اطبع هذه الصفحة


مشروع الهدي النبوي في السلوك الأسري

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خير البرية أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد:
كم هو جميل جداً أن تكون الأسرة متمثلةً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فتهتدي وتقتدي وتطمئن وتهدأ وتنشرح وتبتهج كيف لا وهديها هدي خير البشر صلى الله عليه وسلم الذي إن هو إلا وحي يوحى فيا بشراهم على حسن حالهم دنياً وأخرى، وإن مشروع الهدي النبوي في الأسرة تدعو إليه الحاجة كل وقت لا سيما في الأزمنة المتأخرة، وسيكون الحديث عن ذلك المشروع الأسري الناجح لمن وفقه الله إليه من خلال تلك النقاط التالية:

النقطة الأولى:

إن هذا المشروع مشروع ناجح لا يعرف الفشل إذا تم تطبيقه وتخطيطه والتفكير فيه، وهو غاية في الأهمية حيث إن الفطرة تدعو إليه والحكمة من الخلق تصبو إليه، فتأمل معي أخي المستمع الكريم تلك الأسرة التي هي تحاول وتحاكي حياة الرسول عليه الصلاة والسلام في حياتها اليومية، كم تكون سعادتها وكم يقوى ارتباط بعضهم ببعض، وكم حجم توافقهم حيث تربوا على ذلك الهدي النبوي، فما أجمله من مشروع يستحق العناية ويُستسهل فيه الجهد الكبير، فلعل الوالدين الكريمين يبدآن بذلك المشروع بداية جادة فهو صدقة جارية لهما. النقطة الثانية: إن علو الهمة عند الوالدين والصبر والتحمل وبذل الجهد في تفعيل ذلك المشروع مهم جداً في نجاحه بإذن الله تعالى، فلما كانت المخرجات عظيمة كان الجهد المبذول مماثلاً لحجم تلك المخرجات فاصبرا وابذلا، واعلما أنكما في أجر مستمر لا ينقطع بإذن الله تعالى، وذللا العقبات بما أمكن، فالعمل كبير والنتائج أكبر بحمد الله عز وجل.

النقطة الثالثة:

إن تطبيق ذلك الهدي النبوي يحتاج من الوالدين الكريمين دراسته أولاً والتأمل فيه ثم التخطيط والترتيب لتنفيذه وتفعيله داخل الأسرة، ومن الممكن أيضاً أن يجتمع في ذلك التفعيل والدراسة والتخطيط أكثر من أسرة لتتلاقح الأفكار، ويشرف على هذا التطبيق والتنفيذ الاجتماعات الدورية بين أرباب تلك الأسر، فيوضع البرنامج على مراحل تكاملية كل مرحلة تمهد لما بعدها مبتدئين بالتوعية لأهميته ثم تنزل البرامج للميدان العملي داخل الأسرة بالتدريج الأسهل فالأسهل فيمكن في البداية حفظ الأذكار الدورية في اليوم والليلة خلال مدة معينة كنصف شهر مثلاً، فإذا اطمأنت الأسرة على حفظ تلك الأذكار ومزاولتها في أوقاتها يمكن الانتقال إلى الواقع الإيماني الآخر بما يسمى أعمال اليوم والليلة، كالتوعية بضبط الصلوات الخمس والمحافظة عليها وما يتبعها من نوافل ورواتب، وأيضاً كذلك التطوعات المقيدة كصلاة الضحى والوتر والسنن الرواتب وغيرها، ثم الجانب الإيماني الآخر المتعلق بالصيام، ثم الجانب الثالث المتعلق بأعمال القلوب، ثم بعده الواقع الخلقي في الأفعال والأقوال إلى غير ذلك. ثم تتتابع البرامج بعد هذه البرامج الخلقية والإيمانية، فإذا تلاقحت الأفكار على تحريره خرج بصورة مناسبة لتلك الأسرة حسب حاجتها ومحيطها، فليحتسب الوالدان الأجر في ذلك فهو دعوة عظيمة لفلذات أكبادهم.

النقطة الرابعة

إن لهذا المشروع مخرجات جليلة على الأسرة في الحاضر والمستقبل، فمن ذلك العلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فيعلمونها تفصيلاً وجملة، وكذلك أيضاً العمل بها والاقتداء به عليه الصلاة والسلام، وأيضاً من ذلك الأجور العظيمة التي يحصل عليها من عمل بها من الأولاد، وأيضا من دلهم عليها من الوالدين، وأيضا من مخرجات هذا المشروع أنه من أهم أسباب الثبات على الحق، فمن اهتدى واقتدى ثبت أيام الفتن، وكذلك من المخرجات تصحيح التصورات والتصرفات، وأن
يكون الفهم للسنة سليماً موافقاً للصواب مع ما يصاحب ذلك من السكينة والطمأنينة والخير العظيم لمن جعل الهدي النبوي سلوكاً له، إلى غير ذلك من المخرجات التي يطول حصرها.

النقطة الخامسة:

قد يعتري الوالدين كمشرفين على المشروع عقبات لديهم أو لدى أولادهم، فالموقف تجاه تلك العقبات هو تذليلها ومناقشتها وعدم الاستسلام لها، وكلما كان التخطيط للمشروع ذا مستوى عالٍ صارت العقبات قليلة للمناقشة والاستشارة فيها، فإن تلك المناقشة والاستشارة تذلل تلك العقبات.

النقطة السادسة:

قد لا ينجح المشروع مائة في المائة، لكن لا ننس أن النجاح تسعين في المائة هو في دائرة النجاح الممتاز، وكذلك النجاح في الثمانين بالمائة هو نجاح كبير، وما دونه أيضا يعتبر نجاحا، فلا تيأس، حتى لو كان النجاح متدنياً فالثمرة موجودة ويمكن أيضاً تلافيها وتسديدها بنقاط أخرى مماثلة.

النقطة السابعة:

التشجيع والتحفيز اللفظي والمالي والحسي للأولاد خلال تنفيذهم وتطبيقهم للمشروع هو من الضرورة بمكان ولو على اليسير من التطبيق والتنفيذ، لأن كلمات التشجيع تبني النجاح والاستمرار بإذن الله عزوجل. كما أنه يمكن أن يرصد لهذا المشروع ميزانية مقترحة من قبل الوالدين إعداداً وتشجيعاً وتحفيزاً، وهي بإذن الله تبارك وتعالى مخلوفة عليهم، وأيضا هي في تربية أولادهم وهي أيضاً في سبيل الله عزوجل. وربما كانت تلك الميزانية أهم من بعض ما يُصرف على المآكل والملابس ونحوها.

النقطة الثامنة:

ناقش هذا المشروع مع من تراه مناسباً من التربويين، فلربما فتح عليك آفاقا وتجارب تخدمك وهي غائبة عنك، وربما اختصرت عليك الكثير.

النقطة التاسعة:

قد لتسلسل ذلك المشروع إلى الأحفاد وأحفادهم، فيكون سلسلة إيمانية نبوية في عمق تلك الأسرة المباركة، فيكون صدقة جارية للوالدين الكريمين، فإن بُعد النظر مهم جداً في مثل هذه المجالات، وذلك من خلال توصية الأولاد بمتابعته مستقبلا، ولهذا نظائر تربوية وإيمانية عند كثير من الأسر موروثة من آبائهم وأجدادهم، وهي موافقة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

النقطة العاشرة:

إن من الممكن عند نجاح ذلك المشروع نشره للآخرين بالطريقة الممكنة المجالس ووسائل التواصل أو تحريره بكتيب وطباعته أو إعلانه إعلامياً ونحو ذلك، فهذا من الدلالة على الخير التي قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم.

النقطة الحادية عشرة:

علينا الاهتمام بنزع السلبيات من الأقوال والأفعال المخالفة للهدي النبوي، حيث إن التخلية من السلبية مهمة جداً في هذا المجال، فتأثيرها السلبي كبير، وقد يكون من السلبيات أن يصاب الوالدان أو أحدهما بشيء من الوهن واليأس عند تطبيق ذلك في أولادهم، فأهمس في آذان الوالدين أن التوفيق بيد الله تبارك وتعالى وليس بيدكما أنتما إلا العمل والسبب فاعملا السبب. واستحثا الخطى وابذلا جهدكما والخير من الله تبارك وتعالى سيتتابع عليكم وعلى أولادكم بإذن الله عز وجل.

النقطة الثانية عشرة:

ربما حصل خطأ من الأولاد خلال التطبيق للمشروع فلا تنفعل كثيراً وتغافل أيضاً نسبياً فيما يمكن التغافل عنه، وكن بعيد النظر فهذا من صفات العاقل الحصيف، وأنت بإذن الله تعالى كذلك.
اللهم أصلح نيتنا وذرياتنا واجعلهم قرة عين لنا ولأمتهم يا كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 

 
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية