اطبع هذه الصفحة


الكافر والمنافق والغافل في قضايا المرأة

محمد جلال القصاص


بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الكافر والمنافق والغافل في قضايا المرأة


الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه ، وبعد:ـ
هذا حوار عن قضية المرأة ، أجري مع موقع ( وفاء لحقوق المرأة ) و موقع ( لها أون لاين ) ، وضعت الحوارين مرتبين :

http://www.wafa.com.sa/contents/304
http://www.lahaonline.com/articles/view/36160.htm

**ما هو أهم ما ترصده فيما يعرف ( بقضايا المرأة ) ؟

أهم ما أرصده هو أن هذه القضية منشأها من الآخر ( الكافرين ) ، وهو الذي يرعاها إلى اليوم .

**لو وضحت أكثر ؟!

حين ترصد ما يقال عن ( قضايا المرأة ) تجد أنهم يرجعون لقاسم أمين، أو يقولون بدأت بنساء الفرنسيين اللواتي كن يركبن الحمير في شوارع القاهرة حاسرات متبرجات ويتفاعل معهن السوقة من الناس. وقاسم أمين صدر كتابه الأول ( تحرير المرأة) في عام 1899م، والحملة الفرنسية جاءت إلى مصر في عام 1798م ، بينهما ما يزيد على قرنٍ من الزمان، كان خلال هذا القرن حراك شديد، وإن كان محدود المساحة متعثر الخطوات، هذا الحراك هو الذي أفرز ما ظهر على لسان قاسم أمين. والذي يعتقد كثير من الناس أن قضية المرأة بدأت به .

**من كان قبل قاسم أمين، أو طبيعة الحراك الذي أفرز قاسم أمين ؟

هذا الحراك كان نصرانياً كله، تحديداً يرتبط بمدارس الإرساليات التنصيرية التي تواجدت في مصر من عام 1935م أو 1928 كما يؤرخ بعضهم، خريجو هذه المدارس التنصيرية هم مَن بدءوا يتحركون فيما عرف لاحقاً بتحرير المرأة .

**وماذا عن البعثات العلمية التي كانت لأوروبا ؟

رفاعة الطهطاوي وحده هو الذي يذكر في هذا المجال من البعثات، وهو لم يكن مبتعثاً، وإنما مرافقاً لبعثة من البعثات، وعاد واشتغل بالترجمة، وإدارة بعض المدارس الحديثة.
ولكن ـ كما حدثتك ـ خريجو مدارس الإرساليات التنصيرية من نصارى العرب هم كانوا السبب الظاهر في إيجاد ما يسمى بقضايا المرأة، وشيء آخر كان الحراك نسوي كله. أو كان هناك اصرار على أن يخرج الحديث عن المرأة على لسان نساء .

**هل يمكن أن تعطينا نموذجا على ذلك؟

نشرت دار الساقي في عام 2000م كتاباً بعنوان: (الكاتبات اللبنانيات، بيبليوغرافيا (1850 ـ 1950))، من تأليف ( نازك سابا يارد ) و( نهى بيومي )، وفيه استعراض لعددٍ من اللواتي كتبن عن المرأة من النساء الشاميات( اللبنانيات ). وفيه بيان لأن بعض الروايات والكتب التي صدرت بأسماء نسائية سبقت المجلات، وعلى سبيل المثال ( مريم النحاس ) وهي أم ( هند نوفل ) التي أسست أول مجلة نسائية تعنى بالحديث عن المرأة ( مجلة الفتاة ) الصادرة في عام 1892م كتبت ترصد فيه مشاهير النساء بعنوان (معرض الحسناء في تراجم النساء من الأموات والأحياء)، صدر في عام 1978م ، وصدرت رواية لفريدة وهبة بعنوان ( يعقوب وابنته مريم ) في عام 1873م، وصدرت رواية ( صائبة ) عام 1891م للكتابة إليس بطرس البستاني .
فالملاحظ أن النشاط بدأ نسوياً في مجمله، وبعضهن لم يظهر اسمها إلا مرة أو مرتين، وهذا يدعم الفرضية التي تتحدث عن أن رجالاً كانوا خلف النساء. والملاحظ أيضاً أن النشاط الفكري فضلاً عن أنه كان نسوياً متعمداً ـ فيما يبدو لي ـ تحرك في أكثر من اتجاه على عادة القوم، فاتجه للمبتعثين عندهم، واتجه للصالونات في البيوت، واتجه في بداياته إلى الرواية والكتاب، ثم اعتمد المجلات النسوية المتخصصة في مرحلة تالية، ثم المؤتمرات، وكان ذلك كله بأيدي نصرانية خرجت من مدارس تنصيرية. وكان تراكمياً متصاعداً، ومشاركة المسلمات كانت استثناء، ولا يكاد يذكر غير عائشة التيمورية ( 1840م ـ 1902 م)، وزينب فواز ( 1860م ـ 1914م )، وهن متأخرات كما ترى من تاريخ الوفاة، ولم تكن بضاعة هؤلاء تختلف عن بضاعة النصارى، فيمكننا أن نقول أنها كانت باكورة التأثر بالآخر . وكان للنشاط الصحفي (الدوريات الصحفية ) دور كبير في نشر هذه القضية وإيجاد مساحة أكبر من التفاعل معها، فقد توالت الدوريات التي أنشأتها نصرانيات.وهذا معروف لمن يتتبع تاريخ نشأة الصحافة المختصة بهذا الشأن في نهاية القرن التاسع عشر .

** إذاً أنت ترجع سبب هذه القضايا للآخر من الكافرين، وتبرز أن مَن تحرك في هذا المضمار أصر على أن يقدم النساء، وأن الصحافة والإعلام بل والتعليم الأجنبي كانت عوامل رئيسية في تفعيل تلك القضية أليس كذلك ؟

نعم أخي الكريم. ولازالت هذه الأسباب تعمل إلى اليوم . لازال الآخر هو الذي يحرك القضية من خلال المؤتمرات والتوصيات التي تظهر لنا عدة مرات في العام الواحد في شكل مؤتمرات، ومن خلال الجوائز التي يعطيها للأبحاث العلمية المتعلقة بهذا الشأن. ومن خلال استنطاق الموافقين له، وقد رأينا دور الأزهر في قضية الحجاب حين ثارت في فرنسا من أعوام، حين أفتى شيخ الأزهر السابق سيد طنطاوي بصحة ما يفعله الفرنسيين . !!ولازال التحرك على صعيد مناهج التعليم مستمر، وعلك ترصد ما يتردد حول خطوة التعليم الأجنبي في البلاد الإسلامية، ولعلك ترصد ما يدار من جدل حول التعليم .. مناهجه وطبيعته (مختلط أو غير مختلط ) من وقت لآخر. ودور الإعلام لا يخفى على أحد . ابتداءً من البرامج الحوارية التي تلمع مَن يتبنون هذه القضايا وتقدم رؤيتهم لعوام الناس، ومروراً بالأعمال الفنية التي تتعاطى قضايا المرأة في شكل فيلم سينمائي أو تلفزيوني ( مسلسل ) أو عمل مسرحي ، أو غير ذلك من مخرجاتهم .

** تلاميذ مدارس التبشير من النصارى والمسلمين، والموافقين للغرب عموماً هم من تولوا قضايا المرأة .. هم السبب الظاهر في تغريب المرأة المسلمة في التجربة المصرية . تريد أن تقول هذا ؟؟

منهم كانت البداية، وظل هؤلاء يمثلون الطرف المتطرف في القضية ككل، ولم يأت منهم التغريب حقيقة . التغريب جاء من فصيلٍ آخر كان يتبنى خطاباً شرعياً ، أو هكذا بدا .

** كيف ؟!

في ذات التوقيت خرج في الأمة الإسلامية قوم من المنتسبين للعلم الشرعي أو من المهتمين بالأمة يريدون لها ( النهوض ) و ( التطور ) و ( الرقي ) . . يريدون لها أن تأخذ حضارة أوروبا وتقدمها التقني دون انحلالها الخلقي، ويبرز من هؤلاء خير الدين التونسي، ورفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الإيراني ( المعروف بالأفغاني ) ثم محمد عبده .

**وما العيب في أن نطلب التقدم والتطور والرقي الذي عليه غيرنا؟، ثم ما علاقته بقضية المرأة وكيف أصبح هؤلاء هم الفاعلون الحقيقيون في تغريب المجتمع الإسلامي ؟

التقدم التقني والتطور والرقي في التصور الشرعي يأتي ثمرة للاستقامة على شرع الله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }. ولاحظ الآية تقول بركات، ولم تقل رزق . ولك أن تتدبر الآن حين بعد الناس عن شرع الله ماذا يحصل . المال كثير كالجبال، ووسائل الرفاهية متوفرة في كل مكان، والفقر في كل مكان، والجوع في أكثر من مكان، والظلم لا يكاد يخلو منه مكان، ذهب بركة كل ما نحن فيه .
كان الخطأ أن هؤلاء نسوا أو تناسوا المهمة التي أخرجنا الله من أجلها، وهي عبادة الله وتعبيد الناس لله، والتي ثمرتها اللازمة هي الرخاء والنمو والرفاهية .. السعادة التي هي مطلب الجميع .
ظنَّ هؤلاء أن الأمة لن تخرج من حالة الضعف هذه حتى تأخذ ما عند الغرب من تقنية، وهذا واضح جداً في أطروحات خير الدين التونسي ( له كتاب واحد اسمه أقوم المسالك في أحوال الأمم والممالك ). ظن هؤلاء أننا نستطيع أن نأخذ من أوروبا التقدم التقني ونحافظ على الثوابت الإسلامية. وتفهم الغرب حالهم، ومد إليه يده واستفاد منهم، حتى أخرج من بينهم، أو من خلفهم ، فصيلاً آخر معادٍ تماماً للشريعة الإسلامية وموالٍ تماماً للمشروع الغربي، هذا الذي تحدث بقضايا المرأة. ففراخ هؤلاء هم الذين تبنوا ( قضايا المرأة ) بدعوى التقدم والرقي، وفراخ هؤلاء هم الذين تبنوا قضايا الوطنية، وفراخ هؤلاء هم الذين قاموا بمعالجة المؤسسة الدينية حتى أضعفوها. وصاروا جسراً عبر عليه المحتل لثوابتنا ومنها ما يتعلق بقضية المرأة .
قضايا المرأة لم تفعل من الفريق النصراني ولا المسلم الذي تبنى وجهة نظر الغرب كلية تجاه المرأة، وإنما من فريق آخر كان مطموراً شيئا ما على الساحة، وهو المتحدثون بالتطور والنمو من المنتسبين للعلم الشرعي . كان هذا التيار هو الفاعل الحقيقي في عملية التغريب عموماً، وقضايا المرأة خصوصاً .

** هذا الكلام عجيب !!

هذا الكلام تاريخ حصل نحكيه، وواقع نعيشه ولا ينتبه إليه كثيرون . ما يسمى بالطرف الليبرالي يمثل فقط الفظاعة التي تعطي شرعية أو وسطية لبعض الإسلاميين الذين يتبنون قضايا المرأة .
العجب أخي الكريم من شيء آخر .
العجب أن تنقلب الدعوة إلى التقدم والرقي المادي إلى ثورة على الثوابت الشرعية فالبعثات العلمية التي ذهبت لأوروبا لم ترجع بعلوم تقنية، وإنما بجدالٍ فكري، ديني، وتطوير التعليم تم توجيه لإخراج موظفين يخدمون مصلحة المحتل ( الآخر )، ولم ينل عامة الناس شيئاً مما جاءوا به. وجاء بتغيير في القوانين التي هي أحكام الشريعة . !!
هذا ملحظ عام ، فمع كثرة المبتعثين لأوروبا من أجل جلب التقنية الحديثة وتطوير المجتمع المسلم ـ بزعمهم ـ إلا أن شيئا من هذا لم يحدث . بل عاد هؤلاء وجهدهم في حمل الأمة على السير خلف أوروبا في كل شيء عدا العلم التقني !!
والعجب ـ أيضاً ـ من أن الذين سعوا في ذلك هم بأنفسهم الذين كانوا يقولون أننا نستطيع أن نأخذ التقنية الحديثة دون أن يصيبنا ما عند القوم من أذى، فرفاعة الطهطاوي لم يكن يعارض تعليم النساء على الطريقة الأوروبية، ومحمد عبده يسند إليه ما خرج على يد قاسم أمين كله أو جله، والفاعلون في السياسة أولئك المتحدثين عن( الوطنية ) المتسببين في تقسيم المجتمع المسلم وتفتيته والذي تبعه انهيار الخلافة الإسلامية كانوا من تلاميذ هؤلاء وأصدقائهم كلطفي السيد وسعد زغلول .
وهذا الملحظ موجود الآن أيضاً، فذات المتحدثين عن ( التقدم ) و ( التطور ) و ( الرقي ) هم هم بأم أعينهم المتحدثين عن ( قضايا المرأة )، وحديثهم تعديل في وضع المرأة في الإسلام كي تكون على موافقة كلياً أو جزئياً لما عليه الآخر. والمشاريع التي تشيد لشيء من التقدم التقني يثور حولها جدل مما يسمى بقضايا المرأة. أو ذات الفعاليات التي تعنى بالحديث عن (التقدم ) و (التطور ) و ( الرقي ) يأتي فيها الحديث عن بعض ما يدرج تحت مسمى قضايا المرأة (كالاختلاط ) و ( التعدد ) و ( تحديد سن الزواج ).. الخ .
وتجد المتحدثين عن ( الرقي ) و(التقدم) من المنتسبين للعلم الشرعي لا للبحث التقني. وحديثهم يتجه للداخل، ويتجه للمعارض للثقافة الغربية لا للمعارض للتقدم التقني . وهذا عجيب .
عجيب من ناحية أن المعارضين للثقافة الغربية لا يقفون حجر عثرة أمام التقدم التقني، ولا يرفضون ما يتاح لهم منه ، ولا يتنادون للجلوس عنه .
وعجيب من ناحية أن يتحدث الشرعيون عن ( التقدم ) و ( التطور ) و ( الرقي ) المادي ولا يتحدث التقنيون . لو كان الأمر جد لوجدت المتحدثين هم أهل التقنية، ووجدت أفعالاً لا أقوالا وجدالاً، كما في نموذج اليابان ودول أقصى الشرق .
هذا ما حصل صار هؤلاء إلى تغيير المجتمع عقدياً لا تطويره تقنياً. كانت هذه هي النتيجة المباشرة لسعي الساعين في طلب التقدم التقني من الشرعيين ومن المبتعثين التقنيين. . تغيير عقدي .. . أفاد منه المحتل .
وتطور الأمر .

**كيف تطور الأمر؟

لم يمض قرن من الزمان حتى بدأ تلاميذ المجموعة المتحدثة عن ( التقدم ) و ( التطور ) و ( الرقي ) في النقل عن الآخر، لم ينضبط الأمر كما أرادوا بداية . فقد أورث الاعجابُ بما عليه الغرب من تقدم تقني القومَ إعجاباً بما عند الغرب من أفكار وآداب . ودخلنا في مرحلةٍ أخرى ، وهي مرحلة النقل عن الآخر . ولا أتكلم عن المفاهيم فقط، فنقل المفاهيم جاء قبل مع رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي، وإنما أتحدث عن النقل المباشر، وبدأ الأمر بما خرج على يد قاسم أمين، وقد تقدم. ثم بالأدب حيث نقل العقاد ومعه شكري والمازني فيما عرف بمدرسة الديوان إحدى مدارس الأدب الغربي إلى ثقافتنا العربية، وكان هؤلاء ينقلون المفاهيم كاملة يطبقونها على الأدب الإسلامي، وشاركوا بهذا الكافر الموجود بين أظهرنا ( أشير إلى خليل مطران تحديداً، ومدارس المهجر عموما)، وشاركهم الكافر بعد ذلك بإيجاد مَن طور ونشر الفكرة ( أشير إلى مدرسة أبوللو) . ولك أن تراجع سبب خصومة عبد الرحمن شكري مع المازني. كان ينهاه عن سرقة أشعار الأوروبيين، فغضب منه وتخاصما .
وجاء طه حسين فنقل عن الآخر. كان هو الكاتب وفقط سرق الأفكار أم كان مستعاراً وضع اسمه فقط على ما كتبوه هم كما يتحدث العارفين بحاله ؟ . لا يعنيني . المهم أن الساحة الفكرية امتلأت بأفكار الآخر يتحدث بها قومنا .
وفي الناحية السياسية جاء علي عبد الرازق، وجاء لطفي السيد. وآخرون. وما تحدثوا به ليس من بضاعتنا بل من بضاعة الآخر .
والنسويون اشتدوا، وتكاثروا، وأكثروا من النقل عن الآخر ، أفكاراً وفعاليات .
وتطور هذا الأمر بعد ذلك. فكانت الخطوط الرئيسية عند المستشرقين هي هي بأم عينها الخطوط الرئيسية عن المنافقين ، وعند الغافلين .
وضاعت قضية التقنية .نساها قومنا، وظهرت قضايا (الحريات ) و ( الحقوق ) و( الوطنية )، وكلها كانت إبعاداً للأمة عن غايتها التي خلقها الله من أجلها، وهي عبادة الله وتعبيد الناس لله . وكلها أوجدت مزيدَ إهانةٍ لعامة الناس، ومزيد تخلف، ولم نحصل على ثمرة تذكر من ( التقدم ) و ( التطور ) و ( الرقي ) الذي نشط له قومنا. وحال المجتمعات التي ظهرت فيها هذه التجارب شاهد على ذلك .

**دعنا نلملم الأفكار : الآخر هو الذي بدأ، والانحراف جاء من الشرعيين المهتمين بالتقدم التقني والرقي الحضاري للأمة، وأمارة ذلك أن مخرجات البعثات العلمية وحراك الشرعيين المهتمين بالتقدم والرقي لم تثمر غير هدم الثوابت الشرعية، وتغريب المرأة كان الفاعل الرئيسي فيه الشرعيون بدايةً لا الليبراليون ؟
نعم أخي الكريم هذا ما تحكيه التجارب السابقة . وهو الواقع الآن . فالآخر لا زال يرعى ما يسمى بقضايا المرأة ، والشرعيون المهتمين بالتقدم والتطور حديثهم يتجه لقضايا المرأة، فتجد بينهم حديثاً عن الاختلاط مشروع أو غير مشروع، والمرأة تعمل أو لا تعمل، والتعدد، وسن الزواج، والطلاق. وتجد في الساحة محاولة للدفع بالمرأة ، فنجد من يتحدث عن أن علينا أن نخرج المرأة في القنوات كداعية. يريد في ذات المكان الذي يجلس فيه الرجل تحدث الجميع . لا أن تكون لها فعاليات نسوية خاصة .

** من المعلوم أن الغرب بدأ تحديداً مدارس إرساليات التنصير مدعومة بالدول الكبرى العلمانية، وداخل هذه المدارس نشأت الدعوة لقضية المرأة، هل كانت هذه الدعوة ديانة؟ بمعنى هل كانوا يدعوننا لما يعلمون أنه الصواب في دينهم؟

للحصول على إجابة واضحة ينبغي علينا الانتباه إلى أمرين:
الأول: أن هذا الذي ظهر على يد إرساليات التبشير، أعني ما نحن بصدد الحديث عنه مما يدرج تحت مسمى ( قضايا المرأة) لا تعرفه النصرانية، ففي كتابها بعهديه القديم والجديد أمرٌ للنساء بالحجاب، وفي كتابيها أمر للنساء ألا يخالطن الرجال، وكتابات (الآباء) فيها حث على الحجاب وعدم الاختلاط، وهناك كتاب عَرَضَ هذا الأمر عرضاً جيداً لم يسبق إليه ـ فيما أعلم ـ ، وهو كتاب (الحجاب شريعة الله في الإسلام والنصرانية واليهودية) للباحث سامي عامري، وهو منشور في مكتبة المهتدين، ويمكن الوصول إليه من خلال محرك البحث. ولا تعرفه اليهودية أيضاً، إذ هم مشتركون مع النصارى في ( العهد القديم) .

الثاني: النشأة التاريخية لإرساليات التبشير.
هذه النشأة بدأت بعد الحروب الصليبية، بعد أن استيقنوا من أنهم لن يستطيعوا القضاء على الإسلام بالسيف، بدأت بغرض تشويه صورة الإسلام وصرف الناس عن دين الله، وهذا معروف مشهور، تحدث عنه الدكتور عبد اللطيف الطيباوي في كتابه (المستشرقون الإنجليز ـ دراسة نقدية) وهو كتاب بالإنجليزية مترجم للعربية نشرته جامعة الإمام ـ بالسعودية عام 91م .

وذكره الأستاذ أنور الجندي في مقدمة كتابه (شهادة على العصر والتاريخ)، وذكره الأستاذ محمد قطب في كتابه (هلم نخرج من ظلمات التيه) وفي غيره، وهو أمر معروف مشهور عند من له دراية بتاريخ بعض الشخصيات المشهورة في النصرانية مثل (ريموند لول) و ( فرانسيس الأسيزي ) و ( بطرس المحترم ) وأمثالهم.

إذا الإجابة بالنفي؛ لم تكن النصرانية تعرف شيئاً من هذا، وأن إرساليات التبشير تبنت هذا الأمر بغرض إفساد المسلمين.
ألا تلاحظ أن هذه نظرة قاتمة سوداوية ؟؟
أبداً، هذه قراءة للواقع الذي نعيش، هل يستطيع أحد أن ينكر أن الحجاب شريعة الله في دينهم؟ أو يتنكر للكم الهائل من النصوص التي تحث على الحجاب في كتابهم وكتابات آبائهم؟! وواقعهم هم قبل ظهور العلمانية ؟؟

هل يستطيع أحد أن يتحدث أن الأمة الإسلامية كانت تعرف التبرج والسفور بشكله الحالي قبل أن يعالجها هؤلاء ؟!

** لم تصر على التأكيد على أن سبب المشكلة هو الآخر؟؟ نحن الآن لا نرى الآخر تقريباً إلا في المؤتمرات الدولية، وقضايا المرأة كلها حراك داخلي؟

دعني أقرأ عليك كلمة للأستاذ أنور الجندي، يقول في كتابه (شهادة على العصر والتاريخ ) ص 23 : "إن أخطر ما يحاول التغريب إقراره في الشعور الإسلامي هو الانعزال عن النظر في خلفيات الأمور، فهو يستهدف تضييق دائرة الفكر وقصر النظر دون معرفة البواعث، وقد تبين أن من خلف المخططات التي نواجه قوى وتنظيمات يجب كشفها ودحض شبهاتها".
هذا هو. القضية ليست إسلامية، بل ولا تعرفها البشرية كلها قبل ذلك، والآن يراد أن تكون أصلاً وغيرها ( الحجاب بمعناه العام ) طارئ أو استثناء. ودخلنا في حصر وهمي. الكافر بدأ، ونقل عنه مرضى النفوس من المنافقين، وجاء الغافلون فتفاعلوا مع القضية.
فمعرفة منشأ القضايا مهم جداً. والخروج من الحصر الوهمي مهم أيضاً.
والأمر ينسحب على الأدب، يقال الأدب للأدب، وينسحب على الفن، يقال الفن للفن. وكلها محاولات لإبعادنا عن مهمتنا الأصلية (عبادة الله وتعبد الناس لله)، فما كان الأدب يوماً للأدب، ولا كان الفن للفن أبداً، كلها وسائل لتمرير القضايا والمفاهيم، أو ينبغي أن يكون صاحب الأدب والفنون صاحب قضية يدعو لها ويدافع عنها. فقد أمرنا بعبادة الله وتعبيد الناس لله، فلا يمكن تعاطي شيء خارج مفهوم العبادة.

** لكن: الآخر علماني وليس نصراني الآن ؟!!

العلمانيون أفادوا من المستشرقين (والاستشراق بدأ في أحضان الكنيسة)، وتعرف هذا من مراجعة تاريخ الاستشراق، وتعرفه من مطالعة تراجم المستشرقين، وقد جمع الدكتور عبد الرحمن بدوي عدداً غير قليلٍ منهم في موسوعته، فكانوا كالرسل لهم لمعرفة أحوال البلاد الإسلامية، وأفادوا منهم في تغيير هوية المجتمعات الإسلامية ليبقى الاحتلال أطول فترة ممكنة، أو لتبقى الدول الإسلامية مشغولة بشيء آخر غير ما أخرجت له ـ وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ ، فكان هناك اتحاد في الغاية، وهو إبعاد المسلمين عن غايتهم الرئيسية (عبادة الله وتعبيد الناس لله)، ولذا انتشرت مدارس الإرساليات التنصيرية في ظل الاستعمار، وفي ظل سيطرة العلمانيين من العرب على البلاد الإسلامية.

والتنصير موجود الآن، وقد اتخذ في الآونة الأخيرة بعداً فكرياً، أو ظهر بعده الفكري بشكل سافر بعد انتشار الفضائيات، وفي أطروحاتهم يهاجم وضع المرأة في الشريعة الإسلامية، ويتبنى وجهة النظر العلمانية؛ بهدف دفعنا لتقبلها، أو تنفير الناس عنا، فليس بصحيح أن الآخر علماني تماماً.

**لماذا لم أخذت قضية المرأة كل هذا الحجم ؟

لطبيعة الدور الذي تؤديه المرأة، وطبيعة القضايا التي تتعلق بالمرأة.
المرأة تقوم عليها الأسرة، هي مَن تباشر تربية للأطفال، وهي سكن الزوج. معها استقرار الأسرة. واستقرار الأسرة استقرار المجتمع ككل.
والمرأة غير المنضبطة حين تخالط الرجال يحدث فساد لا يحتاج للتنبيه عليه.
ويحتل ما يطرح تحت مسمى (قضايا المرأة) مساحة أكبر لتعلقه بهوية الأمة، فالمرأة على الوجه الذي يريدونه تعني تغيير شامل للمجتمع، وهذا ما حصل بالفعل في المجتمعات التي (حررت) المرأة.
ولتعلقه بالنص الشرعي مباشرة، فقضايا المرأة تثير جدلية النص، وتثير إعادة قراءة الشريعة الإسلامية من جديد.

** والحل ؟

التوصيف الجيد للمشكلة مرحلة أولى لا ينبغي أن نتخطاها وإن طالت.
وعلى التشخيص أن يعتني بمنابع الحراك المضاد، ووسائله، وثماره ثم العمل على بث مفاهيم صحيحة عن المرأة المسلمة، وعن الفاعلين في تغيير هوية المرأة المسلمة.

وهذا الأمر يحتاج فقط إلى تفعيل، فالمفاهيم الإسلامية الصحيحة منتشرة ولله الحمد، والنماذج الطيبة الطاهرة من النساء كثيرة وأخبارهن منتشرة ولله الحمد، وفشل النماذج السيئة في المجتمعات التي دخلتها أخبارها منتشرة ولله الحمد. فقط يحتاج الأمر إلى مزيدٍ من العرض على الناس، وخاصة جيل الشباب.

الخروج من دائرة الحصر الوهمي التي دخلنا فيها، والعمل على إخراج القضية إلى مكانها الأصلي، وهي أنها حرب على الشريعة من الكافرين والمنافقين وليست أبداً مسألة خلاف داخلي.

تفعيل دور المرأة، جيد ، ويجب أن تتحدث المرأة وتعبر عن نفسها . لكن لا ينبغي أن يكون ذلك في اتجاه إحلالها محل مجتمع الرجال، المرأة كيان مستقل له خصائصه المختلفة عن الرجل، ويصلح لشيء لا يصلح له الرجل، ولابد أن يؤخذ هذا في الحسبان .

أبو جلال / محمد جلال القصاص
حواره / أسامة الهتيمي .

 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية