اطبع هذه الصفحة


أهمية غض البصر عما حرم الله

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه وعلى آله وصحبه ومن والاه

إن نعمة البصر نعمة عظيمة لا يدركها إلا من فقدها، فكم نرى من المضايق التي قد يقاسيها من حُرمها شفاهم الله وكتب أجورهم، فيجب علينا شكر تلك النعمة وذلك بصرفها في طاعة الله تبارك وتعالى وصيانتها عما حرمه عز وجل.
فغض البصر من أهم الأسباب التي تحفظ القلب بإذن الله عز وجل عن التعلق بالصور المحرمة، فيسلم القلب من أمراض الشهوات، ويظل صحيح الإيمان يتذوق حلاوة الطاعات، لأن القلب متعلق بربه، وهذا يوسف عليه الصلاة والسلام لما كف نفسه عن السوء وجوارحه عن المعصية حماه الله عز وجل وصرف عنه السوء والفحشاء، قال الله تعالى: (لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين).
وأما من سمح لبصره وأطاع نفسه بإرخاء العنان لها هنا وهناك مرة إثر مرة، فالنفس تريد شهوة النظر، فالعين تتلذذ والقلب يولع بالمناظر الحسنة، ولكنه الشر المستطير والآفة الخطيرة، حيث يُسبى القلب ويتعلق ويتألم ويقع الحب والغرام والوله والعشق والهيام، ثم لا تسل عن حال صاحبه مع العبادة والقرآن والخشوع وبهاء الوجه وصفاء القلب، ولهذا يقول الشاعر:

وكنت متى أرسلت طرفك رائدا *** لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه *** ولا عن بعضه أنت صابر

والدنيا كلها ابتلاءات في مواقفها ومواقعها، وهذه الآفة ليست خاصة بالفسقة والعصاة، بل قد تكون داء من يتعامل في أسواق النساء مثلا، فالحذر الحذر، وقد لا يشعر صاحب هذه الآفة ببلاءه فيستمر عليه ويشبع نظره بما ترتاح إليه نفسه، ويبرر بأن هذا طبيعة عمله، أو أن النظر المجرد لا يؤثر فيه، أو أنه قد تعود عليه، والجواب عن هذا هو قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) ويقال لمن كانت هذه حاله: إن قلبك يفسد، وإيمانك ينقص وعبادتك قد فقدت روحها وأنت لا تشعر، ولا بد أن تحجب تلك السيئة حسنات وخيرات كثيرة، وأول آثارها ومصائبها أنك لم تشعر بالذنب، وهذه مصيبة أخرى غير ذنب النظر المحرم، فالنظرة الأولى هي نظرة الفجأة ولا يجوز غيرها، أما النظرة الأولى وهي نظرة الفجأة فهي نظرة على غير عمد فهي مغتفرة بحمد الله تبارك وتعالى، وعلاج إطلاق البصر يكون بعدة أمور منها:

أولا:
أن يستشعر نظر الله تبارك وتعالى إليه، هو وهو ينظر إلى هذا المحرم الذي لا يجوز النظر إليه، يستشعر حين نظره هو أن الله عز وجل في تلك الحال يراه وبيده سمعه وبصره.

الثاني: أن يستشعر شهادة جارحة العين عليه يوم القيامة، فهذه العين التي رأت المحرم ستأتي يوم القيامة وتشهد وتقول رأيت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، وتكون الشهود حسب رؤيته في الدنيا.

الثالث: علمه أن هذه النظرة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فتكثر النقاط السوداء في قلبه حتى يعلوه الران.

الرابع: أن هذه السيئة قد تجر أختها فيُغرق في النظرات، فإذا سمح لنفسه في النظرة الأولى نظر الثانية والثالثة والرابعة وهكذا حتى يغرق في تلك النظرات.

الخامس: يفكر في الثمرة الإيمانية في غضه للبصر من صلاح القلب وطمأنينة النفس وسكونها وقوة إيمانها، كل هذا يكون بغض البصر.

السادس: أن النظر يجر إلى ما هو أعظم منه من الأفعال المشينة، ولهذا على الذي عود نفسه على أن ينظر إلى الحرام، عليه أن يستشعر هذه الأمور الخمسة حتى ينيب ويرجع، ومن أهمها استشعاره نظر الله تبارك وتعالى إليه حيث يقول الله عز وجل:( ألم يعلم بأن الله يرى) فما موقفه وهو يستشعر تلك الآية العظيمة وهو ينظر إلى هذا الحرام سواء على الطبيعة أو سواء على الشاشة أو في وسائل التواصل أو ما إلى ذلك، الله عز وجل يراه على كل حال، فلنتق الله تعالى جميعا، ولنغض أبصارنا عما حرم الله عز وجل لتكون تلك الجارحة شاهدة لنا يوم القيامة لا شاهدة علينا، نسأل الله تبارك وتعالى التوفيق والسداد والعفو والعافية للجميع.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


 

 
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية