اطبع هذه الصفحة


تزكية النفس

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد

لقد أقسم الله تبارك وتعالى سبع مرات في سورة الشمس ليوضح حقيقة كبرى وهي تزكية النفس، فقال الله تعالى (والشمس وضحاها) إلى أن قال (قد أفلح من زكاها).

إن فلاح النفس هو النجاة والفلاح والفوز في الآخرة، وهو الطمأنينة والسكينة والسكون في الدنيا، ففلاحها بقدر ما يستقر في قلب تلك النفس من الإيمان والتصديق، وبقدر ما تعمله تلك الجوارح من طاعات وأعمال صالحة، فما أجملها من حياة وما أزكاها من نفس حين تطمح أن تكون موافقة لأمر الله تعالى وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام في حركاتها وسكناتها، فاللسان يلهج بالذكر والبصر لا يرى المحرم، والسمع مصون عن سماع المحرم، وهكذا الجوارح قائمة بما أمرها الله عز وجل به، مسترشدة بتوجيه القلب لها، حيث هو مقر التقوى والإيمان، فإذا استقرت التقوى في القلب وامتلأ بها، صارت الأوامر الصادرة للجوارح كلها صحيحة وخير عظيم، وبقدر ما ينقص من التقوى بالقلب تحصل المخالفات في الجوارح، فليعلم المطيع بجوارحه بأنواع الطاعات أن الله عز وجل رزقه تقوى في قلبه وإيمانا يتقلب به ذلك القلب، وليعلم الآخر الذي تزاول جوارحه المحرمات وتتلطخ بها أن التقوى قليلة الوجود في القلب، فصارت الجوارح علامة على ما في القلوب فهي مغارفها، فإن وجد في القلوب إيمان وتقوى غرفت الجوارح منه، وإن كان في القلوب ضد ذلك غرفت منه.

والمتحدث بالغيبة والناظر للمحرم والماشي بقدمه إلى المعاصي والسامع كيفما اتفق من حلال أو حرام، هذه كلها مغارف غُرفت من القلب.

فيا أخي الكريم اجعل لك وقفة حازمة عازمة تصحح فيها المسار مع ملك الجوارح وهو القلب لإمداده بمداد التقوى والإيمان، وذلك بالقراءة عن الصلاح والصالحين وشمائلهم ومعرفة سيرهم علما وعملا.

فبهذا تزكوا النفوس وتستصح الروح وتكسب الخير والثواب من أوسع أبوابه بإذن الله عز وجل، فأقترح عليك أن تكون عمليا لا نظريا فقط، فاستثمر وقتك بالصالحات، ومما يمكن أن يكون خطوة عملية في ذلك أن تفتح صحيح البخاري مثلا وعلى فضائل الأعمال فيه، وتجعل لك منهجا عمليا تمنهجه لنفسك، فمن الممكن أن يكون في كل أسبوع عملان من تلك الأعمال الفاضلة حتى تتوطن النفس على استدامة تلك الأعمال، ويكون منهج حياة لها، فستكسب من خلال ذلك مليارات الحسنات خلال السنين والشهور.

وأما إذا ضممت إلى ذلك الواقع العملي لنفسك دلالة الآخرين على تلك الأعمال الفاضلة التي وفقك الله تعالى لها، فهذا نور على نور وأجور تنهال عليك تقر بها عينك يوم القيامة، فلا تعلم حينها أعمالا عملتها توازي تلك الحسنات، لكنه الدلالة على الخير كان وراء تلك الجبال من الحسنات بعد توفيق الله تبارك وتعالى، فما أزكى النفس وأطهرها إذا تقربت إلى مولاها بمثل تلك الأعمال الفاضلة.

وفقنا الله جميعا لكل خير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
 

 
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية