اطبع هذه الصفحة


التوحيد والأنبياء  عند عباس العقاد

محمد جلال القصاص


بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الفصل الثالث
التوحيد والأنبياء عند عبَّاس العقَّاد


 
في هذه الورقة الفصل الثالث من كتاب "مناقشة هادئة لإسلاميات عباس العقاد" طبع أول مرة في مطلع عام 2009: وفيها

  مقدمة
المبحث الأول :  التوحيد عند عبَّاس العقَّاد:
يُعرِّف التوحيد:
المبحث الثاني:  النبوة والأنبياء عند عبَّاس العقَّاد:
الأنبياء لنوعية معينة من المدن:
الأنبياء وأهل البادية:
البداية من إبراهيم الخليل!!
النبوة والكهانة:
العقَّاد وغاندي!!
إنكار المعجزات:
المبحث الثالث: التوحيد والنبوة بين منظورين 
عبَّاس العقَّاد بين الفريقين:
 
 
مقدمة
حاول عبَّاس العقَّاد تقديم رؤية عن بداية الخلق وتاريخ الإنسان في هذا الكون، وعلاقته بالله الخالق-سبحانه وتعالى ذكره-، وهي ذات الأسئلة التي شغلت بها الفلسفة قديمًا وحديثًا، وهي القضايا المحورية في القرآن الكريم!!
وأول ما يتبادر للذهن حين يرى أحدنا  انشغال العقَّاد بمثل هذه القضايا أنه لم يكن أديبًا كما يدعي محبوه؛ بل كان فيلسوفًا ومفكرًا، وقدَّم رؤية فلسفية لقضايا الدين الرئيسية، وفي عديد من الكتب. بمعنى أنه شغل بهذه القضايا المحورية مدةً من الزمن، ودخل عليها أكثر من مرة، ومن زوايا متعددة: مرة يكتب عن الله –سبحانه وعز وجل- ومرةً يكتب عن "إبليس"، ومرة يكتب عن أنبياء الله كالخليل إبراهيم والمسيح عيسى بن مريم، ومحمدٍ (العبقريات وطوالع أنوار البعثة المحمدية)، صلوات الله عليهم أجمعين، ومرة يكتب عن "الفلسفة القرآنية" وهي محاولة خجولة هزيلة للتوفيق بين قضايا القرآن وقضايا الفلسفة، أو لإيجاد شرعية "للأديان" في مواجهة المادية الصلبة[1]، فالأدب أداة ويحمل رسالة. الأدب يدفع فكرةً ويدافع عن أخرى.
 وأكثر ما يلفت النظر فيما كتب العقَّاد عن الله ورسله أنه لم يستند للوحيين (الكتاب والسنة) كمصدر للمعلومة، بل تحرك بعيدًا، ينقل عن كل قومٍ ما قالوه في أنبيائهم دون نقدٍ أو تعليق يذكر؛ مع أن حديث الأقوام الأخرى عن الله ورسله يتعارض مع ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، والعقَّاد يرويه كما هو دون نقدٍ أو تعليق. وكأن ما افتراه القوم مسلمات. وكأن القرآن لم يكذبهم وينكر عليهم!!
 وأكثرَ من النقل عن الكشوفات الأثرية. وسبب اتجاه العقَّاد للكشوفات الأثرية كمصدر للمعلومة- من وجهة نظري- حداثتها وغرابتها. دُفِعَ  إليها بموجب غريزته في تبني الغريب والشاذ، أو مخالفة السائد، لا لأنها تشكل مصدرًا موثوقًا للمعلومة. فالكشوفات الأثرية انتقائية وتخضع لمن اكتشفها، بمعنى أنهم يُنقِبون حيث يشاءون ليقولوا أن هذا الشعب ذو حضارة دون غيره، ولذا لا ينقبون في الجزيرة العربية مع أن الحضارات فيها في كل مكان وتسد ثغرة تاريخية منقوصة عندهم فيما يحاولون استكشافه مما مضى من تاريخ البشرية، وينقبون في الأرض بحثًا عن شواهد مادية على ما قد كان وهو حال من لا يؤمنون بخبر السماء (الوحي)[2]. والآثار لا تنطق وإنما يقرأها من ينبش عنها، ويكملونها بترميمات حسب ما يفهمون هم، وقد عمدوا إلى إخفاء ذكر الأنبياء من تاريخ الأمم السابقة. وكثير من أقوالهم تتصادم مع صريح القرآن الكريم، على ما سيأتي بيانه في هذا الفصل إن شاء الله.
ومن أبرز ما يلفت النظر فيما كتب العقَّاد عن الله ورسله أن فكرة التطور شكَّلت إطارًا عامًا لما قدَّم؛ فقد دافع عن دارون وفروضه "العلمية"؛ وطبق فكرة التطور في مجال العقيدة، تحديدًا حال حديثه عن التوحيد والأنبياء، وطبقها في غير ذلك. انطلق من التطور كقاعدة للتفكير في جل ما قدم، ما فداحة التطور وغرابته.
وأحاول في هذا الفصل عرض هذه الأفكار الرئيسية من خلال ثلاثة مباحث رئيسية، أحدها يتعلق بما تحدث به عن الله (التوحيد)، والثاني يتعلق بما تحدث به عن أنبياء الله، والثالث محاولة لفهم وتحليل المسارات الفكرية التي تحرك فيها عبَّاس، وهذا المبحث الأخير بمثابة تعليق على المبحثين السابقين.
المبحث الأول :
التوحيد عند عبَّاس العقَّاد:
في تقديمه لأحد أشهر كتبه (كتاب [الله]، جل جلال ربنا وتقدس)، يذكر العقَّاد أن هدفه من الكتاب هو تقديم رؤية عن (نشأة العقيدة الإلهية، منذ اتخذ الإنسان ربًّا إلى أن عرف الله الأحد، واهتدى إلى نزاهة التوحيد)([3])!!
ويتحدث عن الإنسان الأول، فيذكر أن الإنسان الأول (آدام عليه السلام) كان همجيًّا([4]) بدائيًّا في كل شيء، يقول: (ترقى الإنسان في العقائد كما ترقى في العلوم والصناعات، فكانت عقائده الأولى مساوية لحياته الأولى، وكذلك كانت علومه وصناعاته، فليست أوائل العلم والصناعة بأرقى من أوائل الأديان والعبادات.. وينبغي أن تكون محاولات الإنسان في سبيل الدين أشق وأطول من محاولاته في سبيل العلوم والصناعات)([5])!!
بدأ كتابه بهذه الكلمات وختمه بمثلها؛ ينسج على فكرة التطور ويقدم أقيسة عقلية من عند نفسه، وكرر ذات الكلام تقريبًا بذات التفاصيل وزاد فيها في كتابه (إبليس) من المقدمة وعلى طول الكتاب، يقول: (قبل أن ننتقل إلى عقائد أهل الكتاب في قوة الشر العالمية نتريث هنا لحظة لتلخيص المرحلة الطويلة التي عبرها الإنسان في هذا الطريق، من خطواته الأولى حيث لا تميز بين خير وشر ولا بين إله وشيطان، إلى غايته القصوى في حضارات الأمم القديمة حيث ظهرت ديانة التوراة، وهي أول الأديان الكتابية في التاريخ)([6]). ثم يتابع متحدثًا عن (الهمجي الأول) وأنه كان يؤمن بالأرواح والأشباح... إلخ، حتى تعرف في الأخير على الله!!
وتحدث عن بداية خلق الإنسان وأيد "نظرية" دارون[7]!!
وفي محكم التنزيل أن الإنسان الأول هو آدم- عليه السلام- خلقه الله بيده:{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ}: [ص: ٧٥]، وقال تعالى{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}: [السجدة: ٩].
 وعلم الله آدمَ الأسماء كلها:{ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)} [البقرة: ٣١ – ٣٣].
 واصطفاه الله من خلقه؛ قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } [آل عمران: ٣٣].
 فكان نبيًّا ولم يكن همجيًّا مشركًا كما يفتري عبَّاس العقَّاد؛ وفي الحديث عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، فَأَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ؟َ قَالَ: «آدَمُ عَلَيْهِ السَّلام»، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَوَنَبِيٌّ كَانَ آدَمُ؟! قَالَ: «نَعَمْ، نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ، خَلَقَهُ اللهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ رُوحَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا آدَمُ قُبْلاً»([8]).
هذا هو الإنسان الأول: خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلمه حتى فاق الملائكة فيما يخصه- عليه الصلاة والسلام- ثم اصطفاه على العالمين، فكان نبيًّا مكلمًا، والعقَّاد يقول: همجيٌ.. مشركٌ..!!
وبعد هذه المقدمة التي يقرر فيها عبَّاس أن الإنسان الأول كان همجيًّا مشركًا يبحث عن التوحيد كيف اهتدت إليه البشرية؟! ، أو كيف تعرفت البشرية على التوحيد؟! يناقش عبَّاس العقَّاد بواعث الدين.. هل هي (الأسطورة) أو (ملكة الاستحياء) أو(السحر)، أو هل نشأت العقيدة من (إحساس الإنسان بالضعف) أم أنها (ظاهرة اجتماعية).. أو (حالة مرضية) أو (خليط من الجماعية والفردية)،  كما يزعم أهل الفلسفة[9]؟!!
ثم يرفض أن ينفرد أيٌّ من هذه التعليلات، ويعطي تفسيرًا آخر، يقول بأن منشأ العقيدة عند البشر يتعلق بما أسماه (الوعي الكوني)([10])، ويعرفه  بأنه الحواس النفسية عند الإنسان، يقول: إن (الوعي الكوني) ملكة قابلة للترقي، ويسند إليها منشأ العقيدة، ويقول: إن ذلك (حقيقة يستلزمها العقل ويؤكدها المشاهد في كل زمن وفي كل موطن وفي كل قبيل)!!
و(الوعي الكوني) غير (العقل) عند عبَّاس العقَّاد، يُفرِّق بينهما بأن أحدهما (الوعي) أشمل من الآخر (العقل)، وأن (الوعي الكوني المركب في طبيعة الإنسان هو مصدر الإيمان بوجود الحقيقة الكبرى التي تحيط بكل موجود)، ويعني بالحقيقة الكبرى التي تحيط بكل موجود الله جل جلاله، ويقول: (ونحن إذا رجعنا إلى تاريخ الإيمان في بني الإنسان وجدنا أن اعتماده على (الوعي) الكوني أعظم جدًّا من اعتماده على القضايا المنطقية والبراهين العقلية، وأنه أقوى جدًّا من كل يقين يتأتى من جانب التحليل والتقسيم). ويقول: (البراهين جميعًا لا تغني عن الوعي الكوني في مقاربة الإيمان بالله والشعور بالعقيدة الدينية). ويقول: (وجعل الهدى من الله ولكنه من طريق العقل والإلهام بالصواب).
والمعنى الكامن خلف فكرة (الوعي الكوني) هو العبقرية، أو بمعنى أدق أن الإنسان هو الفاعل على الحقيقة، جاءه التدين من شيء بداخله؛ ويتضح هذا الربط بين (الوعي الكوني) و (العبقرية) أو تسييد الإنسان وأنه ارتقى دينيًا من تلقاء نفسه أن العقَّاد حالَ حديثه عن الصوفية في كتاب (الله) أعطى وصف العبقرية الدينية للمتصوفة، فالصوفية عنده هي العبقرية الدينية، وما ذاك إلا لأن هؤلاء المتصوفة نما عندهم (الوعي الكوني)، فانكشف لهم ما وراء الحجب، فعلموا الحقيقة المطلقة. ويضرب الأمثال بالحلاج وابن عربي ورابعة العدوية!!
فالعقَّاد يرى الأنبياءَ بشرًا قد اكتملت فيهم هذه الملكة (الوعي الكوني) أو (العبقرية)، وبهذا عرفوا عن الله وبلغوا الخلق([11])!!
 والعقَّاد يرى الدين الإسلامي أفضل الأديان لأنه جاء متأخرًا بعد أن نما (الوعي الكوني) عند الإنسان وبعد أن نمت المجتمعات، وعرفت التوحيد!!
ولكن: ما هو التوحيد الذي يقصده عبَّاس .. هذا الذي تعرفت عليه البشرية بعد التيه لآلاف من السنين بزعمه؟!


يُعرِّف التوحيد:
يُعرف عبَّاس العقَّاد التوحيدَ فيقول: (التوحيد توحيدان: توحيد الإيمان بإله واحد خلق الأحياء وخلق معهم أربابًا آخرين، وتوحيد الإيمان بإله واحد لا إله غيره. ولم تُعرف أمة قديمة ترقت إلى الإيمان بالوحدانية على هذا المعنى غير الأمة المصرية، فعبادة [آتون] قبل ثلاثة وثلاثين قرنًا غاية التنزيه في عقيدة التوحيد)[12]!!
وفي بداية كتابه (الله جل جلاله) أعاد ذات الفكرة مرةً ثانية؛  وعرف الوحدانية بأنها إله أكبر لكل (الآلهة)!!
لاحظ: يرى العقَّاد أن من التوحيد أن يكون الإله ومعه "آلهة" أخرى!!
ويرى أن الذين كانوا يعبدون آتون (إله) الشمس هم أرقى أمة في التوحيد!!
وعنده أن أهل فارس عرفوا التوحيد بعد اختلاطهم بالمسلمين، ويذكر أن هذا التوحيد هو الاجتماع على إله واحد هو إله الخير (يزدان) ولا يشركون معه (أهرمن) كما فعل أسلافهم الأقدمون!!
هذا هو التوحيد الذي تعلموه من المسلمين كما يقول عبَّاس العقَّاد([13])!!
ويقول مثل هذا عن الفراعنة، وعن مشركي يهود في مرحلة ما بعد السبي.
وفـي مكان آخر يتكلم عبَّاس العقَّاد عن طورين، أو كمـا يقول هو: عدْوَتَين، عدْوَة كان فيها الإنسان همجيًّا مشركًا لا يعرف التوحيد، وعدوة عرف فيها التوحيد، ويقول بأن عقيدة بني إسرائيل كانت مرحلة فاصلة بين هذين الطورين أو هاتين العدوتين([14])!!
 أي أن كل الأمم قبل بني إسرائيل ما عرفت التوحيد، بل وبنو إسرائيل أنفسهم عند العقَّاد كانوا وثنيين، بقيت فيهم الوثنية من إبراهيم ـ عليه السلام ـ إلى ما بعد موسى ـ عليه السلام ـ ولم يأتهم التوحيد إلى قبيل ظهور المسيح بقرون بسيطة!!. ويستدل على زعمه هذا بعبادة عجل الذهب في سيناء على بقاء الوثنية واستمرارها في بني إسرائيل من قبل إبراهيم- عليه السلام- إلى ما بعد موسى- عليه السلام-([15])!!
ويذكر ما هو أشد نكرانًا من ذلك. يقول عن بني إسرائيل: (فعُبَّادِ [يهواه] لم يكونوا ينكرون وجوده ولا ينكرون وجودَ غيره، وإنما كان هو إلههم المفضل على غيره من الآلهة، كما كانوا هم الشعب المفضل على الشعوب، فالأرباب الأخرى عندهم موجودة كما يوجد إلههم [يهواه]..([16])، ولكنها لا تستحق منهم العبادة؛ لأنها أرباب الغرباء والأعداء، وكل عبادة لها فهي من قبيل الخيانة العظمى وليست من قبيل الكفر كما فهمه الناس بعد ذلك، وغاية ما في الأمر أن طاعة الآلهة الغريبة هي كخدمة الملك الغريب.. نوع من العصيان والخيانة... لهذا لم يشغل أنبياء التوراة السابقون بإثبات وجود [يهواه] أو بإثبات وجود الأرباب على الإجمال، وإنما كان شغلهم الأكبر أن يتجنبوا غيرة [يهواه] وغضبه، وأن يدفعوا عن الشعب نقمته وعقابه، ولم يكن له عقاب أشد وأقسى من عقابه لأبناء إسرائيل كلما انحرفوا إلى عبادة إله آخر، من آلهة مصر أو بابل أو كنعان)([17]).
وفي كتاب(إبليس) أكد هذا المعنى فقال: (إن الديانة العبرية تحملت أعباء التوسط بين الديانات الوثنية وديانات التوحيد الكتابية)([18]).
فهذا ترتيبها عنده.. شرك وخرافة.. وثنية وتيه، ثم خليط من الوثنية والتوحيد، وهم بنو إسرائيل إلى قرب المسيح عليه السلام، ثم توحيد بمفهوم العقَّاد للتوحيد.
ويثور سؤال: هل كان عبَّاس يقرأ في كتاب الله؟، هل كان يصدق ما أنزل الله على نبيه؟!!، هل كان يفكر؟!!
 إسرائيل هو يعقوب ـ عليه السلام ـ وبنو إسرائيل هم أبناؤه([19])، وكان نبيًّا موحدًا، وأبناؤه كانوا مؤمنين موحدين، وقيل بنبوتهم، وكان منهم يوسف - عليه السلام - نبي من أنبياء الله. وأكبر أنبياء بني إسرائيل وأكثرهم أثرًا فيهم وفي التاريخ قبل رسول الله ﷺ هو موسى بن عمران، وعندنا أنه كان نبيًّا مرسلاً يأتي يوم القيامة ومعه السواد العظيم من المؤمنين الموحدين يدخلون جنةَ ربِّ العالمين (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) (المائدة:72)، وفي الحديث: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى فِي قَوْمِهِ»([20])، وبعد موسى ـ عليه السلام ـ «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ؛ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ»([21]).
لا يرى العقَّاد أيًّا من هذا، ويمضي ليقول: إنهم كانوا مشركين لم يعرفوا التوحيد إلا بعد ذلك بقرونٍ عديدة!!
والتبس الأمر على عبَّاس، فبنو إسرائيل طرأ عليهم الشرك كما غيرهم من الأمم، ولم يخلُ زمان من نذير يذكر الناس بأيام الله، ولم تخل أمة من رسول يتلو عليها آيات الله، قال تعالى: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ }[فاطر: ٢٤]، و(يهواه) الذي يتكلم عنه العقَّاد ظهر في المشركين من بني إسرائيل، ولم يكن هو معبود بني إسرائيل كلهم من أبيهم إبراهيم إلى عيسى ـ عليه السلام ـ والذين جاءوا من بعده، وإنما عبده المشركون منهم فقط، أولئك الذين حرفوا الكتاب، وعُرِفَ عند يهود وعند غير يهود من الوثنين ممن عاصروهم أو سبقوهم أو لحقوهم([22]).
فعَبَدَةُ (يهواه) هم المشركون من بني إسرائيل، وهم الذين كتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا: هذا من عند الله، وما هو من عند الله، بل قالوا على الله الكذب وهم يعلمون. وظن عبّاس أن كل بني إسرائيل بما فيهم الأنبياء عبدوا (يهواه)!!
والعقَّاد متردد كما هي عادته، ففي بداية كتاب (إبراهيم أبو الأنبياء)([23]) يقرر في المقدمة أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ علَّم الناس التوحيد: (إن دعوة الخليل قد اقترنت بالتوحيد)، ويصرّح بأنه أول نبي([24])  ـ وهو خطأ كما تقدم، فآدام أول إنسان وأول نبي ـ وبعدها بقليل يقرر عكس ذلك كله، فيقول بأن البشرية عرفت التوحيد قبل إبراهيم - عليه السلام - ولكنها لم تعرف الأنبياء، وإنما عرفت التوحيد قبل إبراهيم - عليه السلام - من الكهان في المعابد والهياكل، ويسمي ما قبل إبراهيم - عليه السلام - بعصور الكهانات والهياكل!!
وكل ذلك خطأ. كل ذلك عكس ما قدَّمه في كتابه (الله)!!
وأيضًا متردد في أمر (يهواه)؛ ففي كتاب (إبراهيم أبو الأنبياء) يذكر العقَّاد أن (يهواه) إله يهود المزعوم (كان معروفًا عند قبائل سوريا الشمالية، بل إن أسماء الآلهة كانت واحدة عند الشام وفلسطين واليمن والعراق)([25]). وهذا نقد لما قرره في كتاب (الله) جل جلاله[26].
ومتردد في حديثه عن بني إسرائيل؛ فحينًا يقرر أن بني إسرائيل كانوا على الشرك ولم يعرفوا التوحيد إلا قبيل ظهور المسيح عليه السلام، ثم يعترف في ذات الكتاب ـ وهو يتكلم عن تأثر اليهود بالفلسفة ـ بأن الأنبياء كثروا في بني إسرائيل حتى لم يخلُ منهم زمن، وهذا يعني أن التوحيد بقي في بني إسرائيل من إبراهيم ـ عليه السلام ـ حتى مبعث عيسى ابن مريم ـ عليه السلام ـ، ثم في كتابٍ آخر (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه) يقرر أن ما أسماه توحيدًا لم يكن توحيدًا؛ يقول: (لم يكن في هذه العقيدة إيمان بالتوحيد)([27])!!
ومتردد أيضًا في أمر (آتون) إله الفراعنة، الذي يعتبر عبادته غاية التنزيه في التوحيد في كتاب (الله)، ففي كتاب (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه) يرى أن عبادة (آتون) لم تكن غاية في التنزيه كما يدعي هو، بل كانت توحيدًا يشوبه شيء من الوثنية([28])!!
وفي مكانٍ آخر يقول: (فكانت فكرة الله في الإسلام هي الفكرة المتممة لأفكار كثيرة موزعة في هذه العقائد الدينية وفي المذاهب الفلسفية التي تدور عليها)([29])، وبعد هذا الكلام يقول: (نختم الكلام على العقيدة الإلهية سائلين: كيف تسنى لنبي الإسلام أن ينفرد بهذه الدعوة وحيدًا في تاريخ الأديان؟!)([30]).
وردد ذات الكلام في مكانٍ آخر؛ ففي كتاب (إبليس) ص127 وما بعدها، وبعد استعراض للديانات الكتابية الثلاث وحديثها عن الشر (الشيطان) يذكر أن هذه الديانات كانت متوالية ومتطورة، وأنها ختمت بالإسلام؛ يقول: (ثم جاء الإسلام فبسط على الوجود كله وحدة لا مثنوية فيها على وجه من الوجوه)([31]).
وهذا خطأ في التصور عند عبَّاس أوجده البعد عن النص الشرعي، أو بالأحرى عن فهم النص الشرعي كما ينبغي، أوجد هذا الخلل عند عبَّاس العقَّاد القولُ بتطور العقائد كما تطورت الصناعات، فالإسلام لم ينفرد وحيدًا بالدعوة، بل الإسلام هو دين الله الذي ارتضاه للناس أجمعين من آدم إلى محمد صلوات الله عليهم أجمعين.. ودين الله هو الإسلام، بعث به رسله جميعًا، فنحن نعتقد أن الأنبياء جميعًا كانوا على الإسلام الذي هو الاستسلام لله وحده لا شريك له، الذي هو التوحيد، الذي هو ملة إبراهيم، فكل الأنبياء عندنا -من آدم إلى محمدٍ صلوات الله عليهم أجمعين- مسلمون. الدين عندنا واحد وهو الإسلام، ولكن شرائع مختلفة.
إبراهيم - عليه السلام- عندنا مسلم؛ قال الله تعالى:  ﮋ ﮱ  ﯓ        ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ          ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ       ﯞ  ﯟ ﮊ [آل عمران: 67]، وقال الله تعالى:  ﮋ ﮛ  ﮜ  ﮝ    ﮞ  ﮟﮠ   ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ ﮊ [البقرة: 131].
وكان يدعو الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو وولده إسماعيل قائلاً ـ كما يحكي القرآن الكريم ـ: ﮋ ﭡ  ﭢ  ﭣ   ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭﭮ   ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ ﮊ [البقرة: 128].
ويوسف ـ عليه   السلام ـ كان مسلمـًا: ﮋ ﯟ   ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧﯨ  ﯩ     ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰﯱ  ﯲ   ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﮊ [يوسف: 101].
وموسى ـ عليه السلام ـ وقومه:   ﮋ ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ      ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ     ﮡ          ﮢ  ﮊ [يونس: 84]،  ﮋ ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ       ﮃ  ﮄ   ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌﮍ  ﮎ  ﮏ   ﮊ [الأعراف: 126].
ونوح عليه السلام: ﮋ ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹﭺ  ﭻ      ﭼ  ﭽ    ﭾ  ﭿﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ ﮊ [يونس: 72].
وسليمان عليه السلام في قصة مكاتبته لملِكة سبأ جاءت هذه الآيات: ﮋ ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ ﮊ [النمل: 31]، ﮋ ﭰ   ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ   ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ ﮊ [النمل: 38]، ﮋ ﯥ  ﯦ  ﯧ      ﯨ  ﯩﯪ  ﯫ  ﯬ         ﯭﯮ  ﯯ  ﯰ    ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ ﮊ .[النمل: 42].
ولوط عليه السلام جاء في وصف بيته على لسان الملائكة: ﮋ ﭱ  ﭲ   ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ ﮊ  [الذاريات: 36]. وكذا الحواريون أتباع عيسى عليه السلام؛ قال الله تعالـى:  ﮋ ﮩ  ﮪ  ﮫ      ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ       ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ ﮊ [المائدة: 111].
فكل الأنبياء كانوا مسلمين، وكل الأنبياء أرسلوا بالتوحيد: ﮋﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ   ﭚ   ﭛ   ﭜ        ﭝ  ﭞ   ﭟ ﮊ [الأنبياء: 25]، ﮋ ﭸ  ﭹ  ﭺ   ﭻ  ﭼﮊ    [آل عمران: ١٩].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الأُولَى وَالآخِرَةِ». قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاَّتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبيٌّ».
والعجيب أن العقَّاد يعرف هذا، أو مرَّ بتلك الحقيقة، أو مرّت به تلك الحقيقة، ولكنه دارَ حولها وحاول أن يلتف عليها، أو أن يلفها ليحجبها عمن يريدها([32]). يقول: (كل المتدينين قبل الدعوة المحمدية موصفون بأنهم مسلمون كما جاء في سورة البقرة؛ قال تعالى: ﮋ ﮆ  ﮇ      ﮈ                  ﮉ  ﮊ   ﮋ    ﮌ  ﮍ  ﮎﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓﮔ   ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮊ [البقرة: ١٣٠].
وقبل أن أنصرف أختم بهذه الفقرة من كتاب عبَّاس العقَّاد (التفكير فريضة إسلامية) لتعرف أن العقاد لم يكن له انتماء واضح لعقيدة بعينها، أو على الأقل لا يرى قبح الشرك وأهله. يقول: (من العسير على الكثيرين من المتدينين المؤمنين بالأنبياء أن يذكروا أسبابًا عقلية لتفضيلهم الدين الذي يعتقدونه على سائر الأديان التي لا يعتقدونها، وغاية ما عندهم من التعليل لهذا التفضيل أن يؤمنوا بهذه العقيدة لأنها عقيدة نبيهم، ولا يؤمنون بالعقائد الأخرى لأنها عقائد أنبياء آخرين لا يؤمنون بهم)([33]).
 
المبحث الثاني:
 النبوة والأنبياء عند عبَّاس العقَّاد:
حال حديثه عن النبوة والأنبياء قدم عبَّاس العقَّاد عددًا من أغرب المفاهيم وأشدها نكرانًا!!
فعند عبَّاس  أن صلاح حال الناس بالأنبياء وبالكهان!!.
وعنده أن الأنبياء لمدن القوافل وعلى أطراف البادية والكهان للمدن الكبرى ذات الحضارات العريقة!!
وعنده أن النبوة تطور للكهانة والسحر والشعوذة.
وعنده أن النبوة بدأت بإبراهيم-عليه السلام-، وقبل  الخليل لم تكن نبوة!!
والمحصلة أن عباس تحدث- كعادته- بالغريب والشاذ حتى في أشهر الأمور وأوضحها. وقدَّم  مادة "علمية" أفاد منها الكافر في تقديم قراءة مغلوطة للشريعة الإسلامية لعوام الكافرين يصدهم عن دين الله، ويشغلنا نحن بالرد والتعقيب، وقد مرّ بنا (في المقدمة) نموذج زكريا بطرس وناهد متولي، وهو نموذج مشهور ومنتشر!!
الأنبياء لنوعية معينة من المدن:
يدعي عبَّاس العقَّاد أن المدن المتصلة ذات الحضارات القديمة لا تصلح لدعوة الأنبياء، وإنما يصلح لها الكهان.  يقول: (فليست دعوى النبوة بالدعوة التي تشيع وتجتذب إليها الأسماع في مواطن الحضارة القديمة بعد استقرار العمران فيها بعاداته وآفاته مئات السنين أو ألوف السنين... وإذا شاع الفساد في مواطن الحضارة فالمسألة في هذه الحالة مسألة تشريع وقانون أو مسألة تنظيم وتدبير.. فليست بلاد العمران المتصل مهدًا صالحًا للرسالة والنبوة)([34])!!
ويدعي أن من (البديهيات) العقلية  أن الأنبياء كانوا بالمدن التجارية التي تختلط فيها البداوة بالحضارة.. تلك المدن التي تكون على مقربة من الصحراء (مكة)، و(سدوم)([35])، و(مدين)([36])، وحيث إن مُدن النهرين (دجلة والفرات) كانت مدن قوافل، إذًا كان لا بد أن يكون فيها أول نبي، إبراهيم ـ عليه السلام ـ !!
ولا أدري كيف يرى الأنبياء؟!
هل يراهم وعاظًا فقط، وهل  يرى دعوتهم بلا تشريع ولا تنظيم للحياة، مع أن أشهر ما عرض على صفحات الأيام هو الحضارة الإسلامية وملك داود وسليمان؟؟!!
ولا أدري كيف يجول بخاطره أن حال الناس يمكن أن يصلح بدون رسالة؛ بل وبالكهانة؟؟!!
والأنبياء عمت دعوتهم الجميع، لم تترك بيت مدر ولا وبرٍ إلا دخلته، ولم تقتصر دعوتهم على نوعية معينة من المدن بل جاءت للجميع، أرسل الله في كل قومٍ نذير، وأبرز الأمثلة وأشهرها موسى ـ عليه السلام ـ. بُعث في أقوى حضارة في زمانه حيث الكهان!! ومن قبله إبراهيم عليه السلام كان في بلد ذات حضارة أيضًا، وهود عليه السلام بعث في قوم هود وكانوا يبنون بكل ريع آية يعبثون، ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون، وإذا بطشوا بطشوا جبارين، وصالح كان في قوم ينحتون من الجبال بيوتًا فارهين... إلخ. فليس بصحيح ما يدعيه عبَّاس  من أن الرسالات محصورة ومحدودة بحدود مدن القوافل، لا مدن الحضارات!!
والله يقول: ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ     ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮊ   [فاطر: ٢٤]، والله يقول: ﮋ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ        ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ  [النحل: 36]، والله يقول: ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ  ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ     ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ  [المؤمنون: ٤٤]، والله يقول: ﮋ ﮭ        ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ    ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ   ﯝ ﮊ  [الملك: ٨ – ٩] ﮋ ﭲ   ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﮊ  [الرعد: ٧]، والله يقول ﮋ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮊ  [يونس: ٤٧].
ووجدت الكهانة  في البادية وفي الحضر.. في المدن الكبرى وفي المدن الصغرى. في كل مكان حلَّ فيه الإنسان .. عند العرب وعند الهنود وعند الرومانين وعند اليونانين وأهل السودان، وليس فقط في المدن الكبرى كما ادعى العقَّاد. وكهان الجزيرة العربية، وكهان الفراعنة والحضارات القديمة يعرفهم ويكتب عنهم كل من خطَّ بيدين أو تكلم بلسان!!
الأنبياء وأهل البادية:
وعند عبَّاس العقَّاد أن أهل البادية لا يصلحون للرسالات.. تخرج منهم أو تقيم بينهم، فتعرّفهم على (الحقوق والفضائل وخلائق الصلاح والاستقامة التي ينشرونها باسم الإله ويستمعون وحيها من نذر السماء، فذلك من وراء التخيل فضلاً عن التفكير فيه)([37])،  ويؤكد هذا المعنى فيقول: (فنشأ الحكماء والنساك في الصين والهند على مثال كنفشيوس وبوذا، ولم ينشأ فيهم الأنبياء المرسلون والرسل المجاهدون؛ إذْ كانت أمانة النبوة المجاهدة شيئًا غير أمانة الإصلاح والتعليم)([38])!!
وإذا كان أشخاص الأنبياء ليسوا من البادية {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ }[يوسف:109]فهذا لا يعني أبدًا أن دعوتهم لا تصلح لأن تُعرِّف أهل البادية  على الحقوق والفضائل وخلائق الصلاح والاستقامة باسم الله الواحد الأحد الفرد الصمد. بل إن هذا قد حدث بالفعل.. واقع مشاهد يعرفه الجميع وإن أنكره عبّاس، فقد استقر الإسلام في أهل البوادي من الصين للمغرب العربي، والله يقول: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:99]
البداية من إبراهيم الخليل!!
يزعم أن النبوة بدأت بإبراهيم- عليه السلام-([39])، فهو أبو الأنبياء جميعهم عنده، بمعنى أنه كان أولهم، ولا أنبياء عنده إلا عدد قليل من ذرية إبراهيم ـ عليه السلام ـ يعدون على أصابع اليد الواحدة هم من كانوا في (مدن القوافل)، ويصرح بأن الله –سبحانه وتعالى ذكره- اختص الأمم السامية بالنبوات([40])، وفي مكانٍ آخر يخصص أكثر فيقول: (أما ديانات الأنبياء فلا وجود لها في غير السلالة العربية)([41]).
ويحاول أن يعطيها تسلسلًا في الزمان والمكان،  ينسج على فكرة "التطور"، فيذكر أنها بدأت في جنوب العراق حيث كان إبراهيم- عليه السلام- ثم الشام ثم الحجاز؛ فيقول: (ويطرد الترتيب بزمانه كما يطرد بمكانه، فمن آشور إلى حبرون([42]) أو بيت المقدس، إلى مدن خليج العقبة إلى مدينة الحجاز المقدسة، وعندها نهاية المطاف). ويقول بعد ذلك مستنتجًا ومؤكدًا لهذا الذي ادعاه: (وإننا لو سلكنا التاريخ الديني طردًا وعكسًا، ثم سلكناه عكسًا وطردًا، لما كان له من مسلك أقوم وأثبت من بدايته ونهايته بين «أور» في جنوب العراق ومكة في وسط الحجاز).
وإبراهيم الخليل –عليه الصلاة والسلام- أبو الذين جاءوا من بعده من الأنبياء، وليس ابو الأنبياء جميعهم فقد سبقه أنبياء كثر،  وقد سبق أن بينا أن آدم- عليه السلام- كان نبيًا مكلمًا، وفي التنزيل أن إدريس- عليه السلام- كان نبيًّا: ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ     ﭾ         ﭿ ﮀﮁﮊ  [مريم: ٥٦]، وهو قبل إبراهيم- عليه السلام-، وفي التنزيل أن نوحًا ـ عليه السلام ـ كان نبيًا، ﮋ ﭑ ﭒ   ﭓﭔ  ﭕ     ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ  [النساء: ١٦٣]، وفي التنزيل هود وصالح- عليهما السلام- كانوا أنبياء وكانوا قبل إبراهيم- عليه السلام-.
ولم يكن عدد الأنبياء قليل كما يزعم العقَّاد، بل كان عددهم كثير، وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, كَمْ وَفَّى عِدَّةُ الْأَنْبِيَاءِ؟! قَالَ: «مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا». وفي القرآن الكريم عدد غير قليل من أنبياء الله موزعون على جنبات المعمورة، في جنوب الجزيرة "عاد.. قوم هود عليه الصلاة والسلام"، وثمود في شمال الحجاز، ومدين جنوب الشام ، وقوم لوط بالأردن تحت البحر الميت، وموسى عليه السلام بمصر... إلخ،  والعقَّاد يجعلهم قلة يعدون على أصابع اليد، لا يعترف إلا بمن أرسلوا في (مدن القوافل)  بين العراق والشام والحجاز!!
النبوة والكهانة:
ويرى العقَّاد أن هناك نوعين من الديانات، ديانات الأنبياء و(ديانات) غير الأنبياء، أو كما يسميها هو أحيانًا (ديانات كتابية) و(ديانات غير كتابية)، ويصرح ـ في كتابه (الله)  وفي كتابه (إبليس) أن الوثنية عنده هي الديانات غير الكتابية، وديانات الأنبياء المعروفين (إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ﷺ) هي الديانات الكتابية ويرتب بينهما من حيث الزمن، فعنده الديانات غير الكتابية (الوثنية) كانت دهرًا طويلًا قبل الكتابية (ديانات الأنبياء)([43])، ويقارن بينهما فيقول: (والاختلاف بينها وبين الديانات الأخرى أن النبي لا يعينه أحد ولا ينبعث بأمر أحد، ولكنه ينبعث بباعث واحد من وحي ضميره ووحي خالقه)([44]).
ويقارن بين النبي والكاهن؛ فيذكر أن الكاهن يعين والنبي لا يعين، ويذكر أن الكاهن وجهته نظام المجتمع وتقاليد الدولة وما إليها من الظواهر أو الواجبات العامة، والنبي وجهته سريرة الإنسان([45])!!
وهذا الكلام لا تجده ولا تسمع به إلا عند العقَّاد، لا يقول به مسلم ولا نصراني ولا يهودي.. بل ولا وثني، فقط تسمعه من العقَّاد المخالف للجميع دائمًا!!
وعند العقَّاد أن النبوة أنواع؛ يقول: (ومن عجيب الاستقصاء أن القرآن الكريم قد أحصى النبوات الغابرة بأنواعها، فلم يدع منها نوعًا واحدًا يعرفه اليوم أصحاب المقارنة بين الأديان، ومن تلك الأنواع نبوءة السحر ونبوءة الرؤيا والأحلام ونبوءة الكهانة ونبوءة الجذب أو الجنون المقدس ونبوءة التنجيم وطوالع الأفلاك)([46]).
ويقرر في ذات الصفحة أن (النبوة الإسلامية جاءت مصححة متممة لكل ما تقدمها من فكرة عن النبوة)!!
والعقَّاد يقول بأن الأنبياء كانوا أشبه ما يكون بـ(دراويش الطرق الصوفية)، و(اصطنعوا من الرياضة في جماعتهم ما يصطنعه هؤلاء الدراويش من التوسل إلى حالة الجذب تارة بتعذيب الجسد، وتارة بالاستماع إلى آلات الطرب)، وأن النبوة (كانت صناعة وراثية يتلقاها الأبناء من الآباء)، وأن بني إسرائيل صبروا عليهم ليستفيدوا منهم في (الكشف عن الخبايا والإنذار بالكوارث المتوقعة)([47]). ثم يقول مستنبطًا: (لم تكن النبوة عند القوم في هذه العهود إلا صناعة مرادفة لصناعة التنجيم أو لصناعة الفراسة المنذرة بالكوارث المتوقعة)([48]).
ويقول ملخصًا لحال النبوة والأنبياء في بني إسرائيل: (ويتلخص تاريخ النبوة بين بني إسرائيل إذن في كلمات معدودات: إنهم قد استعاروا فكرة النبوة من جيرانهم العرب الذين ظهر فيهم ملكي صادق على عهد إبراهيم الخليل، وظهر فيهم بعد ذلك أيوب وبلعام وشعيب، ففهموا من النبوة معنى غير معنى الرؤية والعرافة والسحر والتنجيم، وأنهم ما زالوا يتعلمون من جيرانهم إلى أن أتى موسى الكليم الذي تتلمذ على حمية نبي مدين قبل جهره بدعوته وبعد أن جهر بهذه الدعوة في مصر وخرج بقومه منها إلى أرض كنعان، ولكنهم أخذوها وسلموها فنقصوا منها ولم يزيدوها)([49]).
وينطوي هذا التقسيم على أن الكهان كالأنبياء  لصلاح حال الناس، لا أنهم كانوا جزءًا من الانحراف السلطوي والديني، يقول الله تعالى: ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ   ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ([50])  [الشعراء: ٢٢١ – ٢٢٢] فهؤلاء يتلقون وحي الشيطان، وهؤلاء من رؤوس الضلالة في الناس، وليسوا أحد قسمين ينصلح بهم حال الناس كما يدعي عبّاس.
والعقاد يصطف بجوار أسوا من تحدث عن النبي-صلى الله عليه وسلم-: توفيق فهد في كتابه "الكهانة العربية قبل الإسلام"، وسيد القمني في عدد من كتبه، وجوزيف قذى (أبو موسى الحريري) في عددٍ من كتبه، وجماهير المستشرقين و"المبشرين" .. كل هؤلاء يحاولون إثبات أنها كانت أرضية.. أن النبوة تطور لشيء في بيئة النبي-صلى الله عليه وسلم-، وكل واحد يحاول أن يدخل من باب(الكهانة والسحر والشعوذة، السيطرة على العرب باسم الدين، يطلب ملكًا فقده أجداده، سمع من يهود وتأثر بهم...إلخ)، وكل الأبواب موصدة، وقد ناقشت هذا الأمر باستفاضة حال الرد على شبهات النصارى، فقط أريد أن أبين أن عبّاس يقف في أسوا مكان.. مع أعداء الدين؛ ولا أتهمه بالكفر؛ فقط أبين أين يقف ومن استفاد من أطروحاته[51].
تبني العقاد لفكرة التطور وفكرة العبقرية هو الذي ألقى به في هذا الغائط بجوار أعداء الدين هؤلاء. فعنده أن الأمور كلها تتطور وأن الأشخاص (العباقرة تحديدًا) هم الذين يصنعون الأحداث.
العقَّاد وغاندي!!
غاندي عند العقَّاد نبي مكتمل النبوة، ودينه هو «الاهمسا». وقد شرح العقَّاد دين غاندي الذي كان يبشر به ثم قال معقبًا بعد أن بشر بها: (هذه هي خلاصة «الاهمسا» كما كان غاندي يبشر بها أبناء أمته، وأبناء كل أمة تصل إليهم دعوته)([52]) ؛ بل تستطيع أن تقول: إن العقَّاد كتب لشرح ملة غاندي، فكلامه عن دينه وليس عن شخصه، واسم الكتاب الذي اختاره يدل على ذلك، بل راح يروّج لهذا (الدين) الجديد بذكر حال أوروبا وقد وعت الدرس وآمنت بمبادئ "رسول السلام" غاندي.
أقول: ولو أن الشريعة حاضرة في ذهن العقَّاد ما رضي بهذا.
العقَّاد يصدق ما يعرض عليه، أو يصدق ما يتكلم به المنحرفون من النصارى والوثنيين واليهود عن معتقداتهم، ويتكئ عليه ويستدل به أو يناقشه أو يعرضه علينا، فعل هذا مع اليهود، وفعل هذا مع النصارى، ومع البوذيين، ومع قدامى المصريين، والأفارقة الوثنيين، وفعل هذا مع غاندي الهندي عابد البقرة!!
فتجده مصدقًا للجميع، أو لا يناقشهم نقاش معترض على عقائدهم، ولك أن تتدبر كتاب (إبليس) وكتاب (الله) جل جلال ربنا وتقدس، وكتاب "عبقرية المسيح" عليه السلام، ستجد فيه الشيء الكثير من هذا وهو يتكلم عن الديانات الأخرى.
يتكلم عن الديانات الأخرى بما يقدمه بها أصحابها دون أن ينقضها، فيعرض كلام غاندي عن أمه البقرة، ويعرض أفكار غاندي، ويعلن احترامه لها، وإن كان لا يوافقها!!
ويعرض ما تكلمت به يهود عن أنبياء العهد القديم وكأن كلامهم حقائق يحاكمهم إليها.
لا يرى العقَّاد التناقض بين هذه العقائد والدين الإسلامي، ولا يشجب العقَّاد على تلك العقائد؛ ذلك أن الدفاع عن العقيدة الإسلامية أو النكير على غيرها من العقائد المضادة لا يبدو أنها قضيته. ويأتيك كشفٌ لقضية العقَّاد الأولى التي يدافع عنها ونحن نتكلم عن العبقريات إن شاء الله تعالى وبحوله وقوته.
إنكار المعجزات:
والعقَّاد ينكر المعجزة([53])، ويستدل على أن النبي ﷺ لم يقدم معجزة لمن سألوه إياها في مكة بقول الله تعالى: ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ        ﮚ ﮛ ﮜ      ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ      ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ    ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ  ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ        ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﮊ .[الإسراء: ٩٠ – ٩٥]
ويستدل بحديث المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا اللهَ»([54]).
ولا دليل فيما قدم فالمعجزة ثابتة.. راسخة شامخة في آيات كثيرة  من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ يعرفها العمي والصمُّ.
إنكار العقَّاد للمعجزة فرع على إنكاره الوحي من الله لأنبيائه أو تفسيره الخاص للوحي والذي ينتهي إلى أن النبي ارتقى حتى علم عن الله، فالنبي عند عبَّاس العقَّاد بشر.. (عبقري)، وثبوت المعجزة يهدم بيت العقَّاد من قواعده ، ولذا أنكرها!!
المعجزة ـ ويدخل فيها ضمنًا الإنباء بغيب ـ هي الأمارة العقلية على النبوة.. على تلقي وحيًا من الله. والمعجزة هي الثابت الذي نتحاكم إليه في القول بأن هذا نبي أو ليس نبيًا، فتأييد النبي بمعجزات وإخباره عن غيبيات، أتت أو ستأتي، دليل على أن النبي على علاقة بعلام الغيوب سبحانه وتعالى وعز وجل، ومعجزات النبي ﷺ كثيرة بالكاد تحصى، ونبوءات النبي ﷺ كثيرة أيضًا لا تكاد تحصى؛ فالقرآن أول معجزاته، والجمادات نطقت بين يديه وشهدت له بالرسالة([55])، وانشق له القمر([56])، وعدد من المرضى برئ بدعائه أو بلمسة يده أو بتفلة من فمه([57])، والطعام كُثِّر ببركته عدة مرات يوم الأحزاب ويوم تبوك ويوم عمرة القضاء([58])، والشاة العجوز التي لا تلد حلبت حين مسّ ضرعها بيده الشريفة([59])، والماء نبع من بين أصابعه([60])، والجذع حنَّ لفراقه([61])... وغير هذا كثير في كتب السنة الصحيحة.
وأنبأ عَدِيًّا بن حاتم الطائي  بأن الله سيتم هذا الأمر حتى يصير الراكب لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه([62])، وأن الله سيفتح الشام واليمن والعراق، وأن نفرًا من أصحابه سيخرجون إليها ويدعون المدينة([63])، وأنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده([64])، وأن عمَّارًا تقتله الفئة الباغية([65])، وأن عمر وعثمان شهيدان([66])، وأن أصحابه يقتلون أمية بن خلف([67])، ونعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وهو بالحبشة ورسول الله ﷺ  بالمدينة([68])، ونعى جعفر وزيدًا وابن رواحة حين قتلوا في مؤتة ـ الأردن حاليًا ـ وهو بالمدينة ﷺ، وكان يصف المعركة([69]).
وأخبر من أنباء الماضي؛ فحكى عن مريم، وعن موسى وعيسى، وأهل مدين، والمؤتفكات، وقوم تبع، وأصحاب الرس، وثمود، وعاد، وفرعون، وإخوان لوط، هذا وهو أميٌّ لم يقرأ ولم يكتب، ولم يخرج من بين شعاب مكة، وما حكاه عنهم لا يتوافق في قليل أو كثير مع حكايات كتب النصارى واليهود حتى يقال: إنه أخذ منهم، والعقَّاد يعرف هذا ويتكلم به في كتابه حقائق الإسلام وأباطيل خصومه.
وإنكار العقَّاد للمعجزة دليل على إهماله للنص الشرعي وعدم الالتفات إليه، وهذا متكرر مرّ بنا ويأتي مرارًا إن شاء الله وقدّر.
وإنكار العقَّاد للمعجزة تكرر في أكثر من مكان من مؤلفاته، فهو إصرار، وليس كلامًا عابرًا ، وقضية كبرى عنده ملخصها أنها كلها أرضية، من صنع"عباقرة".
 
المبحث الثالث:
التوحيد والنبوة بين منظورين
أول ما يتبادر للذهن حين ترى أو تسمع ما كتب العقَّاد عن الله ورسله سؤالٌ عن مصدر هذه المعلومات: من أين جاء عبَّاس بهذا الفهم؟!
بداهةً ليس من كتاب الله ولا من سنة رسوله-صلى الله عليه وسلم-، فما تحدث به العقَّاد يتصادم كليًا مع صريح القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد مرت أمثلة كثيرة على ذلك؛ وكثير منه ترفضه العقول الصحيحة.
 جمَّعتُ ما كتب العقَّاد وجعلت أعيد النظر فيه مرة بعد مرة فإذا هو غريب شاذ يستقيم مع طبعه في مخالفة السائد والرغبة الدائمة في التحدث بالجديد الذي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، والانطلاق من فكرة التطور وحتمية العامل الوراثي والظروف البيئية!!
انقسم الناس منذ خلق الله الخلق إلى فريقين: فريق اتبع رسل الله وفريق اتبع وساوس الشيطان[70]، والتاريخ صراع بين من اتبع رسل الله ومن اتبع هواه بغير علمٍ من الله واستجاب لوساوس الشيطان: منهجان: منهج وضعي.. أرضي .. حسي Positivism، ومنهج سماوي.. رباني.  والعقَّاد بينهما.
فريقان:
أعطى العهد القديم معلومات محددة عن الأحداث والظواهر الكونية القديمة،  ثم أثبتت الكشوفات العلمية بوضوح خطأ هذه المعلومات[71]، مما أورث الأوروبيين الشك في كتابهم، وقدموا نقدًا لنص كتابهم بعهديه القديم والجديد، وانتهوا إلى أنه لا يصلح كمصدر للمعرفة. ولهذا استدبر انسان التطور العلمي كتاب اليهود والنصارى كمصدر للمعرفة، واتجه للبحث عن المعرفة وفهم الظواهر الطبيعية بنفسه، فكانت موجة الكشوفات الأثرية ومحاولة كتابة تاريخ البشرية مرةً ثانية من خلال الآثار، واستبطن هؤلاء الرفض لكل ما انتسب للوحي، ولذا قدموا قراءة للتاريخ بدون ذكر للرسالات، فحين يتحدثون عن الفراعنة لا يأتون على ذكر موسى- عليه السلام- مع أنه ارتبط بأحد أهم الأحداث في تاريخ الفرعونية (هلاك فرعون) وظهور بني إسرائيل على مسرح التاريخ {كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الشعراء:59].
اندفع الإنسان العلماني بحثًا عن المعرفة يحاول الإجابة عن سؤال الخلق: كيف بدأ وإلى أين يسير؟،وما هذه الحياة الدنيا؟. راح يبحث عن المعرفة فيما يتعلق بالحياة الدنيا، واتكئ على أدوات حسية في اكتساب المعلومة، وتتغير معارفه يومًا بعد يوم كلما تطورت أدواته المعرفية، فما يقال اليوم عن الفضاء-مثلًا- غير ما قد قيل بالأمس. معرفتهم هي التي تتطور نتيجة قصور لديهم لا أن الحقائق تتطور.
ومكن الله للعلمانين من السيطرة فنشروا معارفهم على أنها مسلمات علمية، وبادر إليهم كثير من قومنا يتخذون من كشوفاتهم الأثرية مصدرًا علميًا للمعرفة، ويتكئون على ما افترضوه بمحض خيالهم يظنون أنه الحقيقة ويؤخَذون بكثرة المعارف لتراكمها والألقاب التي خلعوها على أنفسهم ومن والاهم. وظهر صدى ذلك في كتابات طه حسين عن الأنبياء وكتابات العقَّاد وعدد من المحدثين المنتسبين للظاهرة الإسلامية تأيدًا أو نقدًا[72].
 وما قدمه علماء الآثار، هذا الذي اتكئ عليه كثيرون من قومنا كمصدر للمعلومة وقبل كثير منه العقَّاد، يواجه عددًا من الإشكاليات:
أولها: أن الكشوفات الأثرية انتقائية فهم ينقبون حيث يشاءون، كما بينت في مقدمة هذا الفصل.
وثانيها: أن ما يتحدثون به يخضع لرؤيتهم هم، لتفسيرهم هم، ويلجؤون للترميم كي يستقيم الأمر مع أفكارٍ ثابتة عندهم تتمحور –هذه الافكار- حول إنكار الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، وإنكار فناء الدنيا والبعث بعد الموت. أو باختصار العداوة للدين، فهؤلاء انطلقوا من رفض الدين واستقروا في الإلحاد. وشكَّل الإلحاد.. أو المادية.. أو الوضعية Positivism (المشاهد على وضعه كما هو دون تفسيرات غيبية) إطارًا ومنظورًا للرصد والتفسير، ومن ثم الممارسة العملية، وفي جميع المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالعلمانية بتفرعاتها الواسعة تنطلق من "الوضعية" حتى النقدي القيمي (المدارس النقدية/ ما بعد الحداثة) منها وضعيٌ بشكلٍ ما.
وثالثها: حين تتابع التراكمية العلمية في هذا المجال تجد أنها تتجه بإصرار شديد إلى توطين الإلحاد.. إلى القول بأن الحياة الدنيا من مئات المليارات من السنين، وأن الحياة على الأرض –على فرض انتهائها- جزء من مليارات الأجزاء من تاريخ الكون، بمعنى الأزلية للحياة الدنيا، وجل حديثهم فروض "علمية" .. ظن وتخمين كما قال الله {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:24]، وتتغير من وقتٍ لآخر تغير تضاد.
ومن شواهد ذلك أنهم يرقعون (يرممون) الآثار لتقول بقولهم!
ومن شواهد ذلك أن الظواهر لا تتغير وإنما يتغير تفسيرها!!
ورابعها:  يلفت النظر في هذه الكشوفات –من وجهة نظري- التشابه بينها، وخاصة التماثيل والأنصاب، فالأهرامات وجدت في "أمريكا الوسطى"، ووجدت في أفريقيا، ووجدت في الصين. وكذا الرواية النصرانية عن التجسد والصلب للفداء وجدت قرابة عشرين مرة على مدار التاريخ، وموزعة على صفحات الأيام والأماكن. 
ذكر بعض المحللين-ومنهم عبَّاس العقَّاد- أن سبب ذلك هو تمدد الحضارات، وراح يتحدث عن بطولات خارقة لشعب من الشعوب جعلت ما اشتهر به هذا الشعب من أصنام وأنصاب تتواجد عند شعوب أخرى، فعبَّاس العقَّاد -مثلًا- يفسر وجود تماثيل مشابه لتماثيل الفراعنة في الهند بأن المصريين (الفراعنة) بلغت دولتهم الهند. والغربيون يفسرون تواجد تماثيل الإغريق في الهند بأن اليونانيين غزوا الهند واستقروا فيها حينًا (الأسكندر المقدوني(، وابن خلدون في مقدمته وقف عند هذه الأخبار ومثلها (كالقول بتمدد تتابعة اليمن تجاه المغرب العربي) ينكر تلك الأخبار ويتهم من نقلها بأنه ينقل الكذب بقصد أو بدون قصد، واتكئ في مقدمته على أن عامة كُتَّاب التاريخ (الإخباريين كما يسميهم) ينقلون ما يجدون دون تدبر.
لم يحاول أحدهم أن يفسر تمدد بعض الحضارات دون أن يتركوا آثارًا، كما في حالة الفرس مثلًا، فقد جاءوا إلى المشرق فجاسوا خلال الديار، ولم يتركوا آثارًا، اللهم نقوشات ربما أحدثت بعدهم.
إنهم حول حقيقة تخفى على بعضهم، وربما يعرفها بعضهم ويحاول أن يخفيها، وهي أن الشيطان سبب ذلك كله. نعم: يقينًا سبب ذلك كله. ولعلَّ سائلًا يسأل: من أين اليقين بأن الشيطان وراء ذلك كله؟
الخبر بالمخبر (مَن أخبر عنه)، أو بشواهد في ذات الخبر. والله ربنا، الخالق العليم، سبحانه، وتعالى ذكره، قد ذكر في كتابه وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم،- أن الشيطان هو الذي حرض البشر حتى نصبوا الأصنام وشيدوا الأنصاب، وأن ذلك مرَّ بمراحل بدأت بتعظيم المبرزين، ثم تصويرهم على الجدران، ثم نصب أوثان لهم، وأنصاب حولهم، ومن شاء أن يتقرب إليهم بذبحٍ أو عظةٍ يصعد النصب ويذبح عليه شاةً أو يحرض الناس على اتباع الغواية والضلال. وينصب المستفيدون من الكفر (كهان وحكام) الأصنام والأوثان في حرمٍ يخلعون عليه "قداسة" كي يتخلى الداخل فيه عن يقظته الفكرية والإنسانية، فيهريق عقله ومروءته بدعوى أن لا عقلانية في "التعبد". متشابهون كلهم؛ أفكار الكفر وتطبيقاته العملية محدودة، وتتكئ- في جملتها- على تعظيم شيء في الأرض لذاته أو وصولًا للذي في السماء، سبحانه وتعالى وعز وجل. فهذا التشابه في التصوير على الجدران، والتمثيل بأحجار، والحرم "الآمن"، أمارة في "المخبر عنه" بأنه خرج من رأس واحدة.. إبليس لعنه الله. وليست حالة من اجتياح الحضارات بعضها بعضًا، فلم تك أبدًا بصمة تتركها "حضارة" على أختها حين استحلت حرامها، كما يدعي هؤلاء.
هناك رؤية أخرى للحياة مصدرها رسل الله، عليهم الصلاة والسلام،: الله هو الخالق، سبحانه وتعالى ذكره، وخلق الخلق بمشيئته ولغاية حددها هو، وأرسل رسلًا مبشرين ومنذرين، وأقام حياة الناس على الإيمان به، وحين تحدث عن الأمم السابقة في كتابه الكريم تحدث عن إيمانهم وكفرهم بالله: ماذا فعل بمن آمن وماذا فعل بمن كفر؟، وماذا أعد للمؤمنين في الآخرة؟، وبماذا توعد الكافرين؟
وقدَّم إجابة شديدة الوضوح لخلق السموات والأرض: {مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا }[الكهف:51].
و في القرآن الكريم عرض تفصيلي لخلق الإنسان الأول.. آدام، عليه الصلاة والسلام، وأنه خلق من طين، والذي خلق من طين هو آدام- عليه السلام- المذكور في القرآن الكريم، وليس إنسانًا بعيدًا دخل التطور في ذريته كما يدعي عباس وغيره، وآيات سورة "ص" شديدة الوضوح على أن الذي خلق من طين هو آدم عليه السلام، يقول الله تعالى: (إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرًا مِّن طِين٧١ فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ٧٢ فَسَجَدَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ٧٣ إِلَّآ إِبۡلِيسَ ٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ٧٤ قَالَ يَٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِينَ٧٥ قَالَ أَنَا۠ خَيۡر مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّار وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِين) (ص: 71 -76).
وفي القرآن الكريم معالم رئيسية لتاريخ البشر في هذه الحياة الدنيا تتمحور حول الإيمان والكفر بالله، من ذلك: أن البشرية تعرضت للهلاك بالطوفان (والطوفان مذكور في تواريخ عامة الأمم)؛ وأهلكت قبل موسى-عليه السلام-، فلا أحد يعرف ما قد كان قبل موسى إلا عن طريق الوحي من الله، قال تعالى: {ولَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[القصص:43]. وأن البشرية لا تتطور صعودًا أو هبوطًا. بل تسير في دوائر.. أو تصعد وتهبط.
والمقصود أننا أمام منطلقان مختلفان..رؤيتان مختلفتان وأصحاب كل رؤية يحاولون تطبيقها واقعًا في مجالات الحياة المختلفة: في السياسة والحكم، في الاقتصاد والمال، في الثقافة والمجتمع.. في كل شيء. ما يعني أن اللقاء بينهما لا يكون إلا في إطار تابع ومتبوع.. غالب ومغلوب. 


عبَّاس العقَّاد بين الفريقين:
وقف عبَّاس بين الفريقين: فمن ناحية لم يركن إلى الوحي ويقول بما قال الله، ومن ناحية أخرى لم يأخذ الإلحاد جملةً. ولم يحاول التوفيق بين الرؤيتين أيضًا. وإنما راح يغرف من هنا ويغرف من هناك، فحديثه عن (الهمجي الأول) هو حديثهم هم، وحديثه عن التطور في العقائد وأن المعرفة جاءت بالتجربة هو حديثهم هم. وحديثه عن  وجود أنبياء وإيمان بالله له أصل عندنا وإن خالفنا في التفاصيل. ونكرر السؤال: كيف وصل عبَّاس العقَّاد لهذا الفهم الغريب؟
يرجع ذلك لأمرين:
أولهما: الغرق في التفاصيل:
سيطرت التفاصيل على عبَّاس العقَّاد، سواءً على مستوى القضايا التي اهتم بها أو على مستوى الأدوات المعرفية التي استخدمها في الرصد والتحليل. وهذا مضطرد في مراحله المختلفة؛ فقد كان في تفاصيل السياسة.. بداخل حزب.. يناضل عن حزب. وحين قاتل في ساحة الأدب دخل في معركة جانبية ولم يتبنَّ قضية كلية. قاتل شوقي ومن أجل الانتصار في معركة جانبية اصطف-بقصدٍ أو بدون قصد- مع الرؤية الغربية في الأدب، فانتهى الأمر بتحقيق انتصار جزئي على شوقي وفي ذات الوقت تحقيق أهداف كلية لصالح التمدد الغربي الثقافي في الساحة الإسلامية، فانتظم- من حيث يشعر أو لا يشعر- ضمن قطار النصارى والعلمانيين الموصول بالثقافة الغربية!!
وترتبط التفاصيل بكليات دائمًا. فكل عامل مرتبط باستراتيجية تستخدمه لتنفيذ سياسات معينة. والعاقل ينظر أين يقف؟، ومن المستفيد من كتاباته النظرية ومواقفه العملية؟
وعلى مستوى أدوات التحليل استخدم العقَّاد نظريات جزئية، وأهمها: العبقريات والتطور وكلاهما من الرؤية الوضعية للحياة، وسنأتي على تفاصيل نظرية العبقريات إن شاء الله.
ثانيها: تقليد ابن خلدون:
أدوات عبَّاس العقَّاد التحليلية أيضًا تفصيلية، بمعنى أنه استخدم نظريات تعنى بالتفاصيل لا بالأمور الكلية، مع أنه يتحدث في كليات.. عقائد.. فكر.. ويناطح الفلسفة أحيانًا!!
 ومع أني لم أقف على إشارة واضحة من عبَّاس العقَّاد لابن خلدون إلا أن العقَّاد استخدم أدوات ابن خلدون في الرصد والتحليل؛ من ذلك الربط بين البيئة ومن يعيشون فيها. فقد ادعى ابن خلدون في مقدمته أن طباع الناس وأخلاقهم تابعة للبيئة التي يسكنون فيها، وأن كل بيئة تصبغ من عليها بصبغتها، يقول: الأنبياء والحكماء والممالك المتزنة وسادة البشرية يتواجدون حيث المناخ المعتدل. وحيث ينحرف المناخ، بحرٍ أو برد، فالطيش والنزق كما الحيوانات!!.  يقول: الهواء الحار والهواء البارد يحدد ألوان الناس وطباعهم.!!
 وغير صحيح. فشبة الجزيرة العربية صحراء جرداء شديدة الحر، وتهب عليها ريح كأنها السموم، ولا يلطف جوها البحر كما ادعى، فالرطوبة المرتفعة تكاد تخنق من يسكن على الشاطي، ومع ذلك في كل بقعة منها وجدت رسالة، ومن الجنوب للشمال: قوم عاد (بين اليمن وعمان اليوم)، وخاتم النبيين –صلى الله عليه وسلم- بعث في الرمضاء بين جبالٍ سوداء.. في وادٍ غير ذي زرع، وثمود في المدائن يسكنون الجبال وتحيط بهم كثبان الرمال. والتتار سادوا وهم أهل بداوة ومناخٍ شديد الانحراف، وكذا: ساد أهل الشمال (السوفيت وأوروبا) بالأمس واليوم وهم أهل مناخٍ شديد الانحراف، ولا تكاد تجد أمة إلا وقد سادت يومًا ما كان مناخها معتدلًا أم منحرفًا إلى حرٍ أو بردٍ!!
 أخذ عبَّاس العقَّاد أداة ابن خلدون التحليلية (تأثر البشر بالبيئة) واستعملها فيما سماه "تاريخ الأديان"، حاول الربط بين البيئة والنبوة فتحرك في نواحيها يقول: هذه البيئة يصلح لها الكهان، وهذه يصلح لها الأنبياء، والمدن لها شأن مع النبوة والبادية لها شأن آخر، وكله من خياله، وكله يتعارض مع الكتاب والسنة، وقد ناقشناه بالتفصيل في أول هذا الفصل.
وأخذ عبَّاس من ابن خلدون قراءة الواقع على ما هو عليه، وهي آفة علم الاجتماع عمومًا، وتضخمت هذه الآفة عند العقَّاد، حتى أنه ليقرأ كل قوم بما يقولون، ووصل الأمر لأخذ النصارى بما يقولنه هم عن كتابهم وعن بولس (شاؤول)، وعن الصلب من أجل الفداء، وكذا فعل مع غاندي وتحمس له، وزعيم الصين، وزعيم أمريكا.
حين يتحدث عن هؤلاء لا يقدم لهم نقدًا بل يقرأهم على ما هم عليه ويتيه بهم فخرًا. وسأدخل على هذه النقطة من زاوية أخرى-إن شاء الله- حال التحدث عن عبقريات العقَّاد.
والحقيقة أن الواقع يمثل نقطة انطلاق للتشخيص، للتعرف على المناط كي نأتي له بالحكم الصحيح إذا كان المقام افتاء، أو للبحث عن الدواء إذا كان المقام دعوة وإصلاح، ولكن الواقع –أبدًا- لا يكون مصدرًا للقيم الحاكمة ولا يقرأ كما هو. فالقيم هي التي تصوغ الواقع. وكل مجتمع تطبيق لمجموعة من القيم، أيًا كان وصفها. وكل قيم تغير الواقع مهما كان الفرق بينها وبينه إذا وجدت من يغرسها ويرعاها؛ كما حدث في النموذج الإسلامي الأول، فقد تبدد ظلام الجاهلية الدامس الذي كان يخيم على الأرض بأكملها إلا قلة قليلة من "الأحناف"، وما هي إلا سنوات معدودة حتى خرج الناس من مستنقع الكفر الآسن إلى مرتع الإيمان البهي.
وفي واقعنا المعاصر نموذج شديد الوضوح يشهد بأعلى صوته على كذب من ادعى حتمية الواقع، أو من اختلت عنه الرؤية فظن أن الواقع يفرض مفاهيمه على الجميع. هذا النموذج هو تمكن الإباحية (الجنسانية كما يسميها مشيل فوكو في كتابه تاريخ الجنسانية)، من المجتمعات الغربية وظهورها في المجتمعات الإسلامية وكادت أن تتمكن منا كما تمكنت من غيرنا. فقد كانت المجتمعات الغربية إلى وقت قريب محافظة لا تعرف التعري. بل، ولا تعرف غير الحجاب وقرار النساء في البيت، حتى دبت منظومة الإباحية (أيدلوجيا الإباحية) ووجدت من يحملها إيمانًا بالرزيلة وبغضًا في الفضيلة، أو تكسبًا من حيث لا يحل، أو وسيلة لسياسة الناس.
وكما تمكنت منظومة أفكار (أيدلوجيا) الإباحية من المجتمعات الغربية والجنوبية تتمكن اليوم من مجتمعاتنا، فهذه أفكار تغير واقع، ثم يأتي المؤمنون بخطيئة ابن خلدون (وهي خطئية علم الاجتماع عمومًا) يصرخون بحتمية الواقع، وكأن هذا الواقع لم يُصغ من قبل مفاهيم حملها قلة من الناس عالجوا بها الواقع حتى أعادوا تشكيله، وخاصة في الحالة الإسلامية التي نزلت إليها المفاهيم وحيًا من الله.


ومما جعل الأمر يلتبس على بعضهم أن أغلب الناس تبع، يخضعون للواقع في كل شيء .. أغلب الناس مع ما ذاع وانتشر، في عقائدهم وفي خاصة أمرهم. يرددون ما يتردد ، ويلبسون ما يلبس وإن كان محرمًا، ويأكلون ويشربون ما يؤكل وما يشرب وإن كان مما لا يضر ولا ينفع. فالواقع هو أبو هؤلاء وسيدهم وهم أتباعه، وهم الكثرة الكاثرة، ولكن الواقع الذي يسوق هؤلاء حيث يشاء هو هو بنفسه تبع لفئة قليلة تؤمن بفكرة وتُخضع لها الواقع، وإنهم في كل زمانٍ ومكان .. صالحون أو مفسدون. فالمحصلة أن الحياة تدار بالنخبة، والنخبة تعمل دائمًا على تطوير الواقع تبعًا لأهدافها/ مصالحها الخاصة.


جاء ابن خلدون بعد أن كُسر المسلمون في الأندلس ودخل النصارى عليهم في المغرب واحتلوا أطراف العالم الإسلامي وهاجموا قلبه،  فراح- بقصد أو بدون قصد- يقول بسيادة الواقع، والواقع يسود على الهمج ويأخذهم حيث شاء، والواقع ذاته بيد فئة من الناس.. أولئك الذين يحرسون القيم ويستنبتونها. وعبَّاس العقَّاد أخذ أصل الفكرة (قراءة الواقع على ما هو عليه) دون البحث عن القيم (الأفكار الكلية) التي شكلته، ووقف أمام العباقرة منبهرًا دون أن يناقش أفكارهم التي قاتلوا من أجل صياغة الواقع على أساسها، حتى وإن كانت شديدة الانحراف تعبد البقرة والأصنام ولا تعرف الإيمان بالله. لم يكن العقَّاد، وهو المفكر، ينتبه لمسارات القيم: مصدرها وأثرها، وإنما ينطلق من الواقع كمسلمة.
وأخذ من ابن خلدون –فيما يبدو لي- فكرة الوعي الكوني.. والصفاء حتى ترتقي الروح وتعرف الغيب، فقد أطال ابن خلدون في هذا الأمر، وشرب العقاد من ابن خلدون ثم طور الفكرة فيما تحدث به عن الأنبياء وصفائهم حتى يدركون عن الله (وهو معنى الوحي عنده)، وكذا الصوفية ومن قاربهم وهو جملة ما يرددونه عن الأولياء الذين يدركون عن الله بلا وحي فاجتمع الثلاثة (ابن خلدون، وعباس، والصوفية) عند حالة التيه التي تصيب "المجاذيب"، ابن خلدون، وكان قد تصوف في أواخر أيامه، يقول: صفاء روح، والصوفية يقولون كرامات للأولياء، والعقاد يقول: وعي كوني.
غرق العقَّاد في التفاصيل وعدم التفاته للسياقات العامة، جعله يأتي الشيء وضده، وهذا نفعه كما أضره، فكل من يقرأ للعقاد يجد عنده شيئًا يعجبه، ذلك أنه غير مضطرد إلا في الحرص على المخالفة وتبني الشاذ، فالنصارى يجدون عند العقَّاد ما يفرحون به وينقلونه بتيهٍ وفخر، وعباد البقر والشجر والحجر، والأمريكان، والإسلاميون. ولأنه مكثر يأتي كل واحدٍ لما يريد يكتفي بما يعنيه، ثم يظن أن عامة ما كتب العقَّاد على هواه، ويغيب عنهم أن العقَّاد نسيج وحده.. فيما لا ينفع للأسف الشديد!!


[1] أعني هنا تحديدًا كتابه "الفلسفة القرآنية"
[2] انظر: الشيخ الدكتور سفر الحوالي في سلسلة تاريخ العقيدة نشر في 10/2012، أخذ بتاريخ 18/3/2018 من الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=HtH9CSWAjDQ&list=PLBz9DCFuq899BciHwVcvrwaX6Tgs6VOcv
([3]) موسوعة عبَّاس العقَّاد الإسلامية، (لبنان، دار الكتاب العربي،1970) ج1،ص17.
([4]) أكثر في هذه الرسالة من استخدام مصطلح (الهمجي الأول)، وأكد هذا المعنى في بداية كتابه (إبراهيم أبو الأنبياء)، وكذا في بداية كتاب (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه)، وفي كتاب (إبليس) في المقدمة والفصل الأول، وألمح إليه وهو يتكلم عن تطور المجتمعات في بداية كتابه عن غاندي! فليست كلمة عابرة. بل معنى مستقر.
([5]) ص 6. وأكد هذا المعنى بكلمات متقاربة في خاتمة بحثه (إبراهيم أبو الأنبياء)، وأشار إلى شيء منه في مقدمة كتاب (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه)، وفي ص109، 110 من ذات الكتاب. وفي كتاب (عائشة الصديقة بنت الصديق) ص110 وفي مقدمة كتاب (إبليس).
([6]) عبَّاس محمود العقَّاد، إبليس، (القاهرة، مؤسسة هندواي للتعليم والثقافة، 2013)، ص62.
([7]) التفكير فريضة إسلامية، ضمن المجلد الخامس من مجموعة عبَّاس العقَّاد الإسلامية ط دار الكتاب العربي، ص963، 964. وأثبت هذا المصدر بالطبعة، كون هذا الكتاب كتب في أواخر أيام العقَّاد (بعد العبقريات)، وكتب بروح "إسلامية" لا بروح السياسي الناقد، ومع ذلك ظهر عبَّاس العقَّاد فيه مؤيدًا بوضوح للدارونية والوجودية بعدها في ذات الصفحات..
([8])  مسند أحمد، حديث رقم 21357. وانظر: تفسير ابن كثير (8/540)، وانظر: السلسلة الصحيحة (6/167) حديث رقم (2668).
[9] وفي كتابه "الفلسفة القرآنية" يتكئ على أن الدين، من حيث العموم، فطرة عند الناس.
([10]) بعد أن استعرض أقوال الفلاسفة في نشأة العقيدة عقد العقَّاد فصلاً أسماه (الوعي الكوني)، عرض فيه ما لخصتُه في النص أعلاه، وعاد ثانية للحديث عنه في نهاية كتابه، تحديدًا في فصل (وجود الله).
([11]) عرف العبقرية واشتقاقها في كتابه (إبليس) ص155، 156. وينتهي إلى أنها (وصف للنفاسة بغير نظير).
([12]) الخليل إبراهيم ص175، 176. وكرر ذات الكلام في (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه) ص56.
([13]) ص 80 في مطلع كلامه عن الفلسفة.
([14]) انظر بداية ونهاية كلامه عن بني إسرائيل في كتاب (الله)، وانظر: (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه) ص111، ولا أدري كيف وصل لهذه النتيجة وهو يقول بأن عقيدة بني إسرائيل هي الأخرى تطورت (وتهذبت مع الزمن)، وأنهم ظلوا يعبدون الأصنام كما كانوا في عهد إبراهيم عليه السلام، وأن ما عندهم عند البابليين والفرس وغيرهم!! وتأتي مناقشته إن شاء الله في الصفحات القادمة.
([15]) ذكر في جملة واحدة أن موسى عليه السلام علّم بني إسرائيل التوحيد، ولم يعلق عليها، وهي طبيعته؛ الأشياء الـمُسلّم بها يذكرها دون تعليق، ربما يقدم عذرًا لمن يريدون أن يعتذروا عنه بهذا الاعتراض الذي لا يعني شيئًا في سياق كلامه، وقد فعل هذا مع حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الذي جاء فيه صفة الوحي، ذكره في عبقرية محمد غير مستدلٍ به، ولم يناقشه مع أنه ينقض كلَّ ما يذهب إليه!!
([16]) النقاط منه وليست مني.
([17]) انظر: فصل بني إسرائيل في كتاب (الله)، وانظر: ص 58، 77 من كتاب (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه) ضمن المجلد الخامس من موسوعة العقَّاد الإسلامية ط. دار الكتاب ـ بيروت، وانظر كتاب (إبليس) ص89, و127.
([18]) ص93.
([19]) يهود اليوم لا يصح نسب غالبيتهم ليعقوب ـ عليه السلام ـ فكل جماعة منهم يشكك بعضها في نسب بعض، فمن قديم تكلموا في أنساب يهود العرب، واليوم يتكلم في نسبهم العارفون بتاريخهم؛ يقولون: إنهم من قبائل أوروبا الشرقية دخلوا اليهودية مع ملكهم.
([20]) متفق عليه؛ البخاري برقم 3158، ومسلم برقم 323.
([21]) البخاري برقم 3196، ومسلم برقم 3429، واعترف العقَّاد بذلك في تعليقه ـ في ذات الكتاب ـ على تأثر اليهودية بالفلسفة.
([22]) تكلمت عنه ثريا منقوش في كتابها (التوحيد في تطوره التاريخي)، وتكلم عنه جواد علي في المفصل، وهذا الأمر طبعي في الوثنيات كلها، حتى أصنام العرب كلها بلا استثناء عرفت عند الشعوب الأخرى التي سبقتهم، وهو الشيطان يوحي لأوليائه في كل مكان بذات الشرك.
([23]) أعتمد على نسخة المكتبة العصرية. صيدا. بيروت.
([24]) ص6، وأكد هذا في ص150، وفي نهاية بحثه ص197.
([25]) إبراهيم أبو الأنبياء ص123، 133.
[26] تشابه الشرك مع اختلاف الزمان والمكان سببه أن كله خرج من رأس الشيطان. فالمنحرفون عن التوحيد أتباع رسل الشيطان، انظر للكاتب في الصفحة الخاصة بصيد الفوائد وطريق الإسلام مقالًا بعنوان: "من وحي الشيطان".
([27]) موسوعة العقَّاد الإسلامية (5/61).
([28]) موسوعة العقَّاد الإسلامية (5/56) ط. دار الكتاب ـ لبنان.
([29]) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص52.
([30]) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص83.
([31]) كتاب (إبليس) ص 128.
([32]) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص263.
([33]) ص 915.
([34])  أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ص 141، 142.
([35]) مدينة لوط عليه السلام، وسدوم فعول من السدم، وهو الندم مع غم، ويضرب بقاضيها المثل في الجور. معجم البلدان (3/200).
([36])  مدينة شعيب عليه السلام، وسميت باسم الشعب الذي يسكنها، بني مديان بن إبراهيم عليه السلام.
([37])  أبو الأنبياء إبراهيم ص 144.
([38])  أبو الأنبياء إبراهيم ص 149، 150.
([39]) وهو مضطرب؛ ففي كتاب إبليس ص83 في بداية فصل (في طريق الأديان الكتابية) يذكر أن أول الديانات الكتابية ـ كما يسميها ـ هي ديانة التوراة!!
([40]) إبراهيم أبو الأنبياء ص138.
([41]) ص 157، وأكد ذات المعنى في ص 179.
([42])  هي مدينة الخليل عليه السلام.
([43])  انظر: كتاب (إبليس) ص86، وقد رتب كتابه بناءً على الزمن، وصرّح في الصفحة المذكورة (86 ) بالترتيب، وهو ينطبق مع ما يتكلم به العقَّاد من تطور الديانات كما تطورت المعيشة!!.
([44])  ص 157، وأكد المعنى ذاته في ص179.
([45])  إبراهيم أبو الأنبياء ص 157، 158.
([46]) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه من موسوعة العقَّاد الإسلامية (5/73).
([47]) المصدر السابق ص76 ، 77.
([48]) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص80.
([49]) حقائق الإسلام ص 82.
([50]) ذكر الطبري وغيره أن المقصود بالآية هنا هم الكهان.
[51] وفي الفصل الخاص بمناقشة العبقريات ستظهر هذه الفكرة بوضوح تام، فالعقاد يؤمن بأن أثر البعثة من البيئة التي نشأت فيها.
([52]) انظر كتابه عن غاندي ص98.
([53]) انظر: فصل العقائد في كتابه (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه) ص73 وما بعدها، وانظر: فصل المعجزة في كتابه (التفكير فريضة إسلامية).
([54]) البخاري برقم 985.
([55]) البخاري حديث (3579)، ومسلم حديث (4222).
([56]) البخاري حديث (3636)، ومسلم حديث (5010).
([57]) البخاري حديث (2942)، ومسلم حديث (4423).
([58])  البخاري حديث (602)، ومسلم حديث (3833).
([59]) مسند أحمد حديث (3417).
([60]) البخاري حديث (3579)، ومسلم حديث (4224).
([61]) البخاري حديث (918)، ومسلم حديث (1407).
([62]) البخاري حديث (3595)، ومسلم حديث (1687).
([63]) البخاري حديث (1875)، ومسلم حديث (2459).
([64]) البخاري حديث (3120)، ومسلم حديث (5196).
([65]) البخاري حديث (447)، ومسلم حديث (5192).
([66]) البخاري حديث (3674)، ومسلم حديث (4416).
([67]) البخاري حديث (3950).
([68]) البخاري حديث (1245)، ومسلم حديث (1580).
([69]) البخاري حديث (1246).
[70] شرحت هذا بالتفصيل في مقدمة كتاب "تفعيل المنافقين" (هذا البحث تطبيق له).
[71] انظر الحلقة الأولى من "تاريخ العقيدة" للشيخ الدكتور سفر الحوالي،وفيها أن أول من نبه لهذه الأخطاء هو الإمام ابن حزم.
https://www.youtube.com/watch?v=HtH9CSWAjDQ&index=1&list=PLBz9DCFuq899BciHwVcvrwaX6Tgs6VOcv ذكر عددًا من الأمثلة على ذلك وناقشها.
[72] من هؤلاء جاسم سلطان. وقد ناقشت افكاره في عدد من المقالات.


 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية