اطبع هذه الصفحة


الإخوان المسلمين في مصر على مفترق طرق

محمد جلال القصاص

 
إنه مما يَخيل على بعض الأذكياء أن يضع نفسه في دائرة حصر وهمية بين خيارات محدودة يختار بينها ، وفي إمكانه الخروج من هذه الدائرة أصلا ورفض كل الخيارات المطروحة عليه ، وعدم التعامل مع المعطيات الحالية إن لم تكن محققه لأهدافه الكلية أو المرحلية .

أيها الكرام !

بادئ ذي بدء علينا أن نحدد الهدف الذي نسعى إليه حتى لا تستقطب جهدنا الدوامات الفكرية أو الحركية التي يفتعلها الغير ــ بقصد أو بغير قصد ـــ فتعطل سيرنا إلى أهدافنا ، وعلينا أن نستحضر خبرات الماضي للتعامل مع الحاضر والمستقبل حتى لا نكرر أخطاء الأمس ، ويعاد لنا الدرس بمرارته ثانية .

أقول : هناك حقائق لا بد من استصحابها حين الكلام على ( الإصلاح ). . . أيِّ ( إصلاح ) باسم الدين .

أولها ــ وهي حقيقة شرعية ـــ : أن هدفنا الأول والأخير الذي نسعى إليه ـــ نحن أبناء الصحوة الإسلامية ـــ هو تعبيد الناس لله في مصر وخارج مصر ، مع اليقين بأن الرقي المادي . . . ( الحضاري ) ما هو إلا ثمرة من ثمرات الانضباط على شرع الله ، قال الله " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " . وليس هناك طريق آخر ــ من وجهة النظر الإسلامية ــ لرفع البلاء عن العباد والبلاد إلا هذا الطريق " ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بي أنفسهم " " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " " . . . ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " . " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " . وما السيطرة على زمام الأمور في مصرنا الحبيبة إلا إحدى الوسائل لتحقيق هذه الغاية الكلية .
أعرف أن أحدا لا يجادل في هذا الأمر ، وأن الكل يعمل من أجل الوصول إلى هذه الغاية الكلية ، ولكن : هي حالة من الاستغراق المذموم في معالجة مشاكل الواقع جعلت البعض يتبنى خطابا سياسيا محضا وإن ألبسه ثوب الدين ، ويتخذ ذات الوسائل التي يستخدمها القوم متذرعا ببعض القواعد الكلية المجملة . . . النسبية الفهم ، ويقف دون الغاية الكلية التي تجمعت الجماعة من أجلها وهي إقامة سلطان الرحمن ودحر سلطان الشيطان ، مدعيا أنه وقوف مرحلي ( تكتيكي ) يفرضه علينا فقه المرحلة وخبرة العمل الطويل في الدعوة إلى الله !!

ومهما قيل فليس لنا أن نتبنى خطابا دنيويا بحتا ما دمنا ندَّعي أننا دعاة إلى الله ، مهما كانت المبررات ، فحال الناس اليوم ليس أسوء مما كانوا عليه يوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا في المفاهيم والتصورات ولا في السلوك والعادات ، ومع ذلك كان الخطاب الأخروي هو السمة البارزة للدعوة في أولها بل يكاد يكون هو الخطاب الوحيد في مرحلة الاستضعاف ، فيوم بيعة العقبة الثانية بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل يثرب على السمع والطاعة والنصرة والنفقة في العسر واليسر ... ولم يعدهم بشيء إلا الجنة ، مع يقينه صلى الله عليه وسلم بما سيفتح الله عليه من كنوز كسرى وقيصر وغيرها . بل إن الخطاب الدعوي في فترة ما قبل الهجرة ـــ فترة الاستضعاف ـــ كاد ينحصر في الخطاب الأخروي .
كان هناك ـــ في مرحلة الاستضعاف ــ إصرار تام على ربط الناس بالآخرة ، ليكون المنطلق واحدا وهو ابتغاء رضوان الله .ـــ وهي الغاية التي من أجلها خلقنا جميعا ــ وظل هذا الإصرار موجودا مع آيات الأحكام التي تنزلت في المدينة بعد إنشاء الدولة ، فمن يتدبر يجد أن أيات الأحكام ــ حتى آيات الطلاق منها ــ تختم باسم أو اسمين من أسماء الله تعالى يذكرون الناس بربهم وبيوم القيامة الذي يقفون فيه بين يديه ويحاسبهم على أقوالهم وأفعالهم .

وثانيها ــ وهي حقيقة حركية ـــ : أن الأنظمة العلمانية ــ في مصر وخارج مصر ـــ لا تريد الإسلام لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في أي شيء ، فالحقيقة التي لا يماري فيها عاقل أننا نحن الإسلاميين أشد الناس عداوة عند العلمانيين من اليهود والذين أشركوا ، وهم يصرون على ( الصدام مع مطالب الإسلاميين ثقافياً وسياسيا وإعلامياً وعسكرياً بل ووعظياً رسمياً ) . وليس لذلك تفسير عندي إلا لأنهم كرهوا ما أنزل الله .
ومن يتابع تحركات ( الإخوان المسلمون ) في مصر في الأحداث الأخيرة ، من تأخرهم في الانضمام إلى المطالبين بالتغيير ، وموقفهم المتذبذب من تأيد النظام الحالي في الانتخابات القادمة ، ثم الخروج فجأة للشارع بمظاهرات عارمة ثم التوقف فجأة أيضا ، وما قيل عن التواصل مع الأمريكان ــ وهو فعل مكرر من أيام الانجليز قبل الثورة والكلام عنه بلغ حد التواتر ـــ ثم إعلان تكتل وطني لا يختلف كثيرا عن التكتلات الوطنية العلمانية .
كل هذا جعلني أقول أن ( الإخوان المسلمون ) يبحثون عمن يحملهم في عربته ويتحرك بهم ، مكتفين بالمباهاة بعددهم ،والقول بأنهم أكثر مَن في المشهد حضورا ، وقائد السيارة يسير بهم حيث شاء ، ويقف حيث شاء ، ولا بد أن نقطة النهاية على هوى السائق لا الركاب . وهذه والله مما يُدمي القلب .

إن من محدودية التفكير ، والاستغراق المذموم في الواقع أن نجعل المشاركة في التغيرات الحالية ـــ مجرد المشاركة ـــ والمناورة من أجل الحصول على مطالب زهيدة ، وفقط تسجيل المواقف والخروج من السلبية بأي عمل . غاية لا بد من إدراكها .
ثم ينبغي أن لا ينسى كوادر الجماعة الحركية والعلمية أن جماعة الإخوان المصرية تستمد ثقلها من القاعدة التي يمثلها شباب الجامعات ، والشبابُ ثائر عجول يريد تحركا سريعا نحو قضايا الأمة الرئيسية وعلى رأس هذه القضايا ما يسمى بــ ( قضية فلسطين ) . وما يحدث في العراق اليوم ، يريد موقفا أكثر جدية يليق بمكانة مصر التاريخية والحالية بين الدول الإسلامية . وإن أي تهميش لأي من قضايا الأمة الرئيسية من شأنه أن ( يُسَرِّح ) هذه الجماهير ، ويحول الجماعة لحزب سياسي منبت عن تاريخه الديني ، ويومها لن تستطيعوا استحضار قاعدة المصالح والمفاسد لرد الجماهير ثانية ، والخوف من أن يكون موقفا كهذا ـــ وهو وارد جدا ـــ سببا في شق كثير من الشباب عصى الطاعة ، وأخذ مبادرات فردية أو شبه جماعية للتعامل مع الواقع ، وتفرز لنا الجماعة الأم جماعات جديدة من جماعات ( العنف ) الديني كما حدث من قبل .

فهل يقف الإخوان ويفكرون فيما هم قادمون عليه وأين سيتجهون ؟
هل تستدير جماعة الإخوان إلى إخوانها من تيارات الصحوة الإسلامية الأخرى ــ السلفية أعني ـــ وتحاول أن تبدأ حوارا هادئا هادفا معهم ، وخاصة أنه حدث نوع من التطوير في الخطاب السلفي وهناك من بين أفراد هذا التيار من يتكلم عن ( واقعنا المعاصر ) و عن ( العلمانية ) وعن ( الانتفاضة والتتار الجدد ) وغير ذلك كثير بما لا يمكن وصفه أبدا بأنه نوع من ( الدروشة ) وقلة الخبرة بالواقع ؟
أم أن الإخوان سيلحقون بإخوانهم في العراق ويركبون أي عربة بأي وصف كانت ؟
إنه حقا مفرق طرق . وإننا نرجو لإخواننا . . . من كان لهم الفضل علينا الخير ... كل الخير . ولم أكتب أبدا للنيل منهم ، معاذ الله وإنما من باب " الدين النصيحة " .

محمد جلال القصاص
مساء الاثنين ‏18‏/07‏/2005
 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية