اطبع هذه الصفحة


توجيهات أسرية (16) تحصين الأسرة والبيت

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد.
يقول الله تبارك وتعالى (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) إن هذه البيوت نعمة عظيمة من نِعم الله تعالى ، تسكنه تلك الأسرة وتتمتع فيه وتأوي إليه وترتاح فيه بعد سأمها وتعبها، وإن شيئًا بهذه المكانة يستحق منا البحث عما يحصنه ويحصن ساكنيه ويحفظهم، وهذا التحصين من الأهمية بمكان بل هو ضرورة شرعية وعُرفية حتى ننتفع بجميع وجوه الانتفاع بلا مكدرات ولا منغصات وإن وُجدت فهي قليلة مقارنة ببيوت وأسر لا تعرف التحصين، ويُقصد بالتحصين للأسرة والبيت هو: بذل الأسباب التي تكفل حفظهم بإذن الله تعالى من الشرور بأنواعها.
وقد يتعدد هذا التحصين تربويا وعقديا وعلميا وأمنيا ونفسيا، ولكن كل هذه الأصناف يجمعها السير على خُطى التوجيهات النبوية على صاحبها الصلاة والسلام ، فيتعين علينا معاشر المستمعين الكرام مراعاة ذلك والبحث عنه والقراءة فيه حتى تسود الطمأنينة والسكينة، وإن من مظاهر عدم التحصين كثرة الخلافات الأسرية والطلاق والجمود العاطفي وعدم الاستقرار ونحوها. وإذا كان ذلك كذلك كان لزاما علينا التعرف على وسائل التحصين وتطبيقها والمحافظة عليها ونشرها وإشاعتها. حتى يكون المجتمع مجتمعا مطمئنا مستقرا متفاهما.

ومن هذه الوسائل عشرون وسيلة للتحصين أسأل الله تعالى أن ينفع بها قائلها وقارئها وهي كما يلي:


أولا:
ذكر الله تعالى عند دخول البيت بقولك: "بسم الله" فهي كلمة يسيرة يحفظها الجميع فما أجملها حين يقولها الصغير والكبير عند دخولهم، وعند ذلك يقول الشيطان لجنوده: لا مبيت لكم، فهل يعجز أحد عن هذه الكلمة؟ لكنه النسيان والذهول وعلاجه بحمد الله الإكثار والتعاهد والتذكير.

ثانيا:
السلام على أهل البيت إذا دخل عليهم فإنها بركة كما يظهر مما يُروى في حديث أنس رضي الله عنه قال قال عليه الصلاة والسلام (إذا دخلت على أهلك فسلم تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك) وليُكمل السلام إذا سلم إلى البركة لأنه دعاء عظيم، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام (ثلاثة كلهم ضامن على الله) وذكر منهم (ورجل دخل بيته بسلام) ومعنى ضامن على الله أي: بحفظ الله تعالى ورعايته.

ثالثا
الصلاة النافلة في البيت، قال عليه الصلاة والسلام (أفضل صلاة الرجل ما كان في بيته إلا المكتوبة) وقال صلى الله عليه وسلم (فإن الله جاعل من صلاته في بيته خيرا) فالسنة أن تكون النوافل في البيوت إلا إذا اقترن بها قرائن تجعلها في المسجد فهو أفضل كأن يجد تشويشا في البيت أو انشغالا.

رابعا:
قراءة القرآن في البيت، فإن الملائكة تتنزل حينئذ لأنها تتلمس مجالس الذكر وقال عليه الصلاة والسلام (البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان) رواه مسلم، فاجعل لك مشروعا في بيتك أن تقرأ فيه سورة البقرة بشكل دوري ولو كان بالتناوب بين أفراد الأسرة بأي شكل من الأشكال كأن يقرؤها كل واحد مرة أو أن يقرأ أحدهم ويكمل الآخر ونحو ذلك.

خامسا:
إخراج الصلبان والصور والكلاب من البيوت، فإن هذه وأمثالها تمنع دخول الملائكة لهذا البيت وتُنقص من الأجور، قال عليه الصلاة والسلام (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة) وقال صلى الله عليه وسلم (من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية أو كلب حرث فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان) رواه البخاري ومسلم. فحري بالمسلم الابتعاد كل البعد عن ذلك فإنه إذا اتخذ هذه الأشياء لربما اجتالته الشياطين.

سادسا:
تطهير البيت من مزامير الشيطان الغناء، قال عليه الصلاة والسلام (ليكون أناس من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري فقوله (يستحلون) دليل على التحريم ومن ضررها أنها تزاحم القرآن والذكر في القلب والبيت، يقول ابن القيم رحمه الله : (حب الكتاب وحب ألحان الغناء - في قلب عبد ليس يجتمعان).

سابعا:
وضع حلقة قرآنية لأهل البيت ولو لصغارهم ولو كان العدد قليلا فهو خير تتنزل عليهم الملائكة وتنزل عليهم السكينة فهو سبب عظيم لجلب السكينة والطمأنينة للبيت وأهله.

ثامنا:
عدم ترك النار مشتعلة في البيت كما يفعله بعض الناس في الشتاء فيتركونها جمرًا وينامون، وقد ورد في الحديث (إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفؤها) وقد يدخل في ذلك بقاء الجوالات وقتا طويلا تشحن بالكهرباء مع امتلائها أو المهاتفة حال شحنها فإنه قد حصل من ذلك مصائب عظيمة وأضرار جسيمة.

تاسعا:
تحصين أفراد الأسرة بتعليمهم التوحيد وتحذيرهم عن الشرك قال الله تعالى في وصية لقمان لابنه (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) وقد يعملون أعمالا يظنونها صحيحة وهي خاطئة عقديا فواجب علينا تعليمهم وإرشادهم.

عاشرا:
إحياء قيمة تعظيم الله تعالى في نفوس أفراد الأسرة من خلال المخلوقات العظيمة والأحكام الشرعية وبيان معاني الأسماء الحسنى لله تعالى ونحو ذلك، فنظرة تأملية في خلق الله تعالى تعتادها الأسرة بين الفينة والأخرى تُعتبر درسا عظيما لإحياء قلوبهم.

الحادية عشرة:
تربية الأسرة على كثرة الدعاء واللجوء إلى الله تعالى والتوكل عليه في جميع شؤونهم ويحمدونه عند حصولها ونهايتها فيسألون الله تعالى جميع شؤونهم ويحمدونه عند تحقيقها فسيدعون ويحمدون الله تعالى بملايين المرات إذا كان هذا دأبهم وعادتهم.

الثانية عشرة:
تربية الأسرة على المحافظة على الصلاة وإقامتها صحيحة فإنها عمود الأمر وسنامه وهي من أهم إجراءات السكينة والطمأنينة والأمن النفسي وغيره، فإذا كانت تؤدى صحيحة بحضور قلب فإنها كافية شافية لعلل كثيرة ولها تأثيرها العجيب على السلوك القولي والفعلي فكان لزاما علينا معاشر الأولياء أن نفعل ذلك ونوجه من تحت أيدينا إليه بالتوجيه المناسب المتدرج وملاحظة ذلك بين الفينة والأخرى وعدم الغفلة عنه.

الثالثة عشرة:
أن يكون أهل البيت متآمرين بالمعروف ومتناهين عن المنكر، فإن ذلك من البر والشفقة ومن بر الوالدين أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر بالتي هي أحسن مع كامل التوقير والاحترام، وأيضا، من الشفقة على الأولاد، برهما ونهيهما بالتي هي أحسن فإن الأمر والنهي من أسباب الأمن والطمأنينة والسكينة والصلاح والإصلاح .

الرابعة عشرة:
استحداث درس تربوي لأهل البيت ولو في كل أسبوع مرة ولو لبعضهم فقد ورد في الحديث (إن لله ملائكة سيارة فضلاء يتتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا وحف بعضهم بعضا) فذكر في الحديث سؤال هؤلاء الجالسين الجنة واستعاذتهم من النار واستغفارهم، فقال في آخر الحديث (قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا) رواه مسلم، فاحرص على تحصيل ذلك الفضل العظيم لك ولذريتك.

الخامسة عشرة:
تثقيف الأسرة بالأحكام الشرعية وكل له أسلوبه وطريقته بالقراءة أو المناقشة أو الطرح وغير ذلك فتعليمهم هو من تحصينهم ووقايتهم من وقوعهم في الخطأ والخلل.

السادسة عشرة:
التربية على العبادة والتعاون في ذلك وشحذ الهمم ولو كان البرنامج الإيماني قليلا، فقد ورد أن أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوتر قال (قومي يا عائشة فأوتري) فعند البحث والتحري نجد أعمالا عبادية يسيرة وفضلها عظيم، لماذا لا يستثمر الأولاد من خلالها كصلاة الضحى وصلاة الوتر والأذكار ونحوها.

السابعة عشرة:
تحفيظ أذكار الصباح والمساء وبيان وقتهما وأهميتهما فهما حصن حصين من جميع الشرور والمكاره.

الثامنة عشرة:
تحصينهم بتربيتهم على الأخلاق الفاضلة والحميدة فكم من المشاكل الواقعية سببها الأكبر فقدان بعض الأخلاق الحسنة فسلوك الخُلق الحسن حصن من الوقوع في كثير من المشاكل.

التاسعة عشرة:
استيداع أهل البيت كلهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام (إن الله إذا استودع شيئا حفظه) صححه الألباني.

العشرون:
في الجلسات الاعتيادية لأهل البيت جميل أن يكون فيه ذكر لله تعالى ولو كان قليلا كذكر فائدة تربوية أو علمية أو تهليل أوتسبيح ونحوها، حتى لا يكون هذا المجلس عليهم حسرة يوم القيامة كما ورد في الحديث الصحيح، وأيضا كذلك يحتسبون كلماتهم الطيبة وابتساماتهم صدقات منهم على بعضهم فقد قال عليه الصلاة والسلام (والكلمة الطيبة صدقة) وقال صلى الله عليه وسلم (وتبسمك في وجه أخيك صدقة). فهذه المعاني لها أثر أثر كبير في التحصين النفسي والأسري.

أيها الإخوة الكرام ماذا تكون البيوت إذا تم تحصينها بذلك كله ونحوه؟ وماذا تكون لو خلت من هذا التحصين ونحوه؟ لا شك أن الفرق كبير والبون شاسع، والعاقل الحكيم يقدر الأمور وينظر في العواقب
فاستعن بالله تعالى على تطبيق ذلك وأمثاله حتى تكون الأسر في مجتمعنا أسرا متماسكة مطمئنة متفاهمة ليتذوقوا نعيم الراحة ولذة الوئام والانسجام، وتختلف الأسر في تفعيل ذلك ومدى إمكانيته، لكن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم والأمر يأتي بالتدريج، وعندما يبدأ ولي الأمر لهذه الأسرة ولو بشيء قليل فإنه يزداد وينمو، فيكون عملا جبارا كبيرا بإذن الله تعالى، فالبداية هي أول خطوات النجاح.
أسأل الله تعالى لنا جميعا الخير كله ونعوذ بالله تعالى من الشر كله
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
 

خالد الجريش
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية