحث عنها وتطبيقها.

أخي الأب وأختي الأم لعلي أسوق نماذج من هذه الأعمال والأقوال لعلكما وفقكم الله لكل خير تحرصان على تربية أسرتكم عليها وعلى أمثالها فأجركم مستمر ماداموا عاملين بها، فمن هذه النماذج:
- ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه البخاري. وقد لا يستغرق العمل بهذا الحديث الجليل دقيقتين وفي حديث سعد عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم (فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة .

ومثله ما ورد في البخاري ومسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي…) إلى آخر الحديث. وهذا قد لا يستغرق أكثر من عشر دقائق ونحو ذلك من فضائل الأقوال والأعمال كأذكار الصباح والمساء والأذكار بعد الصلاة ونحو ذلك وهي منتشرة بحمد الله في كتب أهل العلم وأيضا في كتيبات مستقلة، فاحرص على اقتنائها وتفعيلها واقتبس منها برامج فاضلة لنفسك ولأولادك فهي صدقة جارية لك.

فكم هو جميل أن يكون في كل أسبوع عمل أو قول فاضل يطبقه الأولاد طيلة الأسبوع ثم يضاف إليه عمل آخر في أسبوع آخر وهكذا ينتظم عِقد هذه الفضائل من الأقوال والأعمال وأيضا تعويد الأبناء والبنات على فضائل الأعمال كركعتي الضحى وصلاة الوتر وقيام ولو جزء يسير من الليل ونحو ذلك في أوله أو آخره أو قُبيل النوم، فإن لهذا وأمثاله تأثيرا عجيبا على سلوكهم وبرهم وسمتهم ومن الفضائل ما يتعلق في صلاة السنن الرواتب وهي ركعتان قبل الفجر وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (واعلم أنك لن تسجد الله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة ). فيا أيها الأب والأم الكريمان، مما لا شك فيه أن هذا كله بعد الحث والحرص على الفرائض من الأعمال وأهمها الصلاة فإذا صلحت صلح سائر عمله وإذا فسدت فسد سائر عمله. وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم أول ما يُحاسب العبد من عمله صلاته.

إن تشجيع الأبناء والبنات على إحياء قيمة الحرص على الفضائل من الأقوال والأعمال لا شك أن هذا سبب عظيم من أسباب الثبات على دين الله تعالى وسياج لهم من شياطين الإنس والجن وكسب للخير من أوسع أبوابه فاجعلوا أولادكم مشروعا عظيما لكم. ومن الفضائل أيضا فضيلة عظيمة للأبوين الكريمين أنفسهما.

فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات) إنها عظيمة جدا وجليلة يوفق الله تعالى إليها من يشاء من عباده فكونوا منهم، وهل تعلمون ماذا تفعل عشر دقائق تقومونها مع أولادكم قبيل الفجر؟ إن فيها من الفضائل الشيء الكثير ففيها الاستغفار فيكون صاحب ذلك من المستغفرين بالأسحار وفيها ركعتان في جنح الظلام وفيها دعوات ترفع في أفضل ساعة في وقت النزول الإلهي، وفيها غير ذلك من الفضائل وكم هو جميل جدا أيضا أن يقول عندما يستيقظ، ما ورد في حديث عبادة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) قال (فإن دعا أو قال رب لي استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته) رواه البخاري.

ما أجملها من لحظات وأطيبها من كلمات وأوفرها من حظ وأسعدها من نفوس تلك التي قامت مشتاقة لربها.
كم هو جميل أن يعتاد أفراد الأسرة ذلك كل هذا وغيره يأتي من التدريب والتدريج.
أخي الكريم إن كان العمل الدنيوي يحتاج إلى كد وتعب فإن العمل مع الأسرة وتربيتها أعظم أجرا وأحوج وأطيب.

وإليك أخي الكريم هذه المشاهد القصيرة المختصرة من داخل الأسر:

- فتاة في الثانوية تقوم ساعتين كل ليلة.
وشاب صغير يختم في كل ثلاث ليال.
وأحد الآباء يقوم كل ليلة بخمسة أجزاء من القرآن
وأحد الأمهات تصوم يوما وتفطر يوما
وأحد الشباب الصغار يأتي إلى صلاة الجمعة بعد صلاة الفجر مباشرة.
وإحدى الأمهات تسبح كل يوم عشرة آلاف تسبيحة
وشاب صغير في الحادية عشرة يحفظ القرآن وجزءا كبيرا من السنة
وأحد الآباء يختم القرآن كل يوم.
هذه وغيرها كثير هي من داخل الأسر فهل سنكون يوما من الأيام كهؤلاء؟ الأمر بعد توفيق الله تعالى سهل ويسير. إنها التربية على الفضائل.
أسأل الله تعالى لنا جميعا التوفيق والتسديد وصلاح القول والقلب والعمل. وإلى لقاء آخر. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

خالد الجريش
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية