اطبع هذه الصفحة


الدعاء للأولاد سر من أسرار النجاح والفلاح

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على نبيه ومصطفاه وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
كثيرون هم أولئك الذين دفعهم الحرص على صلاح أولادهم إلى سلوك وسائل مهمة في هذا الجانب، لكنهم قد يغفلون عن وسيلة هي من أقرب الوسائل وأكثرها وأسهلها، هذه الوسيلة لا تحتاج إلى عناء وتعب بل هي راحة الصالحين والمربين والعابدين تلكم الوسيلة هي وسيلة الدعاء للأولاد، وسأذكر على مسامعكم المباركة وقفات حول هذا الموضوع وعندكم الكثير غير أن هذه الوقفات هي مفتاح لتفعيل تلك الوسيلة.

الوقفة الأولى:
أهميتها، مما يجمع عليه المربون والناصحون والمرشدون أن مناجاة الله تعالى في جميع الأمور غاية في الأهمية، ومنها الدعاء والمناجاة في طلب صلاح الذرية، كيف لا وهو سلوك الأنبياء قال الله تعالى عن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) وهكذا الصالحون يرفعون أكف الضراعة إلى الله دائما في صلاح نياتهم وذرياتهم فقد قال الله تعالى عنهم في دعائهم (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) والواقع المعاصر يشهد بذلك فأحدهم كان أبناؤه حفظة لكتاب الله ولسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ويظهر عليهم الصلاح والتقى والهدى، فلما سئل عن ذلك قال كنت ملازما للدعاء لهم في كثير من الأوقات ولم أبذل أسبابا تذكر كما بذلت في الدعاء.

الوقفة الثانية:
كم هو جميل أن يتناقش الآباء والأمهات مع أقرانهم عن تلك الوسيلة وهي الدعاء للأولاد، في فتح بعضهم على بعض ويحفز بعضهم بعضا فالدعاء هو عبارة عن مناجاة لله تعالى في جميع الأحوال الممكنة بأن يصلح قلوب هؤلاء وأعمالهم ولو أن الأب والأم استداموا هذه الدعوة وهي (اللهم أصلح قلوب ذريتي وأعمالهم) لوجدوا خيرا عظيما، فربما وافقت ساعة إجابة وربما أفلح الدعاء وأخفقت بعض الوسائل الحسية.

الوقفة الثالثة:
عندما يدعو الوالدان لأولادهم ليس معنى هذا التخلي عن الأساليب الأخرى والاكتفاء بالدعاء وإنما يضم هذا إلى هذا فابذل الأسباب التي من خلالها يحصل ما دعوت به لصلاحهم وإصلاحهم.

الوقفة الرابعة:
مما لا شك فيه أن الأوقات الفاضلة للدعاء كآخر الليل وساعة الجمعة وبين الأذان والإقامة وفي السجود وغيرها من مواطن الدعاء هي أوقات يتعين على المهتمين أن يتحروها ويقصدوها، فيا أيها الوالدان الكريمان اجعلا نصيبا من قيامكم آخر الليل دعاء لذرياتكم وخصوهم وألحوا بياذا الجلال والإكرام فالله تعالى قريب مجيب وبادروا أيضا إلى صلواتكم لتدركوا الدعوات لهم بين الأذان والإقامة وأطيلوا في سجودكم مستثمرين ذلك بالدعاء لهم فلن تخيبوا والله تعالى هو جواد كريم.

الوقفة الخامسة:
عندما تدعو لذريتك لا تقصر الدعاء لهم فقط بل واشمل بذلك أولاد المسلمين، فإن هذا الدعاء هو من الدعاء بالغيب فالملك يقول آمين ولك بمثل، فلنتواص جميعا أن يدعو بعضنا لبعض ولنكثر من هذا ولنحرص عليه، ويقول أحدهم: إذا رأيت أحدا من أولاد المسلمين يعمل عملا مشينا، خصصته بدعوة خاصة آخر الليل فوجدت من ذلك خيرا عظيما فيهم وفي ذريتي.

الوقفة السادسة:
عجبا للدعاء للأولاد ما أيسره وأسهله وما أعظم أثره لمن استحضر ذلك، فأحدهم كان ملازما لذلك فاعلا لبعض الأسباب اليسيرة رزقه الله أكثر من عشرة أبناء وبنات كلهم حفظوا القرآن وظهر عليهم الصلاح والهدى، فالدعاء للذرية ينبغي أن يكون حاضرا في الذهن كل وقت، فهو لا يتضمن كلفة ولا مشقة، إنما هي كلمات مرفوعة من عبد ضعيف إلى رب غني كريم.

الوقفة السابعة:
من الجميل إشعار الذرية بأنه يدعو لهم ويناجي الله لصلاحهم فإن شعورهم هذا يلفت أنظارهم إلى هذا الجانب فيدعون هم لأنفسهم وليكن سجية لهم مع أولادهم لاحقا، ويستحضرون أيضا أن الدعاء سلاح ووسيلة عظيمة في ذلك المجال بل ويدعون هم لوالديهم حيث خصوهم بالدعاء فيكون الدعاء متبادلا بين الآباء والأولاد.

الوقفة الثامنة:
هذا الدعاء للأولاد يحتاج إلى صبر ومصابرة ومرابطة وعدم استعجال للإجابة حتى ولو لم يظهر صلاح عليهم، فاستدم الدعاء بل إن هذا يدفعك إلى الحرص أكثر من ذي قبل للحاجة الماسة إليه، وأما من كان أولاده صالحين فإنه يدعو لهم مزيدا على ذلك بالثبات والإصلاح، فإن الصلاح أخص من الإصلاح، والإصلاح أعم من الصلاح، فليحرص الجميع على توريث الأولاد الصالحين المصلحين، ليكونوا صدقة جارية لوالديهم.

الوقفة التاسعة:
إياك والدعاء عليهم عند الضجر منهم فإنك قد تدعو بساعة غضب عليهم تندم عليها ساعات وسنوات وتتمنى أنك لم تفعل، فاحذر هذا أشد الحذر ولا يغوينك الشيطان في شيء من الدعاء عليهم فكن بعيد النظر ولا تستغلق ذهنك بساعتك الحاضرة، واعلم أن الألفاظ متقاربة في الدعاء لهم أو عليهم غير أن الأولى خير في الدارين والثانية ليست كذلك، فالدعاء عليهم هو إحدى الدعوات الاستجابات، وهي دعوة المسافر، ودعوة المظلوم، ودعوة الوالد على ولده، وإن من المشاهد في الواقع المعاصر مآسي حصلت بسبب دعاء الوالدين على أولادهم، فاحذر ذلك يا رعاك الله.

الوقفة العاشرة:
عليك بحثهم أن يدعوا هم بأنفسهم فإن تربيتهم على ذلك مطلب تربوي كبير، بل وقد يكون ذلك ناهيا لهم عن الفحشاء والمنكر فهو إذا دعا لنفسه استحضر ما يتطلبه ذلك الدعاء من المعروف والفضائل.

الوقفة الحادية عشرة:
من مآثر السلف ما ورد عن الفضيل بن عياض رحمه الله، حيث بذل جهودا مع ابنه لصلاحه فعجز عن ذلك فقال (اللهم إني عجزت عن تأديب ابني عليا فأدبه أنت لي) وما ورد عن ابن دقيق العيد رحمه الله أنه هو وزوجته متجهان إلى الحج فولدت زوجته في طريقها فلما وصل إلى مكة طاف هو بابنه عند الكعبة وقال (اللهم اجعله عالما عاملا) ومآثر السلف كثيرة في دعواتهم لأولادهم في صلاحهم وإصلاحهم، فلنقتد بهم.

هذه وقفات سريعة مع هذا الموضوع المهم تربويا مع أولادنا، ولعله من المناسب إذا رأيت أولاد صاحبك يظهر عليهم الصلاح أن تتحاور معه عن سبب ذلك فلتقتبس شيئا من أسباب بذلها لعل الله أن ينفع بها أولادك.

أسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وقلوبهم وأعمالنا وأعمالهم وأن يجعلهم قرة عين لوالديهم، صالحين مصلحين، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين


 

 
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية