اطبع هذه الصفحة


الكلمة الطيبة

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد.

اللسان هو إحدى الجوارح التي يجري عليها الخير والشر أكثر من غيرها من الجوارح، ولهذا كل الجوارح تقول للسان اتق الله فينا، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا، وهو من أيسر الجوارح حركة، وربما من أكثرها وزرا أو أجرًا ، ولهذا أوضح النبي صلى الله عليه وسلم جانبا من جوانب استثمار تلك الجارحة بقوله عليه الصلاة والسلام: (والكلمة الطيبة صدقة) وحيث إن تلك الجارحة هي من أكثر الجوارح استعمالا في حياة الإنسان، فكان لزاما أن يكون لفظها طيباً حتى تسلم النفوس، وتطيب القلوب، ويكثر الخير، ويزول الشر، ولهذا يقول الشاعر:

عود لسانك قول الخير تحظى به
إن اللسان لما عودت مُعتاد

فالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وقراءة القرآن، والحوقلة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها كثير هي من عمل اللسان ومن الكلمات الطيبة، وهذا مما هو بين الخالق والمخلوق، ويبقى قسم آخر مهما جدا وهو ما بين المخلوقين من التعامل كالبيع والشراء والمجالسة والمخالطة والمؤانسة ونحوها، فيلزم أن تكون موصوفة بالطيّب من القول وموسومة به، فلا غش وخداع في البيع والشراء، ولا غيبة ونميمة في المجالسة والمخالطة، ولا تعييب على أحد قدر الله تعالى عليه شيئا من المقادير، وليعلم أولئك المخالفون أنهم جعلوا تلك المخالفات جسرا لنقل حسناتهم منهم إلى غيرهم، فوالله لو أن هؤلاء المخالفين شعروا بذلك حقا لأقلعوا عما قالوا وفعلوا، فعود لسانك أخي الكريم بألا يُسمع منك إلا الكلام الطيب مع زوجك وأولادك وجارك وقريبك، وكذلك مع الدائرة العامة من المسلمين، فما الذي يضيرك أن تكسب الخير من أوسع أبوابه وتكفر عنك السيئات ولا يعلم الناس عنك إلا خيرا، إن كلامك الطيب هو شعارك الذي تعرف به عند ذكرك، وهو شهادة من الناس لك والناس شهود الله في أرضه، فإن حاججت أحدا فبأدب وإن جادلت فبحكمة واتهم رأيك أحيانا، ولا تزكي نفسك في كل رأي تطرحه، وتقبل وجهات نظر الآخرين، وناقشها معهم بأدب وتجرد لطلب الحق، فإن تلك المعاني والمفاهيم تذللها لك بإذن الله الكلمة الطيبة والقصد الحسن، أما من كان كلامه مخلوطا بين الشر والخير والطيب والخبيث، فإن تلك المفاهيم الطيبة قد تختلف عنه، وقد لا يجدها حين يبحث عنها، واعلم أن النفس تتذلل لصاحبها وهي معه حسب ما يربيها عليه، فالحليم كان كذلك بالتحلم، والعالم كان كذلك بالتعلم، وهكذا النفس هي لصاحبها حسب المركب الذي جعلها عليه، فتأمل مجالس الناس وأفعالهم وأقوالهم، واختر أطيبها ليجتمع فيك الخير من الأقوال والأفعال، فأنت بذلك تكسب من كل مجلس خصالا من الخير، فستجتمع فيك المحاسن عما قريب بإذن الله تعالى.
وعندما يبدر منك كلام سيئ فإن الاعتذار عن الخطأ هو شجاعة وقوة وبقاء على المودة والأخوة، فكن كذلك، فقد يصعب الاعتذار أول الأمر وقبله، لكنه عسل وحلو المذاق بعد ذلك، وهذا أثبتته تجارب الناس المعتذرين عن أخطائهم، بل وحاول بكلماتك الطيبة أن تكسب الآخر ولو لم يكن الخطأ منك كاملا، وذلك حفاظاً على الوصال وكريم الفعال وسداً لمداخل الشيطان.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمنا ذكره وأن يجنبنا معصيته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 

 
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية