اطبع هذه الصفحة


فروق بين التربية الأسرية والرعاية الأسرية

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
يقول الله تبارك وتعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) إن هذه الزينة هي نعمة من الله تبارك وتعالى يهبها من يشاء من عباده، قال الله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) الآية. وحتى تكتمل تلك الزينة في الأولاد فلا بد من معرفة ما يجب تجاههم في أمور دينهم ودنياهم، لأنهم يُرجى أن يكون لوالديهم مثل ما يعملون من الخير لأنهم من كسبهم، وهم السبب في وجودهم، وانطلاقاً من الرغبة الكاملة في نفوس الوالدين في حصولهم على مستوى أكبر من الخير في تلك الذرية، وأيضاً كذلك نظرا ًللواجب الشرعي عليهم في تربيتهم ورعايتهم، فإنه لا بد من معرفة كيف تكون الرعاية وكيف تكون التربية، وثمة فروق بين هذا وذاك، وهو ما سأطرحه عليك أخي المبارك من خلال الوقفات التالية:

الوقفة الأولى:

إن بعضاً من الآباء والأمهات قد لا يفرقون بين التربية والرعاية، فربما قاموا بحق الرعاية وظنوا أنها تربية، والحقيقة أن هذا المفهوم الخاطئ يجب أن يُصحح من خلال الجلسات واللقاءات والكلمات والبرامج التربوية حتى يتبين جلياً ما بينهما من فروق فيراد بالرعاية ما يخصُّ الطعام والشراب والكسوة والسكن وسائر الخدمات الدنيوية.
أما التربية فهي ما يخص القلوب والعقول والأفكار والسلوك والأخلاق، فلا بد من هذا وهذا وكلاهما تكاملي، فإن معرفة الوالدين لهذا الفرق يجعلهما يقومان بالواجب على تمامه من دون بخس في شيء منهما، فالنقص الواجب فيهما هو خدش في تطبيق قوله عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).

الوقفة الثانية:

إن كلاً من التربية والرعاية أمرٌ غاية في الأهمية فالرعاية عليها مدار الحياة والمعيشة بإذن الله تعالى، والتربية عليها مدار تغذية العقول والسلوك وتزكية النفوس بإذن الله عز وجل، وكل منهما أهم من الآخر من جانب دون جانب والقضية تكاملية بينهما، فالتقصير بأحدهما خلل في الحياة، فكان لزاماً على الآباء والأمهات مراعاة الأمرين جميعاً وعدم إغفال أحدهما على حساب الآخر.

الوقفة الثالثة:

من النماذج في الرعاية توفير المأكل والملبس ونحوهما من ظروف المعيشة، لكن من دون إسراف ولا تبذير حتى لا يُصاب الأولاد بمرض الترف والمخيلة.
ومن النماذج في التربية استحداث برامج تربوية أسرية يتعرفون من خلالها ما يجب عليهم من أمور دينهم وأخلاقهم، فعلموهم الأذكار اليومية لتزكوا أنفسهم وعلموهم الأخلاق ليحسن تعاملهم، وعلموهم الطهارة والصلاة ليقيموها خير قيام، وغير ذلك من المشروعات التربوية، ويجمع ذلك كله بإذن الله تعالى عقد حلقة ذكر في البيت تكون أُعدت لهذا الشأن، وهي غير الجلسة العائلية الدورية، فهذه الحلقة التعليمية هي الأصل في التربية يتلقون فيها ما يمكن أن يطرحه الآباء والأمهات عليهم، وتكون تلك الحلقة مبرمجة وفيها اهتمام بالغ في تفعيلها وحضورها، ثم ما عدا ذلك من الجلسات والمناسبات وغيرها تكون عاملاً مساعداً وميداناً للتدريب على ما تلقوه في تلك الحلقة.

الوقفة الرابعة:

بعض الأولياء يُحدِّث نفسه بنفسه قائلاً بأنه قام على الرعاية فيما يخص الأمور المعيشية ووفر لهم كل ما يحتاجونه، وظن أنه بهذا قام بتربيتهم وهو في الحقيقة قام برعايتهم، أما تربيتهم فهي كما سبق تخص عقولهم وأفكارهم وسلوكهم وأخلاقهم.

الوقفة الخامسة:

إن التقصير والإخلال في جانب التربية هو أشد بكثير من النقص والإخلال بجانب الرعاية، فما يخدش التربية هو أشد مما يخدش الرعاية لأنهم خلقوا لعبادة الله تعالى، فهي الحكمة من خلقهم لأن الرعاية وهي المعيشة قد تكون بأدنى الكماليات أحياناً، وأما التربية فهي الأصل والأساس الذي يجب أن تكون نسبة الكمال فيه كبيرة والاهتمام به أعظم.

الوقفة السادسة:

إن حقيقة التربية ومخرجاتها الطيبة تحتاج إلى شيء من التخطيط والتأمل بخلاف الارتجالية، فالبعض قد لا يُكلف نفسه عناء التخطيط في قضية التربية، فهو قد يكتفي بالدعاء وهو لا شك أمر هام، لكن لابد أن يضم معه سبلاً وأسباباً يسلكها لصلاح ذريته وتربيتهم.

الوقفة السابعة:

إن التربية للأولاد بمعناها الصحيح هي امتداد للأجور والحسنات التي ينالها الآباء والأمهات حال حياتهم وبعد مماتهم، فإذا تربى الأولاد على الفضائل من الأقوال والأعمال فلا شك أنهم سيدعون لوالديهم ويتصدقون عنهم، ويبرونهم أحياءً وأمواتاً، أما إذا لم يتربى على ذلك فقد ينس الأولاد ذلك أو ينشغلون حيث لم يتربوا عليه فيا معاشر الوالدين إن تربيتكم لهم الآن هو امتداد لحياتكم أطال الله أعماركم على عمل صالح.

الوقفة الثامنة:

من النماذج الحية في مجتمعنا ولله الحمد وهي كثيرة أنه كان أحدهم مهتماً بأولاده وتربيتهم، فحفظ أبناؤه وبناته القرآن وشيئاً من السنة، ولم يزوج أحداً منهم إلا وهو حافظ لكتاب الله تعالى أرأيتم ذلك النموذج هل أتى من فراغ أو من غير تعب؟! لا شك أنه خلف ذلك المُخرج عمل جبار وتخطيط دقيق، ولذلك حاز صاحبنا تلك النتيجة، فلا بد من مناقشة الوالدين فيما بينهما عن الآلية في تربية تلك الذرية.

الوقفة التاسعة:

لا تسرف في الرعاية وهي المعيشة وكأنها هي الهدف، ولكنها في الحقيقة وسيلة إلى التربية، فإذا تحققت لهم الرعاية فعليك بالاهتمام الكبير بالجانب الأهم وهو التربية في صلاح قلوبهم وعقولهم، فأولادك يعكسون تربيتك في الغالب في الصلاح أو عدمه.

الوقفة العاشرة:

قد يقول بعض الآباء أو الأمهات بذلنا الجهد في صلاحهم ولم يُكتب ذلك، وحول تلك العبارة أقول هل هذا الجهد مرتباً أو ارتجالياً؟ وهل تم تقييمه مع الوقت أم لا؟ وهل تمت مناقشة الملاحظات على هذا الجهد مع المستشارين التربويين أم لا؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي توضح هذا الجهد وحقيقته.

فيا أخي ولي الأمر أسأل الله تعالى أن يبارك في جهدك وأقول لك لا تيأس وابذل الجهد والجهد، وقم بزيارة التربويين واعرض عليهم ما يشكل عليك تجاه أولادك وناقش معهم واستثمر تلك العقول، وادعو الله تبارك وتعالى ليلاً ونهاراً وستفلح بإذن الله عز وجل بتحقيق ما تريد.

فالأولاد يحملون في صدورهم الفطرة، وهم بإذن الله تعالى قريبون من الخير، وقد تأسس الخير في صدورهم بحمد الله تبارك وتعالى، فما عليك إلا إيقاد تلك الجذوة من الخير في نفوسهم، وستجد ما يسرك، لكن اصبر وصابر فهؤلاء منك وهم من كسبك وليسوا غرباء، تستبدلهم بغيرهم، فالزم تلك الطريق تفلحُ وتنجح بإذن الله تبارك وتعالى.

اللهم أصلح نيتنا وذرياتنا وقلوبنا وأعمالنا وبارك في الجهود والأسباب وانفع بها نفعًا عظيمًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

 
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية