اطبع هذه الصفحة


تدبر القرآن الكريم

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه وعلى آله وصحبه ومن والاه

إذا صح إيمان المؤمن، تدبر كتاب ربه عز وجل، وأنزله المنزلة العظيمة التي تليق به، واستشعر عظمته وتدبره واقفاً عند عجائبه وحدوده، وتذوق حلاوته، وتعبد الله عز وجل بترديده قراءة وحفظاً وترتيلا وتدبراً ومعرفة لما تدل عليه آياته العظيمة، قال الحسن بن علي رضي الله عنه (إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار)

إنه لشيء عظيم وكبير أن يخصنا الإله الكبير المتعال مالك الملك سبحانه وتعالى بخطابه وكلامه، ويخصنا بشرف التحدث إليه ومناجاته.

قال ابن الصلاح رحمه الله: قراءة القرآن كرامة أكرم الله تعالى بها البشر.

وقال ابن القيم رحمه الله: فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تُطلع العبد على معالم الشر والخير بحذافيرها، ومآل أهلهما، وتجعل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صورة الدنيا والآخرة، والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله عز وجل فيهم، وتبصره مواقع العبر، وترشده عدل الله تعالى وفضله وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وتعرفه قواطع الطريق وآفاتها، وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها). انتهى كلامه رحمه الله.

إن تدبر القرآن يعالج أمراض القلوب ويطهرها من أوضارها، ويجيب على الشبهات، ويرد النزغات، ويطفئ نيران الشهوات.

يقول الله تعالى (يا أيها الناس قد جائتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين). ويقول القرطبي رحمه الله: دل قوله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) دلت هذه الآية على وجوب التدبر في القرآن ليعرف معناه.

إن بركة هذا القرآن مودعة فيه كالكنوز لا يستخرجها إلا المتدبرون، ولا يعرف حلاوتها إلا من عظموا كلام ربهم عز وجل، وأنزلوه في قلوبهم مخلصين خاشعين عاملين، متذكرين لقيمته ومنزلته العظيمة.

يقول الله تبارك وتعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب).

وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية واحدة يرددها ليلة كاملة وهي قوله تعالى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم). قال بشر بن السري: إنما الآية مثل التمرة كلما مضغتها استخرجت حلاوتها.

وفي مجال التدبر يقول بعض أهل العلم كانت مناقشة بيني وبين أحد الملحدين، فطلبت منه قبل المناقشة أن يقرأ القرآن كاملا بتأمل وتدبر وتأني، وأعطيته بذلك مقابلاً ماليا يبلغ عشرين ألف ريال، فلما انتهى من القراءة فإذا هو يرجع إلي قائلا اتضح لي الحق وصار أبلجاً ظاهراً لا إشكال فيه، وأرجع إلي ذلك المبلغ، ثم رجع إلى صراط الله المستقيم، فاتفقنا جميعا أن يكون هذا المبلغ لجمعية تحفيظ القرآن.

وفي مجال تدبر القرآن يحرص بعض الناس أن تكون قراءته لجمع الحسنات، وفي هذا يمكن أن يكون له مساران:

المسار الأول: مسار التدبر والتأمل ومعرفة الأوامر والنواهي ونحو ذلك.

ومسار آخر للقراءة المسرعة حتى يكسب من خلالها ما ورد في قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده المفلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


 

 
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية