صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الخبيئة من الأقوال والأعمال

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد.

إن الأعمال الصالحة هي ميدان فسيح وذلك لسعة فضل الله تبارك وتعالى على عباده، حيث شرع لهم أعمالا وأقوالًا يتقربون بها إلى الله عز وجل، وهذه الأعمال فيها ما هو مُشاهد للآخرين كالصلوات الخمس وأعمال المناسك والدعوة إلى الله، ومنها ما هو خفي بين العبد وربه لا يعلم به إلا الله، فهو من خفايا الأعمال، وهذا هو ما يقصد بالخبيئة، وهي العمل الصالح الخفي بين العبد وربه، لا يعلم به الناس، وهو أقرب إلى الإخلاص والقبول، وهو مما يصلح الله عز وجل به القلب و تزكو به النفوس، وهذه الخبايا من العبادات هي عبادات الخفاء، فهي من أهم الأسباب للثبات على دين الله تبارك وتعالى، ومن أمثلة خبايا الأعمال والأقوال ما يلي:

أولاً/
صلاة الليل حيث يقوم في ظلمة الليل لا يعلم به إلا الله، فيغلق عليه باب غرفته، ويقف أمام الله تبارك وتعالى قائماً وساجدًا وراكعًا داعيا ومبتهلا، فهو في عبادة سر بينه وبين الله عز وجل، فما أسعده وأشرح صدره وأزكى نفسه، حيث خلا بالله عز وجل، في حين أن الكثيرين على فرشهم أو في لهوهم.

ثانياً/
من الأعمال الخفية صدقة السر التي لا يطلع عليها الناس، فهي من الغني إلى الفقير مباشرة، وربما وصلت إلى الفقير من حيث لا يعلم من أين هي، فهذه الصدقة هي من خبايا الأعمال، وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) متفق عليه.
ولعل مما يدخل في هذا العمل المقترح الآتي: وهو أن يضع أهل البيت حصالة في مكان معين من البيت يكون للصدقة بالقليل والكثير، ثم يُدفع بشكل دوري للفقراء، وربما أن أحدهم وضع فيه شيئاً من المال من حيث لا يراه أحد من البشر فتكون خبيئة عمل صالح له ولو كان قليلاً جداً.

ثالثاً/
من الأعمال الخفية ذكر الله تبارك وتعالى والإنسان خاليا لوحده في بيته أو سيارته أو متجره أو طريقه راجلاً أو راكباً ونحو ذلك، فهذا الذكر على تلك الحال لا يعلم به إلا الله عز وجل، فهو خبيئة عمل يرجو برها وذخرها، وما أيسرها وأسهلها على الموفقين، وما أعسرها على المحرومين، فهي فقط تحريك اللسان بذكر الله تبارك وتعالى، ولا تحتاج إلى جهد وتعب، ولكنها تحتاج إلى نوع من المجاهدة، وإذا اعتادها صارت سجية له في عموم أحواله.

رابعاً/
من الأعمال الخفية التأمل في خلق الله تعالى، فهو ينظر إلى السماء والأرض والجبال والنفس والنجوم والشمس والقمر وغيرها من المخلوقات، ينظر إليها نظرة تأمل وتفكر ليقوى إيمانه، ويزداد يقينه بعظمة الخالق، فهو يفعل تلك الأفعال، ولا يشعر الناس به، فهو ظاهر لهم، لكن عمله خفي عنهم.

خامساً/
من الأعمال الخفية أن يقرأ آية من كتاب الله تعالى فيخشع قلبه وتدمع عينه خوفاً ورجاء من الله عز وجل، فلا يعلم أحد بتلك الدمعات النازلة من عينيه إلا الله عز وجل، فهو خبيئة عمل صالح.

سادساً/
من الخفايا من الأعمال الصالحة صيام بعض أيام النفل كالاثنين والخميس ونحوهما، فهو صام حيث أفطر الناس ويمازجهم ويخالطهم وهو صائم، فلا يعلمون عن حاله، فقد أخفى هذا العمل عن أعينهم وأنظارهم، فما أسعده بتلك الخبيئة الصالحة بينه وبين الله عز وجل.

أخي الكريم إن هذه العبادات وأمثالها من عبادات السر كان السلف الصالح يعتنون بها أشد العناية لأنها عبادات الخلوات، فهي من أهم أسباب الثبات، وهذه العبادات السرية والخفية هي الوقود بإذن الله تعالى للأعمال الأخرى المتعدية الظاهرة، فإذا كان الإنسان مكثراً من هذه الأعمال في السر والخفاء فهو يرجى له أن يكون إخلاصه في الأعمال الظاهرة أقوى من غيره لأن لديه من أعمال السر ما يزيده بإذن الله تعالى إخلاصاً وقصدًا حسناً لوجه الله عز وجل.

أخي الكريم اجعل لك أعمالاً هي خبايا بينك وبين الله، فهي أدعى وأقرب للقبول وأزكى للنفس، وأبعد عن الرياء والسمعة والعجب، وأبقى وأنقى، فهي أفضل من الأعمال الظاهرة من حيث الإخلاص وقوته، وأما الأعمال الظاهرة فهي أقوى من حيث القدوة والاقتداء، فجاهد نفسك على هذا وذاك لعلك تحظى بكلا الأمرين توفيقاً من الله تبارك وتعالى.
أسأل الله تبارك وتعالى لي ولك الهدى والتقى والسداد والرشاد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية