اطبع هذه الصفحة


وأيضاً يا شيخ إبراهيم السكران

محمد جلال القصاص


بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وأيضاً يا شيخ إبراهيم السكران


استعرض الشيخ إبراهيم السكران ـ حفظه الله ـ أركون وفكر أركون ، يبين للناس أن الرجل تربى في كنيسة على أيدي (مبشرين)، شرب من مائهم وأكل من طعامهم وتأدب "بأدبهم" وحين شبَّ قال بقولهم . فلم يكن يوماً من داخل الفكر الإسلامي بل من أعداء الفكر الإسلامي. وكان الطرح موفقاً ثميناً جميلاً عالياً بهياً يأخذ القلب والعين .

وأقبلت استضيء بنور الشيخ إبراهيم السكران أقدم أسطراً على هامش هذا المهرجان الفكري الرائع .

عندي أمور :

أولها : الصورة أعم وأشمل في القضايا والأشخاص .
فليست أفكار أركون فقط هي التي بدأت من النصارى . . . إرساليات التبشير (الآباء البيض) ، وإنما عامة الأفكار المتداولة الآن بيننا بدأت من إرساليات التبشير ، أو المتدينين من المستشرقين يهود أو نصارى ، وعلى سبيل المثال ما يسمى بـ (قضايا المرأة) ، بدات في مدارس الإرساليات ، وبدأت بنصارى الشام ، وظلت القضية بين النصارى فقط قرناً كاملاً من الزمان ، ثم جاء جاء المنافقون والغافلون في مرحلة متأخرة ونقلوا عن هؤلاء نقلاً مباشراً تماماً كما فعل أركون ، غرفوا من النصارى ... رددوا أقوالهم .
فلم يأت قاسم أمين بجديد بل كل أفكاره في هذه القضية ترجع لـ ( الاعتراضات الأوروبية على الرحلة الأصمعية) وما كتبه النصراني (مرقص فهمي) ، ثم جاء عامة المنافقين فنقلوا عن قاسم أمين .
وحين كثر اللغط وطال الجدال على الناس واحترف المنافقون عالجوا الغافلين ولبسوا عليهم ، فخرج قوم من الغافلين ، يشرعنون باطل هؤلاء ويقولون : كشف الوجه من الإسلام، ويقولون الاختلاط به محذور ومسموح ، ويقولون .. ويقولون ، ووقعوا حين تعاملوا مع النصوص دون سياقها العملي ، ـ وهي آفة الإرجاء أيضاً ـ . وحين ازداد النفاق احترافاً صار لا يمر إلا على ظهر هؤلاء .
فأصلها من الكافر نقلها للمنافق ، وتفاعل معها الغافل . أو نقول : الكافر فَعَّلَ المنافق ، والمنافق فعَّل الغافل. وأهل الحق يواجهون هذه الصفوف الثلاثة .

نعم كل بضاعة المنافقين المعادين لله ورسوله ، أولئك الذين يريدونها على هوى الغرب الكافر أو الشرق الملحد من عند الكافرين ، ولا أقول أن جميعهم جلسوا كما جلس أركون بل يغرفون منهم مباشرة أو بواسطة ، وتتبع الأفكار الموجودة على الساحة ستجدها في النهاية ترجع للمستشرقين .

جدَّ الاستشراق في تقديم قراءة مغلوطة للشريعة الإسلامية ، ثم جدَّ ثانية في تسريب هذه القراءة المغلوطة للمسلمين ، ثم نقل هو عن المسلمين لقومه ليقول لهم أن هذا هو الإسلام بلسان قومه . ثم وقف يدعم هؤلاء المتأثرين به سياسياً ومادياً .كما بين الشيخ إبراهيم السكران في حديثه عن أركون ، وهو واضح جدا في "طه حسين" و"علي عبد الرازق" وغيره. ويتضح بعرض نماذج مضادة كعبد اللطيف الطيباوي .

وفي الأشخاص تجد نفس (الفيلم) المعروض في الجزائر هو هو بأم عينه قد عرض من قبل في مصر وتركيا وتونس ، وهو هو بأم عينه لازال يعرض إلى الآن في أكثر من مكان .
عامة الفاعلين في المشهد الثقافي كأركون اتصلوا بهؤلاء ، ومكنوا من مناصب تنفيذية فقد كان طه حسين وزيراً للمعارف، رغماً عن الملك فاروق، وإن تجولت بعينك في الصحافة والإعلام ومن يتحكم فيها علمت أن النصارى خوصاً والآخر عموماً يدعم نفراً من قومنا ويمكن لهم . وفوق ذلك "توصيات " المؤتمرات الدولية التي هي قرارات تنفذ ولو بعد حين ، وعلى سبيل المثال مؤتمرات السكان . وشواهد حضور الآخر في المشهد الفكري (العقدي) الإسلامي كثيرة.

ثانيها: آخيتهم هي نفي النبوة والقول بأنها أرضية وليست سماوية .
بعد استعراض شبهات النصارى ، وبعد التأمل فيها وفيمن يرددها ، واستعراض تاريخ هؤلاء الفكري وتطوره من (يوحنا الدمشقي 52هـ ـ 132هـ ) حتى لحظتنا الحالية وجدت أن :
ـ قطب رحى القوم هو نفي سماوية هذا الدين ، يختلفون في الطريقة ولكنهم يجتمعون على هذا الشيء : القول بأنها أرضية وليست سماوية.
وكما هو شأن الكذابين أقوالهم متضاربة ويكفي في تكذيبها أن تجمعها متجاورة ، ويكفي في تكذيب القائلين بها تضاربهم في أطروحاتهم . وحين كنت أرصد شبهات زكريا بطرس( وهو قليب عفن تجتمع فيه نتنهم كله) على نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جمعت شبهاته ثم وجدت أن أفضل طريقة للرد عليه هو أن أعرض على القارئ أقواله في تفسير النبوة ، فقلت أحضرها متجاورة ليرى القارئ كيف أنه ـ وأنهم ـ يكذب نفسه ، وكيف أن شبهاته عرجاء صلعاء عوراء سوداء دميمية لا يرضى به سوي . ولذا النظرة الشاملة التي تأتي بعد استعراض توضح الصورة أكثر .

ـ محاورهم الرئيسية الرامية لنفي النبوة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جميعها موجودة بيننا .. تردد بألسنة نفرٍ من بني جلدتنا ، ممن يسمون بالمفكرين الإسلاميين .كل المحاور المتطرف منها و"المعتدل" ، فنجد على سبيل المثال من يتطاول على القرآن بشكل سافر كأركون ومن يدعي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صنعته إمرأة (خديجةرضي الله عنها) وقسيس ( ورقة بن نوفل)، أعني خليل عبد الكريم ومجموعة كتبه التي هي نقل حرفي عن ( جوزيف قذى ـ أبو موسى الحريري) ، ومن يدعي أنها كانت دعوة حزبية لإقامة مملكة دنيوية ( الحزب الهاشمي) ، ومن راح يدرس الكهانة في الجزيرة العربية قبل الإسلام ويتحدث ـ كذباً ـ أن النبوة كالكهانة أو شيء متطور منها.
وكالذين ادعوا مشاركة (شعراء النصرانية) في "التراث" الإسلامي ، وقد أكثر هؤلاء ووجدوا من يسمع ومن يردد قولهم .
ولم يخرج صاحب العبقريات عن درب هؤلاء ، فهو في دربهم وإن ورمت أنوف قوم ممن لا يقرؤون أو ممن لا يتدبرون ، فـ(العبقرية) فكرة غربية ، تبدو مغرية ، وتبدو مدحاً ، وفي الحقيقة أنها تستقر عند ذات الهدف .. نفي النبوة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تقديم النبي صلى الله عليه وسلم على أنه عبقري من العباقرة كما كان نابليون وكما كان عبد البقرة غاندي الهندي ـ أو نبي الهند كما يسميه صاحب العبقريات ـ ، وكما كان صن ست (نبي الصين) كما يسميه صاحب العبقريات.

وهذا التفكير منقود بأمرين :
الأول : الكذب ، وقد تتبعت طرق استنباط الشبهات فوجدتها ترجع للكذب المباشر ، والكذب المباشر عن طريق بتر النص من سياقه العام ثم تفسيره بمقدمات تخرجه عن معناه الأصلي ، أو عن طريق العبث بالنص الأصلي بالإضافة والحذف ، أو عن طريق اعتماد الضعيف والشاذ ومالايصح . وكله كذب .
الثاني : ذات النص القرآني . النص القرآني والنبوي يحمل دلالات على صدقه ، منها إعجازه البياني ، ومنها الإخبار عن غيبيات . وكذا التشريعات الإسلامية تحاج بنفسها وتبرهن على أنها هي الأمثل لصلاح حال الناس والواقع والتاريخ يشهد لها .

ثالثها: حقق المستشرقون أو السياسيون في الغرب من تفعيل المنافقين أمور :

منها : اربكاك الداخل الإسلامي ، فقد أشعل هؤلاء معارك داخلية بيننا ، ولك أن تلاحظ أن عامة المطروح في الداخل الإسلامي من منتصف القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا في إطار التصدي لهؤلاء وآثارهم . أو قضايا داخلية كلها.

ومنها : تقديم قراءة مغلوطة للإسلام للنصارى ، فقد نشط الغرب للنقل ( الترجمة) عن هؤلاء ، يقولون لقومهم هذا هو الإسلام كما يعرضه المسلمون ، أو ينقلون كتابات هؤلاء للبلاد الإسلامية النائية كالهند ممن ينظرون لعلماء الدول العربية في الأزهر على أنهم شيوخ الإسلام ، وقد حدث هذا مع ما خرج باسم قاسم أمين ، وظهر مع بعض كتابات عباس العقاد .
فمع أن بضاعة هؤلاء منهم إلا أن هناك حرص من هؤلاء على ترجمة كتبهم إلى لغاتهم ليكون هذا "هو الإسلام بلسان المسلمين" ، وبعض المنافقين يكتب بلغة القوم كما أركون وكما توفيق فهد في "الكهانة العربية قبل الإسلام". ويحدث العكس أيضاً بمعنى أن بعض أذناب الاستشراق يترجمون أبحاث المستشرقين للعربية ، ويحضر على طرف خاطري الآن كتابات المستشرقين عن التاريخ الإسلامي كما (فلهوزن) .

ومنها : اذابة العدواة للغرب ، وهذا مربط شُد إليه كلهم ، فلا تجد أحد المتأثرين بالغرب إلا ويدافع عنهم أو لا يرى عداوتهم، حتى أن صغيراً رتبته تلميذ لتلاميذ هؤلاء أو دون ذلك ، وقد تعلم في أحضان السلفية خرج يقول أنه سلفي ولا ينقم على السلفية التقليدية إلا أموراً "بسيطة" أولها : موقف السلفية "التقليدية من الآخر .!!
ولا يحتاج هذا الأمر إلا استدلال ولا استقصاء فقط لفت نظر .

رابعها : الخروج من دائرة الرد على هؤلاء وتتبعهم .

بالنظر في أطروحات التغريب وجد أن أكبر مكسب حققه هؤلاء هو شغل الداخل الإسلامي وإبطال مفعول المسلمين كدعاة إلى الله ـ وكل المسلمين دعاة إلى الله ، قال الله تعالى" قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" ـ .
وبالنظر في حال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجدتُ أن حرب الشبهات أو قل التعامل الفكري مع الدعوة لم يكن أقل ضراورة من التعامل بالسلاح ، فقد سبق التصدي الفكري للدعوة القتال وكان معه ، أي لم يتوقف أبداً ، فالمواجهة مع المسلمين وغيرهم فكرية وقتالية ، وذات الطرف المجادل هو هو المقاتل قال تعالى "وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق" وقال تعالى " وكفى بربك هادياً ونصيراً" وشرحت ذلك في مقال بعنوان "جدال وقتال"
وبالنظر في تعامل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو الخطاب الدعوي عموماً مع المخالف وجدت أن الجهد صرف للطرح الإيجابي ، المتمثل في تعريف الناس بربهم ليعظموه ويوقروه ويسبحوه بكرة وأصيلاً، وتعريفهم بما أعد الله للطائعين وما توعد به العاصين ، ثم بيان حال من أطاع ومن عصى في القرون الأولى .. تقديم نماذج .
ولم يقف الخطاب الدعوي طويلاً مع المخالفين ، بل أخذهم في طريقه وهو يشرح التوحيد .
وعلى سبيل المثال قصة تحويل القبلة ، كانت المعالجة لها ببيان حال المنتقدين لتحويل القبلة من المنافقين ومن يهود ، وبيان حال القبلة الجديدة ( الكعبة) وكيف أن قد بناها إبراهيم عليه السلام ، وملة إبراهيم وأبناء إبراهيم كيف كانوا مسلمين . ثم بيان أن الله لا يضيع إيمان المؤمنين . سياق كامل .
ولم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مع يهود في تفاصيل . مع أنها بدأت من أول يوم بإلقاء الشبهات ، وبقيت حتى بعد خيبر تثير المشاكل (الفكرية) وتحاول جاهدة تفعيل المنافقين (أستدل بما ورد من خبرهم في غزوة تبوك وقد كانت بعد خيبر) . ولكنك حين تقرأ القرآن الكريم لا يكاد يلفت نظرك وجود يهود مع النبي صلى الله عليه وسلم في نفس البلد ؛بل كأنهم تحت طيات الأيام فقط . لم يكن من أهداف الدعوة ثبر غور يهود ومعرفة ما عندهم والرد عليهم من كتاباتهم وبيان عوار مذهبهم . فقط كان تعريف للناس بربهم ثم بيان ما أراد منهم بكلمات قليلة والنفوس التي تعرف ربها وتعظمه تقف عند أمره ونهيه .

إن الحقيقة الكبرى التي تواجه كل متأمل لحركة الفكر الإسلامي وتأثره بالآخر هي أن الكافر لا يعمل إلا من خلال المنافق ، أو من خلال أصحاب القلوب المريضة عموما، ولذا كانت الدعوة للمنافقين بالمرصاد ولم تقبلهم بين الصفوف.

وبالنظر في حال الناس نجد أن الناس فريقان: عامة وملأ .الملأ يعرفون الحق وهم له منكرون ، ولذا يأتي وصفهم بالأفاكين ( والإفك نوع خاص من الكذب يريد به صحابه صرف الناس عن الحق) ، والعامة لا يهمها هذا الركام ، فقط تأخذ الخلاصة وتنقاد للغالب ، وهي ميدان للسباق بين الملأ من أهل الخير والشر ، ولا تسابق العامة ، ولكن تستدعى مؤقتاً .
أريد أن اقول أننا نحتاج إعادة نظر في التعاطي مع هؤلاء . وعلى أولئك الذين ولوا وجوههم شطر البحث والتنقيب والدراسة والتأصيل أن يعيدو النظر ، وأن لا يكون هذا أصل .. أن لا يكون جهدنا في إخراج أبحاث علمية ( تأصيلية) (متعوب) عليها تتعاطى هؤلاء .
لو كان هذا فعل قليل منا فلا بأس ، ولو توجهت النخبة لتدبر القرآن الكريم والسنة النبوية وعرض التوحيد على الناس ومعالجتهم برفق ؟

روابط ذات صلة بالموضوع :

الكافر والمنافق والغافل في قضايا المرأة ( حوار)
http://www.alqassas.com/Page.aspx?ID=112
جدال وقتال
http://www.alqassas.com/Page.aspx?ID=28
يكذب نفسه في كبرى قضاياه
http://www.alqassas.com/Page.aspx?ID=61

محمد جلال القصاص
ظهر الاثنين 24شوال 1431هـ
4/10/2010م

 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية