اطبع هذه الصفحة


الجنة دار المتقين

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه وعلى آله وصحبه ومن والاه

إذا صح الإيمان تعلق القلب بالجنة، يسرح بالنظر فيها بين أملاكها وقصورها وحورها وولدانها وأنهارها وفواكهها، وما أعظم ما فيها وهو رؤية الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه، فكل شيء تراه في هذه الدنيا ويعجبك بعظمته وجماله وتمامه ويسترعي نظرك ويشد انتباهك، فاعلم أن في الجنة ما هو أعظم منه وأجل، قال ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، قال: وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدا وسيق المجرمون إلى جهنم وردا، ونادى المنادي على رؤوس الأشهاد ليعلم أهل الموقف من أولى بالكرم من بين العباد، فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما أعد الله لهم من الإكرام، وادخر لهم من الفضل والإنعام، وما أخفى لهم من قرة أعين لم تقع على مثلها بصر، ولا سمعته أذن، ولا خطر على قلب بشر، لعلم أي بضاعة أضاع، وأنه لا خير له في حياته، وهو معدود من سقط المتاع، وعلم أن القوم توسطوا ملكا كبيرا لا تعتريه الآفات، ولا يلحقه الزوال، وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال، فهم في روضات الجنات يتقلبون، وعلى أسرتها يتنعمون، وبأنواع الثمار يتفكهون، ( يطوف عليهم ولدان مخلدون* بأكواب وأباريق وكأس من معين* لا يصدعون عنها ولا ينزفون* وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون* وحور عين* كأمثال اللؤلؤ المكنون* جزاء بما كانوا يعملون)
﴿يُطافُ عَلَيهِم بِصِحافٍ مِن ذَهَبٍ وَأَكوابٍ وَفيها ما تَشتَهيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعيُنُ وَأَنتُم فيها خالِدونَ﴾ [الزخرف: ٧١].
فتأمل أخي الكريم تلك الأوصاف العظيمة التي وصف الله تعالى بها أهل الجنة، فيا عجبا من سفيه في صورة حليم آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس، وباع جنة عرضها السماوات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات، وباع مساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها البوار والخراب، وأبكارًا عُربا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات دنسات سيئات الأخلاق مسافحات، أو متخذات أخدان، وباع لذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم، وباع سماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف من الغناء والألحان، وباع الجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد.
ونادى المنادي يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا وتحيوا فلا تموتوا وتقيموا فلا تظعنوا وتشبوا فلا تهرموا. انتهى كلامه رحمه الله.

فهل يتذكر المؤمن إذا تطلعت نفسه إلى النساء والصور هل يتذكر حور الجنة التي لو اطلعت الواحدة منهن على الأرض لملأت ما بين السماء والأرض ريحا طيبة ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها وهل نتذكر إذا رأينا قصور الدنيا وفخامتها هل نتذكر بأن أدنى أهل الجنة منزلة من يعطى مثل الدنيا وعشرة أمثالها
يقول ابن القيم رحمه الله في الميمية:


فحي على جنات عدن فإنها
منازلك الأولى وفيها المخيمُ
وحي على روضاتها وخيامها
وحي على عيش بها ليس يسأم
وحَيِّ عَلى يَوْمِ المَزيْدِ فإنّهُ
لموعد أهل الحب حين يكرموا
يرون به الرحمن جل جلاله
كرؤية بدر التم لا يتوهم
أو الشمس صحواً ليس من دون أُفقها
سحابٌ ولا غيم هناك يغيم
فما ظفرت بالوصل نفس مهينة
ولا فاز عبد بالبطالة ينعمُ
فدعها وسل الطرف عنها بجنة
من العلم في روضاتها الحق يبسمُ


نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهل الجنة ووالدينا والمسلمين، وأن يجيرنا من النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.



 

 
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية